على ما يبدو ان تركيا مازالت تلعب دور المتردد في عدم الاعلان عن موقف واضح وصريح بشأن دخولها الجدي والميداني في التحالف الدولي ضد "داعش" .

في محاولة منها للاستفادة من المناخ السياسي في المنطقة الذي يعطيها قدرة الضغط على واشنطن لفرض شروطها . فالأتراك يضربون على الوتر الحساس لدى الأمريكان فهم يعرفون جيداٌ حاجة واشنطن لتدخل الجيش التركي برياٌ على مسرح الأحداث بفضل موقعها الجغرافي.

لكن يريدون الدخول في اللعبة بطريقتهم مستفيدين من مطالبة الشعب الأمريكي لأوباما بحسم سريع للحرب وهذا يتطلب التدخل المباشر على الأرض وهذا لايتم للتحالف إلا من خلال التعاون مع الحليف والشريك التركي. فبعد أن كان تنظيم "داعش" للأتراك أداة لقوتها الناعمة في كل الاتجاهات أصبحت الحاجة ملحة إلى القضاء عليه .

هذا ما أظهره استطلاع للرأي قام به "مركز متروبول للبحوث الاستراتيجية والاجتماعية" في شهر أيلول الماضي وتضمن 28 مدينة تركية. نتج عنه أن غالبية الاتراك يرون ان تنظيم داعش يمارس انشطته التنظيمية في البلاد لكن يخشون من قيامه بعمليات ارهابية في تركيا وبالتالي يشكل خطرا على امن واستقرار بلادهم.

من هنا جاء اعتراف الاتراك بان "داعش"و"جبهة النصرة"منظمتين ارهابيتين متأخراٌ، في محاولة منها لكسب جولة سياسية ولتحقيق ماتصبو إليه من خلال مشاركتها في التحالف الدولي وإن كان التدخل التركي في الحلف مازال مبهما في نظر الأمريكان من حيث شكله وآليته. فالاتراك ينظرون للأحداث في سوريا من زاويتين الزاوية الأولى يخشون ان تؤدي ضربات التحالف لانسحاب "داعش" من المناطق التي يسيطرون عليها، فيعاود النظام السوري إلى فرض سيطرته على هذه المناطق وهذه الخطوة في رأي أنقرة تصب في مصلحة النظام .

الزاوية الثانية هي عداء أنقرة لحزب العمال الكردستاني وحزب العمال السوري الذي يحارب إلى جانب البشمركة. الذي جاء نتيجة تقاعس الاتراك عن نجدة الاقليم عندما تعرض إلى تهديد مباشر من "داعش" فلم يمدونهم بالسلاح خشية ان يصل إلى يد حزب العمال الكردستاني. كما انها لاتريد ان يكون لأقليم كردستان دورا قويا على المستوى الاقليمي للمنطقة.هذا على الجبهة العراقية الكردية.

أما على الجبهة الكردية السورية فبرغم الضربات الامريكية الجوية لـ "داعش" فإنها لم تمنعه من التقدم باتجاه كوباني او عين العرب . و يرى الأكراد في الامر تواطوءاٌ دولياٌ مع "داعش" لأن كوباني لا تدخل ضمن المصالح الاستراتيجية للغرب .في المقابل تدفع تركيا بقواتها على الحدود مع سوريا قرب عين العرب أو كوباني ما يشكل بنظرالأكراد مؤشرا على تدخل عسكري تركي في الاراضي السورية الكردية.

وهذا جاء نتيجة لتغير موقف البرلمان التركي الذي وافق على السماح للحكومة التركية بإرسال قوات عسكرية الى سوريا والعراق والسماح بتمركز قوات أجنبية على الأراضي التركية وبالتالي استخدام قواعدها العسكرية. هذه الموافقة تشكل تفويضا بالتدخل الصريح والمباشر للاتراك في سوريا بعد ان كانت تدير الازمة خلف الستار.وهذا التدخل لايتم الا من خلال التحالف الدولي وهو ماتحاول تركيا أن تستغله لتحقيق مصلحتها واجبار واشنطن على عقد صفقة معها حول سوريا .

فدخولهم في التحالف مشروط باقامة منطقة عازلة على الحدود مع سوريا وكان هذا الامر سابقا مرفوضا من قبل الادراة الامريكية . لكن الجو الاقليمي بات مناسبا للاتراك لاستغلال الضربات الجوية على داعش لانها لن تحقق غايتها من دون تدخل عسكري بري . وبحكم موقع تركيا الجغرافي مع سوريا تبقى هي اللاعب الاساسي الذي يمتلك قوة عسكرية قادرة على التدخل الفوري . ولهذا تحاول استغلال هذا الموقف لمصلحتها واخذ موافقة واشنطن في اقامة هذه المنطقة على الحدود السورية مع فرض حظر جوي على الطيران السوري، بالاضافة إلى أخذ موافقة مجلس الامن ليبقى في اطاره الدولي. كما تريد ايقاف تدفق اللاجئين الى اراضيها وتجميع "المعارضة المعتدلة" فيها والقيام على تدريبهم .

ومن جهة اخرى لا تريد اشراك حزب العمال الكردستاني في التحالف كي لايقوم على حدودها اقليم كردستاني سوري شبيه لاقليم كردستان العراق حتى لايقوم بالتمدد والتواصل الجغرافي مع الاكراد في العراق وتركيا. بالاضافة الى ان الحرب على داعش هي في نظر انقرة فرصة للتخلص من النظام السوري واجباره على تسليم السلطة، وقيام حكومة انتقالية بصلاحيات واسعة على غرار ما حصل مع حكومة المالكي في العراق،وفي حال لم يحصل ولم تحقق الحرب هذه الغاية فهي ستؤدي حتما إلى تعزيز قوة النظام والنفوذ الايراني في المنطقة.

فالتدخل العسكري التركي الصريح في سوريا يعد تغيرا جذريا في تحولات الاحداث، فلم تعد الازمة سورية داخلية ، وإنما أعطاها طابعا سياسيا اقليميا ومشروع اشتباك اقليمي تحت غطاء الحرب على الارهاب، وهو في نفس الوقت يعيد خلط الاوراق في سوريا والمنطقة . خاصة وان تحذيرات اوجلان من ان سقوط عين العرب او كوباني يعني سقوط عملية السلام مع تركيا ونشوب حرب مفتوحة ضدھا، وصولا الى ايران بعد تحذيرھا لتركيا بأن لا تلعب بالنار السورية حتى لا تحرق أصابعھا.

هكذا يعمل المخطط الأمريكي إلى تطويق سوريا بحزام امني من جهة تركيا وحزام امني من جهة اسرائيل عبر قيام شريط لجبهة النصرة بين الجولان ودمشق لوضع سوريا بين فكي كماشة . بالاضافة إلى رسم حدود "الدولة الاسلامية" في سوريا والعراق مما يشكل خطرا لاعادة رسم حدود التفتيت في المنطقة مما سيكون له انعكاسات خطيرة على لبنان والاردن أيضا وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية.هذا المخطط دونه عقبات لأن روسيا وايران والمقاومات سيواجهون هذا المشروع ولن يسمحوا بتنفيذه.لكن الدخول الى الحرب إذا كان سھلا ومتاحا تحت غطاء التحالف والحرب ضد "داعش"،فإن الخروج لن يكون سھلا من الحرب التي يعرف الجميع كيف بدأت ولا أحد يعرف كيف ستنتھي ومتى وبأي أثمان وتسويات.

  • فريق ماسة
  • 2014-10-11
  • 12576
  • من الأرشيف

سورية تواجه الكماشة التركية الإسرائيلية

على ما يبدو ان تركيا مازالت تلعب دور المتردد في عدم الاعلان عن موقف واضح وصريح بشأن دخولها الجدي والميداني في التحالف الدولي ضد "داعش" . في محاولة منها للاستفادة من المناخ السياسي في المنطقة الذي يعطيها قدرة الضغط على واشنطن لفرض شروطها . فالأتراك يضربون على الوتر الحساس لدى الأمريكان فهم يعرفون جيداٌ حاجة واشنطن لتدخل الجيش التركي برياٌ على مسرح الأحداث بفضل موقعها الجغرافي. لكن يريدون الدخول في اللعبة بطريقتهم مستفيدين من مطالبة الشعب الأمريكي لأوباما بحسم سريع للحرب وهذا يتطلب التدخل المباشر على الأرض وهذا لايتم للتحالف إلا من خلال التعاون مع الحليف والشريك التركي. فبعد أن كان تنظيم "داعش" للأتراك أداة لقوتها الناعمة في كل الاتجاهات أصبحت الحاجة ملحة إلى القضاء عليه . هذا ما أظهره استطلاع للرأي قام به "مركز متروبول للبحوث الاستراتيجية والاجتماعية" في شهر أيلول الماضي وتضمن 28 مدينة تركية. نتج عنه أن غالبية الاتراك يرون ان تنظيم داعش يمارس انشطته التنظيمية في البلاد لكن يخشون من قيامه بعمليات ارهابية في تركيا وبالتالي يشكل خطرا على امن واستقرار بلادهم. من هنا جاء اعتراف الاتراك بان "داعش"و"جبهة النصرة"منظمتين ارهابيتين متأخراٌ، في محاولة منها لكسب جولة سياسية ولتحقيق ماتصبو إليه من خلال مشاركتها في التحالف الدولي وإن كان التدخل التركي في الحلف مازال مبهما في نظر الأمريكان من حيث شكله وآليته. فالاتراك ينظرون للأحداث في سوريا من زاويتين الزاوية الأولى يخشون ان تؤدي ضربات التحالف لانسحاب "داعش" من المناطق التي يسيطرون عليها، فيعاود النظام السوري إلى فرض سيطرته على هذه المناطق وهذه الخطوة في رأي أنقرة تصب في مصلحة النظام . الزاوية الثانية هي عداء أنقرة لحزب العمال الكردستاني وحزب العمال السوري الذي يحارب إلى جانب البشمركة. الذي جاء نتيجة تقاعس الاتراك عن نجدة الاقليم عندما تعرض إلى تهديد مباشر من "داعش" فلم يمدونهم بالسلاح خشية ان يصل إلى يد حزب العمال الكردستاني. كما انها لاتريد ان يكون لأقليم كردستان دورا قويا على المستوى الاقليمي للمنطقة.هذا على الجبهة العراقية الكردية. أما على الجبهة الكردية السورية فبرغم الضربات الامريكية الجوية لـ "داعش" فإنها لم تمنعه من التقدم باتجاه كوباني او عين العرب . و يرى الأكراد في الامر تواطوءاٌ دولياٌ مع "داعش" لأن كوباني لا تدخل ضمن المصالح الاستراتيجية للغرب .في المقابل تدفع تركيا بقواتها على الحدود مع سوريا قرب عين العرب أو كوباني ما يشكل بنظرالأكراد مؤشرا على تدخل عسكري تركي في الاراضي السورية الكردية. وهذا جاء نتيجة لتغير موقف البرلمان التركي الذي وافق على السماح للحكومة التركية بإرسال قوات عسكرية الى سوريا والعراق والسماح بتمركز قوات أجنبية على الأراضي التركية وبالتالي استخدام قواعدها العسكرية. هذه الموافقة تشكل تفويضا بالتدخل الصريح والمباشر للاتراك في سوريا بعد ان كانت تدير الازمة خلف الستار.وهذا التدخل لايتم الا من خلال التحالف الدولي وهو ماتحاول تركيا أن تستغله لتحقيق مصلحتها واجبار واشنطن على عقد صفقة معها حول سوريا . فدخولهم في التحالف مشروط باقامة منطقة عازلة على الحدود مع سوريا وكان هذا الامر سابقا مرفوضا من قبل الادراة الامريكية . لكن الجو الاقليمي بات مناسبا للاتراك لاستغلال الضربات الجوية على داعش لانها لن تحقق غايتها من دون تدخل عسكري بري . وبحكم موقع تركيا الجغرافي مع سوريا تبقى هي اللاعب الاساسي الذي يمتلك قوة عسكرية قادرة على التدخل الفوري . ولهذا تحاول استغلال هذا الموقف لمصلحتها واخذ موافقة واشنطن في اقامة هذه المنطقة على الحدود السورية مع فرض حظر جوي على الطيران السوري، بالاضافة إلى أخذ موافقة مجلس الامن ليبقى في اطاره الدولي. كما تريد ايقاف تدفق اللاجئين الى اراضيها وتجميع "المعارضة المعتدلة" فيها والقيام على تدريبهم . ومن جهة اخرى لا تريد اشراك حزب العمال الكردستاني في التحالف كي لايقوم على حدودها اقليم كردستاني سوري شبيه لاقليم كردستان العراق حتى لايقوم بالتمدد والتواصل الجغرافي مع الاكراد في العراق وتركيا. بالاضافة الى ان الحرب على داعش هي في نظر انقرة فرصة للتخلص من النظام السوري واجباره على تسليم السلطة، وقيام حكومة انتقالية بصلاحيات واسعة على غرار ما حصل مع حكومة المالكي في العراق،وفي حال لم يحصل ولم تحقق الحرب هذه الغاية فهي ستؤدي حتما إلى تعزيز قوة النظام والنفوذ الايراني في المنطقة. فالتدخل العسكري التركي الصريح في سوريا يعد تغيرا جذريا في تحولات الاحداث، فلم تعد الازمة سورية داخلية ، وإنما أعطاها طابعا سياسيا اقليميا ومشروع اشتباك اقليمي تحت غطاء الحرب على الارهاب، وهو في نفس الوقت يعيد خلط الاوراق في سوريا والمنطقة . خاصة وان تحذيرات اوجلان من ان سقوط عين العرب او كوباني يعني سقوط عملية السلام مع تركيا ونشوب حرب مفتوحة ضدھا، وصولا الى ايران بعد تحذيرھا لتركيا بأن لا تلعب بالنار السورية حتى لا تحرق أصابعھا. هكذا يعمل المخطط الأمريكي إلى تطويق سوريا بحزام امني من جهة تركيا وحزام امني من جهة اسرائيل عبر قيام شريط لجبهة النصرة بين الجولان ودمشق لوضع سوريا بين فكي كماشة . بالاضافة إلى رسم حدود "الدولة الاسلامية" في سوريا والعراق مما يشكل خطرا لاعادة رسم حدود التفتيت في المنطقة مما سيكون له انعكاسات خطيرة على لبنان والاردن أيضا وبالتالي تصفية القضية الفلسطينية.هذا المخطط دونه عقبات لأن روسيا وايران والمقاومات سيواجهون هذا المشروع ولن يسمحوا بتنفيذه.لكن الدخول الى الحرب إذا كان سھلا ومتاحا تحت غطاء التحالف والحرب ضد "داعش"،فإن الخروج لن يكون سھلا من الحرب التي يعرف الجميع كيف بدأت ولا أحد يعرف كيف ستنتھي ومتى وبأي أثمان وتسويات.

المصدر : العهد


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة