دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تختزن الدكتورة ناديا خوست في أوراقها التوثيق لتفاصيل ويوميات الحرب على سورية، ولكنها ترسمها شعراً وذكريات وحكايات وجدانية،تُلبسها حلةً من شغاف الروح ... تلك الروح الجريحة التي تتابع أوجاع الوطن دون أن تتخلى عن إحساسها بالجمال واستشعارها للمحبة والتاريخ والعبق الذي تختزنه سورية الوطن بالنسبة لكل واحد فينا.
سأستعير في عرض جوهر كتابها بكلماتها التي لامست فيّ وجعي ووجع السوريين جميعاً ... في محاولة لإلغاء الضوء على أحد أهم المخطوطات التي نُشرت خلال سنوات الحرب على سورية...
حفلت وسائل الإعلام الغربية والعربية، بعناوين تغتال وطننا، وتناول الكتاب والمؤرخون حكاية الشعب السوري وكأنه غائب، غير فاعل، يضعه المراقبون على مشرحةٍ ليعيدوا رسم تاريخه، وتوثيق يومياته التي استهدفت حياته في العمق ... وفي المقابل نواجه في سورية " فراغاً فكرياً، بالرغم من حرب إعلامية وتكفيرية، وضرورة التأهيل الثقافي ". حكاية الدكتورة خوست تعبر عن أنصها وقصري بين الفردي والوطني، وتنقل الوجع الذي يرافق رحيل " إنسان من حياتنا بعد أن لازمنا في دروبها، واكتشفنا معه حلوها ومرها ".
" في مستوى الوجدان ... لا حق لنا في موت طبيعي إلا حق لنا في الانصراف إلى أحزاننا على عزيز محبوب فالوطن ، البيت، مساراتنا، حياتنا نفسها مهددة بالقصف والتفجير ".
خلال صخب المدافع وهيجان الإعلام للعواطف الإنسانية، لذلك تنقل أوراق من سوات الحرب على سورية العاطفة الإنسانية إلى مستويات أكثر عمقاً تتناول تسلسل الأحداث والوقائع، وتستشهد بالمعلومات وتؤرخ ليوميات هذه الحرب التي استهدفت الشعب السوري، وتسرد تجارب إنسانية، وحوارات تعكس خسارتنا جميعاً خلال هذه الحرب ... ترصد المجازر، والمقدمات، وتعري الدور العربي الذي استهدف سورية والسوريين ...
دولياً وإقليمياً اصطفت القوى التي تآمرت على سورية وكان من الواضح أنهم حسب تعبير الدكتورة خوست. " لا يبالون بأنهم يغتالون حياتنا لأننا ولدنا مصادفة في منطقة جيوسياسية مهمة! لا يفهمون أننا بشر ذوو عواطف وأحلام ومشاريع نريد أن ننصرف إليها ونستمتع بها!"
تنقلت أوراق الحرب بين الدور الذي لعبته وسائل الإعلام الغربية والعربية، في التسديد على رمز الدولة، والتحريض على اغتيال الأمان والذكريات والحياة السورية بمعناها العميق، وبين استناد المنظمات الدولية إلى غفلة الشعوب، لتؤكد أن المؤسسات الإنسانية الإعلامية ما هي إلا جزء من المنظمة الرأسمالية العالمية.
ولكن الأحداث رغم قسوتها، لم تجردنا من التفاؤل لأننا " جزء من صراع محلي بين شعب وغوغاء ومرتزقة. وهو صراع إقليمي وعالمي فيه قوى اقتصادية اجتماعية حضارية تسعى إلى علاقات عالمية تحترم القانون، وقوة قديمة استعمارية لم تألف بعد أنها لم تعد قطباً وحيداً ".
الأهم في الكتاب أنه لا يتجاهل المقدمات، ويحاول التعريف بهؤلاء الذين تحولوا من سوريين إلى أدوات في يد القوى التي تستهدف الروح السورية، فأشار إلى أن " أفراد العصابات المسلحة، كانوا قبل أن يأتي مقاتلوا القاعدة، طياناً ودهاناً ومهرباً، وأشخاص هامشيين ... غوغاء لم تنتبه إليها المؤسسات السياسية ولم تستنتج دورها القادم في دمار البلاد ".
الحرب أحرقت جميع الذكريات، وبات " التماسك الروحي فضيلة أخلاقية، وقد تكون النجاة من الفساد فوق طاقة الضعفاء ". ولكن أوراق الحرب هذه تؤكد باستمرار على " البهاء الذي كشفته الأحداث في الشعب السوري !".
يسهد الكتاب، شهادة حق عن شعب واجه مراحل صعبة من المؤامرة الغربية العربية، وتخطاها بذكائه ووعيه، بل وأكثر من ذلك ترى الكاتبة: " أن من فوائد هذه المحنة أن السوريين استعادوا مهاراتهم في التعبير " وفي حين حاول الكتاب نقل " انتفاضة الشعب لكرامة السورية " لم يغيب عن فصوله أن الحكومات يجب أن تدرك أن " الشعب لا يُستملك، فقد يكون معك في لحطة، لكنك تفقده في اللحظة التالية، ولا شيء ابدي من العلاقة به ". مهمة الدولة لا تنحصر إذاً في حراسة صحته وطعامه وجامعته بل تمتد إلى حراسة روحه وتوسيع أفكاره.
اقتصاد السوق الذي شرعه الفساد ونهب القطاع العام والمؤسسات في الدولة السورية، وهوية المدن، كلها حسب الكاتبة مسألة سياسية، لا سيما وأن الأحداق " تتصل بتخطيط المدينة وعشوائيات الريف وغبن الاستملاك ".
استحضر الكتاب المقدمات التي ساهمت في تفكيك الروح، وتحدث عن المحاسبة الضرورية لمداواة " الروح المجروحة " وتثبت حق الشعب السوري في عقاب من أساء إليه.
تؤكد الكاتبة في حكايتها على أن السوريين جميعاً " يوم تنتهي هذه الحرب ، سنتأمل دور المال في نشر الفساد السياسي وامتحان الشرف والنقاء والتماسك الأخلاقي وسنطلب أن يُحاكم المال المفسد على جريمة كبرى لعب بأقدار بلاد وهدرت دماء بشر أبرياء ".
بينما يقلب القارئ في كتاب " أوراق من سنوات الحرب على سورية " لا يملك إلا أن يكتشف " الانحطاط الأخلاقي، وتجار الأوجاع " ولكنه يرى في الوقت نفسه بين السطور والحكايات " عظمة الصبر ونبل التعلق بالوطن ".
المصدر :
د. فؤاد شربجي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة