جاءت مبادرة دي ميستورا بتجميد القتال في حلب في الوقت الذي تجري فيه المحادثات حول الملف النووي الإيراني، والتصريحات المتفائلة بإمكانية التوصُّل إلى اتفاق كامل حوله،

 وأيضاً في وقت يقوم فيه الجيش السوري بتحقيق تقدُّم ميداني في العديد من المناطق السورية، تحديداً في مدينة حلب، بعد أن طوّقها بأغلبها، وهي تُعتبر منطقة استراتيجية من الناحية العسكرية، كونها تقع على الحدود مع تركيا، ولأنها المعبر الرئيس للتكفيريين الذي يدخلون منه إلى سورية للقتال ضد الدولة السورية ، وما يزال أردوغان يسعى لفرض المنطقة الحدودية منطقة عازلة من أجل حماية المعارضة، ولمنع الأكراد من إقامة دولتهم، ومن الناحية السياسية ليستفيد منها كورقة من أجل تعزير دوره الإقليمي في الأزمة السورية.

 إن طرح المبادرة في الوقت الذي تتراجع فيه المعارضة وتضعف، يدفعنا إلى طرح علامات استفهام عديدة حولها: فهل جاءت هذه المبادرة بدافع ذاتي من قبَل ممثل الأمم المتحدة دي ميستورا، أم تمّ تنسيقها مع أميركا وحلفائها في المنطقة؟ وهل جاءت في سياق تحريك ملف الأزمة السورية، من خلال المسار التفاوضي، وعلى طريقة "جنيف-1" و"جنيف-2"، بعد أن اقتنعت أميركا بأن الخيار العسكري لم يحل الأزمة في سورية بل زادها تعقيداً، خصوصاً بعد الإنجازات التي حققها الجيش السوري في الميدان، وبعد الهزائم المتلاحقة التي منيت بها المعارضة في العديد من المناطق، وسيطرة تنظيم "داعش" على الكثير من مناطق نفوذها، وإعلانه "الإمارة" فيها؟ وهل اللقاءات التي أجرتها روسيا مع بعض أطراف المعارضة، والحديث عن "جنيف-3" يأتيان في سياق حل سياسي مرتقب؟ وهل اللقاء الذي عقده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع وزير الخارجية السعودي، وكذلك اللقاء الذي سيعقده مع الرئيس بشار الأسد هو في هذا الاتجاه؟ وهل تستطيع أميركا أن تُلزم أطراف المعارضة بأية تسوية يتم التوصل إليها، خصوصاً بعد سيطرة "داعش" على كثير من مناطق نفوذ المعارضة، أم أن هذا الحراك من مختلف الأطراف هو للتأكيد على أن التسوية في سورية لا تتمّ بالحسم العسكري، رغم أن أوانها لم يحن بعد؟

 من يطلع على تفسير مصطلح "تجميد القتال" في المفهوم الدولي، والذي يعني أنه على جميع أطراف النزاع أن توقف إطلاق النار، وأن تحافظ على وضعها الميداني كما هو، يتأكّد أن هذه المبادرة هي لإنقاذ المعارضة في مدينة حلب، خشية من الانسحاب منها، ولمنع الجيش السوري من أن يسيطر عليها وعلى ريفها، نظراً إلى الأهمية العسكرية للمحافظة.

 تأتي هذه المبادرة في الوقت الضائع، وفي وقت ما تزال أميركا متخبطة في تعاطيها مع ملف الأزمة السورية، وذلك بسبب الاختلاف في وجهات النظر داخل الإدارة الأميركية، وبالرغم من ذلك فإنها تقدِّم أولوية محاربة "داعش" على أولوية إسقاط نظام بشار الأسد، لكنها في الوقت ذاته تخشى من تزايد قوة النظام، الذي أصبح في وضع متقدّم يصعب على أميركا والمعارضة المسلحة و"المعتدلة" أن تسقطه، لذا فهي تحاول اتخاذ الإجراءات التي تساعد - حسب رأيها - على إضعاف النظام السوري، وإبقائه في حالة استنزاف مستمر، إلى أن ياتي الوقت الذي تنضج فيه ظروف التسوية في منطقة الشرق الأوسط، ويتم الاتفاق حول الملف النووي الإيراني.

  • فريق ماسة
  • 2014-11-26
  • 9753
  • من الأرشيف

مبادرة دي ميستورا.. والوقت الضائع

جاءت مبادرة دي ميستورا بتجميد القتال في حلب في الوقت الذي تجري فيه المحادثات حول الملف النووي الإيراني، والتصريحات المتفائلة بإمكانية التوصُّل إلى اتفاق كامل حوله،  وأيضاً في وقت يقوم فيه الجيش السوري بتحقيق تقدُّم ميداني في العديد من المناطق السورية، تحديداً في مدينة حلب، بعد أن طوّقها بأغلبها، وهي تُعتبر منطقة استراتيجية من الناحية العسكرية، كونها تقع على الحدود مع تركيا، ولأنها المعبر الرئيس للتكفيريين الذي يدخلون منه إلى سورية للقتال ضد الدولة السورية ، وما يزال أردوغان يسعى لفرض المنطقة الحدودية منطقة عازلة من أجل حماية المعارضة، ولمنع الأكراد من إقامة دولتهم، ومن الناحية السياسية ليستفيد منها كورقة من أجل تعزير دوره الإقليمي في الأزمة السورية.  إن طرح المبادرة في الوقت الذي تتراجع فيه المعارضة وتضعف، يدفعنا إلى طرح علامات استفهام عديدة حولها: فهل جاءت هذه المبادرة بدافع ذاتي من قبَل ممثل الأمم المتحدة دي ميستورا، أم تمّ تنسيقها مع أميركا وحلفائها في المنطقة؟ وهل جاءت في سياق تحريك ملف الأزمة السورية، من خلال المسار التفاوضي، وعلى طريقة "جنيف-1" و"جنيف-2"، بعد أن اقتنعت أميركا بأن الخيار العسكري لم يحل الأزمة في سورية بل زادها تعقيداً، خصوصاً بعد الإنجازات التي حققها الجيش السوري في الميدان، وبعد الهزائم المتلاحقة التي منيت بها المعارضة في العديد من المناطق، وسيطرة تنظيم "داعش" على الكثير من مناطق نفوذها، وإعلانه "الإمارة" فيها؟ وهل اللقاءات التي أجرتها روسيا مع بعض أطراف المعارضة، والحديث عن "جنيف-3" يأتيان في سياق حل سياسي مرتقب؟ وهل اللقاء الذي عقده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع وزير الخارجية السعودي، وكذلك اللقاء الذي سيعقده مع الرئيس بشار الأسد هو في هذا الاتجاه؟ وهل تستطيع أميركا أن تُلزم أطراف المعارضة بأية تسوية يتم التوصل إليها، خصوصاً بعد سيطرة "داعش" على كثير من مناطق نفوذ المعارضة، أم أن هذا الحراك من مختلف الأطراف هو للتأكيد على أن التسوية في سورية لا تتمّ بالحسم العسكري، رغم أن أوانها لم يحن بعد؟  من يطلع على تفسير مصطلح "تجميد القتال" في المفهوم الدولي، والذي يعني أنه على جميع أطراف النزاع أن توقف إطلاق النار، وأن تحافظ على وضعها الميداني كما هو، يتأكّد أن هذه المبادرة هي لإنقاذ المعارضة في مدينة حلب، خشية من الانسحاب منها، ولمنع الجيش السوري من أن يسيطر عليها وعلى ريفها، نظراً إلى الأهمية العسكرية للمحافظة.  تأتي هذه المبادرة في الوقت الضائع، وفي وقت ما تزال أميركا متخبطة في تعاطيها مع ملف الأزمة السورية، وذلك بسبب الاختلاف في وجهات النظر داخل الإدارة الأميركية، وبالرغم من ذلك فإنها تقدِّم أولوية محاربة "داعش" على أولوية إسقاط نظام بشار الأسد، لكنها في الوقت ذاته تخشى من تزايد قوة النظام، الذي أصبح في وضع متقدّم يصعب على أميركا والمعارضة المسلحة و"المعتدلة" أن تسقطه، لذا فهي تحاول اتخاذ الإجراءات التي تساعد - حسب رأيها - على إضعاف النظام السوري، وإبقائه في حالة استنزاف مستمر، إلى أن ياتي الوقت الذي تنضج فيه ظروف التسوية في منطقة الشرق الأوسط، ويتم الاتفاق حول الملف النووي الإيراني.

المصدر : الثبات / هاني قاس


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة