دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
أنا كما تعرفون لاأحب التطرق الى المواضيع ذات الشأن الديني لأنها تبقى ذات حساسية فائقة .. وفيها كل المواد سريعة الاشتعال التي تحرق النقاش بين الناس الذين يتحولون فيها الى حطب .. وأنا أمقت جدا المصطلحات الدينية والمذهبية وأحتقرها وأعتبر أنها انحطاطية وتمثل لي حالة انكماش في الدماغ البشري وعودة حضارية الى مرحلة الصراع بين الوثنيين .. وقتال بين اله الشمس واله القمر .. وتناحر بين أمون وآتون ..
ولكن هذه المقابلة مع أستاذ أزهري مخضرم فيها بعض التشخيص للحالة الدينية التي استقطبت العالم الاسلامي وشطرته الى اسلامين وحولته الى اسلام يأكل بعضه وينهش قلب بعضه .. ولذلك لم أجد بدا من العروج على موضوع لاأطيقه ولاأحبه وهو أشد مرارة في حلقي من العلقم .. وأحس بأنني لاأقدر على النظر في عيني أحد وانا أمر في هذه المنطقة الخطرة التي أعتبر المرور بها مشينا ومجلبة للعار .. منطقة المذاهب .. لأنها مخضبة بدمنا جميعا .. ويغرق فيها الرسول وآل بيته وصحابته .. ولأنها مليئة بالشائعات والخرافات والادعاءات والادعاءات المضادة التي لاتنتهي ولاأجوبة لها .. ولكن مناقشة الظاهرة علميا ومواجهة حقائقها وتشخيصها يعفيني ويعطيني العذر والغفران .. ويمنحني الشجاعة الأدبية لقبول المرور فيها وقلبي متمترس بنقائه الذي لايقهر ..
ليس في هذا المقال دفاع عن جهة أو مذهب أو هجوم على جهة أو مذهل بل هو تأمل في ضرورة أن تنصهر المذاهب بالحوار وأن نكتشف بعضنا وجها وجه ودون وسطاء أو وعاظ .. فهذه الحالة من التمذهب في النهاية خطة محكمة وقع فيها المسلمون كما ينوه الأستاذ الأزهري أحمد كريمة .. والغريب أن من يضع الفخاخ والمكائد لهم صار واضحا كالشمس ويعمل علنا في وضح النهار دون خوف أو وجل أو تستر .. والمسلمون مصرون على أن يتنافروا الى حد وصل الأمر بالأزهر الشريف أنه قام بفصل الاستاذ أحمد كريمة لمجرد أنه زار ايران رغم أن الزيارة جاءت في سياق مهمة رسمية وعلنية و"لنصرة المذهب السني" والدفاع عنه وبموافقة كل المؤسسات الادارية والسياسية في الأزهر ودون تحذير أو منع ..
الأستاذ أحمد كريمة الذي فصل من عمله بسبب "اللوبي السلفي في المؤسسات الأزهرية" على العكس يكرس أول عملية مواجهة مع السلفية الوهابية بالمنطق والعقل والحجة والبرهان ويكرس حالة الاعتراف الشجاع بالحقائق والوقوف على الذرى العالية في هذا المد والطوفان المذهبي .. فلم يكتف بقراءة مايكتب عن ايران والشيعة بل ذهب الى الايرانيين في عقر دارهم وحوزاتهم وطرح عليهم الأسئلة التي تموج في العالم العربي حول نشاطاتهم وأفكارهم ومشاريعهم وكتبهم .. أسئلة من مثل:
ماهي نسبة أهل السنة في ايران وماهي حقوقهم ومظالمهم؟؟
كيف تقنعوننا أنكم لاتقومون بنشر التشيع في العالم العربي؟
هل صحيح أنكم تسبون الصحابة وأمهات المؤمنين؟؟
أريد أن أقرأ مصحف فاطمة الذي يقال انه الكتاب البديل للقرآن .. فأعطوني اياه؟
لماذا تضيقون على أهل السنة في ايران؟؟
المفاجأة أن الاستاذ أحمد كريمة تلقى اجابات صريحة دون مواربة عن كل أسئلته وكل انتقاداته وملاحظاته .. بل واكتشف (على عكس كل مايقال) أن ايران تطلب بشكل رسمي بعثات من الأزهر الشريف والعالم الاسلامي لتدريس المذاهب السنية في أقاليمها ذات الأغلبية التي تتبع مذاهب أهل السنة (الحنفي والمالكي والشافعي ..) بدل أن يقوموا بعملية تشييع لهم .. وهذا بحد ذاته سقوط مريع للشائعة التي تقول انهم يريدون تشييع أهل السنة .. فهم لديهم ملايين من أهل السنة الذين يريدون أن يبقوهم على مذهبهم باستيراد بعثات أزهرية تدرسهم .. الايرانيون يطلبون ذلك لأن أهل السنة في ايران تركوا واهملوا من قبل المؤسسات الدينية الاسلامية السنية ولم يعبأ باسلامهم أحد ولابتنويرهم دينيا أحد ممن يقاتلون اليوم دفاعا عن أهل السنة والذين يروجون أن ايران تقوم بمشروع تشييع للمنطقة السنية ويروجون خرافات الهلال الشيعي .. المفاجأة الأكبر التي أذهلت الأستاذ الأزهري هي أن المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية في ايران السيد علي الخامنئي ينفق من ماله على مدارس تقوم بتدريس الفقه السني في ايران ..
ولكن فقه التبعيد بين المذاهب الاسلامية قد عاقب الاستاذ كريمة على جرأته في اكتشاف النصف الآخر للاسلام ومجادلته وانتقاده بالمنطق .. وعنّفه على قيامه بالسفر الى بلد مسلم مثل ايران واكتشاف أبعاده ونفض الأساطير عنه والشائعات والروايات الشعبية والوهابية السلفية .. وكان القرار التأديبي له هو الفصل من العمل لثلاثة أشهر كما أنه لايزال ينتظر مجلسا تأديبيا آخر ..
السؤال الذي طرحه الأستاذ كريمة على الأزهر يستحق التأمل وهو: ماالذي ستكونه ردة فعل الأزهر اذا ماقام أحد من الازهريين بزيارة الفاتيكان؟؟ هل ستثور ثائرة أحد؟؟ وهل سيعاقب أحد؟؟ ومن الأجدر بالزيارة الآن في زمن اقتتال المسلمين وخلافاتغم وسوء الفهم بينهم .. قم والنجف الأشرف أم الفاتيكان ولندن وباريس؟؟ ولكن أصنام السلفيين وشيوخهم صماء لاتسمع .. وكلمات العقل لاتسمعها الأصنام ..
السؤال الذي لم يطرحه الاستاذ كريمة هو: كيف ستكون ردة فعل الأزهر واللوبي السلفي في المؤسسات الدينية التي غزاها التيار الوهابي لو كانت الزيارة الى اسرائيل بحجة مناقشة أهل الذمة؟؟ ولماذا لم تقم تلك المؤسسات بمعاقبة شيخ الأزهر الراحل طنطاوي الذي صافح شيمون بيريز (الصورة)؟؟
أخشى أن تكون هذه المقدمات والقطيعة تمهيدا ليوم يأتي لايسمح لنا السلفيون بزيارة كربلاء حيث الحسين ولاالنجف ولا الأقصى في فلسطين ولا قبر النبي في مكة ولاالكعبة .. ويسمحون لنا فقط أن نزور جزيرة جربا في تونس حيث معابد يهودية ومقام (أبو حصيرة) اليهودي في سيناء .. أو هرتسيليا .. حيث يحج اللبواني وثوار سورية المؤمنون ..
في مقابلة صريحة مع الأستاذ أحمد كريمة الذي تشكل مبادرته باكتشاف الآخر لبنة أولى للخروج من حقبة الجنون .. وقد تشكل بداية التمرد على ثقافة سلفية وتيارات وهابية تريد مصادرة كل فكر ومبادرة واتجاه اصلاحي وتقريبي .. وهي تيارات صارت تشكل حالة شاذة في أي مجتمع .. ولاشك أنها الداء العضال الذي يتسبب في كل هذه الآلام للشرق وكل هذه الأنهار من الدم والتي تريد التحكم بمصائر مئات الملايين من المسلمين ومستقبلهم لمئات السنين اذا بقي مسلمون .. وهي في النهاية يلخصها الأستاذ كريمة بكلمتين: وهي أنها مشروع اسرائيل وأميريكا لتدمير المسلمين .. والاسلام ..
المصدر :
نارام سرجون
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة