تتحرك مصر منذ فترة على خط الأزمة السورية، تستقبل وفدا من هيئة التنسيق الوطينة المعارضة وقبلها ابن عم الرئيس الأسد، هناك من يشير إلى استشعارها خطراً مشتركاً مع سوريا يحتّم عليها التحرك، لكن هل بيدها أوراق اللعبة؟ وكيف تستطيع أن توازن بين علاقتها بالسعودية التي ضخّت المليارات لدعم اقتصادها وبين مصالحها الأمنية والاستراتيجية مع سوريا؟

 منذ إطاحة حكم الإخوان تغيرت مقاربة القاهرة لملفات المنطقة. العهد الجديد بقيادة السيسي يعتبر سوريا في صلب الأمن القومي المصري. لا غرابة إذا أن تكون سوريا العامل الذي عجّل بسقوط الإخوان في أرض الكنانة. لا يزال خطاب الرئيس المخلوع محمد مرسي في استاد القاهرة حاضرا في الذاكرة ويفصل بين مرحلتين. وقتها فاجأ مرسي الجماهير التي احتشدت خلال مؤتمر لدعم ماتسمى"الثورة السورية" بحضوره الشخصي، لكن ما صدر عنه شكّل مفاجأة أكبر للمتابعين خارج الاستاد. إذ أعلن قطع العلاقات "تماما" مع الدولة السورية، واغلاق السفارة السورية في القاهرة وسحب القائم بالاعمال المصري من دمشق. حصل ذلك قبل أسابيع عدة على "ثورة يونيو". لكن ما لم يغتفر له هو الدعوة التي وجهت، بحضوره، إلى المصريين للجهاد في سوريا، ما اعتبر مباركة وتشجيعا منه.منذ أيام كانت القاهرة تستقبل وفدا من هيئة التنسيق الوطنية السورية المعارضة. هذه الخطوة ليست الأولى من نوعها، لكنها اكتسبت طابعا خاصاً كونها تأتي إثر زيارة قام بها ابن عم الرئيس الأسد على رأس وفد من خمسة أعضاء. عماد الأسد هو رئيس الأكاديمية البحرية في اللاذقية وجاء إلى القاهرة لحضور مؤتمر الأكاديمية المصرية. هذا ما أعلن عنه في الشكل. لكن إذا صحت المعلومات المسربة حول اجتماعات عقدها الوفد مع  مسؤولين خارج إطار الأكاديمية، يصبح للزيارة بعداً آخر. بكل الأحوال الزيارة بحد ذاتها إشارة.يأتي هذا الحراك في ظل زخم اكتسبته الدبلوماسية المصرية في الفترة الأخيرة. يزور الرئيس المصري قبل فترة العاهل الأردني. البيان الصادر عن الجانبين يشير إلى اتفاق "على أهمية وجود أفق سياسي لحل الأزمة السورية". حل "يحفظ وحدة الأراضي السورية ويحافظ على سلامتها الإقليمية، ويصون لشعبها مقدرات الدولة الاقتصادية ومقوماتها الأساسية".  عبدالله الثاني الآتي من واشنطن ينتقل بعد زيارة السيسي إلى الرياض ويلتقي الملك عبدالله بن عبدالعزيز.ليس بعيدا من عمان يحط وزير الخارجية المصري سامح شكري في العراق في زيارة هي الثانية له. العناوين البارزة للزيارة مواكبة الحوار الداخلي العراقي وضرورة إشراك جميع المكونات فيها بغض النظر عن الانتماء الطائفي أو الديني، إضافة إلى مكافحة الإرهاب. إرهاب لم يعد بالإمكان تجزئته وباتت أذرعه تطوّق الخاصرة المصرية. في سيناء جماعة "أنصار بيت المقدس" التي بايعت "داعش". عند الحدود الغربية خطر جاثم على طول الحدود الليبية. وفي الداخل جماعة "الإخوان المسلمين" المصنفة إرهابية والمتهمة بالضلوع بأعمال عسكرية.تراقب مصر الجيش السوري وهو يقاتل أعداءها، "داعش" و"الإخوان المسلمين". يجمعها بساكن قصر المهاجرين في الشام خصوم مشتركون. تركيا واحدة من هؤلاء.استناداً إلى ذلك بات ممكنا الحديث أيضاً عن قواسم مشتركة تجمع مصر إلى حزب الله في لبنان. هو الحزب نفسه الذي أعلن مرسي الوقوف ضده في خطاب الاستاد الشهير على خلفية قتاله في سوريا. الآن، باتت النظرة إلى سوريا تشكل إحدى نقاط التقاطع بينه وبين السيسي. الحفاظ على أمن لبنان ودعم جيشه نقطة أخرى.تدرك مصر خطورة اللعبة الطائفية والفكر التكفيري على أمن المنطقة وأمنها. يواكب حراكها الدبلوماسي نشاط للأزهر في إطار نشر الاعتدال ومواجهة التطرف. في هذا ايضاً ما يجمعها مع حزب الله. وفي هذا الإطار تسعى إلى تعزيز دور دار الإفتاء في بيروت.جوهر الحراك المصري يمكن تلمسه من تصريح وزير الخارجية سامح شكري. دور "يتحرك في اتجاه توافق إقليمي ودولي لمحاصرة بؤر التوتر في العالم العربي خاصة في سوريا والعراق وليبيا واليمن، مقابل دعاة الحل العسكري، الأمر الذي أفرز تنظيمات إرهابية في المنطقة"، يقول شكري.

 حسابات مصر والقيود السعودية

 من شأن الانفتاح المصري على الأزمة السورية لصالح الحل السلمي أن يوسّع الثغرة في جدار الأزمة السورية المتصلب أمام تعقيدات وحسابات إقليمية ودولية. مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية مصر كلاعب إقليمي انطلاقا من حجمها القومي والاستراتيجي. في ظل هذا المعطى تأتي أهمية الزيارة التي قام بها وفد من هيئة التنسيق الأسبوع المنصرم إلى القاهرة بدعوة من وزير الخارجية المصري.يبقى السؤال عن حدود وإمكانيات الدور المصري في ظل علاقة مصر مع السعودية. الدولتان يجمعهما "خطر" الإخوان المسلمين لكنهما تفترقان في النظرة إلى سوريا. هل تستطيع القاهرة أن تتحرك بفاعلية وأن تقوم بدور مؤثر في الملف السوري بمعزل عن رأي حليفتها التي كانت سباقة إلى دعم الاقتصاد المصري بمليارات الدولات عقب ثورة يونيو؟ثمة رأيان على هذا الصعيد. يعتبر الأول أن السعودية محكومة بدعم السيسي الذي كان السد المنيع في وجه المد الإخواني في المنطقة. مد كان مخططاً له أميركياً بأن يجتاح دولا عربية أخرى بعد مصر، ما جعل المملكة ترزح تحت سحابة من القلق. هذا ما يفسّر سرعة مبادرتها إلى دعم الاقتصاد المصري ودعم السيسي.بالمقابل ثمة من يعتبر أن الرئيس المصري لا يستطيع الذهاب الى حل سياسي في سوريا بمعزل عن الموقف السعودي. أي حل يجب أن يشبه المبادرة التي طرحها الرئيس المعزول محمد مرسي والتي اقترح أن يشترك فيها أربعة أطراف: مصر، والسعودية، وتركيا، وإيران. مبادرة كهذه تحتاج على الأقل إلى موافقة سعودية لكي تنطلق.الباحث في القضايا الإقليمية الدكتور طلال عتريسي من أنصار الرأي الأخير. يعتبر عتريسي أنه من المبكر القول إن دخول مصر على خط الأزمة السورية يشكل انقلابا في المشهد العام الذي يحيط بالأزمة السورية. السبب أنه لا توجد قدرة عند مصر للقيام بمبادرة من دون التنسيق مع السعودية، و"السعوديون لم يحسموا أمرهم حتى الآن نحو الذهاب إلى حل سياسي".برأيه مصر لا تستطيع الاستقلال عن الموقف السعودي بسبب الضغط الاقتصادي الذي تلعب السعودية دور الرافعة له منذ استلام السيسي للحكم، إضافة إلى أن مصر لم تستعد بعد فاعلتيها وعافيتها السياسية.ينتظر عتريسي ليرى مفاعيل المصالحة المصرية القطرية، و"هو أمر يتوقع أن يحسن وضع السيسي". هناك أيضاً تركيا التي تعرقل الحلول. موقف مصر من إيران ليس واضحاً تماماً إلى الآن. كل هذه العوامل تحتاج برأيه إلى مواقف واضحة حتى تستطيع مصر القيام بمبادرة.هناك احتمال آخر لا يغفله عتريسي. أن يكون السعوديون موافقين على التحرك المصري الأخير كبدايات لما يعجزون عن القيام به في الوقت الحاضر. بمعنى أن تكون هناك مراجعة سعودية لمقاربتهم الملف السوري لكنهم يحتاجون إلى من ينزلهم عن الشجرة. مصر تلعب هنا دور الوسيط. يتحرك المصريون ويفتحون الأبواب تمهيدا لعودة السعوديين إلى طاولة الحل.بكل الأحوال هناك موقف مصري مبدئي وضمني، "بمعزل عن الضغوط التي تتحكم بمواقفه، هو يفضل بقاء النظام في سوريا وبقاء الجيش موحدا، لأن فرط الجيش وسقوط النظام يعني سيطرة داعش والإخوان وباقي الجماعات على سوريا وهذا يهدد النظام في مصر".الدليل على ذلك بحسب عتريسي هو أن السيسي لم يعلن منذ انتخابه أنه ضد النظام أو أنه مؤيد لما يسمى "الثورة" في سوريا. يشير على هذا الصعيد إلى أن سوريا في ثقافة الجيش المصري تعتبر جزءاً من الأمن القومي المصري. لا ننسى ثقافة الوحدة المصرية السورية. يضيف إلى ذلك أن مصر كانت تاريخيا تدافع عن نفسها في المشرق بين سوريا وفلسطين. "كان محمد علي باشا يحمي نفسه بهذه الطريقة وهذا الأمر موجود في الثقافة الاستراتيجية المصرية".

 الأمن القومي المصري على المحك

 في معرض الحديث عن النظرة المصرية إلى الأزمة السورية يعتبر رئيس قسم الشؤون الدولية في مجلة "الأهرام العربي" أسامة الدليل أنه منذ تولى سامح شكري رئاسة الخارجية المصرية هناك دبلوماسية مصرية جديدة تنظر بعين الاعتبار إلى مصالح الأمن القومي المصري. سوريا بحسب الدليل تقع في عمق هذه المصالح إن لم تكن في قلبها.بتفصيل أكثر يسهب الدليل في شرح وجهة نظره:الهدف الاستراتيجي المصري هو الحفاظ على وحدة وسلامة التراب السوري وشعبه. نرى أن الحل في سوريا سياسي. التدخل الخارجي فضلاً عن أنه فشل فشلا ذريعا فهو لم يعد صالحاً. من هنا يأتي التحرك المصري الأخير تجاه المؤمنين بالحل السياسي. المصلحة المصرية تقتضي حل المشكلة التي اصطنعت في سوريا. أحد أهداف هذه المشكلة محاصرة الدور المصري ومحاصرة مصر جيوسياسياً في المنطقة. القاهرة لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي وهي في عمق الشرق الأوسط. ما يحدث في سوريا تداعياته خطرة على الأمن المصري ولا تقل خطورته عن تداعيات الموقف الليبي. يأتي الدور المصري كما يرى الدليل في ظل المعطيات التالية:- حجم التهديدات والمخاطر التي سيتعرض لها شرق حوض البحر المتوسط عام 2015.- إعادة رسم خارطة التوازنات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى من العالم وسوريا مفتاح مهم في استقرارها.- سوق النفط والغاز والصراعات التي تدور حوله.يخلص الدليل إلى القول إن كل هذه المعطيات تدفع الجميع إلى ايجاد حل بأسرع ما يمكن للمشكلة في سوريا، و"إذا كانت أميركا على استعداد للتعامل مع كوبا ومع إيران فليس مستبعداً على الاطلاق أن تتعامل بانفتاح وبعقلانية أكثر مع الملف السوري".ويشير إلى أن أي دور مصري لا بد أن يراعي السيادة السورية بكل أجهزتها. لا يستبعد استناداً إلى ذلك أن تكون الجهود المصرية شملت السلطة، إذ "لا يمكن أن تقدم مصر على أية مبادرة من دون أن تكون أجرت حساباتها بشكل جيد مع طرفي السلطة والمعارضة".

  • فريق ماسة
  • 2014-12-24
  • 7509
  • من الأرشيف

الأمن القومي المصري يمر عبر دمشق.. السيسي على خط الأزمة السورية

تتحرك مصر منذ فترة على خط الأزمة السورية، تستقبل وفدا من هيئة التنسيق الوطينة المعارضة وقبلها ابن عم الرئيس الأسد، هناك من يشير إلى استشعارها خطراً مشتركاً مع سوريا يحتّم عليها التحرك، لكن هل بيدها أوراق اللعبة؟ وكيف تستطيع أن توازن بين علاقتها بالسعودية التي ضخّت المليارات لدعم اقتصادها وبين مصالحها الأمنية والاستراتيجية مع سوريا؟  منذ إطاحة حكم الإخوان تغيرت مقاربة القاهرة لملفات المنطقة. العهد الجديد بقيادة السيسي يعتبر سوريا في صلب الأمن القومي المصري. لا غرابة إذا أن تكون سوريا العامل الذي عجّل بسقوط الإخوان في أرض الكنانة. لا يزال خطاب الرئيس المخلوع محمد مرسي في استاد القاهرة حاضرا في الذاكرة ويفصل بين مرحلتين. وقتها فاجأ مرسي الجماهير التي احتشدت خلال مؤتمر لدعم ماتسمى"الثورة السورية" بحضوره الشخصي، لكن ما صدر عنه شكّل مفاجأة أكبر للمتابعين خارج الاستاد. إذ أعلن قطع العلاقات "تماما" مع الدولة السورية، واغلاق السفارة السورية في القاهرة وسحب القائم بالاعمال المصري من دمشق. حصل ذلك قبل أسابيع عدة على "ثورة يونيو". لكن ما لم يغتفر له هو الدعوة التي وجهت، بحضوره، إلى المصريين للجهاد في سوريا، ما اعتبر مباركة وتشجيعا منه.منذ أيام كانت القاهرة تستقبل وفدا من هيئة التنسيق الوطنية السورية المعارضة. هذه الخطوة ليست الأولى من نوعها، لكنها اكتسبت طابعا خاصاً كونها تأتي إثر زيارة قام بها ابن عم الرئيس الأسد على رأس وفد من خمسة أعضاء. عماد الأسد هو رئيس الأكاديمية البحرية في اللاذقية وجاء إلى القاهرة لحضور مؤتمر الأكاديمية المصرية. هذا ما أعلن عنه في الشكل. لكن إذا صحت المعلومات المسربة حول اجتماعات عقدها الوفد مع  مسؤولين خارج إطار الأكاديمية، يصبح للزيارة بعداً آخر. بكل الأحوال الزيارة بحد ذاتها إشارة.يأتي هذا الحراك في ظل زخم اكتسبته الدبلوماسية المصرية في الفترة الأخيرة. يزور الرئيس المصري قبل فترة العاهل الأردني. البيان الصادر عن الجانبين يشير إلى اتفاق "على أهمية وجود أفق سياسي لحل الأزمة السورية". حل "يحفظ وحدة الأراضي السورية ويحافظ على سلامتها الإقليمية، ويصون لشعبها مقدرات الدولة الاقتصادية ومقوماتها الأساسية".  عبدالله الثاني الآتي من واشنطن ينتقل بعد زيارة السيسي إلى الرياض ويلتقي الملك عبدالله بن عبدالعزيز.ليس بعيدا من عمان يحط وزير الخارجية المصري سامح شكري في العراق في زيارة هي الثانية له. العناوين البارزة للزيارة مواكبة الحوار الداخلي العراقي وضرورة إشراك جميع المكونات فيها بغض النظر عن الانتماء الطائفي أو الديني، إضافة إلى مكافحة الإرهاب. إرهاب لم يعد بالإمكان تجزئته وباتت أذرعه تطوّق الخاصرة المصرية. في سيناء جماعة "أنصار بيت المقدس" التي بايعت "داعش". عند الحدود الغربية خطر جاثم على طول الحدود الليبية. وفي الداخل جماعة "الإخوان المسلمين" المصنفة إرهابية والمتهمة بالضلوع بأعمال عسكرية.تراقب مصر الجيش السوري وهو يقاتل أعداءها، "داعش" و"الإخوان المسلمين". يجمعها بساكن قصر المهاجرين في الشام خصوم مشتركون. تركيا واحدة من هؤلاء.استناداً إلى ذلك بات ممكنا الحديث أيضاً عن قواسم مشتركة تجمع مصر إلى حزب الله في لبنان. هو الحزب نفسه الذي أعلن مرسي الوقوف ضده في خطاب الاستاد الشهير على خلفية قتاله في سوريا. الآن، باتت النظرة إلى سوريا تشكل إحدى نقاط التقاطع بينه وبين السيسي. الحفاظ على أمن لبنان ودعم جيشه نقطة أخرى.تدرك مصر خطورة اللعبة الطائفية والفكر التكفيري على أمن المنطقة وأمنها. يواكب حراكها الدبلوماسي نشاط للأزهر في إطار نشر الاعتدال ومواجهة التطرف. في هذا ايضاً ما يجمعها مع حزب الله. وفي هذا الإطار تسعى إلى تعزيز دور دار الإفتاء في بيروت.جوهر الحراك المصري يمكن تلمسه من تصريح وزير الخارجية سامح شكري. دور "يتحرك في اتجاه توافق إقليمي ودولي لمحاصرة بؤر التوتر في العالم العربي خاصة في سوريا والعراق وليبيا واليمن، مقابل دعاة الحل العسكري، الأمر الذي أفرز تنظيمات إرهابية في المنطقة"، يقول شكري.  حسابات مصر والقيود السعودية  من شأن الانفتاح المصري على الأزمة السورية لصالح الحل السلمي أن يوسّع الثغرة في جدار الأزمة السورية المتصلب أمام تعقيدات وحسابات إقليمية ودولية. مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية مصر كلاعب إقليمي انطلاقا من حجمها القومي والاستراتيجي. في ظل هذا المعطى تأتي أهمية الزيارة التي قام بها وفد من هيئة التنسيق الأسبوع المنصرم إلى القاهرة بدعوة من وزير الخارجية المصري.يبقى السؤال عن حدود وإمكانيات الدور المصري في ظل علاقة مصر مع السعودية. الدولتان يجمعهما "خطر" الإخوان المسلمين لكنهما تفترقان في النظرة إلى سوريا. هل تستطيع القاهرة أن تتحرك بفاعلية وأن تقوم بدور مؤثر في الملف السوري بمعزل عن رأي حليفتها التي كانت سباقة إلى دعم الاقتصاد المصري بمليارات الدولات عقب ثورة يونيو؟ثمة رأيان على هذا الصعيد. يعتبر الأول أن السعودية محكومة بدعم السيسي الذي كان السد المنيع في وجه المد الإخواني في المنطقة. مد كان مخططاً له أميركياً بأن يجتاح دولا عربية أخرى بعد مصر، ما جعل المملكة ترزح تحت سحابة من القلق. هذا ما يفسّر سرعة مبادرتها إلى دعم الاقتصاد المصري ودعم السيسي.بالمقابل ثمة من يعتبر أن الرئيس المصري لا يستطيع الذهاب الى حل سياسي في سوريا بمعزل عن الموقف السعودي. أي حل يجب أن يشبه المبادرة التي طرحها الرئيس المعزول محمد مرسي والتي اقترح أن يشترك فيها أربعة أطراف: مصر، والسعودية، وتركيا، وإيران. مبادرة كهذه تحتاج على الأقل إلى موافقة سعودية لكي تنطلق.الباحث في القضايا الإقليمية الدكتور طلال عتريسي من أنصار الرأي الأخير. يعتبر عتريسي أنه من المبكر القول إن دخول مصر على خط الأزمة السورية يشكل انقلابا في المشهد العام الذي يحيط بالأزمة السورية. السبب أنه لا توجد قدرة عند مصر للقيام بمبادرة من دون التنسيق مع السعودية، و"السعوديون لم يحسموا أمرهم حتى الآن نحو الذهاب إلى حل سياسي".برأيه مصر لا تستطيع الاستقلال عن الموقف السعودي بسبب الضغط الاقتصادي الذي تلعب السعودية دور الرافعة له منذ استلام السيسي للحكم، إضافة إلى أن مصر لم تستعد بعد فاعلتيها وعافيتها السياسية.ينتظر عتريسي ليرى مفاعيل المصالحة المصرية القطرية، و"هو أمر يتوقع أن يحسن وضع السيسي". هناك أيضاً تركيا التي تعرقل الحلول. موقف مصر من إيران ليس واضحاً تماماً إلى الآن. كل هذه العوامل تحتاج برأيه إلى مواقف واضحة حتى تستطيع مصر القيام بمبادرة.هناك احتمال آخر لا يغفله عتريسي. أن يكون السعوديون موافقين على التحرك المصري الأخير كبدايات لما يعجزون عن القيام به في الوقت الحاضر. بمعنى أن تكون هناك مراجعة سعودية لمقاربتهم الملف السوري لكنهم يحتاجون إلى من ينزلهم عن الشجرة. مصر تلعب هنا دور الوسيط. يتحرك المصريون ويفتحون الأبواب تمهيدا لعودة السعوديين إلى طاولة الحل.بكل الأحوال هناك موقف مصري مبدئي وضمني، "بمعزل عن الضغوط التي تتحكم بمواقفه، هو يفضل بقاء النظام في سوريا وبقاء الجيش موحدا، لأن فرط الجيش وسقوط النظام يعني سيطرة داعش والإخوان وباقي الجماعات على سوريا وهذا يهدد النظام في مصر".الدليل على ذلك بحسب عتريسي هو أن السيسي لم يعلن منذ انتخابه أنه ضد النظام أو أنه مؤيد لما يسمى "الثورة" في سوريا. يشير على هذا الصعيد إلى أن سوريا في ثقافة الجيش المصري تعتبر جزءاً من الأمن القومي المصري. لا ننسى ثقافة الوحدة المصرية السورية. يضيف إلى ذلك أن مصر كانت تاريخيا تدافع عن نفسها في المشرق بين سوريا وفلسطين. "كان محمد علي باشا يحمي نفسه بهذه الطريقة وهذا الأمر موجود في الثقافة الاستراتيجية المصرية".  الأمن القومي المصري على المحك  في معرض الحديث عن النظرة المصرية إلى الأزمة السورية يعتبر رئيس قسم الشؤون الدولية في مجلة "الأهرام العربي" أسامة الدليل أنه منذ تولى سامح شكري رئاسة الخارجية المصرية هناك دبلوماسية مصرية جديدة تنظر بعين الاعتبار إلى مصالح الأمن القومي المصري. سوريا بحسب الدليل تقع في عمق هذه المصالح إن لم تكن في قلبها.بتفصيل أكثر يسهب الدليل في شرح وجهة نظره:الهدف الاستراتيجي المصري هو الحفاظ على وحدة وسلامة التراب السوري وشعبه. نرى أن الحل في سوريا سياسي. التدخل الخارجي فضلاً عن أنه فشل فشلا ذريعا فهو لم يعد صالحاً. من هنا يأتي التحرك المصري الأخير تجاه المؤمنين بالحل السياسي. المصلحة المصرية تقتضي حل المشكلة التي اصطنعت في سوريا. أحد أهداف هذه المشكلة محاصرة الدور المصري ومحاصرة مصر جيوسياسياً في المنطقة. القاهرة لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي وهي في عمق الشرق الأوسط. ما يحدث في سوريا تداعياته خطرة على الأمن المصري ولا تقل خطورته عن تداعيات الموقف الليبي. يأتي الدور المصري كما يرى الدليل في ظل المعطيات التالية:- حجم التهديدات والمخاطر التي سيتعرض لها شرق حوض البحر المتوسط عام 2015.- إعادة رسم خارطة التوازنات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى من العالم وسوريا مفتاح مهم في استقرارها.- سوق النفط والغاز والصراعات التي تدور حوله.يخلص الدليل إلى القول إن كل هذه المعطيات تدفع الجميع إلى ايجاد حل بأسرع ما يمكن للمشكلة في سوريا، و"إذا كانت أميركا على استعداد للتعامل مع كوبا ومع إيران فليس مستبعداً على الاطلاق أن تتعامل بانفتاح وبعقلانية أكثر مع الملف السوري".ويشير إلى أن أي دور مصري لا بد أن يراعي السيادة السورية بكل أجهزتها. لا يستبعد استناداً إلى ذلك أن تكون الجهود المصرية شملت السلطة، إذ "لا يمكن أن تقدم مصر على أية مبادرة من دون أن تكون أجرت حساباتها بشكل جيد مع طرفي السلطة والمعارضة".

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة