في مرحلة سابقة كانت المواجهة الدائرة في سورية تقدم مشهداً عنوانه انقسام بين نصفين في الجغرافيا العسكرية والشعبية، واحد من الموالاة وآخر من المعارضة،

وكانت المعارضة تحت عنوان سياسي علماني ظاهراً مجسّداً في مجلس أسطنبول وجناح عسكري نظامي اسمه «الجيش الحر»، وعلى رغم ذلك كان أيّ حديث عن الحلّ السياسي يبدأ بالتمهيد للحوار بين الجانبين وينتهي بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع، لكن كان الطرف الدولي والإقليمي الراعي للحرب على سورية يصرّ على أنّ الحلّ السياسي يعني رحيل الرئيس الأسد من دون انتخابات ومن دون صناديق اقتراع، وبعدها لا مشكلة في تركيب حكومة تضمّ فريقي الموالاة والمعارضة مناصفة، تتولى بقرار من مجلس الأمن مهمة انتقالية عنوانها إعادة هيكلة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. وكان معلوماً أنّ القصد هو قطع صلة سورية الجديدة بقوى المقاومة وإخراجها من الصراع مع «إسرائيل»، وتحويل جيشها وأمنها على طريقة الجيوش وأجهزة الأمن العربي الأخرى، متخصصة بالداخل كقوات شرطة كبيرة ولا صلة لها بمفهوم الأمن القومي.

- أحبطت كلّ مساعي الرئيس الأسد للحوار، وقالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون للمعارضة ذات مرة علناً: لا تذهبوا إلى الحوار، ورفض حكام قطر والسعودية تسهيل أيّ حوار، لا يبدأ برحيل الأسد، وعلى رغم المتغيّرات العسكرية والشعبية بعد مرور سنتين من عمر الأزمة وظهور الإرهاب بقوة، وتفكك المعارضة، وهيمنة المتطرفين على الأرض التي تسيطر عليها نظرياً، وتحوّل المجموعات العلمانية إلى مجرّد ديكور للدفاع عن المتطرفين كمثل الاحتجاج على تصنيف «جبهة النصرة» كتنظيم إرهابي، وتحوّل «الجيش الحر» إلى يافطة بلا جسم، تحتله ألوية وكتائب ليست إلا أطراً منظمة ومستقلة لحساب تنظيم «القاعدة» بتفرّعاته المختلفة، جاء مؤتمر جنيف، وكانت المسافة الزمنية الفاصلة بين المؤتمر والانتخابات الرئاسية السورية ستة شهور، ما يمنح المطالبين بتنحّي الرئيس الأسد إذا كان هدفهم الحلّ السياسي شرط الدخول من هذا الباب، ويثقون بشعبية المعارضة التي يصفونها بالثورة، فرصة لا تعوّض، لحصر الحوار في مؤتمر جنيف بكيفية ضمان أمن الانتخابات من جهة، وشروطها التنافسية النزيهة من جهة أخرى، وتحويل الانتخابات الرئاسية إلى مناسبة حقيقية للحلّ السياسي. بل كان ممكناً لو حدث ذلك أن تتزامن معها انتخابات برلمانية مبكرة تنتج سلطة تشريعية تحكم توازناتها الجديدة حكومة جديدة يختارها السوريون. لكن رعاة الحرب على سورية أصرّوا على حكومة تولد بقرار انتداب أجنبي على سورية، عبر مجلس الأمن تمنح فيها المعارضة دور قيادة إعادة بناء سورية الجديدة وهي لا تملك ما يمنحها مشروعية شعبية، وإلا قبلت منافسة انتخابية متكافئة وطالبت بالضمانات لذلك، ولا قدرة عسكرية ميدانية في مناطق صارت بيد الإرهاب، فالحلّ السياسي كان ببساطة المجيء بحكومة عملاء يسلّمون مصير سورية لأميركا وجماعتها في المنطقة، وهم كما كانت العروض السياسية المتداولة عندها يتصرّفون مع المجموعات الإرهابية. وحتى هذا الأمر كان مشكوكاً فيه بدليل التجربة العراقية الحاضرة منذ سقوط العراق تحت الاحتلال.

- الآن وقد صار كل شيء مختلفاً، انهارت كلّ التشكيلات السياسية للمعارضة المسمّاة علمانية، وحسم تنظيم «داعش» وجبهة «النصرة» استقلالهما وسيطرتهما العسكرية، وتبخر «الجيش الحر»، وحسم الشعب السوري الانحياز إلى مشروع دولته وجيشه انتخابياً في تجربة أذهلت الجميع، خصوصاً عبر مشاركات السوريين خارج سورية، وانتخب الرئيس بشار الأسد بغالبية راجحة على رغم كلّ الظروف الصعبة لتنظيم العملية الانتخابية، وصارت الحرب على الإرهاب عنواناً عالمياً وإقليمياً، والتسليم المعلن في يوم واحد لكلّ من وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس ومثله لمجلس التعاون الخليجي عن ثنائية، قوامها، أولوية حرب على الإرهاب ستستغرق وقتاً وجهداً، والحاجة إلى حلّ سياسي في سورية، فماذا يعني الحلّ السياسي هنا؟

- مرة أخرى هناك فرصة وحيدة للحلّ السياسي، هي الانتخابات البرلمانية المقبلة ربيع عام 2016 في سورية، ويمكن لحوار ينتهي في ربيع عام 2015، يضمّ الدولة والمعارضة الملتزمة بالحرب على الإرهاب كأولوية أن ينتهي بحكومة تهيّئ لانتخابات برلمانية تنافسية، وتدعم الجيش في حربه على الإرهاب، ويتعهّد رعاة الحرب بتوفير الدعم الدولي والإقليمي للحكومة الجديدة وفك كلّ أشكال العقوبات عن سورية مقابل ذلك، وبحصيلة الانتخابات البرلمانية، تقرّر نسب التمثيل مصير كلّ القضايا العالقة، فمن معه ثلثي البرلمان يستطيع البدء بتعديل الدستور بما فيه ولاية الرئيس، ومن لا يملك هذه الغالبية مجبر على التعايش تحت مظلة رئيس منتخب وبصلاحيات منصوص عليها في الدستور. فإنْ حصل على الغالبية البرلمانية يتولى تشكيل الحكومة الجديدة التي ستتعايش مع الرئيس بصلاحياته إلى حين حلول موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد سبع سنوات، ومن لا يحوز لا الثلثين ولا الغالبية عليه أن يرتضي تمثيلاً في الحكومة الجديدة يعادل حجمه النيابي كمّاً ونوعاً.

- من لا يعلن موقفاً علنياً داعماً لهذا المفهوم للحلّ السياسي، يقول كلاماً بلا معنى، إما لأنه مفلس، أو لأنه يقف ضمناً مع تحالف «إسرائيل» وجبهة «النصرة»، وينتظر أن ينجزا تحوّلات تعيد الأمل بالعودة إلى الحرب مجدّداً.

  • فريق ماسة
  • 2014-12-09
  • 9861
  • من الأرشيف

عندما يتحدثون عن الحل السياسي في سورية؟

في مرحلة سابقة كانت المواجهة الدائرة في سورية تقدم مشهداً عنوانه انقسام بين نصفين في الجغرافيا العسكرية والشعبية، واحد من الموالاة وآخر من المعارضة، وكانت المعارضة تحت عنوان سياسي علماني ظاهراً مجسّداً في مجلس أسطنبول وجناح عسكري نظامي اسمه «الجيش الحر»، وعلى رغم ذلك كان أيّ حديث عن الحلّ السياسي يبدأ بالتمهيد للحوار بين الجانبين وينتهي بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع، لكن كان الطرف الدولي والإقليمي الراعي للحرب على سورية يصرّ على أنّ الحلّ السياسي يعني رحيل الرئيس الأسد من دون انتخابات ومن دون صناديق اقتراع، وبعدها لا مشكلة في تركيب حكومة تضمّ فريقي الموالاة والمعارضة مناصفة، تتولى بقرار من مجلس الأمن مهمة انتقالية عنوانها إعادة هيكلة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. وكان معلوماً أنّ القصد هو قطع صلة سورية الجديدة بقوى المقاومة وإخراجها من الصراع مع «إسرائيل»، وتحويل جيشها وأمنها على طريقة الجيوش وأجهزة الأمن العربي الأخرى، متخصصة بالداخل كقوات شرطة كبيرة ولا صلة لها بمفهوم الأمن القومي. - أحبطت كلّ مساعي الرئيس الأسد للحوار، وقالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون للمعارضة ذات مرة علناً: لا تذهبوا إلى الحوار، ورفض حكام قطر والسعودية تسهيل أيّ حوار، لا يبدأ برحيل الأسد، وعلى رغم المتغيّرات العسكرية والشعبية بعد مرور سنتين من عمر الأزمة وظهور الإرهاب بقوة، وتفكك المعارضة، وهيمنة المتطرفين على الأرض التي تسيطر عليها نظرياً، وتحوّل المجموعات العلمانية إلى مجرّد ديكور للدفاع عن المتطرفين كمثل الاحتجاج على تصنيف «جبهة النصرة» كتنظيم إرهابي، وتحوّل «الجيش الحر» إلى يافطة بلا جسم، تحتله ألوية وكتائب ليست إلا أطراً منظمة ومستقلة لحساب تنظيم «القاعدة» بتفرّعاته المختلفة، جاء مؤتمر جنيف، وكانت المسافة الزمنية الفاصلة بين المؤتمر والانتخابات الرئاسية السورية ستة شهور، ما يمنح المطالبين بتنحّي الرئيس الأسد إذا كان هدفهم الحلّ السياسي شرط الدخول من هذا الباب، ويثقون بشعبية المعارضة التي يصفونها بالثورة، فرصة لا تعوّض، لحصر الحوار في مؤتمر جنيف بكيفية ضمان أمن الانتخابات من جهة، وشروطها التنافسية النزيهة من جهة أخرى، وتحويل الانتخابات الرئاسية إلى مناسبة حقيقية للحلّ السياسي. بل كان ممكناً لو حدث ذلك أن تتزامن معها انتخابات برلمانية مبكرة تنتج سلطة تشريعية تحكم توازناتها الجديدة حكومة جديدة يختارها السوريون. لكن رعاة الحرب على سورية أصرّوا على حكومة تولد بقرار انتداب أجنبي على سورية، عبر مجلس الأمن تمنح فيها المعارضة دور قيادة إعادة بناء سورية الجديدة وهي لا تملك ما يمنحها مشروعية شعبية، وإلا قبلت منافسة انتخابية متكافئة وطالبت بالضمانات لذلك، ولا قدرة عسكرية ميدانية في مناطق صارت بيد الإرهاب، فالحلّ السياسي كان ببساطة المجيء بحكومة عملاء يسلّمون مصير سورية لأميركا وجماعتها في المنطقة، وهم كما كانت العروض السياسية المتداولة عندها يتصرّفون مع المجموعات الإرهابية. وحتى هذا الأمر كان مشكوكاً فيه بدليل التجربة العراقية الحاضرة منذ سقوط العراق تحت الاحتلال. - الآن وقد صار كل شيء مختلفاً، انهارت كلّ التشكيلات السياسية للمعارضة المسمّاة علمانية، وحسم تنظيم «داعش» وجبهة «النصرة» استقلالهما وسيطرتهما العسكرية، وتبخر «الجيش الحر»، وحسم الشعب السوري الانحياز إلى مشروع دولته وجيشه انتخابياً في تجربة أذهلت الجميع، خصوصاً عبر مشاركات السوريين خارج سورية، وانتخب الرئيس بشار الأسد بغالبية راجحة على رغم كلّ الظروف الصعبة لتنظيم العملية الانتخابية، وصارت الحرب على الإرهاب عنواناً عالمياً وإقليمياً، والتسليم المعلن في يوم واحد لكلّ من وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس ومثله لمجلس التعاون الخليجي عن ثنائية، قوامها، أولوية حرب على الإرهاب ستستغرق وقتاً وجهداً، والحاجة إلى حلّ سياسي في سورية، فماذا يعني الحلّ السياسي هنا؟ - مرة أخرى هناك فرصة وحيدة للحلّ السياسي، هي الانتخابات البرلمانية المقبلة ربيع عام 2016 في سورية، ويمكن لحوار ينتهي في ربيع عام 2015، يضمّ الدولة والمعارضة الملتزمة بالحرب على الإرهاب كأولوية أن ينتهي بحكومة تهيّئ لانتخابات برلمانية تنافسية، وتدعم الجيش في حربه على الإرهاب، ويتعهّد رعاة الحرب بتوفير الدعم الدولي والإقليمي للحكومة الجديدة وفك كلّ أشكال العقوبات عن سورية مقابل ذلك، وبحصيلة الانتخابات البرلمانية، تقرّر نسب التمثيل مصير كلّ القضايا العالقة، فمن معه ثلثي البرلمان يستطيع البدء بتعديل الدستور بما فيه ولاية الرئيس، ومن لا يملك هذه الغالبية مجبر على التعايش تحت مظلة رئيس منتخب وبصلاحيات منصوص عليها في الدستور. فإنْ حصل على الغالبية البرلمانية يتولى تشكيل الحكومة الجديدة التي ستتعايش مع الرئيس بصلاحياته إلى حين حلول موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد سبع سنوات، ومن لا يحوز لا الثلثين ولا الغالبية عليه أن يرتضي تمثيلاً في الحكومة الجديدة يعادل حجمه النيابي كمّاً ونوعاً. - من لا يعلن موقفاً علنياً داعماً لهذا المفهوم للحلّ السياسي، يقول كلاماً بلا معنى، إما لأنه مفلس، أو لأنه يقف ضمناً مع تحالف «إسرائيل» وجبهة «النصرة»، وينتظر أن ينجزا تحوّلات تعيد الأمل بالعودة إلى الحرب مجدّداً.

المصدر : البناء /ناصر قنديل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة