برغم ترك هنري كيسينجر وزارة الخارجية الأميركية منذ العام 1977، إلا أنه لم يفقد نفوذه الكبير حتى الآن. وعندما نقرأ كتابه الجديد «نظام العالم» World Order، نستطيع أن نعرف السبب.

يحلل الكتاب العلاقات الدولية الحالية: الأزمة الروسية في أوكرانيا، والفوضى في الشرق الأوسط، وصعود الصين كقوة عظمى. ويرى أن الوقت حان لإقامة نظام دولي جديد.

يرى كيسينجر أن النظام الدولي انبثق من معاهدة صلح «وستفاليا» في القرن التاسع عشر، عندما غاصت كل الدول الأوروبية آنذاك في حروب مدمرة، رأت في نهايتـها أن لكل دولة الحق فـي سـيادتـها على أراضيها، وأن ليس لأي دولة الحـق في التـدخل في شؤون دولة أخرى. وبعد ظهور الامبريالية وسيطرة الدول الأوروبية وخصـوصاً فرنسـا وانكلترا على العديد من المستعمرات في قارتي آسيا وافريقيا، لم تطبق الدول المستعـمرة حق تقرير المصير كما نصت عليه معاهـدة «وستـفاليا». وسـادت العالم في ذلك الزمان الأفكار الأوروبية عن العلاقات الدولية التي توجت من بعد بالحماية الأميركية لها. وقد استمرت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية التي انتهت اقتصـادياً بنظـام «برايتون وودز»، سياسياً بوثيقة انشاء منظمة الأمم المتحدة.

يتعرض هذا النظام اليوم إلى الهجوم عليه من الأطراف كافة. وترى الدول الأوروبـية وأمـيركا ان على الدول فـي العالـم اتبـاع القيـم الليـبرالية كما هي مطبقة في بلادها. ولكن القوة الأوروبية تقلصت بفعل الحربين العالميتين الأولى والثانية، بينما لم يضف انشاء الاتحـاد الأوروبي إلى القـوة الأوروبية ثقلاً إضافياً. وبقيت أميركا قوة عظمى وحيدة تستطيـع حفـظ التوازنـات فـي العالـم وفـرض بـعض الحلول التي تراها ضرورية. الا ان قدرتها ضعفت على لعب هذا الدور اليوم. وتشهد القارة الآسيوية صعود قوى كـبرى: كالصـين، والهـند، التي ليس لها تقاليـد في التفكير السياسي الليبرالي (كما يقول) وهي تريد مراجـعة النظـام الدولي الحالي. ويشهد الشرق الأوسط تمدد «الجهاد» الإسلامي وارتكابه الإبـادة الجماعـية (كما يقول أيضاً)، من أجل إقامة دولة الخلافة ..

 ان كيسينجر مفكر واقعي. وهو يرى أن السياسة الخارجية مزيج من القوة والمصلحة، وأن المثل العليا والأخلاق هي لضعاف العقول فقط. لكنه يرى أيضاً أن الأنظمة المقامة على القوة فقط تفتقد للمشروعية، وان الغرب لا يستطيع فرض أفكاره الليبرالية على العالم. فالصين تزداد قوة وثروة. وترى روسيا في ليبرالية الغرب قنبلة موقوتة لتدميرها. أما الإسلاميون، فيرفضون العلمانية جملة وتفصيلاً. ويوجه كيسينجر نداء غامضاً لإقامة توازن دولي جديد قائم على المصلحة والمشروعية، ويوجه أخيراً إعجابه الكبير وتقديره الشخصي للرئيس السابق للولايات المتحدة جورج دبلـيو بوش «لأنه قاد أمـيركا بشـجاعة وقوة وكرامة في الزمن الصعب» حسب قوله.

كيسينجر مدعو لمراجعة أفكاره بهذا الشأن لناحية الإحجام عن تأييد الحروب الاستباقية العدوانية التي أمر بها بوش. فما العاصفة الدموية في الشرق الأوسط الا نتيجة لاحتلال العراق وتدميره. ونرى أن عليه ألا ينظر فقط لمصالح الغرب، ويترك بقية العالم كي يذهب إلى الجحيم.

  • فريق ماسة
  • 2014-10-11
  • 13755
  • من الأرشيف

كيسينجر يوجّه نداء غامضاً لإقامة توازن دولي جديد: العالم في سواد

برغم ترك هنري كيسينجر وزارة الخارجية الأميركية منذ العام 1977، إلا أنه لم يفقد نفوذه الكبير حتى الآن. وعندما نقرأ كتابه الجديد «نظام العالم» World Order، نستطيع أن نعرف السبب. يحلل الكتاب العلاقات الدولية الحالية: الأزمة الروسية في أوكرانيا، والفوضى في الشرق الأوسط، وصعود الصين كقوة عظمى. ويرى أن الوقت حان لإقامة نظام دولي جديد. يرى كيسينجر أن النظام الدولي انبثق من معاهدة صلح «وستفاليا» في القرن التاسع عشر، عندما غاصت كل الدول الأوروبية آنذاك في حروب مدمرة، رأت في نهايتـها أن لكل دولة الحق فـي سـيادتـها على أراضيها، وأن ليس لأي دولة الحـق في التـدخل في شؤون دولة أخرى. وبعد ظهور الامبريالية وسيطرة الدول الأوروبية وخصـوصاً فرنسـا وانكلترا على العديد من المستعمرات في قارتي آسيا وافريقيا، لم تطبق الدول المستعـمرة حق تقرير المصير كما نصت عليه معاهـدة «وستـفاليا». وسـادت العالم في ذلك الزمان الأفكار الأوروبية عن العلاقات الدولية التي توجت من بعد بالحماية الأميركية لها. وقد استمرت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية التي انتهت اقتصـادياً بنظـام «برايتون وودز»، سياسياً بوثيقة انشاء منظمة الأمم المتحدة. يتعرض هذا النظام اليوم إلى الهجوم عليه من الأطراف كافة. وترى الدول الأوروبـية وأمـيركا ان على الدول فـي العالـم اتبـاع القيـم الليـبرالية كما هي مطبقة في بلادها. ولكن القوة الأوروبية تقلصت بفعل الحربين العالميتين الأولى والثانية، بينما لم يضف انشاء الاتحـاد الأوروبي إلى القـوة الأوروبية ثقلاً إضافياً. وبقيت أميركا قوة عظمى وحيدة تستطيـع حفـظ التوازنـات فـي العالـم وفـرض بـعض الحلول التي تراها ضرورية. الا ان قدرتها ضعفت على لعب هذا الدور اليوم. وتشهد القارة الآسيوية صعود قوى كـبرى: كالصـين، والهـند، التي ليس لها تقاليـد في التفكير السياسي الليبرالي (كما يقول) وهي تريد مراجـعة النظـام الدولي الحالي. ويشهد الشرق الأوسط تمدد «الجهاد» الإسلامي وارتكابه الإبـادة الجماعـية (كما يقول أيضاً)، من أجل إقامة دولة الخلافة ..  ان كيسينجر مفكر واقعي. وهو يرى أن السياسة الخارجية مزيج من القوة والمصلحة، وأن المثل العليا والأخلاق هي لضعاف العقول فقط. لكنه يرى أيضاً أن الأنظمة المقامة على القوة فقط تفتقد للمشروعية، وان الغرب لا يستطيع فرض أفكاره الليبرالية على العالم. فالصين تزداد قوة وثروة. وترى روسيا في ليبرالية الغرب قنبلة موقوتة لتدميرها. أما الإسلاميون، فيرفضون العلمانية جملة وتفصيلاً. ويوجه كيسينجر نداء غامضاً لإقامة توازن دولي جديد قائم على المصلحة والمشروعية، ويوجه أخيراً إعجابه الكبير وتقديره الشخصي للرئيس السابق للولايات المتحدة جورج دبلـيو بوش «لأنه قاد أمـيركا بشـجاعة وقوة وكرامة في الزمن الصعب» حسب قوله. كيسينجر مدعو لمراجعة أفكاره بهذا الشأن لناحية الإحجام عن تأييد الحروب الاستباقية العدوانية التي أمر بها بوش. فما العاصفة الدموية في الشرق الأوسط الا نتيجة لاحتلال العراق وتدميره. ونرى أن عليه ألا ينظر فقط لمصالح الغرب، ويترك بقية العالم كي يذهب إلى الجحيم.

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة