دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
دخل قتال أمراء الحرب في سوريا فصلاً اخر من الاحتراب الدموي والصراع على النفوذ من أقصى الشمال السوري الى اقصى الجنوب.
التطور الابرز حملته الساعات الاخيرة بعد إعلان مسلحي زهران علوش متزعم ما يُسمى "جيش الاسلام" تطهير مدينة دوما كبرى معاقل مسلحي غوطة دمشق الشرقية "من المفسدين في الارض" في إشارة الى ما يُسمى "جيش الامة" بقيادة ابو صبحي طه..
جذور الصراع
إعلان علوش السيطرة على مراكز "جيش الامة" وتضارب الانباء حول مصير زعيمه "أبو صبحي طه" يأتي تتويجاً لحملة تصفيات وإعدامات إنخرطت فيها مختلف الفصائل المسلحة ، وهي إستعرت في الربيع الماضي وتحديداً مع إغتيال المدعو عدنان خبيه متزعم ما يُسمى "سرية القيادة في لواء شهداء دوما" . يومها تناولنا الموضوع في مقال (لعنة المليحة تطيح بأهم قادة مسلحي دوما) ، وقلنا فيه ان دوما تعيش على فوهة بركان بفعل بين التناحر بين الفصائل وتعدد الرؤى والممولين الاجانب الذين تختلف أجنداتهم على الارض السورية.
بعدها بفترة وجيزة إنفجر (صراع مسلح) بين جبهتين الاولى يتزعمها زهران علوش المنضوي تحت "القيادة الموحدة في الغوطة الشرقية" والثانية ترأسها أبو صبحي طه تحت عنوان "لواء الامة".
إشتباكات انتشرت على رقعة واسعة من الغوطة حيث يخاف علوش -الذي يحظى بدعم امراء سعوديين- من نفوذ "لواء الامة" ، ولجأ الطرفان الى الزج بكل اسلحتهم في المعركة من إغتيالات وإعتقالات واتهامات متبادلة بالخيانة والمتاجرة بدماء "الشهداء" إضافة الى تقاذف المسؤولية حول احتكار المواد الغذائية لصالح جيوب المنتفعين...الخ.
مع تصاعد وتيرة المواجهات كثّف مسلحو زهران علوش من تصفية متزعمي "لواء الامة" وصولاً الى اعتقال وربما اعدام ابو صبحي طه ، الذي يبدو انه شكل هاجساً يُؤرق نفوذ مسلحي علوش الذين يريدون احتكار السيطرة على المناطق التي تتواجد فيها الجماعات المسلحة في الغوطة، وهو ما يُستدل من علوش نفسه حين قال في الخريف المنصرم إنه "لن يسمح بأن يكون هناك رأسان لجسد واحد" وذلك في معرض تعليقه على اعلان "لواء الامة" الذي ضم 10 جماعات مسلحة.
الامور مرشحة الى المزيد من التصعيد بعدما نُشر بيان لـ"الجبهة الجنوبية" في الجيش الحر أُعلن خلاله الحرب على "جيش الإسلام" (عقاباً على فعلته) ضد "جيش الأمة" ، في وقت نفت فيه ثلاث جماعات منضوية تحت "القيادة الموحدة في الغوطة التي تضم جيش الاسلام" وهي الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، وحركة أحرار الشام، وفيلق الرحمن، نفت المشاركة في المعارك ضد "جيش الامة".
مستقبل الصراع
سبب آخر ربما سرّع في قرار علوش تصفية خصومه في دوما ، وهو تنامي نفوذ داعش والنصرة على حساب غيرهما من الفصائل ، خاصة وان مسلحي علوش خاضوا قبل اشهر مواجهات ضارية مع داعش في بلدة ميدعا بريف دمشق ، واتهموا التنظيم بمحاولة التغلغل داخل الغوطة الشرقية بعد تمدده في ريف دمشق الجنوبي والغربي وتحديداً في القلمون حيث يُقال ان داعش اصبح يهيمن على أغلبية المسلحين هناك.
نظرة علوش الى مسلحي جبهة النصرة لا تختلف كثيراً عن نظرته لداعش ، ويبدو ان "جيش الاسلام" لا يريد فتح جبهتين في آن قبل التخلص من خصومه داخل الغوطة الشرقية ، بدءاً من داعش و"جيش الامة" وربما النصرة في وقت لاحق مع تزايد الحديث عن خلافات "عقائدية" و"فقهية" وميدانية بين الطرفين ، وهو ما تُرجم في المواجهات التي حصلت اواخر الصيف الماضي مع وحدات الجيش السوري في المليحة وعدرا البلد والعمالية والتي انتهت بهزيمة مدوية للمسلحين...
طبعاً الصراع بين "علوش" و"ابو صبحي طه" وغيرهما ما هو الا صورة مصغرة عن الاقتتال المستعر بين مختلف الجماعات المسلحة على امتداد الجغرافيا السورية .فكل واحد من هذه الفصائل له مبرراته لمهاجمة الاخر وتصفيته واستحلال دمه ، وطبعاً تحت عنوان "ديني وفقهي" !!!
فعلى سبيل المثال لا الحصر ، عمدت النصرة في الاونة الاخيرة الى قتال ما يُسمى "لواء شهداء اليرموك" بريف دمشق بتهمة مبايعته لداعش كما هاجمت الجبهة ما يسمى "جبهة ثوار سوريا" و"حركة حزم" في درعا وادلب وريف حلب الغربي ، واتهمتهم بأنهم خونة وعملاء للخارج يريدون القضاء على "المشروع الاسلامي" كما تراه النصرة.
للمفارقة فإن الادبيات نفسها استخدمها ولا يزال تنظيم داعش للقضاء على خصومه وتحديداً في الشرق السوري تحت عنوان "الدفاع عن الخلافة" المزعومة ويكاد لا يمر يوم دون اكتشاف مقابر جماعية بحق العشائر وابناء تلك المناطق ممن رفضوا مبايعة داعش.
الاسلوب ذاته استخدمته "الجبهة الاسلامية" العام الماضي لمحاربة مسلحي "الجيش الحر" وتحديداً في ريف حلب الشمالي عند الحدود من تركيا ، ليتبين بعدها ان هدف الجبهة كان السيطرة على مستودعات الاسلحة والمؤن بعد رفعها شعارات محاربة المرتدين والخوارج بوجه منافسيها.
لا شك ان هدف الجماعات المسلحة على اختلاف انواعها يتمثل في تحقيق أكبر قدر ممكن من النفوذ على حساب بقية الفصائل ، ناهيك عن تعدد ولاءات تلك الجماعات بحسب الممولين في الخارج الذين يستخدمون المسلحين للحصول على مصالح ومكتسبات واستعمالها كأوراق مساومة في أية تسوية قد تحصل في يوم ما...
يبقى المواطن السوري المتضرر الاكبر من تضارب مصالح الخارج والإقتتال بين مسلحي الداخل ، ولعل شهادات السكان الهاربين من نيران الغوطة الشرقية دليلٌ إضافيٌ على الاوضاع المأسوية التي تعانيها تلك المناطق جراء الصراعات فيها ، وسط تزايد الدعوات الى انجاز مصالحات وطنية شبيهة بتلك التي طبقت في برزة وريف دمشق الجنوبي والمعضمية وغيرها....
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة