دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في حادثة نادرة، انتقد مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين، ما أسماه «التمييز العنصري» في الولايات المتحدة الأمريكية، داعياً الأخيرة إلى الاعتدال، وبذل جهود حثيثة من أجل اجتثاث «التمييز العنصري الممنهج».ولفت الحسين تعقيباً على الاحتجاجات التي اندلعت عقب قرار هيئة المحلفين بتبرئة الشرطي «ويلسون» قاتل الشاب الأسود في فيرغسون، إلى أن قرارعدم توجيه اتهام بحق الشرطي ويلسون، أفسح المجال أمام أعمال العنف والنهب، وإضرام النار، داعياً السلطات الأمريكية إلى تجنب استخدام العنف في مواجهة المحتجّين.
وذكرت انباء ان 14 شخصا قتلوا في الولايات المتحدة برصاص الشرطة منهم 6 أمريكيين سود، منذ مقتل «مايكل براون»، الشاب الأسود الأعزل على يد شرطي أبيض في 9 آب/أغسطس الماضي، في مدينة فيرغسون، بولاية ميسوري.وتشير تقارير مكتب التحقيقات الفيدرالي، أن نحو 96 أمريكيًا أسود يقتلون كل سنة من قبل شرطيين بيض خلال الأعوام 2005-2012 فيما شهد العام الماضي زيادة في هذا الرقم.
وحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية صدر في السادس والعشرين من الشهر الحالي، فان الشرطة الامريكية استخدمت قنابل غاز محرمة دوليا في مواجهة الاحتجاجات الشعبية على عدم مقاضاة الشرطي الابيض. كما شكك التقرير فيما اذا كانت السلطات الامريكية المنوط بها تنفيذ القانون قامت بواجبها على الوجه الصحيح، في اشارة الى ان اعتبارات عنصرية تدخلت في هذه القضية.وغني عن البيان ان حادث قتل مواطن اسود ثم عدم مقاضاة قاتله الابيض، لن يبدو اكثر من نقطة في بحر، اذا اردنا ان نتعرض الى تفاصيل السجل الامريكي في انتهاكات حقوق الانسان، سواء محليا او دوليا. الا ان معطيات سياسية في الاساس تمنح الولايات المتحدة وضعا استثنائيا يتمثل في حصانة من المحاسبة على ما ارتكبته من جرائم كبرى ضد الانسانية.
ويثير هذا الوضع الشاذ اسئلة مهمة تجاه الازدواجية التي تحكم سلوك عمل الامم المتحدة في هذا المجال. وعلى سبيل المثال لا الحصر: لماذا تتجاهل المنظمة الدولية حتى الان جريمة الغزو الامريكي للعراق، الذي تقر واشنطن نفسها حاليا انه كان «خاطئا»، واسفرعن قتل اكثر من مليون انسان بريء، وجرح وتشريد الملايين، ناهيك عما ارتكبته قوات الجيش الامريكي من انتهاكات مخزية للسجناء في ابي غريب وغيرهم؟
الواقع هو ان الولايات المتحدة التي لا تكف عن القاء الدروس في حقوق الانسان على الاخرين او «القفز عاليا على ارضية اخلاقية» كما يقول المثل الانكليزي، تشغل موقعا متقدما في قائمة مجرمي الحروب ومنتهكي حقوق الانسان على المستوى الدولي.
ويمكن ان نتخيل الموقف الامريكي اذا قتلت الشرطة في اي بلد عربي نصف العدد الذي قتلته الشرطة الامريكية من متظاهري فيرغسون. وعادة ما ترد الخارجية الامريكية بغضب شديد اذا احاول احد تذكيرها بأن تهتم اولا بادائها في حقوق الانسان، ومثال ذلك الازمة الدبلوماسية التي نتجت عن بيان للخارجية المصرية ادان مقتل المواطن الاسود وطالب واشنطن بضبط النفس.
وانه لامر مؤسف ان تستمر الانتهاكات لحقوق المواطنين السود في امريكا، في عهد اول رئيس اسود، وهو من كان يفترض ان يصنع فرقا في هذا الملف على الاقل.
ولعل العرب والمسلمين الذين وعدهم اوباما في بداية عهده بصفحة جديدة في العلاقة مع امريكا، بما في ذلك تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، يجدون عزاء الان في ان اوباما لم يخيب امالهم وحدهم، بل وحتى ابناء جلدته من الامريكيين ايضا.
لكنهم مطالبون قبل ذلك بأن يرفضوا الاستماع الى محاضرات واشنطن ودروسها في حقوق الانسان التي عادة ما تكون غطاء للتدخل في شؤونهم دفاعا عن مصالح، وليس عن مبادئ او اخلاق ينطبق عليها القول «فاقد الشيء لا يعطيه».
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة