لا يبدي الأردنيون قلقاً كبيراً لسقوط طيارهم معاذ الكساسبة بيد عناصر زعيم «تنظيم» الدولة الإسلامية في العراق والشام» ــ «داعش» أبو بكر البغدادي.

إلا أن أكثر ما يجعل من الأردنيين، ومعهم أسراب تحالف الدول ضد الإرهاب، عرضة للقلق، ليس مصير الطيار نفسه، بل سقوط طائرة «اف 16» بصاروخ روسي متواضع، في عملية «كلاسيكية» فوق مواقع «داعش» في الرقة.

وكانت طائرة التحالف الأولى التي تطالها صواريخ «داعش»، منذ بدء حملة التحالف الجوية ضده، قبل ثلاثة أشهر تماماً، قد اشتعلت بعد أن أصابها صاروخ من طراز «إيغلا»، أطلق من موقع فوق جبل العكيرشي جنوب شرق مدينة الرقة.

وتقول مصادر سورية إن طائرة الملازم الأول الطيار معاذ الكساسبة، كانت تشارك في عملية لأسراب التحالف العربي ـــ الأميركي عندما أصيبت صباح أمس بصاروخ «ايغلا».

وكانت الرادارات السورية في المنطقة سجلت تحليق الطيار الأردني الشاب على ارتفاع منخفض، لحظة إصابة الصاروخ الروسي طائرة الـ«أف 16»، متجاهلا الدفاع الجوي لـ «داعش» في المنطقة، ووجود كميات كبيرة من الصواريخ المضادة للطائرات بيده، كان قد استولى عليها من مخازن «الجيش الحر» وبقية الفصائل المسلحة، خلال عملية تصفيتها وإخراجها من الرقة.

واستبق الأردنيون أي ابتزاز يلجأ إليه «داعش» بتهديد حياة أسيرهم الكساسبة «بتحميل التنظيم ومن يدعمه مسؤولية سلامة الطيار» فيما كانت قيادة سلاح الجو الأردني تطمئن والد الطيار يوسف الكساسبة، بأن «الملك (عبد الله الثاني) يتابع ويهتم بإنقاذ حياة نجلك». وقال مصدر مسؤول إن الملك عبد الله اجتمع مع كبار القادة في القيادة العسكرية الأردنية حيث أنشئت غرفة عمليات بعد أسر الطيار.

لكن أول رسائل التطمين الحقيقية أتت من «داعش» نفسه، إذا ما صح انه وضع حياة أسيره الأردني، بيد الضباط العراقيين والبعثيين السابقين، بمنأى عن تهديدات الشيشانيين والقائد العسكري عمر الشيشاني، الذين طالبوا بقتل رهينتهم على الفور، حين تم إلقاء القبض عليه في مستنقع يحاذي الفرات السوري، عند بلدة الكرامة جنوب شرق الرقة.

وجلي أن العراقيين، أصحاب القرار في «داعش»، يدركون شبكة العلاقات الواسعة التي تقيمها المخابرات الأردنية، على مقربة من تنظيمهم، وفي داخله، ووجود حلقات من المقربين من التنظيم في عمان نفسها لا سيما من ضباط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وستتعرض المخابرات الأردنية إلى اختبار لنفوذها، لدى هؤلاء الذين أقامت معهم علاقات قوية، ومع العشائر السنية التي تحيط بهم، خلال حقبة المقاومة ضد الاحتلال الأميركي، كما استقبلت، ولا تزال تستقبل، المئات منهم. وتملك المخابرات الأردنية ورقة قوية، إذا ما قرر «داعش» التفاوض، من خلال وجود العشرات من أفراده في القبضة الأردنية.

وعلى المقلب الآخر لإسقاط الطائرة الأردنية تبدو الإستراتيجية السورية أكثر فاعلية في مواجهة «الدولة الإسلامية». فخلال الشهرين الماضيين شن الطيران السوري 2974 غارة على مواقع المجموعات السورية المسلحة، ثلثها استهدف «داعش»، في شمال حلب ودير الزور والرقة، من دون أن يتعرض لأي خسائر على الإطلاق.

ويأتي إسقاط الطائرة من موقع كانت القوات الخاصة الأميركية قد نزلت فيه، في الرابع من تموز الماضي وأخفقت في إنقاذ الرهينة جيمس فولي، ليوضح محدودية المعلومات التي يملكها التحالف عن تسلح «داعش» الصاروخي، فضلا عن تراجع بنك الأهداف.

ويبدو أن الأميركيين يجهلون أن «داعش» أعاد نصب صواريخ في معسكر بن لادن الذي كان هدف الهجوم، بعد أن قامت قوة «دلتا» المهاجمة آنذاك بتدمير أنظمة الدفاع الجوي فيه.

ومن المبكر القول ما إذا كان إسقاط الطائرة يستدعي مراجعة إستراتيجية الضربات، لكنه سيسهم في إبقاء إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على خطها الحالي بوضع أولويتها السورية والعراقية في مواجهة الإرهاب و«داعش»، وإسقاط أي مقاربة تستدعي ضرب النظام السوري، وهو ما سيعززه صاروخ «ايغلا» وتهديد «الدولة الإسلامية» للضربات الجوية. لكن غياب التنسيق مع قوات على الأرض، سيشكل ثغرة في فعالية تلك الضربات، فيما بينت معارك دير الزور ومطاره قدرة الجيش السوري وتلازم عمليات الجو والبر، على إنزال خسائر مضاعفة لم تستطع كل عمليات التحالف أن تلحقها بجيش البغدادي.

  • فريق ماسة
  • 2014-12-24
  • 6966
  • من الأرشيف

«داعش» يُسقط أول طائرة لـ«التحالف» فوق الرقة: ضربة لسياسة الغارات.. وامتحان للنفوذ الأردني

لا يبدي الأردنيون قلقاً كبيراً لسقوط طيارهم معاذ الكساسبة بيد عناصر زعيم «تنظيم» الدولة الإسلامية في العراق والشام» ــ «داعش» أبو بكر البغدادي. إلا أن أكثر ما يجعل من الأردنيين، ومعهم أسراب تحالف الدول ضد الإرهاب، عرضة للقلق، ليس مصير الطيار نفسه، بل سقوط طائرة «اف 16» بصاروخ روسي متواضع، في عملية «كلاسيكية» فوق مواقع «داعش» في الرقة. وكانت طائرة التحالف الأولى التي تطالها صواريخ «داعش»، منذ بدء حملة التحالف الجوية ضده، قبل ثلاثة أشهر تماماً، قد اشتعلت بعد أن أصابها صاروخ من طراز «إيغلا»، أطلق من موقع فوق جبل العكيرشي جنوب شرق مدينة الرقة. وتقول مصادر سورية إن طائرة الملازم الأول الطيار معاذ الكساسبة، كانت تشارك في عملية لأسراب التحالف العربي ـــ الأميركي عندما أصيبت صباح أمس بصاروخ «ايغلا». وكانت الرادارات السورية في المنطقة سجلت تحليق الطيار الأردني الشاب على ارتفاع منخفض، لحظة إصابة الصاروخ الروسي طائرة الـ«أف 16»، متجاهلا الدفاع الجوي لـ «داعش» في المنطقة، ووجود كميات كبيرة من الصواريخ المضادة للطائرات بيده، كان قد استولى عليها من مخازن «الجيش الحر» وبقية الفصائل المسلحة، خلال عملية تصفيتها وإخراجها من الرقة. واستبق الأردنيون أي ابتزاز يلجأ إليه «داعش» بتهديد حياة أسيرهم الكساسبة «بتحميل التنظيم ومن يدعمه مسؤولية سلامة الطيار» فيما كانت قيادة سلاح الجو الأردني تطمئن والد الطيار يوسف الكساسبة، بأن «الملك (عبد الله الثاني) يتابع ويهتم بإنقاذ حياة نجلك». وقال مصدر مسؤول إن الملك عبد الله اجتمع مع كبار القادة في القيادة العسكرية الأردنية حيث أنشئت غرفة عمليات بعد أسر الطيار. لكن أول رسائل التطمين الحقيقية أتت من «داعش» نفسه، إذا ما صح انه وضع حياة أسيره الأردني، بيد الضباط العراقيين والبعثيين السابقين، بمنأى عن تهديدات الشيشانيين والقائد العسكري عمر الشيشاني، الذين طالبوا بقتل رهينتهم على الفور، حين تم إلقاء القبض عليه في مستنقع يحاذي الفرات السوري، عند بلدة الكرامة جنوب شرق الرقة. وجلي أن العراقيين، أصحاب القرار في «داعش»، يدركون شبكة العلاقات الواسعة التي تقيمها المخابرات الأردنية، على مقربة من تنظيمهم، وفي داخله، ووجود حلقات من المقربين من التنظيم في عمان نفسها لا سيما من ضباط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وستتعرض المخابرات الأردنية إلى اختبار لنفوذها، لدى هؤلاء الذين أقامت معهم علاقات قوية، ومع العشائر السنية التي تحيط بهم، خلال حقبة المقاومة ضد الاحتلال الأميركي، كما استقبلت، ولا تزال تستقبل، المئات منهم. وتملك المخابرات الأردنية ورقة قوية، إذا ما قرر «داعش» التفاوض، من خلال وجود العشرات من أفراده في القبضة الأردنية. وعلى المقلب الآخر لإسقاط الطائرة الأردنية تبدو الإستراتيجية السورية أكثر فاعلية في مواجهة «الدولة الإسلامية». فخلال الشهرين الماضيين شن الطيران السوري 2974 غارة على مواقع المجموعات السورية المسلحة، ثلثها استهدف «داعش»، في شمال حلب ودير الزور والرقة، من دون أن يتعرض لأي خسائر على الإطلاق. ويأتي إسقاط الطائرة من موقع كانت القوات الخاصة الأميركية قد نزلت فيه، في الرابع من تموز الماضي وأخفقت في إنقاذ الرهينة جيمس فولي، ليوضح محدودية المعلومات التي يملكها التحالف عن تسلح «داعش» الصاروخي، فضلا عن تراجع بنك الأهداف. ويبدو أن الأميركيين يجهلون أن «داعش» أعاد نصب صواريخ في معسكر بن لادن الذي كان هدف الهجوم، بعد أن قامت قوة «دلتا» المهاجمة آنذاك بتدمير أنظمة الدفاع الجوي فيه. ومن المبكر القول ما إذا كان إسقاط الطائرة يستدعي مراجعة إستراتيجية الضربات، لكنه سيسهم في إبقاء إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على خطها الحالي بوضع أولويتها السورية والعراقية في مواجهة الإرهاب و«داعش»، وإسقاط أي مقاربة تستدعي ضرب النظام السوري، وهو ما سيعززه صاروخ «ايغلا» وتهديد «الدولة الإسلامية» للضربات الجوية. لكن غياب التنسيق مع قوات على الأرض، سيشكل ثغرة في فعالية تلك الضربات، فيما بينت معارك دير الزور ومطاره قدرة الجيش السوري وتلازم عمليات الجو والبر، على إنزال خسائر مضاعفة لم تستطع كل عمليات التحالف أن تلحقها بجيش البغدادي.

المصدر : السفير/ محمد بلوط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة