معروف أنّ العمود الفقري لكلّ الحركات المتشدّدة التي قاتلت في أفغانستان والشيشان وكوسوفو والبوسنة ولاحقاً في العراق وفي سورية وفي ليبيا تحت راية تنظيمات القاعدة المختلفة هم من حملة الجنسية السعودية.

التفسير السائد لكثافة هذه المشاركة يركّز عادةً على عاملين أساسيين، كان فعلاً لهما تأثير كبير في صنع هذه الظاهرة، العامل الأول، المذهب الوهابي الذي تعتمده المملكة السعودية، وتعاليم هذا المذهب تكفّر المذاهب الإسلامية الأخرى سنيّة أو شيعية أو أيّ مذهب آخر، كما أنها تتخذ مواقف متشدّدة من الديانات الأخرى تصل إلى حدّ اعتماد حرب الإبادة ضدّ أتباع هذه الديانات.

العامل الثاني، توظيف حكومة المملكة الشباب المتطرف من أتباع المذهب الوهابي في حروب الخارج تحت تأثير دوافع متعددة، أبرزها خدمة السياسات والاستراتيجيات الغربية، وتحديداً الأميركية، والتخلص من خطر تحوّل هؤلاء الشباب إلى معارضة قد تطيح بالنظام الملكي السعودي أو تسهم في خلق وضع مضطرب وغير مستقرّ في ضوء تجربة الهجوم الذي قاده جهيمان العتيبي في عام 1979 في مكة المكرمة.

لكن ثمة عاملاً آخر هو الذي يفسّر أكثر من غيره ميل الشباب السعودي نحو التطرف والانخراط في الجماعات والحركات المسلحة وممارسة العنف بكلّ أشكاله، ولا سيما ذلك الشكل الذي يتنافى مع أيّ قيم إنسانية وأخلاقية، وعادة ما تغفل هذا العامل الكثير من المقاربات والتحليلات التي عادةً ما يعتمدها محللون وكتاب عرب، ويكمن هذا العامل في البعد الاجتماعي، أيّ مستوى الفقر في المملكة العربية السعودية، لأنّ الانطباع السائد أنّ المملكة بما لديها من ثروات نفطية لا وجود للفقر فيها ولا يشكل البعد الاجتماعي عنصراً في تحليل الظواهر التي تطفو على السطح السياسي في أكبر دولة في جزيرة العرب.

 

لكن الوقائع الموضوعية تشير إلى عكس ذلك، وتؤكد أنّ جذور ميول التطرف لدى الشباب في المملكة العربية السعودية تكمن في البعد الاجتماعي، وفي هذا السياق يلحظ الخبراء والدارسون لشؤون المملكة وجود بعدين، الأول يتمثل في معدل الزيادة السكانية، والثاني بمستوى الدخل لدى عامة المواطنين. فقد ارتفع عدد سكان المملكة من 3.5 مليون نسمة في عام 1950 إلى 21.7 مليون نسمة عام 2002. ويتوقع الخبراء أن يصل عدد سكان المملكة إلى 40 مليون نسمة في عام 2025 وهذا النمو السريع في عدد السكان يشير، تبعاً للإحصائيات ذاتها، إلى أنّ المجتمع في المملكة فتيٌّ إذ أنّ 75 من السكان كانوا دون سنّ الثلاثين من العمر في عام 2002.

 

كما أنّ مستوى دخل عامة المواطنين متدنّ للغاية، فقد هبط مستوى الدخل من 28.600 دولار في السنة عام 1981 إلى 6.800 دولار عام 2001. وبديهي أنّ هذا التراجع في مستوى الدخل وارتفاع معدل البطالة في صفوف الشباب والمثقفين الجامعيين التي وصلت إلى 30 ، بديهي أن يؤدّي ذلك إلى بروز ظواهر مثل ظاهرة التشدّد وميل الشباب الانضمام إلى الحركات والقوى التي تتبنى أساليب العنف والإرهاب، فالعامل الاجتماعي، إضافةً إلى التعصب المذهبي والديني، وسعي الحكومة لتصدير غضب الشباب نحو الخارج، جميعها عوامل تفسّر مجتمعة هذه الظاهرة، وليس فقط العوامل التي عادة ما يركز عليها الباحثون والمحللون.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2014-12-15
  • 7799
  • من الأرشيف

لماذا يشكل السعوديون العمود الفقري للحركات المتشدّدة المسلحة؟

معروف أنّ العمود الفقري لكلّ الحركات المتشدّدة التي قاتلت في أفغانستان والشيشان وكوسوفو والبوسنة ولاحقاً في العراق وفي سورية وفي ليبيا تحت راية تنظيمات القاعدة المختلفة هم من حملة الجنسية السعودية. التفسير السائد لكثافة هذه المشاركة يركّز عادةً على عاملين أساسيين، كان فعلاً لهما تأثير كبير في صنع هذه الظاهرة، العامل الأول، المذهب الوهابي الذي تعتمده المملكة السعودية، وتعاليم هذا المذهب تكفّر المذاهب الإسلامية الأخرى سنيّة أو شيعية أو أيّ مذهب آخر، كما أنها تتخذ مواقف متشدّدة من الديانات الأخرى تصل إلى حدّ اعتماد حرب الإبادة ضدّ أتباع هذه الديانات. العامل الثاني، توظيف حكومة المملكة الشباب المتطرف من أتباع المذهب الوهابي في حروب الخارج تحت تأثير دوافع متعددة، أبرزها خدمة السياسات والاستراتيجيات الغربية، وتحديداً الأميركية، والتخلص من خطر تحوّل هؤلاء الشباب إلى معارضة قد تطيح بالنظام الملكي السعودي أو تسهم في خلق وضع مضطرب وغير مستقرّ في ضوء تجربة الهجوم الذي قاده جهيمان العتيبي في عام 1979 في مكة المكرمة. لكن ثمة عاملاً آخر هو الذي يفسّر أكثر من غيره ميل الشباب السعودي نحو التطرف والانخراط في الجماعات والحركات المسلحة وممارسة العنف بكلّ أشكاله، ولا سيما ذلك الشكل الذي يتنافى مع أيّ قيم إنسانية وأخلاقية، وعادة ما تغفل هذا العامل الكثير من المقاربات والتحليلات التي عادةً ما يعتمدها محللون وكتاب عرب، ويكمن هذا العامل في البعد الاجتماعي، أيّ مستوى الفقر في المملكة العربية السعودية، لأنّ الانطباع السائد أنّ المملكة بما لديها من ثروات نفطية لا وجود للفقر فيها ولا يشكل البعد الاجتماعي عنصراً في تحليل الظواهر التي تطفو على السطح السياسي في أكبر دولة في جزيرة العرب.   لكن الوقائع الموضوعية تشير إلى عكس ذلك، وتؤكد أنّ جذور ميول التطرف لدى الشباب في المملكة العربية السعودية تكمن في البعد الاجتماعي، وفي هذا السياق يلحظ الخبراء والدارسون لشؤون المملكة وجود بعدين، الأول يتمثل في معدل الزيادة السكانية، والثاني بمستوى الدخل لدى عامة المواطنين. فقد ارتفع عدد سكان المملكة من 3.5 مليون نسمة في عام 1950 إلى 21.7 مليون نسمة عام 2002. ويتوقع الخبراء أن يصل عدد سكان المملكة إلى 40 مليون نسمة في عام 2025 وهذا النمو السريع في عدد السكان يشير، تبعاً للإحصائيات ذاتها، إلى أنّ المجتمع في المملكة فتيٌّ إذ أنّ 75 من السكان كانوا دون سنّ الثلاثين من العمر في عام 2002.   كما أنّ مستوى دخل عامة المواطنين متدنّ للغاية، فقد هبط مستوى الدخل من 28.600 دولار في السنة عام 1981 إلى 6.800 دولار عام 2001. وبديهي أنّ هذا التراجع في مستوى الدخل وارتفاع معدل البطالة في صفوف الشباب والمثقفين الجامعيين التي وصلت إلى 30 ، بديهي أن يؤدّي ذلك إلى بروز ظواهر مثل ظاهرة التشدّد وميل الشباب الانضمام إلى الحركات والقوى التي تتبنى أساليب العنف والإرهاب، فالعامل الاجتماعي، إضافةً إلى التعصب المذهبي والديني، وسعي الحكومة لتصدير غضب الشباب نحو الخارج، جميعها عوامل تفسّر مجتمعة هذه الظاهرة، وليس فقط العوامل التي عادة ما يركز عليها الباحثون والمحللون.    

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة