زيارة نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف كانت لبيروت محور تحليلات واستنتاجات، لكن أغربها ما يتداوله البعض عن تسرّب معلومات عن لقائه مع السيد حسن نصرالله،مضمونها أنّ سوء فهم ساد اللقاء بسبب إبلاغ بوغدانوف لنصرالله أنّ حلاً قادماً لسورية من دون الرئيس بشار الأسد هو ما يشتغل عليه الساسة والديبلوماسيون في روسيا.

- الغريب العجيب هو أن يصدق البعض هذه الرواية، وأيّ تفكير منطقي يكفي لتفكيكها، فكيف إذا توافرت المعلومات عن مضمون المهمة التي جاء لأجلها بوغدانوف؟

- يكفي السؤال كيف يمكن أن تكون هذه مهمة بوغدانوف، مكلفاً من موسكو إبلاغ السيد نصرالله، والروس يعرفون أنّ موقف السيد نصرالله لن يكون في أسوأ الأحوال إلا منسقاً مع إيران، فإنْ كانت إيران لا تشارك روسيا هذا الموقف فلماذا يغامر الروسي بالحديث مع نصرالله في أمر معلوم سلفاً أنه بلا فائدة، ولن يكسب بوغدانوف إلا سواد الوجه، وإنْ كانت طهران تشارك موسكو في الرأي، فلماذا تتولى موسكو إبلاغ السيد نصرالله، بينما الأفضل والأسهل والأشدّ عملية أن تتولى طهران هذه المهمة، ثم لماذا لم يثابر مروّجو ادّعاء المعرفة على القول إنّ رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني قد جاء للمهمة نفسها إذا كان قولهم في مكانه؟

- كيف يستقيم الكلام عن المزاعم المنسوبة إلى بوغدانوف وهو يتنقل على خط بيروت دمشق ويلتقي الرئيس بشار الأسد وتخرج المواقف السورية ترحب بمهمة بوغدانوف، التي لن يخفى على الرئيس الأسد منها ما يكون قد أبلغه بوغدانوف للسيد نصرالله، والرد الطبيعي هو عدم استقباله في مثل هذه الحال، بينما المؤكد والثابت أن الرئيس الأسد كان شديد الارتياح لمهمة بوغدانوف ومواقفه هذه المرة خلافاً لمرات كثيرة سابقة.

- كيف يمكن لعقل طبيعي ترويج فرضية مساومة روسية على سورية ورئيسها في المرحلة التي لا تبعد أياماً عن كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أنقرة التي خصص المؤتمر الصحافي في ختام زيارتها لها للإشادة بشعبية وشرعية رئاسة الأسد واعتبار الاعتراف بها وتكريسها نقطة الانطلاق للحلول السياسية، وفي الوقت الذي تقول فيه موسكو بلسان بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف أن سورية حسمت بصمودها وثبات رئيسها وجيشها وشعبها الحرب عليها، وتعتبر أن لا شرعية للحرب على الإرهاب ما لم تكن سورية جزءاً عضوياً منها، بينما لم يتم مثل هذا الترويج في الوقت الذي كانت روسيا وعلى لسان بوغدانوف قد قالت قبل سنتين أنها لا تدافع عن شخص بعينه بل عن القانون الدولي، ليبني البعض على الكلام ترويجاً لاستعداد روسي للتفاوض على مستقبل الأسد، فتستعجل موسكو التوضيح وبلسان بوغدانوف نفسه أن الكلام مجتزأ ولا يمكن تفسيره بالطريقة التي تمت، بينما كانت سورية حينها في وضع عسكري لا يقارن بوضع جيشها اليوم ولا كانت المعارضة المسلحة بحال يرثى لها كالتي تعيشها اليوم، ولا العالم كان يردد ما قاله الأسد منذ بدء الأزمة عن دور الإرهاب كما يفعل اليوم؟

- كثيرة هي الأشياء والوقائع والمعادلات المنطقية التي يسهل إيرادها لتتفيه وتسخيف ما يجري ترويجه، لكن حسماً للأمر يكفي القول إنّ الرئيس بوتين الذي كلف بوغدانوف بتولي مهمة ممثله الشخصي للشرق الأوسط أراد من إيفاده بهذه المهمة، أن يبيّض وجهه ويقدّمه بصورة تؤسّس له مكانة معاكسة لما سبّبته تصريحات سابقة صادرة عنه في زمن المناورة الروسية أمام الهجمة الأميركية، فحمّله الهدايا الثمينة التي أراد إيصالها إلى الرئيس الأسد والسيد نصرالله، هدايا ثمينة وثمينة جداً، وليفهم من يريد أن يفهم، هي التي حملها بوغدانوف من رئيسه بوتين ووزير خارجيته لافروف.

  • فريق ماسة
  • 2014-12-24
  • 10313
  • من الأرشيف

بوغدانوف ونصرالله والأسد: الهدايا الثمينة

زيارة نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف كانت لبيروت محور تحليلات واستنتاجات، لكن أغربها ما يتداوله البعض عن تسرّب معلومات عن لقائه مع السيد حسن نصرالله،مضمونها أنّ سوء فهم ساد اللقاء بسبب إبلاغ بوغدانوف لنصرالله أنّ حلاً قادماً لسورية من دون الرئيس بشار الأسد هو ما يشتغل عليه الساسة والديبلوماسيون في روسيا. - الغريب العجيب هو أن يصدق البعض هذه الرواية، وأيّ تفكير منطقي يكفي لتفكيكها، فكيف إذا توافرت المعلومات عن مضمون المهمة التي جاء لأجلها بوغدانوف؟ - يكفي السؤال كيف يمكن أن تكون هذه مهمة بوغدانوف، مكلفاً من موسكو إبلاغ السيد نصرالله، والروس يعرفون أنّ موقف السيد نصرالله لن يكون في أسوأ الأحوال إلا منسقاً مع إيران، فإنْ كانت إيران لا تشارك روسيا هذا الموقف فلماذا يغامر الروسي بالحديث مع نصرالله في أمر معلوم سلفاً أنه بلا فائدة، ولن يكسب بوغدانوف إلا سواد الوجه، وإنْ كانت طهران تشارك موسكو في الرأي، فلماذا تتولى موسكو إبلاغ السيد نصرالله، بينما الأفضل والأسهل والأشدّ عملية أن تتولى طهران هذه المهمة، ثم لماذا لم يثابر مروّجو ادّعاء المعرفة على القول إنّ رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني قد جاء للمهمة نفسها إذا كان قولهم في مكانه؟ - كيف يستقيم الكلام عن المزاعم المنسوبة إلى بوغدانوف وهو يتنقل على خط بيروت دمشق ويلتقي الرئيس بشار الأسد وتخرج المواقف السورية ترحب بمهمة بوغدانوف، التي لن يخفى على الرئيس الأسد منها ما يكون قد أبلغه بوغدانوف للسيد نصرالله، والرد الطبيعي هو عدم استقباله في مثل هذه الحال، بينما المؤكد والثابت أن الرئيس الأسد كان شديد الارتياح لمهمة بوغدانوف ومواقفه هذه المرة خلافاً لمرات كثيرة سابقة. - كيف يمكن لعقل طبيعي ترويج فرضية مساومة روسية على سورية ورئيسها في المرحلة التي لا تبعد أياماً عن كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أنقرة التي خصص المؤتمر الصحافي في ختام زيارتها لها للإشادة بشعبية وشرعية رئاسة الأسد واعتبار الاعتراف بها وتكريسها نقطة الانطلاق للحلول السياسية، وفي الوقت الذي تقول فيه موسكو بلسان بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف أن سورية حسمت بصمودها وثبات رئيسها وجيشها وشعبها الحرب عليها، وتعتبر أن لا شرعية للحرب على الإرهاب ما لم تكن سورية جزءاً عضوياً منها، بينما لم يتم مثل هذا الترويج في الوقت الذي كانت روسيا وعلى لسان بوغدانوف قد قالت قبل سنتين أنها لا تدافع عن شخص بعينه بل عن القانون الدولي، ليبني البعض على الكلام ترويجاً لاستعداد روسي للتفاوض على مستقبل الأسد، فتستعجل موسكو التوضيح وبلسان بوغدانوف نفسه أن الكلام مجتزأ ولا يمكن تفسيره بالطريقة التي تمت، بينما كانت سورية حينها في وضع عسكري لا يقارن بوضع جيشها اليوم ولا كانت المعارضة المسلحة بحال يرثى لها كالتي تعيشها اليوم، ولا العالم كان يردد ما قاله الأسد منذ بدء الأزمة عن دور الإرهاب كما يفعل اليوم؟ - كثيرة هي الأشياء والوقائع والمعادلات المنطقية التي يسهل إيرادها لتتفيه وتسخيف ما يجري ترويجه، لكن حسماً للأمر يكفي القول إنّ الرئيس بوتين الذي كلف بوغدانوف بتولي مهمة ممثله الشخصي للشرق الأوسط أراد من إيفاده بهذه المهمة، أن يبيّض وجهه ويقدّمه بصورة تؤسّس له مكانة معاكسة لما سبّبته تصريحات سابقة صادرة عنه في زمن المناورة الروسية أمام الهجمة الأميركية، فحمّله الهدايا الثمينة التي أراد إيصالها إلى الرئيس الأسد والسيد نصرالله، هدايا ثمينة وثمينة جداً، وليفهم من يريد أن يفهم، هي التي حملها بوغدانوف من رئيسه بوتين ووزير خارجيته لافروف.

المصدر : البناء


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة