دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لا يبدو انّ ما يجري في ريف القنيطرة مطمئن، فمجرى الأحداث يكشف عن تدعيات سلبية لقتدم المسلحين هناك، ليس بسبب “هجوم المجاميع المسلحة” وحسب، بل بسبب مدى إتساع دائرة التآمر على الدولة السورية ومؤسساتها وما تمثل في هذه البقعة الجغرافية الاساسية.
تكتسب معركة ريف القنيطرة أهمية خاصة، هذه المعركة التي بدأها نحو 30 فصيلاً مسلحاً من النوع “السلفي الجهادي” المندرجون تحت 5 غرف عمليات يتقاسم كلٍ منهم دفّة القيادة لجزءٍ أو أجزاء من الجبهة. الأهمية التي تكتسبها هذه العملية متعددّة الأوجه، فهي اولاً متصلة بالمنطقة القريبة من المناطق التي يحتلها العدو الإسرائيلي في الجولان، كما أنها متصلة جغرافياً بمناطق الجنوب السوري كـ “درعا”، هي متصلة بالحدود مع لبنان الجنوبي والأهم، هي متصلة جغرافياً بمنطقة الغوطة الغربية لدمشق، وعليه، فإن هذه المعركة تكتسب أهمية تتعدى الإهتمام المحصور في منطقة القتال الحالي لتصل إلى تخوم العاصمة دمشق، وما تشكله هذه المنطقة بالنسبة لها.
المشروع المُخطّط لمنطقة ريف القنيطرة متعدّد الأوجه ايضاً، فهي مناطاً بها تشكيل “ظهراً حصينة” للمسلحين يعوّضهم عمّا خسروه في المناطق الحدودية الأخرى. يترتّب على هذا الظهر عدّة أهداف، منها ما هو خاص لمنطقة “ريف القنيطرة” وإبعاد الجيش السوري عنها حتى تأسيس منطقة تسمى “آمنة”، ومنها ما هو يتعدى حدود المحافظة ليصل إلى العاصمة، وهو سياقٍ واضح لإعادة تفعيل مبدأ “غزو دمشق” الذي جُمّد مع سقوط الخاصنة العسكرية للمسلحين في الغوطتين الشرقية والغربية. هناك ايضاً وجهٌ أعنفٌ وأخطر لما يحضّر في ريف القنيطرة، هو التهديد المُصدّر إلى خارج الحدود، مع التهديد الذي يشكله الوجود المسلح فيها لمنطقة جنوب لبنان المحرّرة، التي تعتبر، وفق مصطلحات السيطرة والحرب، “منطقة نفوذ وعمل وقوة المقاومة اللبنانية”.. وهنا بيت القصيد!.
لا شك بأن الدور الصهيوني فيما يجري بريف القنيطرة بات ظاهراً وواضحاً، فمنذ الإرهاصات الأولى للمعركة في الصيف الماضي إتضحت معالم الدور الصهيوني عبر مشاركة المدفعية العلنية بإسناد المسلحين الذي أظهر تقاطع المصالح بين الفئات المسلحة والعدو، حيث كان للعدو يومها دورٌ بإجبار القوات السورية على الإنسحاب من قرى ومواقع تلال هامة باتت بحوذة الإرهابيين. عداك عن فتح المستشفيات الميدانية، كان الأخطر في دور العدو هو فتح خطوط الإمداد العسكرية وإسناد المسلحين نارياً، بل تطوّر الأمر لاحقاً إلى إمداد المسلحين بالخِطط والمعلومات العسكرية عن طبيعة الأهداف الهامة للجيش السوري في المناطق المنوي مهاجمتها، وهذا ما يتضح من سياق القصف المُمهّد لعمليات الإقتحام، الذي كان يتم بنمطٍ منسق مسبقاً، دقيقاً، كثيفاً، وذي جدوى، ما يدل على مدى كفائة من يقصف وصولاً لكشف هويته “الإسرائيلية” عبر مرابض المواقع في الأراضي المحتلة، وهذا أمرٌ غير مخفي، وواضح المعالم في سياق الهجوم، وأسلوب عمله المغاير للاساليب المستخدمة على جبهات قتال أخرى، هذا ناهيك عن الحديث عن وجود علاقات محددة مع شخصيات مسلحة محددة زارت كيان العدو ونسقت معه الأدوار، وهذا كلام ضباط المخابرات الاسرائيلية!.
بعد هذه الجولة لفهم طبيعة ما يجري في ريف القنيطرة، يتضح أمامنا مشداً صغيراً عمّا يحضّر للداخل اللبناني من الخاصرة الجنوبية في حال تمكن المجاميع المسلحة من السيطرة. تتقاطع معلومات أمنية لدى المقاومة كما الأجهزة الأمنية الصديقة، عن خطرٍ ما مصدره هذه المنطقة المتاخمة. تشير المعلومات حول نوايا مبيته للمسلحين للتمدّد نحو مناطق “شبعا – العرقوب” من ضمنها راشيا والمنطقة المحيطة، والتغلغل بالجرود القريبة، وتشكيل حالة عسكرية محمية ومدعومة من المظلة الاسرائيلية الخلفية التي لن تحرك ساكناً للوقوف في وجهها، اللهم إلا إذا أرادت إستغلالهم للاعتداء على لبنان. تتقاطع معلومات ايضاً حول مشروع يحضر لإقامة منطقة تسمى “آمنة” في هذا الجزء القريب من الحدود مع لبنان تكون إسرائيل سنده الخلفي، لا تخفي هذه المصادر نوايا العدو لجهة إستخدامهم المسلحين لـ “الحركشة” بحزب الله، ايضاً، إستغلال وجودهم من أجل الإيحاء بضرورة تمدّد “المنطقة الآمنة” لتشمل “الجرود” طبعاً لـ “حماية إسرائيل”!، هنا، ما ينطبق على الحالة مع المسلحين في ريف القنيطرة السورية، لا ينطبق على ما هو عليه في المنطقة اللبنانية، بسبب ما يحضر إسرائيلياً لتطويق حزب الله، وبسبب إختلاق قواعد الإشتباك بين منطقة وأخرى.
بطيبعة الحال، فإن حزب الله لن يرضى بشوكة في خاصرة منطقة نفوذه وقوته العسكرية الموجهة للعدو “الإسرائيلي”، وعليه التحرك، في نموذجٍ مشابهٍ لما جرى في القلمون والقصير، لأن ما يُحضّر هو تكرار لنموذج ما عُمل لتحضيرته في “القصير – القلمون” وسقط. وعليه، فإن التحرك العسكري للمقاومة ضروري في ريف القنيطرة. لا تزال هذه افكاراً نطرحها لنحللها، لكنها واقعاً تبحث بعمق داخل قيادة المقاومة التي تراقب الوضع عن كثب في ريف القنيطرة.
تشير مصادر مقربة من حزب الله في حديثٍ مقتضب لـ “الحدث نيوز”، ان “الحزب يستدرك ويراقب بتأمل ما يجري في ريف القنيطرة، وهو يتابع الأمور مع الجيش السوري الذي يقود المعركة العسكرية ضد الإرهابيين بالتعاون مع قوات الدفاع الوطني”. تتابع: “المقاومة لن تذخر جهداً لمساندة الجيش السوري في حربه ومعركته هناك، تماماً كما فعلت في القلمون والقصير ومناطق أخرى”.
هو كلامٌ واضحٌ لا لبس فيه دون أدنى شك، فالمقاومة جاهزة للتدخل في أي جبهة تسمع ظروفها بتدخلها دفاعاً عن لبنان وسوريا والمقاومة، فكيف في جبهةٍ قريبةٍ من معقل المقاومة ومنطقة نفوذها!. تخيّلوا الأمر إن حصلت سيطرة للمسلحين على هذه المنطقة، وبدأ التمدّد والتسلّل إلى داخل الجرود اللبنانية في راشيا وجبل الشيخ وشبعا وعين عطا وغيرها في تكرارٍ لما جرى في عرسال وما يجري الآن في الضنية.. تخيّلوا المشهد، وتخيّلوا الدور الصهيوني في حال إستغل وجودهم للتقدم داخل الأراضي اللبنانية.. إنها الحرب دون أدنى شك، إن لم يكن هناك إستباقاً للاحداث وتوقيف عقرب زمنها!.. توقيف هذا العقرب مبني على مقولة شهيرة للسيد حسن نصرالله باتت اليوم ركناً أساسياً في إستراتيجية “المقاومة” الدفاعية.. “حيث يجب ان نكون.. سنكون”. واللبيبُ من الإشارةِ.. يفهمُ.
المصدر :
الحدث نيوز / عبدالله قمح
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة