تكسر الإجراءات الجديدة بفرض تأشيرة دخول على السوريين الاتفاقات الموقعة بين لبنان وسوريا منذ الاستقلال. والأهم، أنها تناقض العلاقة بين الشعبين اللبناني والسوري. صحيح أن لبنان استقبل أكبر عدد من النازحين السوريين (في العالم نسبة إلى عدد سكانه)، إلا أن سوريا لم تسأل يوماً عن عدد اللبنانيين الذين استقبلتهم في أوقات المحنة لم تصل نقطة المصنع الحدودية بين لبنان وسوريا، منذ عقود، إلى الحالة التي بدت عليها أمس. حتى في أوج الافتراق اللبناني الرسمي مع سوريا بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومثله منذ بداية الأزمة السورية، بقيت الحياة تعجّ على نقطة العبور بين دمشق وبيروت. غير أن اليوم الأول لبدء تطبيق الأمن العام اللبناني للإجراءات الجديدة الناظمة لدخول السوريين، حوّل المصنع إلى ساحة مهجورة وحركة عبور شبه ميتة، تخلو من طوابير المنتظرين. وبذلك تكون الإجراءات الجديدة قد أدت غرضها عند من اتخذ قرار تنفيذها. يقول الرسميون إنّ «من حقّ لبنان الدولة أن ينظّم دخول النازحين إليه وأن يوقف استقبالهم». ومن حقّه أيضاً «العمل على إعادة النازحين إلى المناطق التي استقرت فيها الأوضاع الأمنية، حتى لا يبقى هذا الملفّ قنبلة موقوتة تهدّد أمن البلدين».

 لكن ما لا شكّ فيه أن الإجراء الجديد بإجبار السوريين على الحصول على تأشيرة دخول (فيزا)، يناقض تاريخ العلاقة بين الشعبين، والاتفاقات الموقّعة بين البلدين، والإجراءات المتبعة لتنظيم دخول الأفراد منذ قيام الدولتين. وهذا الأمر، تؤكّده نصوص المعاهدات، ويشير إليه السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، في اتصال مع «الأخبار»، ورئيس المجلس الأعلى اللبناني ـــ السوري نصري خوري. لكنّ البحث في خرق الاتفاقات لا يبدأ من الإجراءات الحدودية الجديدة، بل يصل إلى الأيام الأولى من بدء الأزمة السورية، حين لم يوفّر فريق 14 آذار وداعموه الإقليميون، وعلى مدى السنوات الأربع الماضية حتى إلى ما قبل أشهر قليلة، وسيلة إلا ولجأ إليها لحثّ السوريين على النزوح، وذلك على اعتبار أن ملفّ النزوح يصلح كإحدى أوراق الضغط ضد «النظام الذي سيسقط سريعاً، وعلى حليفه حزب الله». هذا فضلاً عن تقديم الدعم لعناصر المعارضة، الذين يشكّلون اليوم عماد التنظيمات الإرهابية التي تتهدّد لبنان. هي إذاً استفاقة متأخرة، تمخّضت فأنتجت «خطأً مميتاً»، كما يصفه المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد.درباس: وضع خانة سبب الدخول على قسيمة الدخول فكرتي

 العودة إلى أصل الإجراءات التي يتخذها الأمن العام يوصل إلى مجلس الوزراء، الذي اتخذ قراراً في جلسة عادية خلال الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول الماضي، بوقف استقبال النازحين. مرّ القرار في الجلسة من دون تحديد آليات تنفيذه بموافقة جميع الوزراء ومن ضمنهم وزراء 8 آذار.

لا يُنكر وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، أن وضع خانة سبب الدخول على قسيمة الدخول هي فكرته: «كل سوري غير نازح مرحّب به في لبنان، لكن ليس هناك من وسيلة أخرى لمعرفة وجهة الداخلين سوى تحديد هذا الأمر مسبقاً عبر الأوراق، أي ما يشبه تأشيرة الدخول»، يقول لـ«الأخبار». ويؤكّد أن «الحكومة لم تتدخّل في آليات تطبيق قرار منع النازحين»، و«الإجراءات هي إجراءات تابعة لوزارة الداخلية، وينفّذها جهاز الأمن العام غير المتهم بأنه معادٍ لسوريا، واللواء عباس إبراهيم معروفٌ عنه علاقاته الجيّدة بالجميع، لذلك فالقرار هو تنظيميّ لأن لبنان لم يعد يحتمل». ويقول درباس إن «الأردن لا يتعامل بالهويات أو الباسبورات مع السوريين، بل عبر شبكة العين، وكل عين (نازح) تدخل سوريا، لا يمكنها العودة إلى الأردن، والسوريون في تركيا يقبعون في مخيمات أشبه بمعسكرات الاعتقال، بينما في لبنان يعملون بكلّ حرية، ونسبة النازحين في لبنان هي الأعلى في العالم». ويضيف: «إذا تركنا الباب مفتوحاً سيأتي نازحون من القامشلي ودرعا وحلب، لأن الدول القريبة أغلقت حدودها، ولبنان لا يحتمل أبداً».

هل نسّقت الحكومة أو الأمن العام مع سوريا؟ يجيب درباس: «اللواء إبراهيم نسّق مع نصري خوري».

بالنسبة إلى سوريا، «القرار غير مقبول إطلاقاً» يقول علي. ويؤكّد «استعداد سوريا الدائم للتعاون مع لبنان لمعالجة أزمة النازحين، لكن القرارات تناقض الاتفاقات الموّقعة بين البلدين، وأي تغيير بالاتفاقيات يتطلّب حواراً بين الدولتين». ويشير إلى أن «أي تنظيم للدخول هو أفضل من الإذلال والإهانات التي يتعرّض لها السوريون على الحدود، لكن مسألة تأشيرة الدخول هي أمر غريب»، مؤكّداً أن «سوريا لم تتبلّغ بالقرار ولم يناقشه معنا أحد».

هل ستعامل سوريا اللبنانيين بالمثل؟ يقول السفير إن «سوريا لا تحبّذ التصعيد، ولا مصلحة به في العلاقات بين البلدين الشقيقين، وسوريا إذا تحرّكت وأغلقت الحدود أمام الشاحنات سيتضرّر لبنان أكثر مما تتضرّر سوريا، لكن سنرى كيف ستتجه الأمور».

من جهته، ينفي خوري لـ«الأخبار» أن يكون قد تبلّغ من إبراهيم بالقرار مسبقاً أو جرى التنسيق مع الدولة السورية. «علمت بالقرار من وسائل الإعلام، ثمّ طلبت من اللواء إبراهيم تزويدي بنسخة عنه، ووصلني كنسخة عادية وليس ككتاب رسمي وقمت بإرساله أمس إلى دائرة الهجرة والجوازات في سوريا»، يقول. ويؤكّد أن «أي تغيير بالاتفاقات بين البلدين يحتاج إلى حوار بين الحكومتين أو على الأقل التنسيق، وهذا ما لم يحصل».

ويشير اللواء السيّد إلى أن «القرار لا يأخذ مصالح اللبنانيين في الاعتبار، ويكسر قاعدة التعامل بالمثل، وينمّ عن عنصرية وعدم احترام لياقات الجوار». ويضيف أن «هذا القرار غير قابل للتطبيق وغير عملي، لأنه يترك لعناصر الحدود تحديد من تطبّق عليه شروط السماح بالدخول، ويحوّل المراكز الحدودية إلى مراكز تحقيق وغربلة ويرمي أعباءً استثنائية عليها». ولا ينسى السيد أن يسأل وزراء 8 آذار «كيف مرّ هذا الأمر في الحكومة؟».

وعلى الرغم من أنه لم يصدر أي موقف رسمي عن قوى 8 آذار أو ممثليها في الحكومة، إلّا أن مصادر معنية أكدت لـ«الأخبار» أن «وزراء في 8 آذار يعملون على دراسة الإجراءات الجديدة وتغيير اتفاقية دولية، للتأكد مما إذا كان هذا الإجراء يحتاج موافقة الحكومة أو ربما مجلس النواب».

  • فريق ماسة
  • 2015-01-05
  • 8058
  • من الأرشيف

«الفيزا» للسوريين: بيروت تحتال على دمشق

تكسر الإجراءات الجديدة بفرض تأشيرة دخول على السوريين الاتفاقات الموقعة بين لبنان وسوريا منذ الاستقلال. والأهم، أنها تناقض العلاقة بين الشعبين اللبناني والسوري. صحيح أن لبنان استقبل أكبر عدد من النازحين السوريين (في العالم نسبة إلى عدد سكانه)، إلا أن سوريا لم تسأل يوماً عن عدد اللبنانيين الذين استقبلتهم في أوقات المحنة لم تصل نقطة المصنع الحدودية بين لبنان وسوريا، منذ عقود، إلى الحالة التي بدت عليها أمس. حتى في أوج الافتراق اللبناني الرسمي مع سوريا بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومثله منذ بداية الأزمة السورية، بقيت الحياة تعجّ على نقطة العبور بين دمشق وبيروت. غير أن اليوم الأول لبدء تطبيق الأمن العام اللبناني للإجراءات الجديدة الناظمة لدخول السوريين، حوّل المصنع إلى ساحة مهجورة وحركة عبور شبه ميتة، تخلو من طوابير المنتظرين. وبذلك تكون الإجراءات الجديدة قد أدت غرضها عند من اتخذ قرار تنفيذها. يقول الرسميون إنّ «من حقّ لبنان الدولة أن ينظّم دخول النازحين إليه وأن يوقف استقبالهم». ومن حقّه أيضاً «العمل على إعادة النازحين إلى المناطق التي استقرت فيها الأوضاع الأمنية، حتى لا يبقى هذا الملفّ قنبلة موقوتة تهدّد أمن البلدين».  لكن ما لا شكّ فيه أن الإجراء الجديد بإجبار السوريين على الحصول على تأشيرة دخول (فيزا)، يناقض تاريخ العلاقة بين الشعبين، والاتفاقات الموقّعة بين البلدين، والإجراءات المتبعة لتنظيم دخول الأفراد منذ قيام الدولتين. وهذا الأمر، تؤكّده نصوص المعاهدات، ويشير إليه السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، في اتصال مع «الأخبار»، ورئيس المجلس الأعلى اللبناني ـــ السوري نصري خوري. لكنّ البحث في خرق الاتفاقات لا يبدأ من الإجراءات الحدودية الجديدة، بل يصل إلى الأيام الأولى من بدء الأزمة السورية، حين لم يوفّر فريق 14 آذار وداعموه الإقليميون، وعلى مدى السنوات الأربع الماضية حتى إلى ما قبل أشهر قليلة، وسيلة إلا ولجأ إليها لحثّ السوريين على النزوح، وذلك على اعتبار أن ملفّ النزوح يصلح كإحدى أوراق الضغط ضد «النظام الذي سيسقط سريعاً، وعلى حليفه حزب الله». هذا فضلاً عن تقديم الدعم لعناصر المعارضة، الذين يشكّلون اليوم عماد التنظيمات الإرهابية التي تتهدّد لبنان. هي إذاً استفاقة متأخرة، تمخّضت فأنتجت «خطأً مميتاً»، كما يصفه المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد.درباس: وضع خانة سبب الدخول على قسيمة الدخول فكرتي  العودة إلى أصل الإجراءات التي يتخذها الأمن العام يوصل إلى مجلس الوزراء، الذي اتخذ قراراً في جلسة عادية خلال الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول الماضي، بوقف استقبال النازحين. مرّ القرار في الجلسة من دون تحديد آليات تنفيذه بموافقة جميع الوزراء ومن ضمنهم وزراء 8 آذار. لا يُنكر وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس، أن وضع خانة سبب الدخول على قسيمة الدخول هي فكرته: «كل سوري غير نازح مرحّب به في لبنان، لكن ليس هناك من وسيلة أخرى لمعرفة وجهة الداخلين سوى تحديد هذا الأمر مسبقاً عبر الأوراق، أي ما يشبه تأشيرة الدخول»، يقول لـ«الأخبار». ويؤكّد أن «الحكومة لم تتدخّل في آليات تطبيق قرار منع النازحين»، و«الإجراءات هي إجراءات تابعة لوزارة الداخلية، وينفّذها جهاز الأمن العام غير المتهم بأنه معادٍ لسوريا، واللواء عباس إبراهيم معروفٌ عنه علاقاته الجيّدة بالجميع، لذلك فالقرار هو تنظيميّ لأن لبنان لم يعد يحتمل». ويقول درباس إن «الأردن لا يتعامل بالهويات أو الباسبورات مع السوريين، بل عبر شبكة العين، وكل عين (نازح) تدخل سوريا، لا يمكنها العودة إلى الأردن، والسوريون في تركيا يقبعون في مخيمات أشبه بمعسكرات الاعتقال، بينما في لبنان يعملون بكلّ حرية، ونسبة النازحين في لبنان هي الأعلى في العالم». ويضيف: «إذا تركنا الباب مفتوحاً سيأتي نازحون من القامشلي ودرعا وحلب، لأن الدول القريبة أغلقت حدودها، ولبنان لا يحتمل أبداً». هل نسّقت الحكومة أو الأمن العام مع سوريا؟ يجيب درباس: «اللواء إبراهيم نسّق مع نصري خوري». بالنسبة إلى سوريا، «القرار غير مقبول إطلاقاً» يقول علي. ويؤكّد «استعداد سوريا الدائم للتعاون مع لبنان لمعالجة أزمة النازحين، لكن القرارات تناقض الاتفاقات الموّقعة بين البلدين، وأي تغيير بالاتفاقيات يتطلّب حواراً بين الدولتين». ويشير إلى أن «أي تنظيم للدخول هو أفضل من الإذلال والإهانات التي يتعرّض لها السوريون على الحدود، لكن مسألة تأشيرة الدخول هي أمر غريب»، مؤكّداً أن «سوريا لم تتبلّغ بالقرار ولم يناقشه معنا أحد». هل ستعامل سوريا اللبنانيين بالمثل؟ يقول السفير إن «سوريا لا تحبّذ التصعيد، ولا مصلحة به في العلاقات بين البلدين الشقيقين، وسوريا إذا تحرّكت وأغلقت الحدود أمام الشاحنات سيتضرّر لبنان أكثر مما تتضرّر سوريا، لكن سنرى كيف ستتجه الأمور». من جهته، ينفي خوري لـ«الأخبار» أن يكون قد تبلّغ من إبراهيم بالقرار مسبقاً أو جرى التنسيق مع الدولة السورية. «علمت بالقرار من وسائل الإعلام، ثمّ طلبت من اللواء إبراهيم تزويدي بنسخة عنه، ووصلني كنسخة عادية وليس ككتاب رسمي وقمت بإرساله أمس إلى دائرة الهجرة والجوازات في سوريا»، يقول. ويؤكّد أن «أي تغيير بالاتفاقات بين البلدين يحتاج إلى حوار بين الحكومتين أو على الأقل التنسيق، وهذا ما لم يحصل». ويشير اللواء السيّد إلى أن «القرار لا يأخذ مصالح اللبنانيين في الاعتبار، ويكسر قاعدة التعامل بالمثل، وينمّ عن عنصرية وعدم احترام لياقات الجوار». ويضيف أن «هذا القرار غير قابل للتطبيق وغير عملي، لأنه يترك لعناصر الحدود تحديد من تطبّق عليه شروط السماح بالدخول، ويحوّل المراكز الحدودية إلى مراكز تحقيق وغربلة ويرمي أعباءً استثنائية عليها». ولا ينسى السيد أن يسأل وزراء 8 آذار «كيف مرّ هذا الأمر في الحكومة؟». وعلى الرغم من أنه لم يصدر أي موقف رسمي عن قوى 8 آذار أو ممثليها في الحكومة، إلّا أن مصادر معنية أكدت لـ«الأخبار» أن «وزراء في 8 آذار يعملون على دراسة الإجراءات الجديدة وتغيير اتفاقية دولية، للتأكد مما إذا كان هذا الإجراء يحتاج موافقة الحكومة أو ربما مجلس النواب».

المصدر : الماسة السورية/ فراس الشوفي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة