دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
اتّسعت الخلافات ولم تعد محاولات التكتم والتستر، مجدية، حيث وصل التوتر بين «أحرار الشام» و«جبهة النصرة»، والذي كشفت «السفير» تفاصيله مؤخراً، إلى درجة جديدة من العلنية والتشهير لم يعد ممكناً إنكاره.
وبالرغم من أن بعض القيادات مستفيدةً من صدى استهداف التحالف الدولي لمقار كلٍّ من «النصرة» و«أحرار الشام» تستمرّ في بذل الجهود لضبط النفس واحتواء الموقف ومنعه من الوصول إلى حافة الهاوية، حيث لا يمكن التكهن بمآل الأمور بعدها، فإن ثمة مؤشرات مهمة توحي أن الخلاف بين الطرفين قد يذهب في اتجاه التصعيد، خاصة بعد بروز تيار داخل «أحرار الشام» يتبنى هذا الاتجاه، وذلك ما لم تحدث تطورات ميدانية تؤجل موعد انفجار العلاقة بينهما.
وتخضع العلاقة بين «أحرار الشام» و«جبهة النصرة» إلى معادلة جديدة، قوامها الأول اضطرار الفصيلين إلى التحالف العسكري في وجه أعدائهما، سواء الجيش السوري أو بعض الفصائل المسلحة الأخرى مثل تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» وحلفائه. وقوامها الثاني اتساع الهوة المنهجية والفكرية بينهما بشكل بات يهدّد إمكانية استمرار التحالف العسكري، خاصة بعد مراجعات «أحرار الشام» واتجاهها إلى التخلي عن «السلفية الجهادية». وبالتالي تتوقف العلاقة بين الطرفين على طبيعة التوازن الممكن إحداثه بين مقتضيات التحالف العسكري ومبدئية المنهج والفكر، ولمن ستكون الغلبة بينهما.
واقعياً، هناك تياران داخل «أحرار الشام» و«جبهة النصرة»، يذهب الأول إلى تغليب مقتضيات التحالف العسكري وتأجيل الخلافات المنهجية، بينما يذهب الثاني إلى العكس، ويرى أن المنهج هو الذي ينبغي أن يحدد طبيعة التحالفات العسكرية، ونتيجة الصراع بين هذين التيارين هي التي ستحدد مصير العلاقة بين اثنين من أكبر وأقوى الفصائل المسلحة في سوريا، والتي يمكن أن تترتب عليها تداعيات ضخمة تشمل الأراضي السورية كافة.
وتشير المعطيات إلى أن «أحرار الشام» هي الطرف الذي يخضع لضغوط محلية وإقليمية تسعى إلى إجبارها على الابتعاد عن «جبهة النصرة» عسكرياً، بعد أن ضمنت مراجعاتها الأخيرة الابتعاد عنها منهجياً. وقد أحدثت هذه الضغوط شرخاً واسعاً بين التيارين اللذين يتجاذبان الحــركة، وبات التــيار المناهض للتــحالف مع «جبهة النصرة» يعبر عن نفسه بجرأة أكبر، الأمر الذي قد يكون مؤشراً على بداية التمايز، وبالتالي مؤشراً على موجة انشقاقات جديدة تطال صفوف الحركة.
وفي هذا السياق، كان لافتاً أن يرد أحد قياديي «أحرار الشام» على تصريح زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني، في مقابلته مع «المنارة البيضاء» بوجوب «إنهاء جبهة ثوار سوريا في الشمال السوري»، بطريقة لاذعة. حيث كتب أبو عثمان الحلبي على حسابه على «تويتر» مخاطباً الجولاني «مَن أنت حتى تقرر إنهاء جماعة ما؟»، ثم ليتهمه في التغريدة نفسها، ولكن بصيغة السؤال «ألم تجتمع مع مسؤولين قطريين للتنسيق في غير ملف الأسرى؟ أم ما هو حلال لك حرام على غيرك؟». وذلك قبل أن يحذف هذا القيادي تغريدته ويزعم أن حسابه تعرّض لمحاولة اختراق، رغم عدم وجود ما يشير إلى مثل هذه المحاولة.
وبعد ساعات فقط من حذف تغريدة القيادي، نشر حساب «أحرار الشام»، على «تويتر»، بياناً بعنوان «إعلان مبادرة تحاكم حول أحداث جبل الزاوية الأخيرة»، ليخرج القيادي في الحركة خالد أبو أنس ويعلن «أن الحركة لا علاقة لها بالمبادرة وأنها نشرت بتصرف فردي، وتمّ سحبها، وأن البيان الرسمي سينزل بعد ساعة». وبالفعل سحب بيان المبادرة من حساب الحركة، ونشر بيان آخر. والغريب أن البيان الثاني كان نسخة مطابقة للبيان الأول لولا حذف فقرتين وسطر منه.
وتضمّن البيان الأول فقرةً تشمل بنود مبادرة لحل النزاع بين «جبهة النصرة» و«جبهة ثوار سوريا»، تتعلق بتشكيل «محكمة شرعية» وإعطاء الطرفين مهلة 72 ساعة للردّ. وطرح هذه المبادرة يناقض قرار الجولاني بإنهاء «جبهة ثوار سوريا» ما لم تعلن توبتها. كما تضمّن فقرة تنفي «مشاركة أي من ألوية أحرار الشام في الاقتتال»، وأن «مَن ثبتت عليه المشاركة سيُحال إلى محكمة شرعية لمحاسبته»، وهو تكذيب مباشر للجولاني الذي أكد في مقابلته الأخيرة «مشاركة بعض كتائب أحرار الشام وصقور الشام في القتال إلى جانب جبهة النصرة ضد جمال معروف»، علاوة على أن محاسبة الكتائب المشاركة في القتال يدل على أن «أحرار الشام» ترى عدم صحة قتال جمال معروف، وهو اتهام مبطن لـ«النصرة» بالبغي على جمال معروف، عززه حديث البيان عن «خطورة الانجرار إلى تهم التكفير والردة والتخوين بلا بينة ولا برهان»، وهو السطر الذي حذف من البيان الثاني بالإضافة إلى الفقرتين السابقتين.
أما البيان الثاني، الذي حمل عنوان «بيان متعلق بالأحداث الأخيرة»، فقد خلا من مبادرة الحل التي حذفت بحذافيرها، بعد أن كانت جوهر البيان الأول. ورغم أن «أحرار الشام» سبق لها أن أكدت في بيانين سابقين عدم مشاركتها في القتال ضد جمال معروف، فقد أقرّت في بيانها الثاني بمشاركة بعض عناصرها في هذا الاقتتال، مبررة هذه المشاركة بأنها «جاءت ردّاً على اعتداء جمال معروف عليهم في أحد مقارهم»، مؤكدة «أن هذا الرد مشروع من حيث الأصل»، ولكن «ينبغي الحذر من أن يجر إلى اقتتال داخلي».
ولا يمكن تصديق أن نشر البيان الأول جاء نتيجة «تصرف فردي»، خاصة في ظل التطابق الحرفي بين باقي الفقرات غير المحذوفة، وهو ما يرجح أن كواليس الحركة شهدت خلافاً بين التيارين داخلها حول صيغة البيان المفترض إصداره. وسارع التيار المناهض لـ «جبهة النصرة» إلى نشر صيغته «التصعيدية» لوضع التيار الآخر أمام الأمر الواقع، وهو ما حاول التيار الثاني، الذي يميل إلى استمرار التحالف العسكري مع «جبهة النصرة»، إصلاحه عبر سحب البيان وإعادة إصداره بعد حذف الفقرات الإشكالية منه.
وقد يكون مما له دلالته أن الشيخ محمد أمين، الصديق الشخصي للقيادي الراحل في «أحرار الشام» أبو يزن الشامي والذي تنسب إليه مراجعات الحركة ودفعها إلى التخلي عن «السلفية الجهادية»، سرّب عبارات من دردشة جرت بينهما. وقال أبو يزن في إحداها «جبهة النصرة من المفسدين بالأرض، تخرِّب عقول الشباب»، مؤكداً بحسب التسريب أن «أحرار الشام تتعافى من السلفية الجهادية على مستوى القيادة والكوادر.. وتحتاج بعض الوقت للوصول إلى العناصر».
المصدر :
السفير/ عبد الله علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة