أسئلة كثيرة تُطرح حول أسباب وأهداف وظروف العملية الإرهابية التي استهدفت صحيفة "شارلي إيبدو":

أولاً: في العملية بحدّ ذاتها؛ قد يكون ضرورياً الإشارة إلى أن أول المستهدفين كان شرطياً فرنسياً، لكن حبّذا لو يعود الجميع إلى "فيديو" مقتله، حيث إن نقطة دم واحدة لم تسل من الشرطي، رغم الرصاصات العديدة التي اخترقت جسده.

ثانياً: مع انتشار خبر هذه العملية الباريسية، انتشرت بشكل واسع بواسطة مواقع الإرهابيين في سورية، وفي تل أبيب، وفي عاصمتين خليجيتين، أخبار عن موقع حصين للدولة الوطنية السورية، في منطقة جبلية وعرة غربي سورية، وعلى بعد أقل من كيلومترين من الحدود اللبنانية، بحماية مقاتلين من حزب الله، وقالت وسائل الإعلام المعادية لسورية إنه "موقع نووي سوري"، وذهبت الأمور في مجلة "دير شبيغل" الألمانية إلى قول إن الرئيس بشار الأسد يعمل سراً على بناء مجمع تحت الأرض، يمكنه تصنيع أسلحة نووية.

من الواضح هنا أن هذه المجلة لا تطلق عادة "فبركات إخبارية" إلا لغايات محددة (تذكروا موقفها وتسريباتها بشأن المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري).

وهنا يرى محللون استراتيجيون أن "دير شبيغل" تُطلق "صفارات إنذار" من أجل تدبير عملية عسكرية ما، لاستباق أي "اتفاق نووي إيراني - أميركي"، والذي يدور حديث واسع في العالم أنه قد يحصل في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر.

ثالثاً: فجأة، ومع بدء أعمال التحقيق في هذه الجريمة الإرهابية، تخرج الأنباء عن انتحار المحقق الفرنسي الخاص في قضية "شارلي إيبدو"، دون أن تقدّم أي معلومات أو تفاصيل عن ظروف وأسباب هذا الانتحار.

رابعاً: هنا تُطرح أمام كل من يتقصى ويتابع سيرة السلطات الفرنسية المتورطة في العدوان على سورية حتى النخاع، كيف ولماذا أسهمت في إنشاء شبكات الإرهاب، وفعلت عملها، ووفرت لها كل سبل الخروج والوصول إلى تركيا ومنها إلى سورية، بدءاً من الرئيس الأسبق جاك شيراك، الذي تآمر على الديغولي البارز جاك شبان دلماس عام 1974، لصالح اليمين الأميركي في فرنسا، المتمثل بفاليري جيسكار ديستان، لتبدأ مذ ذاك العودة الباريسية إلى أحضان الناتو، ولتبلغ ذروتها بعد العام 2002 مع بدء الولاية الثانية لشيراك ومن بعده نيكولا ساركوزي، ففرنسوا هولاند، حيث يعشعش الفساد والصفقات والعمولات التي ألغت الهامش الذي كان متاحاً لباريس، لتقوم بدور وساطات بين الولايات المتحدة وخصومها، فصارت ذيلاً، يجري وراء الصفقات مع دولة مثل قطر، أو صفقة سلاح مع دولة مثل السعودية.

خامساً: أثار مقتل 12 فرنسياً على أيدي الإرهابيين الذين وفّر لهم الغرب والأعراب كل وسائل الدعم والتأييد والتدريب والتسهيلات، "زعماء" العالم "الأميركيين"، بينهم بالطبع القاتل نتينياهو والقتيل محمود عباس، فانتظموا في مظاهرة باريسية رفضاً لـ"الإرهاب"، حتى أن سفير "واحة الديمقراطية العربية" علي عواض العسيري تضامن معهم في بيروت، في تجمُّع في ساحة سمير قصير، واستنكر هذا الإرهاب كما استنكرته تماماً مي شدياق، لكن أحداً لم يشر إلى ارهاب الدولة المنظّم الذي نفذته دول الغرب والأميركي الاستعماريين ضد شعوب العالم.

ولعل في سرد الأمثلة ما يكفي: فرنسا أجرت اختبارات على الآثار المدمرة لبعض العقاقير على السكان المدنيين، خصوصاً في أفريقيا، بالإضافة إلى دور الجيش الفرنسي في مجازر رواندا، التي صوّرت للعالم أنها حرب بين "التوتي" و"الهوتسي".

أميركا: هل يكفي الحديث عن إبادتها الفظيعة لسكان القارة الأصليين، دعونا نشير إلى آخر مآثر الاستراتيجيات الأميركية، حيث إن قائد أركان الجيوش الأميركية طبق استراتيجية "قتل الكلاب"، التي تقوم على قتل افراد من طائفة تشكل الأغلبية، وأفراد من الأقليات، فيقتنع الجميع بأنهم مهددون، هكذا أشعلت الحرب في يوغوسلافيا، والآن في أوكرانيا.

هل نذكّر واشنطن بقتلها نحو مليوني عراقي في غزوها لبلاد الرافدين؟

وهل نذكّر بدعمها كل أساليب التآمر والقتل والاجرام الذي توفره مع أتباعها الأعراب والأغراب والأتراك ضد سورية؟

وماذا عن نتنياهو و"إسرائيل" ومجازر الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين والعرب، وحتى ضد اليهود أنفسهم؟ فهل نذكر بجريمة فندق داود، أم بإغراق معلمة مناحيم بيغن سفينة في عرض البحر محمَّلة باليهود القادمين لاستيطان فلسطين المحتلة، وكل ذلك من أجل إثارة الشفقة على الشعب "المعذَّب"؟!

هل نذكّر بريطانيا بحروبها الوحشية؟ يكفي أن نشير إلى "حرب الأفيون" حيث فرضت بالتحالف مع أميركا وفرنسا والغرب الاستعماري على الشعب الصيني في القرن الثامن عشر تعاطي الأفيون.

بأي حال، فواشنطن كانت قد دعت في 6 شباط 2014 وزراء داخلية الولايات المتحدة، وفرنسا وبولونيا وبريطانيا وايطاليا والمانيا، لأن يجعلوا من عودة ما يسمى "الجهاديين" قضية أمن قومي، لأنه ببساطة المطلوب من هؤلاء أن يستمروا في تخريب العراق وسورية وليبيا، ومصر ولبنان، وأن يمتدوا في التخريب إلى أوسع مدى في المنطقة.. لكن "طابخ السم آكله".

بالطبع، لم ينسَ كبير دبلوماسيي الولايات المتحدة جون كيري أن يندد بالهجوم على "حرية التعبير" جراء العدوان على "شارلي إيبدو"، مع أن واشنطن درجت منذ العام 1995 على قصف وتدمير مقرات التلفزة التي كشفت كذبها وأضاليلها في يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق، ومن ثم في ليبيا.

لم يخرج مثل هذا الاستنكار حينما استهدف نفس هؤلاء الإرهابيين الممولين والمدربين خليجياً وأميركياً وغربياً، "الإخبارية السورية"، وحينما قطع الأعراب الأقمار الصناعية عن التلفزة السورية.

ونسأل أخيراً: ما هو مصير المصور الصحافي اللبناني سمير كساب؟ وماذا عن المناضل جورج ابراهيم عبدالله الذي انتهت مدة سجنه، ويبقى أسيراً بناء لطلب "اسرائيل" وواشنطن؟

  • فريق ماسة
  • 2015-01-14
  • 12589
  • من الأرشيف

عملية "شارلي إيبدو".. وتصنيع "النووي السوري"

أسئلة كثيرة تُطرح حول أسباب وأهداف وظروف العملية الإرهابية التي استهدفت صحيفة "شارلي إيبدو": أولاً: في العملية بحدّ ذاتها؛ قد يكون ضرورياً الإشارة إلى أن أول المستهدفين كان شرطياً فرنسياً، لكن حبّذا لو يعود الجميع إلى "فيديو" مقتله، حيث إن نقطة دم واحدة لم تسل من الشرطي، رغم الرصاصات العديدة التي اخترقت جسده. ثانياً: مع انتشار خبر هذه العملية الباريسية، انتشرت بشكل واسع بواسطة مواقع الإرهابيين في سورية، وفي تل أبيب، وفي عاصمتين خليجيتين، أخبار عن موقع حصين للدولة الوطنية السورية، في منطقة جبلية وعرة غربي سورية، وعلى بعد أقل من كيلومترين من الحدود اللبنانية، بحماية مقاتلين من حزب الله، وقالت وسائل الإعلام المعادية لسورية إنه "موقع نووي سوري"، وذهبت الأمور في مجلة "دير شبيغل" الألمانية إلى قول إن الرئيس بشار الأسد يعمل سراً على بناء مجمع تحت الأرض، يمكنه تصنيع أسلحة نووية. من الواضح هنا أن هذه المجلة لا تطلق عادة "فبركات إخبارية" إلا لغايات محددة (تذكروا موقفها وتسريباتها بشأن المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري). وهنا يرى محللون استراتيجيون أن "دير شبيغل" تُطلق "صفارات إنذار" من أجل تدبير عملية عسكرية ما، لاستباق أي "اتفاق نووي إيراني - أميركي"، والذي يدور حديث واسع في العالم أنه قد يحصل في غضون ثلاثة أو أربعة أشهر. ثالثاً: فجأة، ومع بدء أعمال التحقيق في هذه الجريمة الإرهابية، تخرج الأنباء عن انتحار المحقق الفرنسي الخاص في قضية "شارلي إيبدو"، دون أن تقدّم أي معلومات أو تفاصيل عن ظروف وأسباب هذا الانتحار. رابعاً: هنا تُطرح أمام كل من يتقصى ويتابع سيرة السلطات الفرنسية المتورطة في العدوان على سورية حتى النخاع، كيف ولماذا أسهمت في إنشاء شبكات الإرهاب، وفعلت عملها، ووفرت لها كل سبل الخروج والوصول إلى تركيا ومنها إلى سورية، بدءاً من الرئيس الأسبق جاك شيراك، الذي تآمر على الديغولي البارز جاك شبان دلماس عام 1974، لصالح اليمين الأميركي في فرنسا، المتمثل بفاليري جيسكار ديستان، لتبدأ مذ ذاك العودة الباريسية إلى أحضان الناتو، ولتبلغ ذروتها بعد العام 2002 مع بدء الولاية الثانية لشيراك ومن بعده نيكولا ساركوزي، ففرنسوا هولاند، حيث يعشعش الفساد والصفقات والعمولات التي ألغت الهامش الذي كان متاحاً لباريس، لتقوم بدور وساطات بين الولايات المتحدة وخصومها، فصارت ذيلاً، يجري وراء الصفقات مع دولة مثل قطر، أو صفقة سلاح مع دولة مثل السعودية. خامساً: أثار مقتل 12 فرنسياً على أيدي الإرهابيين الذين وفّر لهم الغرب والأعراب كل وسائل الدعم والتأييد والتدريب والتسهيلات، "زعماء" العالم "الأميركيين"، بينهم بالطبع القاتل نتينياهو والقتيل محمود عباس، فانتظموا في مظاهرة باريسية رفضاً لـ"الإرهاب"، حتى أن سفير "واحة الديمقراطية العربية" علي عواض العسيري تضامن معهم في بيروت، في تجمُّع في ساحة سمير قصير، واستنكر هذا الإرهاب كما استنكرته تماماً مي شدياق، لكن أحداً لم يشر إلى ارهاب الدولة المنظّم الذي نفذته دول الغرب والأميركي الاستعماريين ضد شعوب العالم. ولعل في سرد الأمثلة ما يكفي: فرنسا أجرت اختبارات على الآثار المدمرة لبعض العقاقير على السكان المدنيين، خصوصاً في أفريقيا، بالإضافة إلى دور الجيش الفرنسي في مجازر رواندا، التي صوّرت للعالم أنها حرب بين "التوتي" و"الهوتسي". أميركا: هل يكفي الحديث عن إبادتها الفظيعة لسكان القارة الأصليين، دعونا نشير إلى آخر مآثر الاستراتيجيات الأميركية، حيث إن قائد أركان الجيوش الأميركية طبق استراتيجية "قتل الكلاب"، التي تقوم على قتل افراد من طائفة تشكل الأغلبية، وأفراد من الأقليات، فيقتنع الجميع بأنهم مهددون، هكذا أشعلت الحرب في يوغوسلافيا، والآن في أوكرانيا. هل نذكّر واشنطن بقتلها نحو مليوني عراقي في غزوها لبلاد الرافدين؟ وهل نذكّر بدعمها كل أساليب التآمر والقتل والاجرام الذي توفره مع أتباعها الأعراب والأغراب والأتراك ضد سورية؟ وماذا عن نتنياهو و"إسرائيل" ومجازر الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين والعرب، وحتى ضد اليهود أنفسهم؟ فهل نذكر بجريمة فندق داود، أم بإغراق معلمة مناحيم بيغن سفينة في عرض البحر محمَّلة باليهود القادمين لاستيطان فلسطين المحتلة، وكل ذلك من أجل إثارة الشفقة على الشعب "المعذَّب"؟! هل نذكّر بريطانيا بحروبها الوحشية؟ يكفي أن نشير إلى "حرب الأفيون" حيث فرضت بالتحالف مع أميركا وفرنسا والغرب الاستعماري على الشعب الصيني في القرن الثامن عشر تعاطي الأفيون. بأي حال، فواشنطن كانت قد دعت في 6 شباط 2014 وزراء داخلية الولايات المتحدة، وفرنسا وبولونيا وبريطانيا وايطاليا والمانيا، لأن يجعلوا من عودة ما يسمى "الجهاديين" قضية أمن قومي، لأنه ببساطة المطلوب من هؤلاء أن يستمروا في تخريب العراق وسورية وليبيا، ومصر ولبنان، وأن يمتدوا في التخريب إلى أوسع مدى في المنطقة.. لكن "طابخ السم آكله". بالطبع، لم ينسَ كبير دبلوماسيي الولايات المتحدة جون كيري أن يندد بالهجوم على "حرية التعبير" جراء العدوان على "شارلي إيبدو"، مع أن واشنطن درجت منذ العام 1995 على قصف وتدمير مقرات التلفزة التي كشفت كذبها وأضاليلها في يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق، ومن ثم في ليبيا. لم يخرج مثل هذا الاستنكار حينما استهدف نفس هؤلاء الإرهابيين الممولين والمدربين خليجياً وأميركياً وغربياً، "الإخبارية السورية"، وحينما قطع الأعراب الأقمار الصناعية عن التلفزة السورية. ونسأل أخيراً: ما هو مصير المصور الصحافي اللبناني سمير كساب؟ وماذا عن المناضل جورج ابراهيم عبدالله الذي انتهت مدة سجنه، ويبقى أسيراً بناء لطلب "اسرائيل" وواشنطن؟

المصدر : - الثبات - أحمد زين الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة