تفاءل كثيرون وتصاعدت الآمال منذ نحو عامين ببداية استدارة أميركية –تحمل في طياتها إمكانية انتهاء الحرب على سورية

من خلال حل سياسي- وشى بها تقارب روسي أميركي تحدث عن جنيف2 وما سيحمله من حلول لعدة قضايا وملفات في المنطقة، وما رافقه وتلاه بعد ذلك من مؤشرات كان أبرزها سقوط مشروع الإخوان المسلمين في مصر وتغيير حمَدي قطر وحالة الارتباك التي سادت العلاقات الأميركية السعودية والحديث عن احتمال إحداث تغييرات في واجهات سياسية أساسية سعودية تفرضها واشنطن، إضافة لتقارب أميركي إيراني كان من أبرز عناوينه الملف النووي الإيراني وإلغاء بعض العقوبات الاقتصادية على إيران، كذلك تراجع الكثير من دول أوروبا عن حدَّتها في عدوانها على سورية وغير ذلك من تحولات..

إلا أن مطباً كبيراً في طريق هذه الاستدارة الأميركية حال دون عقد مؤتمر جنيف2 في مواعيده مرات عديدة، إلى أن وُلد ميتاً بعد فترة طويلة من التأجيل والمراوغة الأميركية، كان السبب الأساس في ذلك هو رفع منسوب المطالب الأميركية على الصعيد الإستراتيجي، ما جوبه برفض روسي سوري إيراني، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأميركية تغير جهة استدارتها تماماً وترفع من حدة عدوانها ظناً منها أنه لازال باستطاعتها رمي الكثير من أوراقها واللعب على غير صعيد واستثمار الوقت لأبعد مدى ممكن، وعليه كان تلويحها بتوجيه ضربة عسكرية إلى سورية آب 2013، وتهديد روسيا ومحاولة إرباكها بإثارة الأزمة في أوكرانيا، وبعد ذلك سيطرة داعش على ثلثي مساحة العراق خلال ساعات بإيعاز ودعم أميركي، ورفع التصعيد ضد سورية بشكل غير مسبوق.

واليوم يعود الحديث عن استدارة أميركية أخرى، فما الذي تغير؟ وهل هي استدارة حقيقية هذه المرة؟ وكم ستستغرق من زمن؟

في الحقيقة لا يمكن الجزم بشكل مطلق بنتائج من هذا النوع في حرب مركبة كهذه اتسع نطاقها خارج الجغرافيا السورية وازداد تعقيدها، إلا أن ملامح وتصورات ودلالات يمكن الإضاءة عليها تتمثل بالآتي:

1- إن المنعطف الذي حال دون الاستدارة الأميركية المتوقعة مسبقاً اصطدم بالكثير من العقبات وقفت في وجه التصعيد الأميركي والحسابات الأميركية التي آثرت أن تربح كل شيء دون أن تعطي خصومها أي هامش للاستفادة أو الربح، وهي بهذا المنطق ترى نفسها اليوم على أعتاب خسارة كل شيء، بل أكثر من ذلك حين تشاهد خطر الإرهاب الذي صنعته واستخدمته يخرج عن سيطرتها ويهدد أرضها ومصالحها، الأمر الذي تنبّه له الكثير من حلفائها في الغرب فاستداروا قبلها بزمن.

2- إن الولايات المتحدة الأميركية تدرك تماماً أنه لا يمكنها الاستمرار في حالة الاشتباك إلى ما لا نهاية مع خصومها الذين يزدادون قوة يوماً بعد يوم، وبالتالي فإن عليها كسب الوقت أكثر من أي وقت مضى للخروج بمكاسب ومصالح قدر المستطاع، قبل أن تخرج خالية الوفاض، ولا يزال الحلف المواجه لها وعلى رأسه روسيا أكثر مرونة للتعاطي ضمن المعقول بمبدأ المصالح لكلا الطرفين من منطق إحلال الأمن والسلام وتحقيق مصلحة كل الأطراف، والحد من مخاطر وتداعيات هذه الحرب وهذا الإرهاب على المنطقة والعالم.

3- بناء على ما سبق تتجلى عملياً بعض المؤشرات الجديدة، من ضمنها التصريحات الأميركية الأخيرة حول قناعتها بأنه لا يمكن هزيمة الإرهاب المتنامي دون شراكة فعلية مع الرئيس الأسد، ويرى مراقبون ومسؤولون كبار في مجلس الأمن القومي الأميركي أن الخيار المتاح أمام الإدارة الأميركية يتمثل في التعاون مع الجيش العربي السوري ضد الإرهاب، وفي الوقت ذاته تتداول بعض الأوساط الإعلامية كصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية الخميس الماضي فحوى الرسالة التي بعثها الرئيس الأميركي مؤخراً لمرشد الثورة الإيرانية في إيران، مشيرة إلى أن أوباما قد يكون تطرق فيها إلى «تصدٍّ مشترك» للبلدين لمتطرفي تنظيم «داعش»، يضاف إلى ذلك تقارير المؤسسة العسكرية الأميركية التي خاطبت أوباما وأبلغته استحالة تدريب عناصر سورية «معتدلة»، نظراً لعدم وجود مثل هؤلاء العناصر من جهة، وفقدان صفة «المعتدل» عند عدة كتائب مدعومة من واشنطن بايعت داعش مؤخراً أو انضمت لصفوف جبهة النصرة.

وعلى صعيد آخر أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد لقائه السبت الفائت نظيره الأميركي جون كيري في بكين أن واشنطن وافقت على عدم الاعتراف بـ«الائتلاف» كممثل وحيد للمعارضة السورية، تمهيداً لاستئناف المفاوضات السورية السورية وفق خطة روسية سيتم الكشف عنها غالباً نهاية الشهر خلال زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

4- إن روسيا التي تطالب بحل سياسي في سورية تتحدث اليوم بلهجة أكثر ثقة حين تجدد رغبتها في استئناف الحوار السياسي السوري السوري، لكن مع ممثلين حقيقيين عن الشعب، وليس مع ممثلي «الائتلاف» على غرار ما حصل في جنيف2، وهي بذلك تؤكد أن لا مكان لوكلاء واشنطن وأزلام الخليج وأتباع أردوغان في هذا الحل السوري السوري.

5- إن المعايير التي تم الحديث عنها لنجاح جنيف2 ولم تتحقق آنذاك، يبدو أن الكثير من حيثياتها يتم التطرق له الآن كما تحدث مقربون من المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لعدد من الإعلاميين في نيويورك: «إن جنيف3 قد يُعقد مطلع العام القادم مع تغيرات جوهرية في مضمونه، وأهمها عدم التطرق إطلاقاً لموقع الرئيس الأسد، وإسقاط الائتلاف كممثل وحيد للشعب السوري، وفتح الباب أمام مختلف تيارات المعارضة في الداخل ومنظمات المجتمع المدني، وإعطاء الأولوية للمصالحات الداخلية برعاية أممية لوقف النزيف، وفتح الباب أمام حوار داخلي سوري».

إن طبيعة الحرب على سورية وتفرعاتها تجعل من الصعوبة تحديد مسار واضح تماماً لها لجهة أعداء سورية في ظل تفاوت مشاريعهم وطرقهم واتفاقهم على جوهر واحد ألا وهو خدمة المشروع الصهيوني، إلا أن ما يمكن الجزم به دون أدنى شك هو سقوط هذا المشروع وأن الجيش العربي السوري صامد إلى ما لا نهاية ومنتصر في النهاية.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-11-11
  • 11482
  • من الأرشيف

استدارة أميركية ثانية... لكن بظروف مغايرة

تفاءل كثيرون وتصاعدت الآمال منذ نحو عامين ببداية استدارة أميركية –تحمل في طياتها إمكانية انتهاء الحرب على سورية من خلال حل سياسي- وشى بها تقارب روسي أميركي تحدث عن جنيف2 وما سيحمله من حلول لعدة قضايا وملفات في المنطقة، وما رافقه وتلاه بعد ذلك من مؤشرات كان أبرزها سقوط مشروع الإخوان المسلمين في مصر وتغيير حمَدي قطر وحالة الارتباك التي سادت العلاقات الأميركية السعودية والحديث عن احتمال إحداث تغييرات في واجهات سياسية أساسية سعودية تفرضها واشنطن، إضافة لتقارب أميركي إيراني كان من أبرز عناوينه الملف النووي الإيراني وإلغاء بعض العقوبات الاقتصادية على إيران، كذلك تراجع الكثير من دول أوروبا عن حدَّتها في عدوانها على سورية وغير ذلك من تحولات.. إلا أن مطباً كبيراً في طريق هذه الاستدارة الأميركية حال دون عقد مؤتمر جنيف2 في مواعيده مرات عديدة، إلى أن وُلد ميتاً بعد فترة طويلة من التأجيل والمراوغة الأميركية، كان السبب الأساس في ذلك هو رفع منسوب المطالب الأميركية على الصعيد الإستراتيجي، ما جوبه برفض روسي سوري إيراني، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأميركية تغير جهة استدارتها تماماً وترفع من حدة عدوانها ظناً منها أنه لازال باستطاعتها رمي الكثير من أوراقها واللعب على غير صعيد واستثمار الوقت لأبعد مدى ممكن، وعليه كان تلويحها بتوجيه ضربة عسكرية إلى سورية آب 2013، وتهديد روسيا ومحاولة إرباكها بإثارة الأزمة في أوكرانيا، وبعد ذلك سيطرة داعش على ثلثي مساحة العراق خلال ساعات بإيعاز ودعم أميركي، ورفع التصعيد ضد سورية بشكل غير مسبوق. واليوم يعود الحديث عن استدارة أميركية أخرى، فما الذي تغير؟ وهل هي استدارة حقيقية هذه المرة؟ وكم ستستغرق من زمن؟ في الحقيقة لا يمكن الجزم بشكل مطلق بنتائج من هذا النوع في حرب مركبة كهذه اتسع نطاقها خارج الجغرافيا السورية وازداد تعقيدها، إلا أن ملامح وتصورات ودلالات يمكن الإضاءة عليها تتمثل بالآتي: 1- إن المنعطف الذي حال دون الاستدارة الأميركية المتوقعة مسبقاً اصطدم بالكثير من العقبات وقفت في وجه التصعيد الأميركي والحسابات الأميركية التي آثرت أن تربح كل شيء دون أن تعطي خصومها أي هامش للاستفادة أو الربح، وهي بهذا المنطق ترى نفسها اليوم على أعتاب خسارة كل شيء، بل أكثر من ذلك حين تشاهد خطر الإرهاب الذي صنعته واستخدمته يخرج عن سيطرتها ويهدد أرضها ومصالحها، الأمر الذي تنبّه له الكثير من حلفائها في الغرب فاستداروا قبلها بزمن. 2- إن الولايات المتحدة الأميركية تدرك تماماً أنه لا يمكنها الاستمرار في حالة الاشتباك إلى ما لا نهاية مع خصومها الذين يزدادون قوة يوماً بعد يوم، وبالتالي فإن عليها كسب الوقت أكثر من أي وقت مضى للخروج بمكاسب ومصالح قدر المستطاع، قبل أن تخرج خالية الوفاض، ولا يزال الحلف المواجه لها وعلى رأسه روسيا أكثر مرونة للتعاطي ضمن المعقول بمبدأ المصالح لكلا الطرفين من منطق إحلال الأمن والسلام وتحقيق مصلحة كل الأطراف، والحد من مخاطر وتداعيات هذه الحرب وهذا الإرهاب على المنطقة والعالم. 3- بناء على ما سبق تتجلى عملياً بعض المؤشرات الجديدة، من ضمنها التصريحات الأميركية الأخيرة حول قناعتها بأنه لا يمكن هزيمة الإرهاب المتنامي دون شراكة فعلية مع الرئيس الأسد، ويرى مراقبون ومسؤولون كبار في مجلس الأمن القومي الأميركي أن الخيار المتاح أمام الإدارة الأميركية يتمثل في التعاون مع الجيش العربي السوري ضد الإرهاب، وفي الوقت ذاته تتداول بعض الأوساط الإعلامية كصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية الخميس الماضي فحوى الرسالة التي بعثها الرئيس الأميركي مؤخراً لمرشد الثورة الإيرانية في إيران، مشيرة إلى أن أوباما قد يكون تطرق فيها إلى «تصدٍّ مشترك» للبلدين لمتطرفي تنظيم «داعش»، يضاف إلى ذلك تقارير المؤسسة العسكرية الأميركية التي خاطبت أوباما وأبلغته استحالة تدريب عناصر سورية «معتدلة»، نظراً لعدم وجود مثل هؤلاء العناصر من جهة، وفقدان صفة «المعتدل» عند عدة كتائب مدعومة من واشنطن بايعت داعش مؤخراً أو انضمت لصفوف جبهة النصرة. وعلى صعيد آخر أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد لقائه السبت الفائت نظيره الأميركي جون كيري في بكين أن واشنطن وافقت على عدم الاعتراف بـ«الائتلاف» كممثل وحيد للمعارضة السورية، تمهيداً لاستئناف المفاوضات السورية السورية وفق خطة روسية سيتم الكشف عنها غالباً نهاية الشهر خلال زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم ولقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. 4- إن روسيا التي تطالب بحل سياسي في سورية تتحدث اليوم بلهجة أكثر ثقة حين تجدد رغبتها في استئناف الحوار السياسي السوري السوري، لكن مع ممثلين حقيقيين عن الشعب، وليس مع ممثلي «الائتلاف» على غرار ما حصل في جنيف2، وهي بذلك تؤكد أن لا مكان لوكلاء واشنطن وأزلام الخليج وأتباع أردوغان في هذا الحل السوري السوري. 5- إن المعايير التي تم الحديث عنها لنجاح جنيف2 ولم تتحقق آنذاك، يبدو أن الكثير من حيثياتها يتم التطرق له الآن كما تحدث مقربون من المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لعدد من الإعلاميين في نيويورك: «إن جنيف3 قد يُعقد مطلع العام القادم مع تغيرات جوهرية في مضمونه، وأهمها عدم التطرق إطلاقاً لموقع الرئيس الأسد، وإسقاط الائتلاف كممثل وحيد للشعب السوري، وفتح الباب أمام مختلف تيارات المعارضة في الداخل ومنظمات المجتمع المدني، وإعطاء الأولوية للمصالحات الداخلية برعاية أممية لوقف النزيف، وفتح الباب أمام حوار داخلي سوري». إن طبيعة الحرب على سورية وتفرعاتها تجعل من الصعوبة تحديد مسار واضح تماماً لها لجهة أعداء سورية في ظل تفاوت مشاريعهم وطرقهم واتفاقهم على جوهر واحد ألا وهو خدمة المشروع الصهيوني، إلا أن ما يمكن الجزم به دون أدنى شك هو سقوط هذا المشروع وأن الجيش العربي السوري صامد إلى ما لا نهاية ومنتصر في النهاية.  

المصدر : الوطن / د. فراس فرزت القطان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة