مع مطلعِ أيار من عام 2003 ومن على ظهر حاملة الطائرات «يو إس إس أبراهام لنكولن»، أعلن الرئيس الأميركي السابق «جورج دبليو بوش» ما سماه انتهاء العمليات العسكرية في العراق، مُعلناً «بشكلٍ ضمني» النصر على «تمثال صدام حسين» بعد تحطيمه في «ساحة الفردوس» في بغداد. لم يوضح بوش إلى اليوم ماذا يعني إعلان تحرير الشعب العراقي وتحقيق النصر على أعداء «الأمة»، بمعنى أدقٍ أين النصر الذي تحقق؟

عقدٌ ونيف مَرا من زمن الحلم الأميركي في المنطقة ليُعلن حلف الناتو قبل أيام انتهاء الأعمال العسكرية في أفغانستان مع نهاية عام 2014. لم ينس الجنرال «هانس دومرسي» خلال حفل إعلان انتهاء المهام أن يتحدث عن مفهوم النصر، مع العلم أن هذا الاحتفال لم يتم الإعلان عنه مسبقاً، بل جرى في مكان لم يتم تحديده خوفاً مما سموه «هجوم محتمل لطالبان». أي إن طالبان بعد أكثر من 13 عاماً من حرب الناتو ضدها قادرةٌ أن تضرب كيفما تشاء. لكنَّ الأهم أيضاً أن الروس الذين كانوا هدفاً غير مباشر من حرب الناتو في أفغانستان، مازالوا قادرين على التحرك كيفما يشاؤوا في محيطهم الحيوي، ولم يُفلح وصول الناتو إلى أفغانستان في إحكام الطوق حول روسيا كما ظنوا وخططوا.

بعد كل هذا الإصرار الأميركي على سياسة تسويق «الانتصارات الوهمية» -ما خلا الانتصار على كل القيم الإنسانية والأخلاقية- لا نعلم كيف خطر في بال رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس» أن يذهب الآن «وليس غداً» إلى مجلس الأمن، للمطالبة بجدولٍ زمني لإنهاء الاحتلال وإعلان الدولة الفلسطينية. إذا كانت أميركا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى الآن، تحاول أن تسوِّق الوهم وتجمِّل كل هزائمها، فكيف لها أن تتساهل في المكان الذي تعتبره وبشكلٍ دائم مضمار انتصارٍ لها؛ ألا وهو القضية الفلسطينية؟!.

كما جرت العادة، وبعد كل خيبةٍ «عباسيةٍ» من الموقف الأميركي اتجاه ما يسمونها «قضايا الحل النهائي»، يخرج عباس متجهم الوجه- على طريقة دموع السنيورة التي ظنها ستوقف حرباً على لبنان ـ وإلى جانبه «صائب عريقات» ليعلن توقيع معاهداتٍ لا تُسمن ولا تُغني عن جوعٍ. يخرجون لإقناعنا بأن الهدف من هذه الاتفاقيات هو محاكمة «إسرائيل» في المحاكم الدولية في الوقت الذي لم تستطع فيه السلطة أن تبرر لماذا لايكون ردَّها بوقف التعاون الأمني مع الكيان الصهيوني، مع العلم أن قرارات هذه المحاكم وآليات إقرارها تكاد تكون قيمتها كقيمة قرارات جامعة «طويلي العمر» العربية.

عتاة ربيع الدم العربي الذين يسيطرون على هذه الجامعة تَلقوا الشكر مؤخراً من «جورج ماكين»، لأنهم تسببوا حسب وصفه «بانهيار الاقتصاد الروسي». مُفارقةٌ غريبةٌ تبدو هنا؛ فمن يقف إلى جانب القضايا العربية وينتقد الفيتو الأميركي على المشروع المتعلق بإنهاء الاحتلال، يُحاسبه رُعاة جامعتها بل يحاولون تدميره ليتلقوا الشكر من العدو المنطقي للقضايا العربية، أنها «صناعة الغباء».

ألا يثبت هذا الكلام أنهم أعداء ذاتهم قبل أن يكونوا أعداء الشعوب التي دمروها. مفارقةٌ غريبةٌ تجعلنا نتساءل دائماً هل أن الاشتباك المعقد في المنطقة والعالم سينتهي ببساطةٍ بموت هذا الملك أو ذاك الأمير الذي هو أساساً لا يقرر، أم بالتحول في الأداء الإعلامي لقناة تلفزيونية هنا أو هناك حسب مصالح داعميها، أم إن نهاية هذا الاشتباك ستكون بإعلان «معاذ الخطيب» تشكيل «حزب سوري معارض»؟!

مع إصرار الواهمين على سهولة تحقيق أمنياتهم المتنوعة في سورية، أمعنوا بتقمص النهج الأميركي في تعويم الوهم. بعد كل ما جرى ويجري والذي بدأ بالانعكاس عليهم، لا تبدو الأمور لديهم متجهةً نحو الحد الأدنى من الواقعية، تحديداً أن العصي في العجلات تأخذ مكانها مع كل بارقة أملٍ، وتناسوا أنهم ليسوا الوحيدين ممن بات يدرك أنه الأقرب لتحقيق الانتصار الكامل. لكن هناك فرقاً بين من يستند برؤيته للانتصار الكامل من منظورٍ عمليٍ على الأرض، ينطلق من أولوية النجاة بالوطن مما هو أسوأ، ومن يستند برؤيته للانتصار الكامل من أولوية النجاة بمصالحه الضيقة وطموحاته الشخصية. لم يكن غريباً أن يخرج علينا منذ أيام معارضٌ سوريٌ ليعترف أن هناك من طلب منهم رفع سقف المطالب في اجتماع موسكو القادم والإصرار على «رحيل الأسد»، لتبدأ بعدها جوقة المطبلين باجترار تلك العبارة التي من المفترض أنه لا وجود لها لدى من يريد الدخول في حوارٍ من دون شروطٍ مسبقةٍ.

يوماً ما عندما طالبنا مَنْ يدَّعي الخوف على مصلحة بلده أن يُصغي لما يقوله الأسد، لم يكن الأمر ارتجالاً منا أو تبعيةً عمياءً، لأنك عندما تريد إقناعي «أنا المواطن السوري البسيط» بأنَّك كمعارض تبحث عن الحل لكلِّ هذه الفوضى وتحرص على الدماء السورية، وفي الوقت ذاته تتحدث بنرجسيةٍ تتعارض تماماً مع واقعية الطرف الآخر، فإنك بذلك تشبه تماماً محاولات الأميركيين إقناعنا أن طائرات التحالف قامت بتصوير «داعشي» يمارس الجنس مع «دابةٍ»، لكنها لم تتمكن بالأمس من تصوير عملية الإنزال لتحرير الطيار الأردني في الرقة، والتي حسب زعمهم فشلت بسبب «كثافة النيران الداعشية». إنها «صناعة الوهم» التي تلت «صناعة الغباء»، والغباء والوهم لا يجتمعان بأي شخصٍ قدَماهُ على الأرض ويداهُ تحلقان في سماء قراره الحُرِّ.

إذا كانوا لا يريدون أن يُصغوا حتى الآن لما يقوله الأسد، فكيف لهم أن يفهموا التدرج في ظهور الأسد على خطوط النار مع العدو؟ والعدو هنا ليست المعارضة السورية، العدو هو عدو نفسه، هو الذي يُكفر ويحلل دم كل مَنْ يعارضه.

قبل ثلاثة أعوام تقريباً عندما خرج الرئيس الأسد في ساحة الأمويين مخاطباً الحشود، قال كلَّ ما يجب قوله؛ إن كان لجهة الانفتاح على الحلول «السورية» أو تحدٍّ لذلك الذي يسوِّق لمطالبٍ هو نفسه لا يقدم لشعبه ولو ما تيسر منها. لم يفهم البعض يومها ما الهدف أن تكون عائلة الرئيس الأسد حاضرةً في قلب الساحة، كيف سيفهمون وهم أساساً أسرى لسياسة «صناعة الغباء» في العقل العربي. يومها خرجت بعض وسائل الإعلام المقروءة والمكتوبة (بعضها يبيع سورية في النهار ويشتريها في الليل وصحفييها يحظون باهتمامٍ رسميٍ يحلم أي كاتب أو صحفي سوري بجزءٍ يسيرٍ منه، ربما لأن مزمار الحي لا يطرب) لتقول إن الأسد جاء بأبنائه بعد شيوع خبر هروبهم مع زوجه، والحقيقة أن الأسد جاء بأبنائه يومها ليقول هاهم هنا لأنهم جزءٌ من هذا الشعب وما يصيب هذا الشعب يُصيبهم.

كذلك الأمر، عندما زار الأسد داريا ووقف يصافح الجندي على دبابته، كان لحديث القائد مع جيشه نفحة إصرارٍ على النصر، لكنَّه منذ أيام أصرَّ على كسر كل الحواجز النفسية والمادية كرئيسٍ للجمهورية أو كقائدٍ للجيش العربي السوري. صعد على الدبابة وظهره للعدو، ليقول: إن الانتصار الكامل لا يتحقق من أجلي، فأنا هنا مثل أي مواطنٍ سوريٍ يحرص على وحدة الوطن، استمدُ معنوياتي من هذا المقاتل الذي لولاه لما كانت سورية.

إنَّها الواقعيةُ، التي لا نعرفُ بأي اللغاتِ يمكن لنا أن نشرحها لمن لم يفهمْ أن «صناعةَ الوهمِ» لا ينجح بها العدو ما لم يكنْ المتلقي قد شربَ تماماً دروسَ «صناعةِ الغباءِ».

الواقعيةُ تدفع الأسد أن يكون في الخطوط الأولى، وأنْ يكون ممتناً لجنديٍ يقاتل على خط النار، بل يعلن في الاجتماعات الخاصة أن التفاوض مع مسلحٍ على الأرض والعودة به إلى حضن الوطن أفضل من التفاوض مع معارضٍ «عميلٍ»، في الوقت الذي لا يزال جزءٌ لا يُستهان به من المعارضين يصرون على أنهم يُمثلون تطلعات الشعب السوري. كونوا أحراراً ولو مرةٍ واحدةٍ إن أردتم فعلاً أن تمنعوا الأسد من «تحقيق الانتصار الكامل»، تحديداً أن رُعاتكم فشلوا بذلك، فلا تكونوا ملكيين أكثر من موظفين برتبة أمير أو ملك، وتذكروا دائماً عبارة أن هناك فراغاً لا يمكن أن يملأه أحد سوى الجيش العربي السوري.

  • فريق ماسة
  • 2015-01-03
  • 4215
  • من الأرشيف

كونوا أحراراً ولو مرة واحدة فأقدام الأسد مازالت على الأرض...بين «صناعة الوهم» و«صناعة الغباء»

مع مطلعِ أيار من عام 2003 ومن على ظهر حاملة الطائرات «يو إس إس أبراهام لنكولن»، أعلن الرئيس الأميركي السابق «جورج دبليو بوش» ما سماه انتهاء العمليات العسكرية في العراق، مُعلناً «بشكلٍ ضمني» النصر على «تمثال صدام حسين» بعد تحطيمه في «ساحة الفردوس» في بغداد. لم يوضح بوش إلى اليوم ماذا يعني إعلان تحرير الشعب العراقي وتحقيق النصر على أعداء «الأمة»، بمعنى أدقٍ أين النصر الذي تحقق؟ عقدٌ ونيف مَرا من زمن الحلم الأميركي في المنطقة ليُعلن حلف الناتو قبل أيام انتهاء الأعمال العسكرية في أفغانستان مع نهاية عام 2014. لم ينس الجنرال «هانس دومرسي» خلال حفل إعلان انتهاء المهام أن يتحدث عن مفهوم النصر، مع العلم أن هذا الاحتفال لم يتم الإعلان عنه مسبقاً، بل جرى في مكان لم يتم تحديده خوفاً مما سموه «هجوم محتمل لطالبان». أي إن طالبان بعد أكثر من 13 عاماً من حرب الناتو ضدها قادرةٌ أن تضرب كيفما تشاء. لكنَّ الأهم أيضاً أن الروس الذين كانوا هدفاً غير مباشر من حرب الناتو في أفغانستان، مازالوا قادرين على التحرك كيفما يشاؤوا في محيطهم الحيوي، ولم يُفلح وصول الناتو إلى أفغانستان في إحكام الطوق حول روسيا كما ظنوا وخططوا. بعد كل هذا الإصرار الأميركي على سياسة تسويق «الانتصارات الوهمية» -ما خلا الانتصار على كل القيم الإنسانية والأخلاقية- لا نعلم كيف خطر في بال رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس» أن يذهب الآن «وليس غداً» إلى مجلس الأمن، للمطالبة بجدولٍ زمني لإنهاء الاحتلال وإعلان الدولة الفلسطينية. إذا كانت أميركا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى الآن، تحاول أن تسوِّق الوهم وتجمِّل كل هزائمها، فكيف لها أن تتساهل في المكان الذي تعتبره وبشكلٍ دائم مضمار انتصارٍ لها؛ ألا وهو القضية الفلسطينية؟!. كما جرت العادة، وبعد كل خيبةٍ «عباسيةٍ» من الموقف الأميركي اتجاه ما يسمونها «قضايا الحل النهائي»، يخرج عباس متجهم الوجه- على طريقة دموع السنيورة التي ظنها ستوقف حرباً على لبنان ـ وإلى جانبه «صائب عريقات» ليعلن توقيع معاهداتٍ لا تُسمن ولا تُغني عن جوعٍ. يخرجون لإقناعنا بأن الهدف من هذه الاتفاقيات هو محاكمة «إسرائيل» في المحاكم الدولية في الوقت الذي لم تستطع فيه السلطة أن تبرر لماذا لايكون ردَّها بوقف التعاون الأمني مع الكيان الصهيوني، مع العلم أن قرارات هذه المحاكم وآليات إقرارها تكاد تكون قيمتها كقيمة قرارات جامعة «طويلي العمر» العربية. عتاة ربيع الدم العربي الذين يسيطرون على هذه الجامعة تَلقوا الشكر مؤخراً من «جورج ماكين»، لأنهم تسببوا حسب وصفه «بانهيار الاقتصاد الروسي». مُفارقةٌ غريبةٌ تبدو هنا؛ فمن يقف إلى جانب القضايا العربية وينتقد الفيتو الأميركي على المشروع المتعلق بإنهاء الاحتلال، يُحاسبه رُعاة جامعتها بل يحاولون تدميره ليتلقوا الشكر من العدو المنطقي للقضايا العربية، أنها «صناعة الغباء». ألا يثبت هذا الكلام أنهم أعداء ذاتهم قبل أن يكونوا أعداء الشعوب التي دمروها. مفارقةٌ غريبةٌ تجعلنا نتساءل دائماً هل أن الاشتباك المعقد في المنطقة والعالم سينتهي ببساطةٍ بموت هذا الملك أو ذاك الأمير الذي هو أساساً لا يقرر، أم بالتحول في الأداء الإعلامي لقناة تلفزيونية هنا أو هناك حسب مصالح داعميها، أم إن نهاية هذا الاشتباك ستكون بإعلان «معاذ الخطيب» تشكيل «حزب سوري معارض»؟! مع إصرار الواهمين على سهولة تحقيق أمنياتهم المتنوعة في سورية، أمعنوا بتقمص النهج الأميركي في تعويم الوهم. بعد كل ما جرى ويجري والذي بدأ بالانعكاس عليهم، لا تبدو الأمور لديهم متجهةً نحو الحد الأدنى من الواقعية، تحديداً أن العصي في العجلات تأخذ مكانها مع كل بارقة أملٍ، وتناسوا أنهم ليسوا الوحيدين ممن بات يدرك أنه الأقرب لتحقيق الانتصار الكامل. لكن هناك فرقاً بين من يستند برؤيته للانتصار الكامل من منظورٍ عمليٍ على الأرض، ينطلق من أولوية النجاة بالوطن مما هو أسوأ، ومن يستند برؤيته للانتصار الكامل من أولوية النجاة بمصالحه الضيقة وطموحاته الشخصية. لم يكن غريباً أن يخرج علينا منذ أيام معارضٌ سوريٌ ليعترف أن هناك من طلب منهم رفع سقف المطالب في اجتماع موسكو القادم والإصرار على «رحيل الأسد»، لتبدأ بعدها جوقة المطبلين باجترار تلك العبارة التي من المفترض أنه لا وجود لها لدى من يريد الدخول في حوارٍ من دون شروطٍ مسبقةٍ. يوماً ما عندما طالبنا مَنْ يدَّعي الخوف على مصلحة بلده أن يُصغي لما يقوله الأسد، لم يكن الأمر ارتجالاً منا أو تبعيةً عمياءً، لأنك عندما تريد إقناعي «أنا المواطن السوري البسيط» بأنَّك كمعارض تبحث عن الحل لكلِّ هذه الفوضى وتحرص على الدماء السورية، وفي الوقت ذاته تتحدث بنرجسيةٍ تتعارض تماماً مع واقعية الطرف الآخر، فإنك بذلك تشبه تماماً محاولات الأميركيين إقناعنا أن طائرات التحالف قامت بتصوير «داعشي» يمارس الجنس مع «دابةٍ»، لكنها لم تتمكن بالأمس من تصوير عملية الإنزال لتحرير الطيار الأردني في الرقة، والتي حسب زعمهم فشلت بسبب «كثافة النيران الداعشية». إنها «صناعة الوهم» التي تلت «صناعة الغباء»، والغباء والوهم لا يجتمعان بأي شخصٍ قدَماهُ على الأرض ويداهُ تحلقان في سماء قراره الحُرِّ. إذا كانوا لا يريدون أن يُصغوا حتى الآن لما يقوله الأسد، فكيف لهم أن يفهموا التدرج في ظهور الأسد على خطوط النار مع العدو؟ والعدو هنا ليست المعارضة السورية، العدو هو عدو نفسه، هو الذي يُكفر ويحلل دم كل مَنْ يعارضه. قبل ثلاثة أعوام تقريباً عندما خرج الرئيس الأسد في ساحة الأمويين مخاطباً الحشود، قال كلَّ ما يجب قوله؛ إن كان لجهة الانفتاح على الحلول «السورية» أو تحدٍّ لذلك الذي يسوِّق لمطالبٍ هو نفسه لا يقدم لشعبه ولو ما تيسر منها. لم يفهم البعض يومها ما الهدف أن تكون عائلة الرئيس الأسد حاضرةً في قلب الساحة، كيف سيفهمون وهم أساساً أسرى لسياسة «صناعة الغباء» في العقل العربي. يومها خرجت بعض وسائل الإعلام المقروءة والمكتوبة (بعضها يبيع سورية في النهار ويشتريها في الليل وصحفييها يحظون باهتمامٍ رسميٍ يحلم أي كاتب أو صحفي سوري بجزءٍ يسيرٍ منه، ربما لأن مزمار الحي لا يطرب) لتقول إن الأسد جاء بأبنائه بعد شيوع خبر هروبهم مع زوجه، والحقيقة أن الأسد جاء بأبنائه يومها ليقول هاهم هنا لأنهم جزءٌ من هذا الشعب وما يصيب هذا الشعب يُصيبهم. كذلك الأمر، عندما زار الأسد داريا ووقف يصافح الجندي على دبابته، كان لحديث القائد مع جيشه نفحة إصرارٍ على النصر، لكنَّه منذ أيام أصرَّ على كسر كل الحواجز النفسية والمادية كرئيسٍ للجمهورية أو كقائدٍ للجيش العربي السوري. صعد على الدبابة وظهره للعدو، ليقول: إن الانتصار الكامل لا يتحقق من أجلي، فأنا هنا مثل أي مواطنٍ سوريٍ يحرص على وحدة الوطن، استمدُ معنوياتي من هذا المقاتل الذي لولاه لما كانت سورية. إنَّها الواقعيةُ، التي لا نعرفُ بأي اللغاتِ يمكن لنا أن نشرحها لمن لم يفهمْ أن «صناعةَ الوهمِ» لا ينجح بها العدو ما لم يكنْ المتلقي قد شربَ تماماً دروسَ «صناعةِ الغباءِ». الواقعيةُ تدفع الأسد أن يكون في الخطوط الأولى، وأنْ يكون ممتناً لجنديٍ يقاتل على خط النار، بل يعلن في الاجتماعات الخاصة أن التفاوض مع مسلحٍ على الأرض والعودة به إلى حضن الوطن أفضل من التفاوض مع معارضٍ «عميلٍ»، في الوقت الذي لا يزال جزءٌ لا يُستهان به من المعارضين يصرون على أنهم يُمثلون تطلعات الشعب السوري. كونوا أحراراً ولو مرةٍ واحدةٍ إن أردتم فعلاً أن تمنعوا الأسد من «تحقيق الانتصار الكامل»، تحديداً أن رُعاتكم فشلوا بذلك، فلا تكونوا ملكيين أكثر من موظفين برتبة أمير أو ملك، وتذكروا دائماً عبارة أن هناك فراغاً لا يمكن أن يملأه أحد سوى الجيش العربي السوري.

المصدر : فراس عزيز ديب- الوطن


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة