تُواصل روسيا جهودها لإستضافة جولة محادثات بين ممثّلين عن النظام السوري وعن بعض الجهات السوريّة المعارضة في نهاية كانون الثاني 2015. وفي الوقت الذي أكّدت وزارة الخارجية السوريّة، إستعدادها للمشاركة، حيث عُلم أنّ وزير الخارجية السوري وليد المعلم سيرأس الوفد السوري إلى موسكو، تتضارب الآراء في صفوف ما يُعرف بإسم "الإئتلاف السوري المعارض"، الذي يرغب فريق فيه برئاسة هادي البحرة، بالمشاركة شرط البحث بوثيقة يتمسّك بها تتضمّن 24 بنداً تُشكّل برأيه مدخلاً للحلّ، أبرزها تشكيل هيئة حكم إنتقالية وإطلاق كل الموقوفين. في المقابل، ترتفع أوساط رافضة لهذه المفاوضات من داخل "الإئتلاف" تطالب بعقد جولة ثالثة من مفاوضات جنيف، بدلاً من جولة أولى من مفاوضات موسكو. والأهمّ من كل ما سبق، تسريب متعمّد لمعلومات صحافيّة تتحدّث عن إستعداد روسيا للمساومة على رئاسة بشّار الأسد لسوريا، شرط حفظ مصالحها في سوريا والشرق الأوسط عموماً، وكذلك شرط حفظ النظام الحامي لهذه المصالح بحيث لا تحظى المعارضة الحالية سوى بعدد محدود من الوزارات في مقابل إنهاء النزاع. فهل هذا صحيح؟

الجواب المباشر والبديهي هو: كلا! وكلّ ما يُحكى ويتردّد في هذا السياق، لا يعدو كونه محاولات لتشجيع بعض الأطراف السوريّة المعارضة على التوجّه إلى العاصمة الروسيّة، لإعطاء المصداقيّة المطلوبة لهذه المفاوضات المرتقبة. فموسكو تحاول أن تلعب دوراً محورياً في الأزمة السوريّة، من دون التخلّي عن أيّ من حلفائها الرئيسيّين في المنطقة، لأنّ الطرف المقابل لا يستطيع تقديم أيّ بديل مهم ومواز لهكذا مساومة مُفترضة، علماً أنّ بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في سدّة الحكم يتجاوز النفوذ الروسي، ويشمل أكثر من لاعب إقليمي، وفي طليعتهم إيران. وأقصى ما ترغب الإدارة الروسيّة التوصّل إليه في مفاوضات موسكو المُفترضة يتمثّل في التوصّل إلى وقف للنار على أكثر من جبهة، وفي تشكيل حكومة سوريّة جديدة تتضمّن بعض الوجوه المُصنّفة معارضة، خاصة من الشخصيّات التي اقتصر دورها في مواجهة النظام السوري على الجانب السياسي والإعلامي، وليس العسكري أو الأمني.

وبالنسبة إلى النظام السوري الذي يُبدي حماسة في التوجّه إلى مفاوضات موسكو، فهو يعرف أنّه سيكون في موقع قوي حول طاولة المفاوضات، نتيجة عدم حياديّة موسكو، وبفعل الوقائع الميدانيّة الحاليّة في سوريا، وكذلك بسبب الإنقسامات وتباين الآراء في صفوف "المعارضات" السوريّة، خاصة في ظلّ طموحات شخصيّة لبعض هذه الشخصيّات المنضوية ضمن "الإئتلاف"، إضافة إلى تعويل سوريا على ما يُسمّى "معارضة الداخل" للمشاركة بالسلطة ولوّ بحصّة محدودة، شكليّة أكثر منها عمليّة. وتأمل دمشق أن يكون لمفاوضات دمشق تتمّة في الداخل السوري، وعلى أراضٍ تسيطر عليها، بشكل يجعل موقفها أكثر قوّة عند تنفيذ أيّ إتفاق مبدئي قد يتمّ التوصّل إليه، بإشراف روسي، علماً أنّ أطرافاً أخرى، منها مصر، تبدي رغبة في تقريب وجهات النظر وفي إستضافة مفاوضات مباشرة للتوصّل إلى حلّ للأزمة السوريّة.

لكن حتى لو نجحت الجهود الروسيّة في أن تجذب عدداً من "المعارضين" السوريّين إلى موسكو، وحتى لو تمكّنت من التوصّل معهم إلى نوع من "ورقة التفاهم" أو من "خريطة طريق" للحلّ، فإنّ شيئاً لن يتغيّر في الميدان السوري، وذلك بفعل ضعف الصفة التمثيليّة للإئتلاف السوري المعارض، نتيجة كثرة المعارضين السوريّين وتعدد ولاءاتهم الموزّعة على تيّارات ليبيراليّة ويساريّة وقوميّة وخصوصاً إسلاميّة. أكثر من ذلك، إنّ المناطق الخارجة عن سلطة الجيش السوري خاضعة بجزئها الأكبر لسيطرة جماعات مُسلّحة غير معنيّة بمفاوضات موسكو، ولا بغيرها، وهي مُرتبطة ومدعومة مالياً وعسكرياً بجهات إقليمية لا تزال تعارض أيّ تفاوض مع النظام السوري.

وبالتالي، وفي أفضل الأحوال، أي في حال تذليل العقبات أمام إطلاق مفاوضات موسكو، وفي حال النجاح في إضفاء شرعيّة على الشخصيّات التي ستُمثّل "المعارضة" فيها، فإنّ أيّ إتفاق -مهما كان صغيراً أو كبيراً- لن يُبصر النور ولن يسلك طريقه إلى التنفيذ، لأنّ الواقع الميداني في سوريا بات مرتبطاً بعوامل إقليميّة ودوليّة مؤثّرة مختلفة تماماً عن مُجرّد لقاء بين ممثّلين عن النظام السوري وعن بعض الشخصيّات السوريّة المعارضة من هنا أو هناك.

  • فريق ماسة
  • 2014-12-31
  • 11958
  • من الأرشيف

روسيا تساوم على الرئاسة في سورية لاستقطاب المعارضة الخارجية

تُواصل روسيا جهودها لإستضافة جولة محادثات بين ممثّلين عن النظام السوري وعن بعض الجهات السوريّة المعارضة في نهاية كانون الثاني 2015. وفي الوقت الذي أكّدت وزارة الخارجية السوريّة، إستعدادها للمشاركة، حيث عُلم أنّ وزير الخارجية السوري وليد المعلم سيرأس الوفد السوري إلى موسكو، تتضارب الآراء في صفوف ما يُعرف بإسم "الإئتلاف السوري المعارض"، الذي يرغب فريق فيه برئاسة هادي البحرة، بالمشاركة شرط البحث بوثيقة يتمسّك بها تتضمّن 24 بنداً تُشكّل برأيه مدخلاً للحلّ، أبرزها تشكيل هيئة حكم إنتقالية وإطلاق كل الموقوفين. في المقابل، ترتفع أوساط رافضة لهذه المفاوضات من داخل "الإئتلاف" تطالب بعقد جولة ثالثة من مفاوضات جنيف، بدلاً من جولة أولى من مفاوضات موسكو. والأهمّ من كل ما سبق، تسريب متعمّد لمعلومات صحافيّة تتحدّث عن إستعداد روسيا للمساومة على رئاسة بشّار الأسد لسوريا، شرط حفظ مصالحها في سوريا والشرق الأوسط عموماً، وكذلك شرط حفظ النظام الحامي لهذه المصالح بحيث لا تحظى المعارضة الحالية سوى بعدد محدود من الوزارات في مقابل إنهاء النزاع. فهل هذا صحيح؟ الجواب المباشر والبديهي هو: كلا! وكلّ ما يُحكى ويتردّد في هذا السياق، لا يعدو كونه محاولات لتشجيع بعض الأطراف السوريّة المعارضة على التوجّه إلى العاصمة الروسيّة، لإعطاء المصداقيّة المطلوبة لهذه المفاوضات المرتقبة. فموسكو تحاول أن تلعب دوراً محورياً في الأزمة السوريّة، من دون التخلّي عن أيّ من حلفائها الرئيسيّين في المنطقة، لأنّ الطرف المقابل لا يستطيع تقديم أيّ بديل مهم ومواز لهكذا مساومة مُفترضة، علماً أنّ بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في سدّة الحكم يتجاوز النفوذ الروسي، ويشمل أكثر من لاعب إقليمي، وفي طليعتهم إيران. وأقصى ما ترغب الإدارة الروسيّة التوصّل إليه في مفاوضات موسكو المُفترضة يتمثّل في التوصّل إلى وقف للنار على أكثر من جبهة، وفي تشكيل حكومة سوريّة جديدة تتضمّن بعض الوجوه المُصنّفة معارضة، خاصة من الشخصيّات التي اقتصر دورها في مواجهة النظام السوري على الجانب السياسي والإعلامي، وليس العسكري أو الأمني. وبالنسبة إلى النظام السوري الذي يُبدي حماسة في التوجّه إلى مفاوضات موسكو، فهو يعرف أنّه سيكون في موقع قوي حول طاولة المفاوضات، نتيجة عدم حياديّة موسكو، وبفعل الوقائع الميدانيّة الحاليّة في سوريا، وكذلك بسبب الإنقسامات وتباين الآراء في صفوف "المعارضات" السوريّة، خاصة في ظلّ طموحات شخصيّة لبعض هذه الشخصيّات المنضوية ضمن "الإئتلاف"، إضافة إلى تعويل سوريا على ما يُسمّى "معارضة الداخل" للمشاركة بالسلطة ولوّ بحصّة محدودة، شكليّة أكثر منها عمليّة. وتأمل دمشق أن يكون لمفاوضات دمشق تتمّة في الداخل السوري، وعلى أراضٍ تسيطر عليها، بشكل يجعل موقفها أكثر قوّة عند تنفيذ أيّ إتفاق مبدئي قد يتمّ التوصّل إليه، بإشراف روسي، علماً أنّ أطرافاً أخرى، منها مصر، تبدي رغبة في تقريب وجهات النظر وفي إستضافة مفاوضات مباشرة للتوصّل إلى حلّ للأزمة السوريّة. لكن حتى لو نجحت الجهود الروسيّة في أن تجذب عدداً من "المعارضين" السوريّين إلى موسكو، وحتى لو تمكّنت من التوصّل معهم إلى نوع من "ورقة التفاهم" أو من "خريطة طريق" للحلّ، فإنّ شيئاً لن يتغيّر في الميدان السوري، وذلك بفعل ضعف الصفة التمثيليّة للإئتلاف السوري المعارض، نتيجة كثرة المعارضين السوريّين وتعدد ولاءاتهم الموزّعة على تيّارات ليبيراليّة ويساريّة وقوميّة وخصوصاً إسلاميّة. أكثر من ذلك، إنّ المناطق الخارجة عن سلطة الجيش السوري خاضعة بجزئها الأكبر لسيطرة جماعات مُسلّحة غير معنيّة بمفاوضات موسكو، ولا بغيرها، وهي مُرتبطة ومدعومة مالياً وعسكرياً بجهات إقليمية لا تزال تعارض أيّ تفاوض مع النظام السوري. وبالتالي، وفي أفضل الأحوال، أي في حال تذليل العقبات أمام إطلاق مفاوضات موسكو، وفي حال النجاح في إضفاء شرعيّة على الشخصيّات التي ستُمثّل "المعارضة" فيها، فإنّ أيّ إتفاق -مهما كان صغيراً أو كبيراً- لن يُبصر النور ولن يسلك طريقه إلى التنفيذ، لأنّ الواقع الميداني في سوريا بات مرتبطاً بعوامل إقليميّة ودوليّة مؤثّرة مختلفة تماماً عن مُجرّد لقاء بين ممثّلين عن النظام السوري وعن بعض الشخصيّات السوريّة المعارضة من هنا أو هناك.

المصدر : النشرة/ ناجي البستاني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة