دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لماذا جبل شاعر هدف داعش الدائم؟ سؤالٌ يتبادر الى ذهن الجميع بمجرّد قراءة العنوان، والأمر ليس مجرد تشويق أو سبق صحافي بقدرما يمثّل تحدياً حقيقياً للجيش العربي السوري الذي يُدرك كما داعش أهمية جبل شاعر كنقطة ارتكازٍ عسكرية في وسط سورية إضافةً الى كونها منطقة مليئة بحقول الغاز التي تغذي سورية بجزء كبير من حاجة محطات الكهرباء.
بدايةً ما هي أهمية جبل شاعر ومحيطه العسكري:
بالنسبة للجيش السوري تعتبر المنطقة المفصل الأساسي الأهم في الدفاع عن المنطقة الوسطى إمتداداً الى حلب شمالاً وحماه وحمص وصولاً الى الساحل غرباً ودمشق جنوباً.
ويعتبر جبل شاعر وسلسلة الجبال المجاورة له عائقاً حقيقياً في وجه تمدد تنظيم داعش الذي يمتلك تواجداً قريبًا من جبل شاعر باتجاه الشمال الغربي وتحديداً في عقيربات ومحيطها التي تعتبر منطقة انطلاق دائمة في أي هجمات داعشية، إضافةً الى ارتباط عقيربات بخطوط إمداد عبر البادية شمال شرق باتجاه الرقة وجنوب غرب باتجاه دير الزور.
من هنا تأتي أهمية جبل شاعر والذي تحيط به عشرات القرى الصغيرة من البدو الذين تختلف ولاءاتهم والذي ينضوي جزء منهم للجماعات المسلحة المختلفة وأهمها تنظيم داعش، وهو عامل يعقد المتابعة الإستخباراتية للجيش السوري إضافةً الى عدم إمكانية إغلاق المنطقة عسكرياً بشكلٍ كامل لوجود مساحات كبيرة مليئة بالتضاريس المعقدة التي تساعد على الإختفاء وخصوصاً في الليل الذي يتم استغلاله من قبل داعش للتسلّل والتواصل مع المنطقة الشرقية.
بالنسبة لداعش تعتبر المنطقة ضرورة عسكرية كنقطة متقدمة تؤمن لها تماساً أكبر مما تؤمنه منطقة عقيربات مع الجيش السوري وتؤمن السيطرة لداعش على جبل شاعر ومحيطه تأمين العمق الصحراوي والجبلي وصولاً حتى الرقة ودير الزور، وتركيز وحدات كبيرة بالتدريج تساعد في الإنتقال الى المرحلة الثانية وهي السيطرة على تدمر ومطار الـt4 (مطار الشهيد عمر اياس) وهو من أكبر وأهم المطارات الحربية السورية والذي يقوم بدور هام في إسناد وحدات الجيش السوري في أكثر من جبهة وخصوصاً في حلب وحماه وحمص.
كما ستتضمن المرحلة الثانية توسيع نطاق السيطرة في الامتداد الجغرافي من عقيربات شمالاً الى جبل الشومرية جنوباً ما يساعد في مهاجمة مطار الشعيرات.
المرحلة الثالثة ستكون بالتأكيد البدء بالتمدد باتجاه السلمية وكذلك الى ريف المخرم لفك الطوق عن تلبيسة والرستن وإعادة ربط أرياف حمص بشمال لبنان والوصول الى البحر.
إنّ استعراض ما يخطّط له تنظيم داعش لا يعني أنه قادرٌ على إتمام خططه، فبالنسبة للمرحلة الأولى وبعد تجربتين للجيش السوري صار واضحاً أنّ التعاطي مع المسألة بأهمية متدنية سيؤدي الى مشكلات كبيرة، ومن هنا جاءت عملية تحرير جبل شاعر ومحيطه الأخيرة على خلفية فهم تفصيلي بضرورة البدء بعمليات جادة لتوسيع نطاق السيطرة الجغرافية والنارية على محيط جبل شاعر في المرحلة الأولى، والبدء بعملية جراحية لإنهاء وجود داعش في نطاق سيطرته الحالية في عقيربات ومحيطها، وهو أمر بدأت وحدات الجيش السوري بتنفيذه.
بالنسبة لمطار الـt4، فالقليل يعلم أنّ هذا المطار محاطٌ بشبكة من المواقع العسكرية السورية تتألف من قطع كبيرة قادرة على التحرك في أيّ اتجاه وبإمكانها القيام بالمناورات اللازمة للإلتفاف والإشتباك والقضاء على أية مجموعات مسلحة.
مع استعادة جبل شاعر وحقول النفط التي، وإن سيطرت عليها داعش فلن تستفيد منها لاحتياج الغاز الى محطات وشبكات وانابيب لن يكون بمقدور داعش توفيرها أو توفير الكادر اللازم لتشغيلها، ولكنه يمكن لداعش فيما لو استمرت بالسيطرة على حقول الغاز أن تتسبب بمشكلتين: أولاً إعطاء الذريعة لأميركا وتحالفها قصف هذه الحقول، وثانياً التأثير على قدرة الدولة السورية في إنتاج الكهرباء التي تعتمد على الغاز بشكلٍ أساسي.
أما بالنسبة للمرحلتين الثانية والثالثة فهما مرتبطان بقدرة داعش على السيطرة مجدداً على جبل شاعر ومحيطه، وهو ما لن يحصل بسبب إحراز الجيش السوري إنتصارات كبيرةٍ في حماه ويوشك على إنهاء التحضيرات لحسم معركتي حلب وحمص.
حلب التي جاء ديميستورا خصيصاً من أجل مسلّحيها لطرح منطقة تجميد معارك ليس من مصلحة الدولة السورية الذهاب اليها فيما جيشها انتقل الى مرحلة تحرير الأحياء الداخلية بالموازاة مع معارك الأرياف.
في كل الأحوال فإنّ قيادة الجيش السوري تُدرك تماماً طبيعة المعارك وتفاصيلها، كما تدرك القيادة السياسية أنّ داعش التي يُرمى لها السلاح من قبل الطائرات الأميركية ويتم التعامل معها بالقوة الناعمة على طريقة لسع البعوض، وتُدرك قيادة الجيش أيضًا أنّ معركتها النهائية ستكون مع داعش وجبهة النصرة وأنّ المعركة ستبدأ بعد أن تنهي داعش والنصرة باقي الجماعات المسلّحة.
إحتياطاً لا بدّ من البدء بتسيير طلعات مكثفة للطائرات بدون طيار فوق كل خطوط الإمداد وإبلاغ سلاح الجو عن أي تحرك لضربه مع البدء بضربات يومية موجعة لمنطقة الرقة تستنزف الجهد البشري لداعش وتحرمه من تأمين تسيير أرتال القتال والدعم.
داعش الذي تقوم أميركا بمداعبته يجب أن يتلقى ضربات جدية وحقيقية ليس في مناطق القتال التي يختارها إنما في عمق مناطق تمركزه، والسبب أنّ داعش عندما يفتح معارك تبعد عن الموصل والرقة مئات الكيلومترات فهو يتخّذ تدبيرًا يهدف الى حماية العمق وتهديد الجيشين السوري والعراقي عند حدود "دولة الخلافة" الحالية.
ضابط سابق (خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية)
المصدر :
عمر معربوني
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة