الأميركيون هم أصحاب اللعبة الحقيقيون الذين نصبوا «سيرك» التحالف الجوي في بلاد الشام والعراق.

 وفتحوا باب الانتساب إليه على قاعدة أنّ المتخلف عنه يتعرّض لعمليات انتحارية من «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» و«خراسان» وكلّ ما أوتيت الاستخبارات الأميركية من إمكانات على الإرهاب وصناعته.

تبدأ شروط الانتساب من الولاء الأعمى لواشنطن بصمت ومن دون تساؤلات، ومدة العرض قد تمتدّ لعقود بحسب قدرة نفط العرب على التمويل.

وتُثبت جوية الضربات إصرار صاحب السيرك على عدم الحسم، خصوصاً أنّ أعضاء التحالف من القوى العربية واهنون. السعودية متخصصة في التحريض المذهبي والطائفي والتمويل فقط، ومصر منهمكة بإرهابيّيها واقتصادها المنهك والخطر الآتي عليها من سيناء وليبيا و«الإخوان». ولا تستطيع أميركا أن تستعين بـ«إسرائيل» جهاراً لاعتبارات عربية صرفة، فتستخدمها في أعمال استخباراتية سرية مع الاعتداء على مراكز للنظام السوري لدعم المعارضة.

وهناك ثلاثة موانع تحظّر على أميركا الاستعانة بخدمات إيران وسورية وهي لاءات تركية وسعودية و«إسرائيلية» ذات طابع إقليمي تنافسي، لذلك ينحصر الاهتمام الأميركي بتركيا للأسباب التالية:

أولاً: هي عضو في «الناتو» ذو ولاء شديد وتاريخي.

ثانياً: تمتلك جيشاً قوياً ولها حدود مع مناطق التوتر في سورية والعراق تناهز الألف ومئتي كيلومتر.

ثالثاً: تستطيع تركيا أن تواكب الغارات الجوية برياً بمدى الرغبة الأميركية بالسرعة أو بالبطء.

ولأنّ الخطة الأميركية أمست واضحة. ضرب اقتصاد الإرهاب، منعه من الاحتشاد في مراكز ثابتة وإفقاره، تمهيداً لدفع مقاتليه إلى الالتحاق بـ«الجبهة الإسلامية» و«جبهة سورية والجيش الحر» بهدف تقديم هذه المنظمات الإرهابية بلبوس معتدل جديد يكون شريكاً للأسد أو بديلاً منه إذا كان ذلك بالإمكان.

وتضع أميركا المنطقة أمام خيارين: سيف الإرهاب أو نفوذ الإمبراطورية الأميركية المتجدّدة، كما تغري أوروبا بحصص من «ذهب العرب».

تركيا هي البلد الوحيد إلى جانب إيران، الذي يتحرك وفقاً لأبعاد استراتيجية خاصة به تريد الاستفادة من «التحالف الدولي» لبناء نفوذ إقليمي عميق يعوّضها عن إبعادها من الاتحاد الأوروبي لذلك تريد تركيا تحقيق المطالب التالية:

ـ علاقات مع المشرق العربي «قانونية» قد تأخذ شكل اتحاد إسلامي، بمعونة «الإخوان» وهذا يتطلب إسقاط النظام السوري العصيّ والصامد.

ـ المنع القاطع والزاجر لاحتمال نشوء دولة كردية، خصوصاً على القسم السوري، لأنّ هذا يعني بوضوح التحاق عشرين في المئة من مناطقها الكردية مع سورية و15 في المئة من السكان وهم أكراد تركيا.

وهذا له أبعاد على مستقبل الدولة التركية القائمة على توازنات سكانية وجغرافية بين الأتراك وهم قسمان سنّة وعلويون والأكراد.

ـ إصرار تركي على إعطاء إقليم سني في العراق حكماً ذاتياً ترعاه تركيا من جهة الموصل، فيحدّ من النفوذ الإيراني ويؤمّن السيطرة على منابع نفط كركوك والموصل وسورية وتجهض الخطر الكردي وتفتح بوابة بلاد الشام والجزيرة بالسيطرة على سورية.

ولأنّ تركيا منبع دجلة والفرات فبإمكانها ابتزاز جنوب العراق بالتبادل بين الماء التركي والنفط العراقي .

هل تستجيب أميركا للضغوط التركية؟ هناك تلاق بين ما تريده واشنطن وطموحات تركيا، خصوصاً على مستوى حصر إيران داخل حدودها وإسقاط النظام السوري، لكن أوباما يعرف أنّ هذا الموضوع صعب التنفيذ لأسباب متعدّدة: استعداد روسيا لمنع ذلك بالقوة وذلك بتسليح سورية بشكل قوي وصولاً إلى تشكيل حلف عسكري للدفاع عنها.

ـ إيران مستعدة لخوض حرب إقليمية لمنع تحقيق أحلام بني عثمان.

ـ إضافة إلى أنّ الجيش السوري الصامد منذ أربعة أعوام في وجه إرهابيات عالمية منظمة تعدادها مئات آلاف المسلحين والحدود المفتوحة، والتمويل والتجسّس… هذا الجيش ليس لقمة سائغة، والشعب السوري مؤيد لنظامه ومستعدّ للدفاع عنه.

لذلك تحاول واشنطن استيعاب تركيا وإعادتها إلى دائرتها بتلبية مطلبين من أمانيها: منع إعلان دولة كردية على القسمين السوري والتركي وإرجاء التفاهمات مع إيران إلى مراحل لاحقة وإنشاء منطقة عازلة على الحدود السورية ـ التركية لبث الاطمئنان عند بني عثمان.

وهكذا تذهب المنطقة نحو وضع مقلق جداً يحمل في طياته بذور أحلاف مستعدة للذهاب بعيداً في الاحتراب حفاظاً على مصالحها.

الواضح حتى تاريخه أنّ واشنطن تريد من التحالف وضعاً يسمح لها بإعادة تشكيل سياسي لمناطق النفط والغاز والاستهلاك، وذلك لاحتكارها ومنع الصين والهند والأرجنتين والبرازيل وجنوب أفريقيا من الاستمرار في التقدم. والانقضاض على روسيا لإعادتها إلى داخل حدودها وكذلك إيران.

ما سيؤدي إلى تحويل الشرق الأوسط إلى ساحة دائمة للصراعات الإقليمية والدولية، لكن المراقبين يلاحظون تأخر روسيا والصين في بناء تحالف منافس أساسه دول منظمة شنغهاي والحلف الأوراسي ودول البريكس وإيران وسورية، فهذا التحالف هو الذي يوقف تدمير واشنطن للعالم ويجفّف الشبق التركي. ويعزون الأمر إلى خوف الصين على مصالحها الاقتصادية مع الغرب، لكنها ستكتشف أنها مستهدفة ولن تتأخر في الانضمام إلى التحالف الجديد.

هذه أحوال العرب التي لا تبشر بجديد وسورية هي الوحيدة التي ترفض الانصياع، وتحرّك القوى المستقلة في العالم. اقرأوا ما قالته رئيسة الأرجنتين، هل لدى العرب غير الأسد له مثل شجاعتها؟ العالم يتحرك في وجه الطغيان الأميركي، وسورية تهيّئ الظروف الموضوعية لإنتاج قوة العالم المقبلة.

انتظروا دمشق إنها مفتاح التغيير! والتحيات لرئيسة الأرجنتين المجاهدة.

  • فريق ماسة
  • 2014-09-29
  • 12420
  • من الأرشيف

تركيا تبتز أميركا... وأميركا تبتزّ العرب

الأميركيون هم أصحاب اللعبة الحقيقيون الذين نصبوا «سيرك» التحالف الجوي في بلاد الشام والعراق.  وفتحوا باب الانتساب إليه على قاعدة أنّ المتخلف عنه يتعرّض لعمليات انتحارية من «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» و«خراسان» وكلّ ما أوتيت الاستخبارات الأميركية من إمكانات على الإرهاب وصناعته. تبدأ شروط الانتساب من الولاء الأعمى لواشنطن بصمت ومن دون تساؤلات، ومدة العرض قد تمتدّ لعقود بحسب قدرة نفط العرب على التمويل. وتُثبت جوية الضربات إصرار صاحب السيرك على عدم الحسم، خصوصاً أنّ أعضاء التحالف من القوى العربية واهنون. السعودية متخصصة في التحريض المذهبي والطائفي والتمويل فقط، ومصر منهمكة بإرهابيّيها واقتصادها المنهك والخطر الآتي عليها من سيناء وليبيا و«الإخوان». ولا تستطيع أميركا أن تستعين بـ«إسرائيل» جهاراً لاعتبارات عربية صرفة، فتستخدمها في أعمال استخباراتية سرية مع الاعتداء على مراكز للنظام السوري لدعم المعارضة. وهناك ثلاثة موانع تحظّر على أميركا الاستعانة بخدمات إيران وسورية وهي لاءات تركية وسعودية و«إسرائيلية» ذات طابع إقليمي تنافسي، لذلك ينحصر الاهتمام الأميركي بتركيا للأسباب التالية: أولاً: هي عضو في «الناتو» ذو ولاء شديد وتاريخي. ثانياً: تمتلك جيشاً قوياً ولها حدود مع مناطق التوتر في سورية والعراق تناهز الألف ومئتي كيلومتر. ثالثاً: تستطيع تركيا أن تواكب الغارات الجوية برياً بمدى الرغبة الأميركية بالسرعة أو بالبطء. ولأنّ الخطة الأميركية أمست واضحة. ضرب اقتصاد الإرهاب، منعه من الاحتشاد في مراكز ثابتة وإفقاره، تمهيداً لدفع مقاتليه إلى الالتحاق بـ«الجبهة الإسلامية» و«جبهة سورية والجيش الحر» بهدف تقديم هذه المنظمات الإرهابية بلبوس معتدل جديد يكون شريكاً للأسد أو بديلاً منه إذا كان ذلك بالإمكان. وتضع أميركا المنطقة أمام خيارين: سيف الإرهاب أو نفوذ الإمبراطورية الأميركية المتجدّدة، كما تغري أوروبا بحصص من «ذهب العرب». تركيا هي البلد الوحيد إلى جانب إيران، الذي يتحرك وفقاً لأبعاد استراتيجية خاصة به تريد الاستفادة من «التحالف الدولي» لبناء نفوذ إقليمي عميق يعوّضها عن إبعادها من الاتحاد الأوروبي لذلك تريد تركيا تحقيق المطالب التالية: ـ علاقات مع المشرق العربي «قانونية» قد تأخذ شكل اتحاد إسلامي، بمعونة «الإخوان» وهذا يتطلب إسقاط النظام السوري العصيّ والصامد. ـ المنع القاطع والزاجر لاحتمال نشوء دولة كردية، خصوصاً على القسم السوري، لأنّ هذا يعني بوضوح التحاق عشرين في المئة من مناطقها الكردية مع سورية و15 في المئة من السكان وهم أكراد تركيا. وهذا له أبعاد على مستقبل الدولة التركية القائمة على توازنات سكانية وجغرافية بين الأتراك وهم قسمان سنّة وعلويون والأكراد. ـ إصرار تركي على إعطاء إقليم سني في العراق حكماً ذاتياً ترعاه تركيا من جهة الموصل، فيحدّ من النفوذ الإيراني ويؤمّن السيطرة على منابع نفط كركوك والموصل وسورية وتجهض الخطر الكردي وتفتح بوابة بلاد الشام والجزيرة بالسيطرة على سورية. ولأنّ تركيا منبع دجلة والفرات فبإمكانها ابتزاز جنوب العراق بالتبادل بين الماء التركي والنفط العراقي . هل تستجيب أميركا للضغوط التركية؟ هناك تلاق بين ما تريده واشنطن وطموحات تركيا، خصوصاً على مستوى حصر إيران داخل حدودها وإسقاط النظام السوري، لكن أوباما يعرف أنّ هذا الموضوع صعب التنفيذ لأسباب متعدّدة: استعداد روسيا لمنع ذلك بالقوة وذلك بتسليح سورية بشكل قوي وصولاً إلى تشكيل حلف عسكري للدفاع عنها. ـ إيران مستعدة لخوض حرب إقليمية لمنع تحقيق أحلام بني عثمان. ـ إضافة إلى أنّ الجيش السوري الصامد منذ أربعة أعوام في وجه إرهابيات عالمية منظمة تعدادها مئات آلاف المسلحين والحدود المفتوحة، والتمويل والتجسّس… هذا الجيش ليس لقمة سائغة، والشعب السوري مؤيد لنظامه ومستعدّ للدفاع عنه. لذلك تحاول واشنطن استيعاب تركيا وإعادتها إلى دائرتها بتلبية مطلبين من أمانيها: منع إعلان دولة كردية على القسمين السوري والتركي وإرجاء التفاهمات مع إيران إلى مراحل لاحقة وإنشاء منطقة عازلة على الحدود السورية ـ التركية لبث الاطمئنان عند بني عثمان. وهكذا تذهب المنطقة نحو وضع مقلق جداً يحمل في طياته بذور أحلاف مستعدة للذهاب بعيداً في الاحتراب حفاظاً على مصالحها. الواضح حتى تاريخه أنّ واشنطن تريد من التحالف وضعاً يسمح لها بإعادة تشكيل سياسي لمناطق النفط والغاز والاستهلاك، وذلك لاحتكارها ومنع الصين والهند والأرجنتين والبرازيل وجنوب أفريقيا من الاستمرار في التقدم. والانقضاض على روسيا لإعادتها إلى داخل حدودها وكذلك إيران. ما سيؤدي إلى تحويل الشرق الأوسط إلى ساحة دائمة للصراعات الإقليمية والدولية، لكن المراقبين يلاحظون تأخر روسيا والصين في بناء تحالف منافس أساسه دول منظمة شنغهاي والحلف الأوراسي ودول البريكس وإيران وسورية، فهذا التحالف هو الذي يوقف تدمير واشنطن للعالم ويجفّف الشبق التركي. ويعزون الأمر إلى خوف الصين على مصالحها الاقتصادية مع الغرب، لكنها ستكتشف أنها مستهدفة ولن تتأخر في الانضمام إلى التحالف الجديد. هذه أحوال العرب التي لا تبشر بجديد وسورية هي الوحيدة التي ترفض الانصياع، وتحرّك القوى المستقلة في العالم. اقرأوا ما قالته رئيسة الأرجنتين، هل لدى العرب غير الأسد له مثل شجاعتها؟ العالم يتحرك في وجه الطغيان الأميركي، وسورية تهيّئ الظروف الموضوعية لإنتاج قوة العالم المقبلة. انتظروا دمشق إنها مفتاح التغيير! والتحيات لرئيسة الأرجنتين المجاهدة.

المصدر : البناء / د. وفيق ابراهيم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة