دعا المسؤولون السوريون المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أمس، الى الاطلاع على تجربة الحكومة خلال الأعوام التي مضت في تطبيق التسويات والمصالحات الناجحة في بعض المناطق السورية، لا سيما في حمص، وذلك في إطار رد سوري على ما طرحه دي ميستورا مؤخرا بشأن «تجميد» الصراع في حلب.

وتعتقد دمشق أن الغموض يكتنف مصطلح «تجميد» الصراع في حلب، وأنه غير قابل للتطبيق العملي، إضافة إلى كونه يضع الجانبين أمام مسؤولية الاعتراف بشرعية الآخر، وصولا إلى احتمال خوض معارك سوية ضد عدو مشترك هو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» في المدينة، التي حذر المبعوث الأممي سابقا بأنها قد تكون على لوائح أهدافه القريبة.

وفي تطور ميداني خطير، اغتيل خمسة مهندسين يعملون في مجال البحوث النووية في مركز البحوث العلمية في حي برزة شمال دمشق، حيث تم استهداف حافلة كانوا على متنها بالرصاص.

وتتسارع التطورات في محافظة درعا، حيث تمكنت مجموعات إسلامية مسلحة، على رأسها «جبهة النصرة»، من السيطرة على مدينة نوى بالكامل، بعد أن تمكنت من قطع طريق الشيخ مسكين. ونقل التلفزيون السوري عن مصدر عسكري قوله إن «وحدات من الجيش والقوات المسلحة نفذت في منطقة نوى بريف درعا مناورة لإعادة الانتشار والتموضع بما يتناسب مع طبيعة الأعمال القتالية المقبلة».

وينتظر أن يلتقي دي ميستورا الرئيس السوري بشار الأسد قبيل مغادرته غدا، على أن يتوجه إلى حمص، في أول زيارة ميدانية له في سوريا منذ توليه هذا المنصب في تموز الماضي.

والتقى وزير الخارجية وليد المعلم دي ميستورا والوفد المرافق له على مدى ساعتين تقريبا. وذكرت وكالة الأنباء السورية ـ «سانا» أن الجانبين بحثا «نتائج جولات دي ميستورا إلى عدة عواصم وما جرى عرضه في مجلس الأمن حول الأزمة السورية، بما في ذلك مبادرته حول التجميد المحلي في مدينة حلب، وضرورة تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، لاسيما القرار 2170 الذي ينص على التصدي لداعش وجبهة النصرة وفروع (تنظيم) القاعدة، والقرار 2178 الذي يؤكد على ضرورة التزام الدول بمنع الإرهابيين الأجانب من دخول سوريا والعراق».

وأشارت إلى «ارتياح الجانبين لنتائج هذه المحادثات البناءة». وحضر اللقاء مديرة مركز الأمم المتحدة للإعلام في القاهرة خولة مطر، التي قالت مصادر واسعة الإطلاع، لـ«السفير»، إنه تم ترشيحها لتولي تمثيل البعثة الأممية في دمشق، خلفا لمارتن غريفيث.

ووفقا لمعلومات «السفير» بدا دي ميستورا متحمسا للقاء مسؤولين ووجهاء من حمص شاركوا في جهود المصالحة والتسويات بين الجيش السوري وفصائل المعارضة. وتتصدر حمص هذه التجربة الآن، لأن مراقبين كثر يشبّهون التركيز الجاري على حلب بذلك الذي حصل على حمص قبل سقوط حي بابا عمرو، وبعد محاصرة حي الحميدية، وهي حوادث انتهت بإنهاء كل التواجد المسلح في حمص، ما عدا حي الوعر، والذي بدوره يمكن ان يكون حالة جذب لتطبيق مصالحة جديدة برعاية الامم المتحدة.

ودعا المسؤولون السوريون دي ميستورا وفريقه للاطلاع على هذه التجربة وأثرها على المدينة وريفها. وترغب دمشق في أن يعاين المسؤول الأممي ما كان يدركه على الأرجح من مساهماته في نزاعات عديدة، وهو أن ثمة انطباعات دولية كثيرة عن سوريا تفتقد للدقة في تصوير الواقع، وبينها حركة الحياة التي تسير من العاصمة إلى اتجاهات عديدة خارجها غير متأثرة بوتيرة الحرب اليومية.

وسيسهّل التعرف عن قرب على حمص التحضير لـ«خطة حلب»، ربما بزيارة إليها هي الأخرى إن وجد المسعى الأممي طريقه إلى التطبيق.

وسيعرض المسؤولون المعنيون على دي ميستورا تجربتهم مع الصراع وسط البلاد، وتصورهم لسبل إنجاح التسويات، التي سبق لمسؤول أن أوضحها لـ«السفير»، وتتمثل في «إجراءات متفق عليها لبناء الثقة، ووقف متبادل لإطلاق النار، وصولا إلى تسليم مختطفين ومعتقلين، ونهاية بتسليم السلاح الثقيل، كما جرى في بعض المناطق، أو كل أشكال السلاح كما جرى في مناطق أخرى، ويتم بشكل متزامن تسوية وضع من يرغب من المقاتلين في إجراءات شبيهة بالعفو السياسي، وترك المجال لمن يرغب بمغادرة ارض المعركة إلى مكان آخر». ويعوق مثل هذه التسويات، كما شرح المسؤول «العامل الخارجي، إضافة إلى عوامل الفساد المالي وجشع الحروب»، فيما يساعد على نجاحها «تقدم الجيش الميداني، وتعذر سبل خلاص الآخر من دون هزيمة». والنقطة الأخيرة لا يشجع عليها المبعوث الدولي، ولا يحبذها، ويفضل الحديث عن «اتفاق لا يوحي بغلبة فئة على فئة، ويجنب المدنيين المعاناة الإنسانية» التي سبق وشهدتها مناطق أخرى، مثل حمص القديمة.

لذا تقدم دمشق حمص كنموذج لما يمكن فعله في حلب، والتي بدورها تثير قلق السلطات، بسبب اهتمام دول مثل تركيا وفرنسا بمصيرها، ولا سيما في ظل التقدم الميداني الذي حصل في محيط المدينة، التي أصبحت بحكم المحاصرة عسكريا، وهو الأمر الذي دفع المقداد للإعلان أمس الأول عن قرب «عودة حلب وتحريرها من دنس الإرهابيين».

ويتفق على ما يبدو دي ميستورا مع موقف الجانبين التركي والفرنسي على اعتبار حلب أولوية، وإن اختلف خطابه السياسي المعلن عنهما. ويرى أنه بالإمكان الوصول إلى اتفاق «أشبه بوقف إطلاق النار» بين الفصائل المعارضة الموجودة والجيش السوري، يسمح بتحصين المدينة ضد مقاتلي «داعش»، والتي يرى المسؤول الدولي خطره حقيقيا على المدينة.

من جهتها، تريد باريس وأنقرة وضع حلب تحت وصاية التحالف الدولي، بحيث يصبح الجيش السوري ضمن بنك أهداف التحالف. أما دمشق فتنظر إلى عاصمتها الاقتصادية بأهمية لا تقل عن عاصمتها السياسية. ويسود الاعتقاد بأن مصير حلب المقبل يشكل التحول الرمزي الأهم في هذا الصراع، حيث يسعى النظام لتثبيت سيطرته عليها، وهو ما يدركه بشكل واضح الجانب التركي. وأنقرة كما هو معروف، تراهن على حلب منذ أشهر الحرب الأولى، لأسباب تاريخية واقتصادية، ومذهبية أيضا. وصعق الأتراك من وقوف الكتلة الشعبية، وغالبيتها من السنة، مع الحكومة السورية، وذلك حتى تمكن مسلحو المعارضة، وغالبيتهم من ريفي إدلب وحلب، من السيطرة على ما يقارب نصف المدينة في صيف العام 2012.

وفي تطور ينذر باشتعال المنطقة، وصلت إلى أحياء في حلب أرتال تابعة إلى «جبهة ثوار سوريا» بقيادة جمال معروف، الذي طردته «جبهة النصرة» من ريف إدلب. واستقرت الأرتال في مناطق تسيطر عليها «الجبهة الإسلامية»، فيما يبدو أنه نقل لمعارك ريف إدلب إلى داخل حلب.

وقال مصدر ميداني، لـ«السفير»، إن «قوات جمال معروف، التي استقرت في أحياء الميسر وكرم حومد بدأت بقصف مقرات النصرة في المرجة وباب النيرب بقذائف الهاون».

وشهدت حلب في اليومين الماضيين ثلاث عمليات اغتيال نفذها مسلحون مجهولون، استهدفت قياديين في «الجبهة الإسلامية» و«جبهة النصرة» و«تجمع ألوية مقاتلة».

 

  • فريق ماسة
  • 2014-11-09
  • 12628
  • من الأرشيف

دمشق لدي ميستورا: تجربة حمص أجدى من حلب

دعا المسؤولون السوريون المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أمس، الى الاطلاع على تجربة الحكومة خلال الأعوام التي مضت في تطبيق التسويات والمصالحات الناجحة في بعض المناطق السورية، لا سيما في حمص، وذلك في إطار رد سوري على ما طرحه دي ميستورا مؤخرا بشأن «تجميد» الصراع في حلب. وتعتقد دمشق أن الغموض يكتنف مصطلح «تجميد» الصراع في حلب، وأنه غير قابل للتطبيق العملي، إضافة إلى كونه يضع الجانبين أمام مسؤولية الاعتراف بشرعية الآخر، وصولا إلى احتمال خوض معارك سوية ضد عدو مشترك هو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» في المدينة، التي حذر المبعوث الأممي سابقا بأنها قد تكون على لوائح أهدافه القريبة. وفي تطور ميداني خطير، اغتيل خمسة مهندسين يعملون في مجال البحوث النووية في مركز البحوث العلمية في حي برزة شمال دمشق، حيث تم استهداف حافلة كانوا على متنها بالرصاص. وتتسارع التطورات في محافظة درعا، حيث تمكنت مجموعات إسلامية مسلحة، على رأسها «جبهة النصرة»، من السيطرة على مدينة نوى بالكامل، بعد أن تمكنت من قطع طريق الشيخ مسكين. ونقل التلفزيون السوري عن مصدر عسكري قوله إن «وحدات من الجيش والقوات المسلحة نفذت في منطقة نوى بريف درعا مناورة لإعادة الانتشار والتموضع بما يتناسب مع طبيعة الأعمال القتالية المقبلة». وينتظر أن يلتقي دي ميستورا الرئيس السوري بشار الأسد قبيل مغادرته غدا، على أن يتوجه إلى حمص، في أول زيارة ميدانية له في سوريا منذ توليه هذا المنصب في تموز الماضي. والتقى وزير الخارجية وليد المعلم دي ميستورا والوفد المرافق له على مدى ساعتين تقريبا. وذكرت وكالة الأنباء السورية ـ «سانا» أن الجانبين بحثا «نتائج جولات دي ميستورا إلى عدة عواصم وما جرى عرضه في مجلس الأمن حول الأزمة السورية، بما في ذلك مبادرته حول التجميد المحلي في مدينة حلب، وضرورة تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، لاسيما القرار 2170 الذي ينص على التصدي لداعش وجبهة النصرة وفروع (تنظيم) القاعدة، والقرار 2178 الذي يؤكد على ضرورة التزام الدول بمنع الإرهابيين الأجانب من دخول سوريا والعراق». وأشارت إلى «ارتياح الجانبين لنتائج هذه المحادثات البناءة». وحضر اللقاء مديرة مركز الأمم المتحدة للإعلام في القاهرة خولة مطر، التي قالت مصادر واسعة الإطلاع، لـ«السفير»، إنه تم ترشيحها لتولي تمثيل البعثة الأممية في دمشق، خلفا لمارتن غريفيث. ووفقا لمعلومات «السفير» بدا دي ميستورا متحمسا للقاء مسؤولين ووجهاء من حمص شاركوا في جهود المصالحة والتسويات بين الجيش السوري وفصائل المعارضة. وتتصدر حمص هذه التجربة الآن، لأن مراقبين كثر يشبّهون التركيز الجاري على حلب بذلك الذي حصل على حمص قبل سقوط حي بابا عمرو، وبعد محاصرة حي الحميدية، وهي حوادث انتهت بإنهاء كل التواجد المسلح في حمص، ما عدا حي الوعر، والذي بدوره يمكن ان يكون حالة جذب لتطبيق مصالحة جديدة برعاية الامم المتحدة. ودعا المسؤولون السوريون دي ميستورا وفريقه للاطلاع على هذه التجربة وأثرها على المدينة وريفها. وترغب دمشق في أن يعاين المسؤول الأممي ما كان يدركه على الأرجح من مساهماته في نزاعات عديدة، وهو أن ثمة انطباعات دولية كثيرة عن سوريا تفتقد للدقة في تصوير الواقع، وبينها حركة الحياة التي تسير من العاصمة إلى اتجاهات عديدة خارجها غير متأثرة بوتيرة الحرب اليومية. وسيسهّل التعرف عن قرب على حمص التحضير لـ«خطة حلب»، ربما بزيارة إليها هي الأخرى إن وجد المسعى الأممي طريقه إلى التطبيق. وسيعرض المسؤولون المعنيون على دي ميستورا تجربتهم مع الصراع وسط البلاد، وتصورهم لسبل إنجاح التسويات، التي سبق لمسؤول أن أوضحها لـ«السفير»، وتتمثل في «إجراءات متفق عليها لبناء الثقة، ووقف متبادل لإطلاق النار، وصولا إلى تسليم مختطفين ومعتقلين، ونهاية بتسليم السلاح الثقيل، كما جرى في بعض المناطق، أو كل أشكال السلاح كما جرى في مناطق أخرى، ويتم بشكل متزامن تسوية وضع من يرغب من المقاتلين في إجراءات شبيهة بالعفو السياسي، وترك المجال لمن يرغب بمغادرة ارض المعركة إلى مكان آخر». ويعوق مثل هذه التسويات، كما شرح المسؤول «العامل الخارجي، إضافة إلى عوامل الفساد المالي وجشع الحروب»، فيما يساعد على نجاحها «تقدم الجيش الميداني، وتعذر سبل خلاص الآخر من دون هزيمة». والنقطة الأخيرة لا يشجع عليها المبعوث الدولي، ولا يحبذها، ويفضل الحديث عن «اتفاق لا يوحي بغلبة فئة على فئة، ويجنب المدنيين المعاناة الإنسانية» التي سبق وشهدتها مناطق أخرى، مثل حمص القديمة. لذا تقدم دمشق حمص كنموذج لما يمكن فعله في حلب، والتي بدورها تثير قلق السلطات، بسبب اهتمام دول مثل تركيا وفرنسا بمصيرها، ولا سيما في ظل التقدم الميداني الذي حصل في محيط المدينة، التي أصبحت بحكم المحاصرة عسكريا، وهو الأمر الذي دفع المقداد للإعلان أمس الأول عن قرب «عودة حلب وتحريرها من دنس الإرهابيين». ويتفق على ما يبدو دي ميستورا مع موقف الجانبين التركي والفرنسي على اعتبار حلب أولوية، وإن اختلف خطابه السياسي المعلن عنهما. ويرى أنه بالإمكان الوصول إلى اتفاق «أشبه بوقف إطلاق النار» بين الفصائل المعارضة الموجودة والجيش السوري، يسمح بتحصين المدينة ضد مقاتلي «داعش»، والتي يرى المسؤول الدولي خطره حقيقيا على المدينة. من جهتها، تريد باريس وأنقرة وضع حلب تحت وصاية التحالف الدولي، بحيث يصبح الجيش السوري ضمن بنك أهداف التحالف. أما دمشق فتنظر إلى عاصمتها الاقتصادية بأهمية لا تقل عن عاصمتها السياسية. ويسود الاعتقاد بأن مصير حلب المقبل يشكل التحول الرمزي الأهم في هذا الصراع، حيث يسعى النظام لتثبيت سيطرته عليها، وهو ما يدركه بشكل واضح الجانب التركي. وأنقرة كما هو معروف، تراهن على حلب منذ أشهر الحرب الأولى، لأسباب تاريخية واقتصادية، ومذهبية أيضا. وصعق الأتراك من وقوف الكتلة الشعبية، وغالبيتها من السنة، مع الحكومة السورية، وذلك حتى تمكن مسلحو المعارضة، وغالبيتهم من ريفي إدلب وحلب، من السيطرة على ما يقارب نصف المدينة في صيف العام 2012. وفي تطور ينذر باشتعال المنطقة، وصلت إلى أحياء في حلب أرتال تابعة إلى «جبهة ثوار سوريا» بقيادة جمال معروف، الذي طردته «جبهة النصرة» من ريف إدلب. واستقرت الأرتال في مناطق تسيطر عليها «الجبهة الإسلامية»، فيما يبدو أنه نقل لمعارك ريف إدلب إلى داخل حلب. وقال مصدر ميداني، لـ«السفير»، إن «قوات جمال معروف، التي استقرت في أحياء الميسر وكرم حومد بدأت بقصف مقرات النصرة في المرجة وباب النيرب بقذائف الهاون». وشهدت حلب في اليومين الماضيين ثلاث عمليات اغتيال نفذها مسلحون مجهولون، استهدفت قياديين في «الجبهة الإسلامية» و«جبهة النصرة» و«تجمع ألوية مقاتلة».  

المصدر : السفير / زياد حيدر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة