فوق الأبعاد اللوجستية للحرب على الإرهاب، والترتيبات التي يستدعيها في جاهزية الأجهزة الأمنية وإجراءات التدقيق والمتابعة والأمان،

وما ستسبّبه من إرباك للكثير من أنشطة الحياة الطبيعية للمواطنين في بلاد الغرب وتغيير في نمط الحياة السهلة التي اعتادوا عليها وشكلت واحدة من مباهج حياتهم وفرحهم فيها وحجم المنغّصات التي ستجلبها الإجراءات المتداولة بين الحكومات الغربية، وفوق النقاش الذي فتحته عملية باريس بين نخب الغرب في مراكز صناعة القرار حول كيفية الجمع المستحيلة بين الحرب على الإرهاب والعناد في مواصلة العداء لسورية والحرب عليها، فتحت الحرب جروح المجتمعات الغربية على كلّ الذاكرة العنصرية المختزنة والجاهزة للاستنفار، حيث بدا من النموذج الفرنسي أنّ حال العداء للإسلام والمسلمين تجتاح المجتمع، وأنّ الأحياء التي يسكنها الفرنسيون من أصول إسلامية، خصوصاً من بلاد المغرب العربي والتي لم تلتئم جروحها بعد من أيام حروب الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، تتحوّل إلى خط تماس أقرب إلى جبهات الحرب، وأنّ اليمين المتطرف الذي يدعو إلى تطهير عرقي ونقاء ديني وإعادة تدقيق في هويات حاملي الجنسية الفرنسية، يكسب أصوات الناخبين في أول استطلاعات الرأي بعد عملية باريس، وتعلو صيحات الحرب العنصرية ضدّ المهاجرين والعرب والمسلمين.

هذا التحوّل الخطير، يهدّد بتقديم بيئة اجتماعية حاضنة للتنظيمات الإرهابية بتقديمها كمدافع عن هذه التجمّعات التي تشعر أنها مستهدفة، وتفتقد الشعور بالمواطنة وحماية القانون.

بالتزامن مع هذا البعد الذي لا يبدو أن الإليزيه يضع في حسابه كيفية التعامل معه مثله مثل الكثير من حكام الغرب، يستمرّ الموقف الفرنسي والغربي عموماً بحالة العداء والتحريض ضدّ سورية، حيث يقدم للإرهاب مجاناً السلاح والمال والتغطية المعنوية والأخلاقية، بتقديم حرب الإرهابيين على سورية كحرب ثوار وحرية، وفقاً للوصف التقليدي لوزير خارجية فرنسا لوران فابيوس.

سورية لا تنتظر اعترافاً بصوابية رؤيتها وصحة تحذيراتها، ولا ترهن مستقبل حربها مع الإرهاب بما سيترتّب من مواقف لدى الذين تورّطوا ولا زالوا في الحرب عليها ولعبوا دوراً خبيثاً في توريد هذا الإرهاب واستقدامه إليها، بقدر خشيتها من أن تؤدي السياسات الغبية والمتعجرفة مرة أخرى إلى تنامي قدرات الإرهابيين، سواء على استثمار العداء لسورية سلاحاً ومالاً ومزيداً من التغطية لحربهم، أو بالقدرة على توظيف مناخات الحقد العنصري التي تجتاح عواصم الغرب ولا تلقى تعاملاً جدياً مسؤولاً من حكامه، ليتسنّى للإرهابيين العبث بالنسيج الاجتماعي للمهاجرين والمتحدّرين من أصول إسلامية وتجنيد المزيد منهم في التشكيلات التنظيمية للجماعات الإرهابية.

تواصل سورية حربها ولا تنتظر، وحسمت أمس عبر جبهة نبل والزهراء مستقبل معركة حلب، من الجهة الشمالية الغربية، حيث جرى تدمير بنية هجوم كبير شنّته جبهة «النصرة» ومساندوها من تشكيلات أخرى، وكانت الحصيلة عشر آليات مدرّعة وناقلة جند دمّرها المدافعون عن نبل والزهراء أو استولوا عليها، إضافة إلى عشرات الجثث التي بقيت في أرض المعركة.

كما واصلت سورية المتابعة السياسية والديبلوماسية لعاصفة تأشيرة الدخول التي جرى الترويج لفرضها على السوريين الداخلين إلى لبنان خلافاً لكلّ قواعد العلاقات بين البلدين وأصولها القانونية والديبلوماسية والأخوية، وكانت زيارة السفير السوري علي عبد الكريم علي إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري وتصريحه بعد اللقاء في هذا الإطار، وبدا أنّ العاصفة تنجلي وتتجه إلى الهدوء بعدما تنحّى مطلقوها جانباً، وتركوا المجال للمعالجات الهادئة للملمة الآثار التخريبية لما فعلوه، فأوساط الرئيس بري تشدّد أن لا فيزا ولا يمكن القبول بفرضها ولا يمكن بلا مجلس وزراء وربما قانون من مجلس النواب فرضها، وفقاً لمنطق وجود معاهدات مصادق عليها من المجلس النيابي تحدّد أصول تنظيم العلاقات الثنائية بين البلدين ويستحيل تعديلها بقرار من وزير مهما علا شأنه وصوته وخياره السياسي. وتؤكد مصادر سياسية مطلعة أنّ هناك ترتيبات وتوضيحات ستظهر خلال الأيام القليلة المقبلة تؤكد أنّ المبالغة التي ربما أرادها البعض لكسب سياسي محلي ألحقت الأذى بلبنان وسمعته حتى في الغرب، عدا عن التشويش على علاقة حساسة كالعلاقة بين لبنان وسورية، وفي المقابل لم تحقق شيئاً للذين أطلقوها، وأنّ الأمر لا يمكن أن يتخطى حدود التدقيق والتوثيق، وفقاً لاستبيانات الأمن العام اللبناني بالنسبة للرعايا السوريين الوافدين إلى لبنان، بينما أكدت مصادر أمنية ذات صلة بالملف لـ»البناء» أن لا شيء في تعليمات الأمن العام اللبناني اسمه دخول السوريين إلى لبنان بموجب سمة أو تأشيرة دخول، وأنّ الأوراق الرسمية المستندة إلى الأصول القانونية هي التي تحكم إجراءات الأمن العام على المعابر الحدودية، وهذه لا مكان فيها لتأشيرة دخول بالنسبة للسوريين، لأنّ الإجراءات التي يعتمدها الأمن العام يجب أن تطابق الإطار القانوني الناظم لحالة العبور الخاصة برعايا كلّ دولة وفقاً للتوصيف القانوني النافذ والذي لا يقبل الاجتهاد.

  • فريق ماسة
  • 2015-01-09
  • 6663
  • من الأرشيف

هجوم باريس يفتح جروح الغرب العنصرية..نبل والزهراء تحسمان مصير معركة حلب

فوق الأبعاد اللوجستية للحرب على الإرهاب، والترتيبات التي يستدعيها في جاهزية الأجهزة الأمنية وإجراءات التدقيق والمتابعة والأمان، وما ستسبّبه من إرباك للكثير من أنشطة الحياة الطبيعية للمواطنين في بلاد الغرب وتغيير في نمط الحياة السهلة التي اعتادوا عليها وشكلت واحدة من مباهج حياتهم وفرحهم فيها وحجم المنغّصات التي ستجلبها الإجراءات المتداولة بين الحكومات الغربية، وفوق النقاش الذي فتحته عملية باريس بين نخب الغرب في مراكز صناعة القرار حول كيفية الجمع المستحيلة بين الحرب على الإرهاب والعناد في مواصلة العداء لسورية والحرب عليها، فتحت الحرب جروح المجتمعات الغربية على كلّ الذاكرة العنصرية المختزنة والجاهزة للاستنفار، حيث بدا من النموذج الفرنسي أنّ حال العداء للإسلام والمسلمين تجتاح المجتمع، وأنّ الأحياء التي يسكنها الفرنسيون من أصول إسلامية، خصوصاً من بلاد المغرب العربي والتي لم تلتئم جروحها بعد من أيام حروب الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، تتحوّل إلى خط تماس أقرب إلى جبهات الحرب، وأنّ اليمين المتطرف الذي يدعو إلى تطهير عرقي ونقاء ديني وإعادة تدقيق في هويات حاملي الجنسية الفرنسية، يكسب أصوات الناخبين في أول استطلاعات الرأي بعد عملية باريس، وتعلو صيحات الحرب العنصرية ضدّ المهاجرين والعرب والمسلمين. هذا التحوّل الخطير، يهدّد بتقديم بيئة اجتماعية حاضنة للتنظيمات الإرهابية بتقديمها كمدافع عن هذه التجمّعات التي تشعر أنها مستهدفة، وتفتقد الشعور بالمواطنة وحماية القانون. بالتزامن مع هذا البعد الذي لا يبدو أن الإليزيه يضع في حسابه كيفية التعامل معه مثله مثل الكثير من حكام الغرب، يستمرّ الموقف الفرنسي والغربي عموماً بحالة العداء والتحريض ضدّ سورية، حيث يقدم للإرهاب مجاناً السلاح والمال والتغطية المعنوية والأخلاقية، بتقديم حرب الإرهابيين على سورية كحرب ثوار وحرية، وفقاً للوصف التقليدي لوزير خارجية فرنسا لوران فابيوس. سورية لا تنتظر اعترافاً بصوابية رؤيتها وصحة تحذيراتها، ولا ترهن مستقبل حربها مع الإرهاب بما سيترتّب من مواقف لدى الذين تورّطوا ولا زالوا في الحرب عليها ولعبوا دوراً خبيثاً في توريد هذا الإرهاب واستقدامه إليها، بقدر خشيتها من أن تؤدي السياسات الغبية والمتعجرفة مرة أخرى إلى تنامي قدرات الإرهابيين، سواء على استثمار العداء لسورية سلاحاً ومالاً ومزيداً من التغطية لحربهم، أو بالقدرة على توظيف مناخات الحقد العنصري التي تجتاح عواصم الغرب ولا تلقى تعاملاً جدياً مسؤولاً من حكامه، ليتسنّى للإرهابيين العبث بالنسيج الاجتماعي للمهاجرين والمتحدّرين من أصول إسلامية وتجنيد المزيد منهم في التشكيلات التنظيمية للجماعات الإرهابية. تواصل سورية حربها ولا تنتظر، وحسمت أمس عبر جبهة نبل والزهراء مستقبل معركة حلب، من الجهة الشمالية الغربية، حيث جرى تدمير بنية هجوم كبير شنّته جبهة «النصرة» ومساندوها من تشكيلات أخرى، وكانت الحصيلة عشر آليات مدرّعة وناقلة جند دمّرها المدافعون عن نبل والزهراء أو استولوا عليها، إضافة إلى عشرات الجثث التي بقيت في أرض المعركة. كما واصلت سورية المتابعة السياسية والديبلوماسية لعاصفة تأشيرة الدخول التي جرى الترويج لفرضها على السوريين الداخلين إلى لبنان خلافاً لكلّ قواعد العلاقات بين البلدين وأصولها القانونية والديبلوماسية والأخوية، وكانت زيارة السفير السوري علي عبد الكريم علي إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري وتصريحه بعد اللقاء في هذا الإطار، وبدا أنّ العاصفة تنجلي وتتجه إلى الهدوء بعدما تنحّى مطلقوها جانباً، وتركوا المجال للمعالجات الهادئة للملمة الآثار التخريبية لما فعلوه، فأوساط الرئيس بري تشدّد أن لا فيزا ولا يمكن القبول بفرضها ولا يمكن بلا مجلس وزراء وربما قانون من مجلس النواب فرضها، وفقاً لمنطق وجود معاهدات مصادق عليها من المجلس النيابي تحدّد أصول تنظيم العلاقات الثنائية بين البلدين ويستحيل تعديلها بقرار من وزير مهما علا شأنه وصوته وخياره السياسي. وتؤكد مصادر سياسية مطلعة أنّ هناك ترتيبات وتوضيحات ستظهر خلال الأيام القليلة المقبلة تؤكد أنّ المبالغة التي ربما أرادها البعض لكسب سياسي محلي ألحقت الأذى بلبنان وسمعته حتى في الغرب، عدا عن التشويش على علاقة حساسة كالعلاقة بين لبنان وسورية، وفي المقابل لم تحقق شيئاً للذين أطلقوها، وأنّ الأمر لا يمكن أن يتخطى حدود التدقيق والتوثيق، وفقاً لاستبيانات الأمن العام اللبناني بالنسبة للرعايا السوريين الوافدين إلى لبنان، بينما أكدت مصادر أمنية ذات صلة بالملف لـ»البناء» أن لا شيء في تعليمات الأمن العام اللبناني اسمه دخول السوريين إلى لبنان بموجب سمة أو تأشيرة دخول، وأنّ الأوراق الرسمية المستندة إلى الأصول القانونية هي التي تحكم إجراءات الأمن العام على المعابر الحدودية، وهذه لا مكان فيها لتأشيرة دخول بالنسبة للسوريين، لأنّ الإجراءات التي يعتمدها الأمن العام يجب أن تطابق الإطار القانوني الناظم لحالة العبور الخاصة برعايا كلّ دولة وفقاً للتوصيف القانوني النافذ والذي لا يقبل الاجتهاد.

المصدر : البناء


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة