خلف الستارة تدور معركة دبلوماسية وسياسية حادة جدا وساخنة إلى حد ما بين الأردن وإسرائيل عنوانها الأساسي أهداف تل أبيب المرئية وغير المرئية من وراء العبث المتواصل بالملف الأردني الأكثر حساسية وعنوانه العريض الولاية الدينية على المسجد الأقصى.

طوال الأسبوعين الماضيين تدقق المؤسسة الأردنية في المعلومات وتبحث عن تقييمات ثم عن إجابات على سؤال حائر نسبيا الآن بعنوان مبررات ومسوغات العبث الإسرائيلي في «الطبق الأردني «هذه المرة حيث تعلم تل أبيب بأن عمان هي المتضرر الأبرز من جراء الاستفزازات المتعلقة بمدينة القدس وبالمسجد الأقصى.

في قياسات الأردنيين أيضا لا بد من لجم سعي بعض الأطراف الإسرائيلية الجاد نحو تبديد التكتيك الذي توافق عليه كل من الرئيس محمود عباس والملك عبد الله الثاني عندما حضر الأول قبل أكثر من عام إلى عمان وسلم الثاني مذكرة تفوض الهاشميين بإدارة أوقاف القدس والمسجد الأقصى.

يومها تماما أبلغ وزير الأوقاف الفلسطيني حمود الهباش نخبة من الصحافيين آنذاك بحضور«القدس العربي» بأن السلطة الفلسطينية لا تستطيع في مواجهة العدو الإسرائيلي تأمين الحماية الحقيقية للأماكن المقدسة وان الأردن هو الأقدر على توفير هذه الحماية مما يبرر التفويض الفلسطيني السياسي الذي لا يأتي عمليا بجديد لأن الرعاية الدينية الأردنية منصوص عليها بموجب اتفاقية وادي عربة.

الهباش اعتبر المسجد الأقصى أمانة بيد الأردن سترد إلى أهلها عند قيام الدولة الفلسطينية.

اليوم هذه الحماية، يعتقد وعلى نطاق واسع، بأنها مستهدفة وكذلك تفويض عباس الشهير غير المبرر الذي أثار وقتها أيضا جدلا موازيا داخل المؤسسة الأردنية عنوانه حكمة القبول بتفويض فلسطيني ضمن ميزان قوى مفهوم للجميع.

القيادة الأردنية جازفت بالكلفة خصوصا وان رعاية المسجد الأقصى تحديدا متوارثة للهاشميين عبر عدة محطات.

بكل الأحوال يعتقد رسميا في عمان اليوم بأن إسرائيل أو على الأقل أطراف متشددة فيها تضرب بين الحين والآخر قصدا على وتر التفويض والرعاية الأردنيين.. الهدف في التقييم النهائي إبعاد ملف القدس عن أي تسوية نهائية وفرض وقائع على الأرض قد تتطلب تهميش حتى دور الشريك الأردني في عملية السلام.

ما يحصل، وفقا لوزير بارز في الحكومة الأردنية منذ نحو عامين، هو ما يلي: يقترح متطرف صهيوني ما في الكنيست أدبيات باقتراح ضم الحرم القدسي واخضاع المسجد الأقصى أو تتحدث صحافة تل أبيب عن مشاريع لاقصاء الدور الأردني فتلتقط وزارة الخارجية الأردنية الرسالة وتستفسر بطرق دبلوماسية موثقة وناعمة لتحصل على رسالة رسمية من حكومة إسرائيل تعتبر ان الوضع في المسجد الأقصى سيبقى كما هو وانه لن يتغير.

حصل ذلك في العام 2012 خمس مرات على الأقل في الوقت الذي انصرف فيه وزيرا الخارجية والاتصال ناصر جودة ومحمد المومني للتأكيد، وعدة مرات، بأن حكومتهما تتابع التفاصيل وبأنه من غير اللائق ولا المناسب الرد أردنيا إلا على خطوات رسمية على أساس ان مجمل ملف الرعاية الأردنية منوط أصلا ومنظم باتفاقيات دولية.

بهذه الطريقة كانت المؤسسة الأردنية ترد على ما يرد في الصحافة الإسرائيلية وتترفع عن الخوض في التفاصيل ما دامت المسألة خارج النطاق الرسمي.

الجديد في الموضوع ان هذه السياسة الناعمة في الاحتواء وتجنب المواجهة والصدام والاختبار لم تعد منتجة بسبب الإحراج الشديد الذي يطال الدولة الأردنية وليس الحكومة فقط من وراء العبث المتلاحق بملف المسجد الأقصى تحديدا وبالتالي بملف الرعاية الأردنية الدينية.

رقعة هذا الإحراج اتسعت مؤخرا ومستوى التحرشات الإسرائيلية الاستفزازية لا يعكس مضمون منطوق تلك الرسائل التي تصل من حكومة بنيامين نتنياهو، والمعارضة في الشارع الأردني ممثلة بالإخوان المسلمين بدأت تعتبر الاعتداءات على المسجد الأقصى حجة ضد النظام الأردني ومسألة تتيح لها العودة لمخاطبة الشارع ومشاعره أيضا.

لذلك يبدو الموقف الرسمي في الأردن حائرا خصوصا وان المسجد الأقصى من الخطوط الحمر فالبرلمان في مزاج متواصل للتنديد بإسرائيل والضغط على ملف التطبيع معها والمماطلات الرسمية الأردنية في السياق لم تعد تكفي لمواجهة الأجواء العامة في الشارع الشعبي أو لتبرير القصور في مواجهة الاعتداءات والانتهاكات الاسرائيلية.

يحصل ذلك فيما الإمكانات في الرد على إسرائيل لازالت محدودة فأقصى تصعيد أردني في أي موضوع له علاقة بإسرائيل هو وقف التطبيع والعلاقات الدبلوماسية، وبالحساب الدبلوماسي فإن الاستفزازات في نطاق المسجد الأقصى لم تصل بعد إلى منسوب يسمح باستخدام ورقة وقف التطبيع أو تجميد اتفاقية وادي عربة.

من هنا تحديدا وفي هذه النقطة يتمحور الإحراج وحساسية الموقف فالحكومة الأردنية لا تستطيع البقاء في موقعها الحالي نفسه إذا ما اكتشفت الدولة الأردنية انها خارج نطاق التاثير في الموقف الإسرائيلي في الوقت الذي تعتبر فيه إسرائيل مرحليا بين الأطراف المهمة في التوازن الاستراتيجي الأردني قياسا بمستوى الاشتعال والانفعال الاقليمي.

تلك مفارقة في قمة الحساسية سياسيا وأمنيا فمواجهة التطرف والترسيم الجديد للمنطقة مذهبيا وداعش والتحولات في العراق وسوريا يتطلب من باب الاحتياط الأمني بقاء العلاقات جيدة مع إسرائيل لكن الأخيرة تستغل هذا الظرف وهي تعلم مسبقا بأن عمان مقيدة في هوامش المناورة ضد تل أبيب.

السؤال في نهاية هذا الاستخلاص هو:هل يجد صانع القرار الأردني وسيلة تعفيه من أجواء الصدام الشامل مع إسرائيل دون ان يسمح لها بتغيير الواقع في المسجد الأقصى بمعنى تهديد أو التهديد بالغاء الرعاية الأردنية؟

 

  • فريق ماسة
  • 2014-11-08
  • 10470
  • من الأرشيف

وضع الأردن الاستراتيجي المعقد: إسرائيل «حليف» ضد الإرهاب و«عدو» في المسجد الأقصى

خلف الستارة تدور معركة دبلوماسية وسياسية حادة جدا وساخنة إلى حد ما بين الأردن وإسرائيل عنوانها الأساسي أهداف تل أبيب المرئية وغير المرئية من وراء العبث المتواصل بالملف الأردني الأكثر حساسية وعنوانه العريض الولاية الدينية على المسجد الأقصى. طوال الأسبوعين الماضيين تدقق المؤسسة الأردنية في المعلومات وتبحث عن تقييمات ثم عن إجابات على سؤال حائر نسبيا الآن بعنوان مبررات ومسوغات العبث الإسرائيلي في «الطبق الأردني «هذه المرة حيث تعلم تل أبيب بأن عمان هي المتضرر الأبرز من جراء الاستفزازات المتعلقة بمدينة القدس وبالمسجد الأقصى. في قياسات الأردنيين أيضا لا بد من لجم سعي بعض الأطراف الإسرائيلية الجاد نحو تبديد التكتيك الذي توافق عليه كل من الرئيس محمود عباس والملك عبد الله الثاني عندما حضر الأول قبل أكثر من عام إلى عمان وسلم الثاني مذكرة تفوض الهاشميين بإدارة أوقاف القدس والمسجد الأقصى. يومها تماما أبلغ وزير الأوقاف الفلسطيني حمود الهباش نخبة من الصحافيين آنذاك بحضور«القدس العربي» بأن السلطة الفلسطينية لا تستطيع في مواجهة العدو الإسرائيلي تأمين الحماية الحقيقية للأماكن المقدسة وان الأردن هو الأقدر على توفير هذه الحماية مما يبرر التفويض الفلسطيني السياسي الذي لا يأتي عمليا بجديد لأن الرعاية الدينية الأردنية منصوص عليها بموجب اتفاقية وادي عربة. الهباش اعتبر المسجد الأقصى أمانة بيد الأردن سترد إلى أهلها عند قيام الدولة الفلسطينية. اليوم هذه الحماية، يعتقد وعلى نطاق واسع، بأنها مستهدفة وكذلك تفويض عباس الشهير غير المبرر الذي أثار وقتها أيضا جدلا موازيا داخل المؤسسة الأردنية عنوانه حكمة القبول بتفويض فلسطيني ضمن ميزان قوى مفهوم للجميع. القيادة الأردنية جازفت بالكلفة خصوصا وان رعاية المسجد الأقصى تحديدا متوارثة للهاشميين عبر عدة محطات. بكل الأحوال يعتقد رسميا في عمان اليوم بأن إسرائيل أو على الأقل أطراف متشددة فيها تضرب بين الحين والآخر قصدا على وتر التفويض والرعاية الأردنيين.. الهدف في التقييم النهائي إبعاد ملف القدس عن أي تسوية نهائية وفرض وقائع على الأرض قد تتطلب تهميش حتى دور الشريك الأردني في عملية السلام. ما يحصل، وفقا لوزير بارز في الحكومة الأردنية منذ نحو عامين، هو ما يلي: يقترح متطرف صهيوني ما في الكنيست أدبيات باقتراح ضم الحرم القدسي واخضاع المسجد الأقصى أو تتحدث صحافة تل أبيب عن مشاريع لاقصاء الدور الأردني فتلتقط وزارة الخارجية الأردنية الرسالة وتستفسر بطرق دبلوماسية موثقة وناعمة لتحصل على رسالة رسمية من حكومة إسرائيل تعتبر ان الوضع في المسجد الأقصى سيبقى كما هو وانه لن يتغير. حصل ذلك في العام 2012 خمس مرات على الأقل في الوقت الذي انصرف فيه وزيرا الخارجية والاتصال ناصر جودة ومحمد المومني للتأكيد، وعدة مرات، بأن حكومتهما تتابع التفاصيل وبأنه من غير اللائق ولا المناسب الرد أردنيا إلا على خطوات رسمية على أساس ان مجمل ملف الرعاية الأردنية منوط أصلا ومنظم باتفاقيات دولية. بهذه الطريقة كانت المؤسسة الأردنية ترد على ما يرد في الصحافة الإسرائيلية وتترفع عن الخوض في التفاصيل ما دامت المسألة خارج النطاق الرسمي. الجديد في الموضوع ان هذه السياسة الناعمة في الاحتواء وتجنب المواجهة والصدام والاختبار لم تعد منتجة بسبب الإحراج الشديد الذي يطال الدولة الأردنية وليس الحكومة فقط من وراء العبث المتلاحق بملف المسجد الأقصى تحديدا وبالتالي بملف الرعاية الأردنية الدينية. رقعة هذا الإحراج اتسعت مؤخرا ومستوى التحرشات الإسرائيلية الاستفزازية لا يعكس مضمون منطوق تلك الرسائل التي تصل من حكومة بنيامين نتنياهو، والمعارضة في الشارع الأردني ممثلة بالإخوان المسلمين بدأت تعتبر الاعتداءات على المسجد الأقصى حجة ضد النظام الأردني ومسألة تتيح لها العودة لمخاطبة الشارع ومشاعره أيضا. لذلك يبدو الموقف الرسمي في الأردن حائرا خصوصا وان المسجد الأقصى من الخطوط الحمر فالبرلمان في مزاج متواصل للتنديد بإسرائيل والضغط على ملف التطبيع معها والمماطلات الرسمية الأردنية في السياق لم تعد تكفي لمواجهة الأجواء العامة في الشارع الشعبي أو لتبرير القصور في مواجهة الاعتداءات والانتهاكات الاسرائيلية. يحصل ذلك فيما الإمكانات في الرد على إسرائيل لازالت محدودة فأقصى تصعيد أردني في أي موضوع له علاقة بإسرائيل هو وقف التطبيع والعلاقات الدبلوماسية، وبالحساب الدبلوماسي فإن الاستفزازات في نطاق المسجد الأقصى لم تصل بعد إلى منسوب يسمح باستخدام ورقة وقف التطبيع أو تجميد اتفاقية وادي عربة. من هنا تحديدا وفي هذه النقطة يتمحور الإحراج وحساسية الموقف فالحكومة الأردنية لا تستطيع البقاء في موقعها الحالي نفسه إذا ما اكتشفت الدولة الأردنية انها خارج نطاق التاثير في الموقف الإسرائيلي في الوقت الذي تعتبر فيه إسرائيل مرحليا بين الأطراف المهمة في التوازن الاستراتيجي الأردني قياسا بمستوى الاشتعال والانفعال الاقليمي. تلك مفارقة في قمة الحساسية سياسيا وأمنيا فمواجهة التطرف والترسيم الجديد للمنطقة مذهبيا وداعش والتحولات في العراق وسوريا يتطلب من باب الاحتياط الأمني بقاء العلاقات جيدة مع إسرائيل لكن الأخيرة تستغل هذا الظرف وهي تعلم مسبقا بأن عمان مقيدة في هوامش المناورة ضد تل أبيب. السؤال في نهاية هذا الاستخلاص هو:هل يجد صانع القرار الأردني وسيلة تعفيه من أجواء الصدام الشامل مع إسرائيل دون ان يسمح لها بتغيير الواقع في المسجد الأقصى بمعنى تهديد أو التهديد بالغاء الرعاية الأردنية؟  

المصدر : القدس العربي/ بسام البدارين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة