دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تأتي جولة بوغدانوف الأخيرة على المنطقة في ظل تغيّر المشهد السياسي عما كان عليه في بداية الأزمة السورية.. "أيام الأسد باتت معدودة" طواها النسيان،
تقارب روسي تركي في ملف الغاز، داعش، موقف مصري متمايز، تغير الأولويات الأميركية وصمت أميركي تجاه المبادرة الروسية، تراجع حماسة بعض دول الخليج للتدخل وإعادة فتح السفارة السورية في الكويت..
رفض بوغدانوف الإدلاء بأي تصريح وهو يغادر دمشق منذ أيام. لكنه من بيروت التي زارها بعد الشام أكد أن مساعي موسكو هي العمل على إيجاد حل سلمي في سوريا. أشار خصوصاً إلى "الحكومة الشرعية" في دمشق. العبارة الأخيرة تكررت على لسانه مرات عدة كأنه أراد من ذلك وضع خطين تحتها. إذ سبق أن أعلنها عقب لقائه نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في سوريا، وفي غيرها من اللقاءات.جولة بوغدانوف التي شملت دولاً فاعلة في الملف السوري أوحت لبعض المراقبين بأن الرياح الإقليمية تغيرت. في معرض قناعاتهم يشير هؤلاء إلى صمت واشنطن تجاه المبادرة الروسية. لم يصدر إلى الآن أي تصريح رسمي أميركي حول الموضوع. العم سام بات لديه أولويات مختلفة. لم يعد إسقاط النظام السوري يحتل قائمة هذه الأولويات.ثمة من يشير إلى أن إدارة أوباما المنهكة والمتعطشة إلى إنجاز قبل انتهاء ولاية رئيسها تريد إغلاق الملف السوري بأقل الخسائر الممكنة. لا يبدو هذا الأمر قريباً. لكن هذه الإدارة نفسها سبق أن تورطت في عز الأزمة بتحديد مواعيد لسقوط الأسد. بالتزامن مع تحرك بوغدانوف هناك من يتحدث عن أن قواعد اللعبة تغيرت. المحور الروسي الإيراني السوري بات راسخاً ومعترفا به أكثر من السابق. الظروف السياسية لم تعد هي نفسها مقارنة بتلك التي كانت في بداية الأزمة. بعض دول الخليج بات يدرك أنه يخوض حرب استنزاف طويلة لا يستطيع الاستمرار فيها. انخفاض سعر النفط بات يشكل عبئاً قلص القدرة أو الرغبة بتمويل الحرب على سوريا. المعارضة التي توصف بالمعتدلة لم تحقق الهدف الأساسي من إنشائها بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة على الأزمة. وسط هذه الظروف تعلن الكويت عزمها على إعادة فتح السفارة السورية وتقدم تأشيرات لثلاثة دبلوماسيين سوريين.. مؤشرات يضعها بعض المتابعين في سياق التغيرات التي طالت ظروف الحرب على سوريا. بيان القمة الخليجية في الدوحة مؤخرا دليل آخر. لم يطالب البيان بإسقاط النظام. ذهب باتجاه الحديث عن حل سلمي للأزمة.إلى ذلك هناك التطورات الميدانية على الأرض. في حلب يقترب الجيش السوري إلى حد كبير من محاصرة المدينة وقطع خطوط الإمداد عن المسلحين. إذا فعل ذلك تصبح معظم المدن السورية تحت سيطرته، ويفرض واقعاً جديداً على أعتاب خطة دي مستورا.
خلفيات الحراك الروسي
يعتبر الباحث في الشؤون الاستراتيجية محمد خواجة أن هناك ارتباكا أميركياً حول كيفية التعامل مع المسألة السورية. ويشير إلى أن الجيش السوري أثبت أنه الكتلة الميدانية الأكثر قدرة وفاعلية لا سيما في ظل الحرب على داعش.
لكنه مع ذلك لا يرى حظوظاً عالية في كل ما يحكى عن حل سياسي، "لأن الرهانات الاقليمية لم تسقط نهائياً ولا يزال الاشتباك الأميركي الروسي قائماً".فرغم صمود الجيش السوري وإنجازاته لم توجه للطرف المقابل هزيمة استراتيجية. يشرح: "الجماعات مثل الأفراد ليس من السهل عليها التراجع دفعة واحدة عن مواقفها". ويضيف "صحيح أن الأميركي لم يتجاوب مع المطلب التركي بإقامة منطقة عازلة أو منطقة حظر طيران لكنه لم يتراجع عن شعاراته القديمة، وهو يتعامل بواقعية مع ما يجري ويخشى مفاعيل أي خطوة من هذا النوع".لماذا إذاً هذا الحراك الروسي؟يجيب: "إذا لم يكتب النجاح للمحاولة الروسية، فبحد أدنى يكون الروسي حاول أن يهيئ لمرحلة لاحقة قد تحمل حلاً". من هنا يعمل الروس في هذه المرحلة على فرز المعارضة ويجرون اختبارات عملانية لفصائلها وشخصياتها المتعددة. لقاءاتهم لم تستثن "الائتلاف" رغم علمهم أن مناطق نفوذ الأخير وجدواه لم تعد فعالة، إضافة إلى التراجع من قبل الداعمين له. ضمن هذا الإطار، وعلى وقع ما يحصل في الميدان السوري، تحاول روسيا أن تتحرك دبلوماسياً.يصف خواجة هذه المرحلة بأنها مرحلة وضع الأوراق على الطاولة من قبل جميع الأطراف، حيث القدرة على المناورة باتت ضيقة.ويؤكد أن الخلافات لا زالت قائمة ونقاط التقاطع تتصف بالعمومية، لكن الأهم أن الوضع في سوريا لا يمكن فصله عما يجري في العراق، ولا يمكن فصل الأمرين عما يحدث في المنطقة من إعادة رسم للتوازنات السياسية، ولا يمكن فصل كل ذلك عن الوضع الروسي الذي يتعرض لضغوط أمنية و"هناك محاولة لاصطياده اليوم في الداخل". يشير خواجة في هذا السياق إلى التفجيرات التي طالت غروزني منذ أسابيع. ويعتبر هذا الأمر مؤشرا خطيراً جاء بعد سنوات طويلة من إخماد التمرد الشيشاني. لا تغيب هنا حروب النفط والغاز، واستمرار انهيار العملة الوطنية الروسية، وأحداث أوكرانيا. هذا المشهد يجده خواجة مترابطاً و"هناك صعوبة كبرى في فصل وتحييد الملفات". لهذا السبب جاءت مبادرة دي مستورا الذي "يعرف أنه من الصعب في هذه المرحلة التوصل إلى حلول جذرية ويتعذر وجود السقوف السياسية العالية".برأي خواجة الكل يتحدث عن حل سياسي في سوريا لكنه يحاول تفصيله على أساس مصالحه ومشروعه السياسي. "المؤتمر الخليجي تكلم عن مبادرة ولكن على قاعدة جنيف واحد. الروسي طور هذا الأمر آخذا بعين الاعتبار جنيف1- وجنيف-2 إضافة إلى التطورات الميدانية. في مرحلة جنيف-1 لم تكن القوى التكفيرية بارزة ولم تكن داعش تجتاح جزءا من سوريا والعراق وتهدد المحيط الاقليمي".
الخيوط الروسية وتغيرات المنطقة
الدبلوماسي الروسي السابق فيتشسلاف ماتوزوف يتحدث ببعض التمايز عن رؤية خواجة. يعتبر أن الأجواء في العالم العربي تتغير. يلحظ أن الدول الخليجية باتت تدرك خطورة داعش عليها، ويشير إلى موقف مصري واضح حيال سوريا مع ما لمصر من أهمية، كونها دولة طليعية ووازنة في العالم العربي. ويقول "تبين أن الدور الأميركي غير حاسم وغير فاعل، وأميركا ليس بيدها أن تفعل شيئاً إذا لم ترسل جيشها إلى سوريا".
يحدد ماتوزوف أن الخطوط العريضة للمبادرة الروسية قائمة على أسس قديمة: جنيف-1 وجنيف- 2. يسأل "لماذا تتغير هذه الخيوط؟ فمنذ البداية أبدت روسيا اهتماما بارزاً بدور الدول المحيطة بسوريا، والموقف الأميركي كان متشددا وكان ينطلق من فكرتين: الأسد غير شرعي وضرورة إسقاط النظام".ويرى ماتوزوف أن الذي تغيّر اليوم هو الموقف الأميركي بالتوازي مع تغير المحيط. "زيارة بوتين لتركيا تشير إلى إمكان تأثير روسي على تركيا. وتركيا باتت تدرك ان شروط اللعبة الدولية تتغير".
المصدر :
الماسة السورية/ الميادين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة