تركيا تسعى لإقامة منطقة عازلة على حدودها مع سوريا، وهي تعمل من أجل قطع الطريق على أكراد تركيا للمطالبة بحكم ذاتي على غرار الموجود في عين العرب السورية، وتكمل في مسعاها في حربها على الحكومة السورية وإضعافه. فهل تقع الحرب بين تركيا وسوريا؟

تركيا قد تقيم منطقة عازلة داخل سوريا. يأتي كلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السبت لتأكيد هذا المنحى. قال إن بلاده قد تستخدم الجيش "لحماية المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية"، والتي دعت إليها الحكومة تحت شعار "حماية اللاجئين السوريين الفارين من "داعش".

قد يكون من شبه المؤكد أنه ليس للبعد الإنساني أي ارتباط بأجندة العمل التركية تجاه سوريا. الوقائع أظهرت المظلة الكبيرة التي وفرتها أنقرة لتشد من عضد تنظيم إرهابي مثل "داعش" وسكوتها عما يحدث مع أكراد عين العرب السورية أو ما يعرف بكوباني، ومنعها الأكراد الأتراك من مساندة أبناء قوميتهم.

وعليه، فإن الكلام التركي حول المسألة الإنسانية غرضه التسويق الإعلامي للمنطقة العازلة، التي تعد، إن حصلت، بمثابة فعل سياسي غاية في الخطورة.

ومن المرجح أن تكون الخطوة التركية التي لا يمكن التنبؤ بإمكانية تحققها من عدمه، قد أتت بعد التنسيق مع واشنطن مقابل دخول تركيا في سياق تحالف أميركا وحلفائها ضد "داعش".

ونسبت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل والجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة قولهما إن "واشنطن تنظر في طلب تركيا إنشاء منطقة عازلة على امتداد الحدود السورية - التركية حيث يسعى عشرات الآلاف من السوريين إلى اللجوء". واعتبر ديمبسي بحسب الصحيفة أن إقامة منطقة عازلة "ربما تصبح في مرحلة ما أمراً ممكناً، لكنها ليست وشيكة".

سواء لاءمت الظروف الدولية تركيا للوصول إلى مبتغاها أم لم تؤاتها، فإن تحرك تركيا في هذا الاتجاه يبدو أنه رهن بمآل وضع الأكراد في كوباني السورية. فتركيا "هدفها الأساسي من إقامة منطقة عازلة هو وضع الأكراد"، كما يقول المحلل السياسي التركي بركات قار للميادين نت.

الوقوف عند دوافع الحراك التركي لإقامة منطقة عازلة يظهر وجود صلة عميقة بمسارين تعمل عليهما تركيا، أولها يتصل بموضوع العلاقة مع الأكراد، وثانيهما الاستمرار في محاربة سوريا. ففيما يرتبط بمسألة العلاقة مع الأكراد "تواظب تركيا على مخاطبة الأكراد على أرضها بالقول إنها تعمل من أجل السلام معهم. بالرغم من أن أنقرة، ومنذ سنتين، لم تتخذ الخطوات الملموسة اتجاه المفاوضات ولا زالت تماطل" بحسب ما يوضح قار.

وتبقى علاقة تركيا مع أكراد الداخل "تحت السيطرة" إذا ظل هؤلاء بمنأى عن أكراد كوباني في سوريا ولم يراودهم حلم إقامة حكم ذاتي كما هي الحال عند أبناء قوميتهم في عين العرب. هذا التفصيل عينه، هو الذي تقف عنده تركيا اليوم. "الخوف من أن يشكل الحكم الذاتي في كوباني الذي يخيف تركيا وخاصة "حزب العدالة والتنمية"، من أن يكون عامل ضاغط مساعد على إقامة حكم ذاتي مماثل في تركيا" وفق قار.

ولهذا يمكن القول إن تزامن إفراج "داعش" عن الرهائن الأتراك وتسهيل دخوله في حرب شرسة على أكراد كوباني، لم يكن وليد الصدفة أبداً، بل يندرج ضمن مسعى تركي للقضاء على الحكم الذاتي للأكراد في كوباني، ومنع قيام مثيل له على أراضيها. 

سوريا والأكراد: هل يدخلان في تحالف الضرورة؟

ويفتح المسعى التركي لإقامة منطقة عازلة الباب على القضية الكردية نفسها، حيث أن الأكراد منقسمون بين "أكراد تركيا وسوريا الموالون في أغلبهم لحزب العمال الكردستاني والمعارضون للخطوة التركية"، يجدون أنفسهم على افتراق مع أكراد العراق تحت قيادة مسعود البارزاني"، حيث يكشف قار أن "هناك تواطؤاً حول هذا المشروع مع تركيا وأميركا. البارزاني يقر بموافقته الضمنية على هذا الشيء. الدليل هو سكوته عن هذا المشروع. البارزاني كان أيضاً ضد قيام حكم ذاتي في سوريا وتركيا، وكان على اتفاق مع الحكومة التركية وخاصة "حزب العدالة والتنمية" بهدف بقائه وتمتين تجارته معها".

وبهذا، يجد أكراد عين العرب أنفسهم في مواجهة مع "داعش" للدفاع عن حكمهم الذاتي، في مقابل تسهيل تركي و"خذلان" البارزاني لهم وموافقته الضمنية على "المنطقة العازلة" وذلك "من أجل بقائه في السلطة"، يقول قار.

ويشير المحلل السياسي التركي إلى أن تركيا في حال نجاحها في إنشاء منطقة عازلة على حدودها مع سوريا، فإنها ستعمل على "إعادة كل اللاجئين السوريين في تركيا وتضع هذه المنطقة تحت سيطرة "داعش" أو "النصرة" أو الجيش الحر". لكن هذه الخطوة قد تكون دونها عراقيل إقليمية ودولية، فعلى الرغم مما يمكن اعتباره "موافقة" أميركية على المسعى التركي، فإن "الظرف الدولي غير مؤاتٍ لتركيا، وسيكون هناك دول عربية وإقليمية تعارض هذا المشروع، لأنه سيكون أول تدخل وانتهاك لسيادة دولة أخرى بشكل غير قانوني وتعسفي" بحسب قار.

وبغض النظر عما يعتبره بركات قار "مسؤولية النظام في قمع الشعب السوري"، فإنه يتوقع أن "لا يقبل بهذا الأمر، وإذا قبل فإنه سيكون بمثابة انتحار له ولأنظمة أخرى في المنطقة. من الصعب على النظام السوري أن يقبل بمنطقة عازلة، خاصة من جانب تركيا التي كانت طرفاً اساسياً في الحرب عليه".

فهل تدخل تركيا وسوريا في حرب بينهما؟ يجيب قار بالقول "لا أتوقع قيام حرب عسكرية بين سوريا وتركيا لأسباب منها أن سوريا اليوم مطوقة، لكنها قد تقوم بدعوة حلفائها الدوليين للوقوف في وجه هذا المشروع. فالقبول به يعني تقسيم البلاد وانهيار النظام. سوريا كنظام مهما كانت طبيعته يجب أن يقف ضد هكذا مشروع لأنه سيفتح باباً جديداً للقوى الامبريالية لاحتلال مناطق أخرى وخاصة طموح تركيا اتجاه بعض جيرانها".

وفي الخلاصة، قد يجد النظام السوري نفسه يعقد تحالفاً موقتاً مع أكراد كوباني ضد اقامة منطقة عازلة، و"يجب على النظام السوري اليوم، وهو يتأخر في ذلك، أن يدعم قوى الحماية الشعبية الكردية في كوباني لمقاومة هذا المشروع و"داعش" يختم قار.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-09-29
  • 8216
  • من الأرشيف

هل تنجح تركيا في إقامة منطقة عازلة؟ إسألوا الأكراد

تركيا تسعى لإقامة منطقة عازلة على حدودها مع سوريا، وهي تعمل من أجل قطع الطريق على أكراد تركيا للمطالبة بحكم ذاتي على غرار الموجود في عين العرب السورية، وتكمل في مسعاها في حربها على الحكومة السورية وإضعافه. فهل تقع الحرب بين تركيا وسوريا؟ تركيا قد تقيم منطقة عازلة داخل سوريا. يأتي كلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السبت لتأكيد هذا المنحى. قال إن بلاده قد تستخدم الجيش "لحماية المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية"، والتي دعت إليها الحكومة تحت شعار "حماية اللاجئين السوريين الفارين من "داعش". قد يكون من شبه المؤكد أنه ليس للبعد الإنساني أي ارتباط بأجندة العمل التركية تجاه سوريا. الوقائع أظهرت المظلة الكبيرة التي وفرتها أنقرة لتشد من عضد تنظيم إرهابي مثل "داعش" وسكوتها عما يحدث مع أكراد عين العرب السورية أو ما يعرف بكوباني، ومنعها الأكراد الأتراك من مساندة أبناء قوميتهم. وعليه، فإن الكلام التركي حول المسألة الإنسانية غرضه التسويق الإعلامي للمنطقة العازلة، التي تعد، إن حصلت، بمثابة فعل سياسي غاية في الخطورة. ومن المرجح أن تكون الخطوة التركية التي لا يمكن التنبؤ بإمكانية تحققها من عدمه، قد أتت بعد التنسيق مع واشنطن مقابل دخول تركيا في سياق تحالف أميركا وحلفائها ضد "داعش". ونسبت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل والجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة قولهما إن "واشنطن تنظر في طلب تركيا إنشاء منطقة عازلة على امتداد الحدود السورية - التركية حيث يسعى عشرات الآلاف من السوريين إلى اللجوء". واعتبر ديمبسي بحسب الصحيفة أن إقامة منطقة عازلة "ربما تصبح في مرحلة ما أمراً ممكناً، لكنها ليست وشيكة". سواء لاءمت الظروف الدولية تركيا للوصول إلى مبتغاها أم لم تؤاتها، فإن تحرك تركيا في هذا الاتجاه يبدو أنه رهن بمآل وضع الأكراد في كوباني السورية. فتركيا "هدفها الأساسي من إقامة منطقة عازلة هو وضع الأكراد"، كما يقول المحلل السياسي التركي بركات قار للميادين نت. الوقوف عند دوافع الحراك التركي لإقامة منطقة عازلة يظهر وجود صلة عميقة بمسارين تعمل عليهما تركيا، أولها يتصل بموضوع العلاقة مع الأكراد، وثانيهما الاستمرار في محاربة سوريا. ففيما يرتبط بمسألة العلاقة مع الأكراد "تواظب تركيا على مخاطبة الأكراد على أرضها بالقول إنها تعمل من أجل السلام معهم. بالرغم من أن أنقرة، ومنذ سنتين، لم تتخذ الخطوات الملموسة اتجاه المفاوضات ولا زالت تماطل" بحسب ما يوضح قار. وتبقى علاقة تركيا مع أكراد الداخل "تحت السيطرة" إذا ظل هؤلاء بمنأى عن أكراد كوباني في سوريا ولم يراودهم حلم إقامة حكم ذاتي كما هي الحال عند أبناء قوميتهم في عين العرب. هذا التفصيل عينه، هو الذي تقف عنده تركيا اليوم. "الخوف من أن يشكل الحكم الذاتي في كوباني الذي يخيف تركيا وخاصة "حزب العدالة والتنمية"، من أن يكون عامل ضاغط مساعد على إقامة حكم ذاتي مماثل في تركيا" وفق قار. ولهذا يمكن القول إن تزامن إفراج "داعش" عن الرهائن الأتراك وتسهيل دخوله في حرب شرسة على أكراد كوباني، لم يكن وليد الصدفة أبداً، بل يندرج ضمن مسعى تركي للقضاء على الحكم الذاتي للأكراد في كوباني، ومنع قيام مثيل له على أراضيها.  سوريا والأكراد: هل يدخلان في تحالف الضرورة؟ ويفتح المسعى التركي لإقامة منطقة عازلة الباب على القضية الكردية نفسها، حيث أن الأكراد منقسمون بين "أكراد تركيا وسوريا الموالون في أغلبهم لحزب العمال الكردستاني والمعارضون للخطوة التركية"، يجدون أنفسهم على افتراق مع أكراد العراق تحت قيادة مسعود البارزاني"، حيث يكشف قار أن "هناك تواطؤاً حول هذا المشروع مع تركيا وأميركا. البارزاني يقر بموافقته الضمنية على هذا الشيء. الدليل هو سكوته عن هذا المشروع. البارزاني كان أيضاً ضد قيام حكم ذاتي في سوريا وتركيا، وكان على اتفاق مع الحكومة التركية وخاصة "حزب العدالة والتنمية" بهدف بقائه وتمتين تجارته معها". وبهذا، يجد أكراد عين العرب أنفسهم في مواجهة مع "داعش" للدفاع عن حكمهم الذاتي، في مقابل تسهيل تركي و"خذلان" البارزاني لهم وموافقته الضمنية على "المنطقة العازلة" وذلك "من أجل بقائه في السلطة"، يقول قار. ويشير المحلل السياسي التركي إلى أن تركيا في حال نجاحها في إنشاء منطقة عازلة على حدودها مع سوريا، فإنها ستعمل على "إعادة كل اللاجئين السوريين في تركيا وتضع هذه المنطقة تحت سيطرة "داعش" أو "النصرة" أو الجيش الحر". لكن هذه الخطوة قد تكون دونها عراقيل إقليمية ودولية، فعلى الرغم مما يمكن اعتباره "موافقة" أميركية على المسعى التركي، فإن "الظرف الدولي غير مؤاتٍ لتركيا، وسيكون هناك دول عربية وإقليمية تعارض هذا المشروع، لأنه سيكون أول تدخل وانتهاك لسيادة دولة أخرى بشكل غير قانوني وتعسفي" بحسب قار. وبغض النظر عما يعتبره بركات قار "مسؤولية النظام في قمع الشعب السوري"، فإنه يتوقع أن "لا يقبل بهذا الأمر، وإذا قبل فإنه سيكون بمثابة انتحار له ولأنظمة أخرى في المنطقة. من الصعب على النظام السوري أن يقبل بمنطقة عازلة، خاصة من جانب تركيا التي كانت طرفاً اساسياً في الحرب عليه". فهل تدخل تركيا وسوريا في حرب بينهما؟ يجيب قار بالقول "لا أتوقع قيام حرب عسكرية بين سوريا وتركيا لأسباب منها أن سوريا اليوم مطوقة، لكنها قد تقوم بدعوة حلفائها الدوليين للوقوف في وجه هذا المشروع. فالقبول به يعني تقسيم البلاد وانهيار النظام. سوريا كنظام مهما كانت طبيعته يجب أن يقف ضد هكذا مشروع لأنه سيفتح باباً جديداً للقوى الامبريالية لاحتلال مناطق أخرى وخاصة طموح تركيا اتجاه بعض جيرانها". وفي الخلاصة، قد يجد النظام السوري نفسه يعقد تحالفاً موقتاً مع أكراد كوباني ضد اقامة منطقة عازلة، و"يجب على النظام السوري اليوم، وهو يتأخر في ذلك، أن يدعم قوى الحماية الشعبية الكردية في كوباني لمقاومة هذا المشروع و"داعش" يختم قار.  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة