تقف تركيا هذه الايام امام مفترق طرق ربما يكون الاهم في السنوات العشر الماضية، فأي طريق تختاره ستترتب عليه تداعيات خطيرة، خاصة اذا كانت الحسابات غير دقيقة او متسرعة.

نحن نتحدث هنا عن مسألة الانضمام الى التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الذي بدأ غاراته الجوية على اهداف “الدولة الاسلامية” في داخل العراق وسورية، وتنظيمين آخرين متشددين هما جبهة “النصرة”، و”احرار الشام”.

السلطات التركية “تلكأت” في الانضمام الى هذا التحالف رغم مشاركة وزير خارجيتها مولود جاويش اوغلو في اجتماع جدة الى جانب عشرة وزراء خارجية عرب وبزعامة جون كيري وزير الخارجية الامريكي، مثلما عقد الرئيس رجب طيب اردوغان اجتماعا مغلقا مع نظيره الامريكي باراك اوباما على هامش اجتماع قمة حلف الناتو في ويلز قبل ثلاثة اسابيع لبحث استراتيجية مواجهة الجماعات الاسلامية المتشددة.

وعندما نقول ان تركيا “تلكأت”، فاننا نشير الى انها رفضت التوقيع على بيان اجتماع جدة الوزاري الذي يلزم موقعيه بالانضمام الى التحالف والانخراط في عمليات عسكرية وغارات جوية، وهذا ما حدث ويحدث هذه الايام، ويتجسد في مشاركة خمسة دول عربية في الغارات الجوية على قواعد “الدولة الاسلامية” في مدينتي الرقة ودير الزور السوريتين، وتدمير المصافي والآبار النفطية التي تسيطر عليها.

الحكومة التركية تحتل مكانة بارزة على قائمة الدول المتهمة بدعم الجماعات الاسلامية المتشددة التي تقاتل على الارض السورية بهدف اسقاط النظام، سواء بشكل مباشر او غير مباشر، من حيث سماحها بمرور آلاف المقاتلين الاجانب للانضمام الى تنظيمات مثل “الدولة الاسلامية” وجبهة “النصرة” و”احرار الشام”، موضوعة كليا او جزئيا، على قائمة الجماعات الارهابية من قبل الولايات المتحدة الامريكية، وقد نفت الحكومة التركية هذه الاتهامات رسميا، وعزز الرئيس اردوغان هذا النفي عندما قال في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة انه جرى ترحيل الف مقاتل اجنبي حاولوا الالتحاق بهذه الجماعات.

ترحيل هؤلاء المقاتلين جاء بعد ضغوط مكثفة مارستها الولايات المتحدة على  اردوغان وحكومته، وكذلك بعد صدور قرار ملزم من مجلس الامن الدولي يجرم تسهيل مرور المقاتلين الاجانب للالتحاق بالتنظيمات الاسلامية المتشددة في سورية والعراق، والشيء المؤكد ان هذه الضغوط ستستمر وتتصاعد في الايام المقبلة لدفع تركيا الى مشاركة اكبر في العمليات العسكرية الى جانب طائرات التحالف الامريكي، خاصة بعد الافراج عن 49 رهينة تركي كانوا محتجزين لدى تنظيم “الدولة الاسلامية” منذ استيلاء قواتها على الموصل في الحاددي عشر من حزيران (يونيو) الماضي.

الحكومة التركية اكدت الجمعة على لسان رئيسا احمد داوود اوغلو في خطاب القاه امام المسؤولين في حزب العدالة والتنمية “اذا كان هناك عملية او حل عسكري يمكنه ان يعيد السلام والاستقرار الى المنطقة فاننا ندعمه”، واضاف “سنتخذ كل التدابير اللازمة لحماية الامن القومي”.

كلام السيد اوغلو يتسم بالغموض، فهو لم يقل صراحة بأن بلاده ستستمر في معارضتها للانضمام الى التحالف، ام انها ستتراجع عن هذا الموقف، وربما تنتظر جلسة البرلمان التركي التي ستعقد في الثاني من شهر تشرين الاول (اكتوبر) المقبل من اجل بحث مسألة المشاركة هذه، وفتح قاعدة “انجيرليك” الجوية للطائرات الامريكية المشاركة في الغارات لتصفية “الدولة الاسلامية” وقواعدها في العراق وسورية.

الحكومة التركية تحاول شراء الوقت، والمزيد منه، وتأجيل اتخاذ قرار المشتاركة لاطول وقت ممكن، لانها تدرك جيدا حجم الاخطار التي يمكن ان تترتب هذه المشاركة على امنها القومي وجبهتها الداخلية، واقتصادها الوطني خاصة اذا وضعنا في الاعتبار وجود اكثر من الف مقاتل تركي في صفوف الجماعات الاسلامية المتشددة في سورية والعراق، وهناك من يقدر الرقم بمقدار الضعفين، وتهديدات تنظيم الدولة للسلطات التركية بضرب صناعة السياحة التي تدر 35 مليار دولار على الخزينة التركية كل عام.

كل المؤشرات ترجح انضمام تركيا للتحالف الامريكي الاربعيني تماما مثلما فعلت حليفتها دولة قطر، والسؤال هو حول حجم هذا التدخل وشكله، فهل سيكون في المشاركة في الغارات الجوية، ام ارسال قوات برية ان تدريب المعارضة السورية وتسليحها، ام الاكتفاء بفتح قاعدة “انجيرليك” الجوية، امام الطائرات الامريكية على عكس ما حدث عام 2003 عنما صوت البرلمان التركي؟

الامر المؤكد ان المشاركة في التحالف مغامرة محفوفة بالمخاطر بالنسبة الى تركيا، ليس لانها في عين العاصفة فقط، وانما لانها تخشى على بروز معادلة استراتيجية جديدة في المنطقة على حساب مصالحها الاقليمية، ووحدتها الوطنية الجغرافية والديمغرافية وامنها الوطني، فتركيا وبعد ثلاثة سنوات من اندلاع الازمة السورية لم ترسل جنديا واحدا او طائرة واحدة لتنفيذ عمليات برية او جوية داخل "الاراض السورية، واكتفت بالدعم غير المباشر، والسياسي منه،" للمعارضة السورية.

الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ورئيس وزرائه احمد داوود اوغلو يحتاجان الى كل ما في جعبتهما من حكمة ودهاء لمواجهة هذه المعضلة التي ربما يؤدي اي خطأ في الحسابات تجاهها الى نسف الانجاز الاعجازي الاقتصادي والسياسي الذي حققاه طوال السنوات العشر الماضية.

  • فريق ماسة
  • 2014-09-25
  • 9706
  • من الأرشيف

الخناق يضيق على اردوغان..المشاركة بالتحاف مغامرة خطرة وعدمها اغضاب اوباما.. فأي الخيارين سيختار؟

تقف تركيا هذه الايام امام مفترق طرق ربما يكون الاهم في السنوات العشر الماضية، فأي طريق تختاره ستترتب عليه تداعيات خطيرة، خاصة اذا كانت الحسابات غير دقيقة او متسرعة. نحن نتحدث هنا عن مسألة الانضمام الى التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الذي بدأ غاراته الجوية على اهداف “الدولة الاسلامية” في داخل العراق وسورية، وتنظيمين آخرين متشددين هما جبهة “النصرة”، و”احرار الشام”. السلطات التركية “تلكأت” في الانضمام الى هذا التحالف رغم مشاركة وزير خارجيتها مولود جاويش اوغلو في اجتماع جدة الى جانب عشرة وزراء خارجية عرب وبزعامة جون كيري وزير الخارجية الامريكي، مثلما عقد الرئيس رجب طيب اردوغان اجتماعا مغلقا مع نظيره الامريكي باراك اوباما على هامش اجتماع قمة حلف الناتو في ويلز قبل ثلاثة اسابيع لبحث استراتيجية مواجهة الجماعات الاسلامية المتشددة. وعندما نقول ان تركيا “تلكأت”، فاننا نشير الى انها رفضت التوقيع على بيان اجتماع جدة الوزاري الذي يلزم موقعيه بالانضمام الى التحالف والانخراط في عمليات عسكرية وغارات جوية، وهذا ما حدث ويحدث هذه الايام، ويتجسد في مشاركة خمسة دول عربية في الغارات الجوية على قواعد “الدولة الاسلامية” في مدينتي الرقة ودير الزور السوريتين، وتدمير المصافي والآبار النفطية التي تسيطر عليها. الحكومة التركية تحتل مكانة بارزة على قائمة الدول المتهمة بدعم الجماعات الاسلامية المتشددة التي تقاتل على الارض السورية بهدف اسقاط النظام، سواء بشكل مباشر او غير مباشر، من حيث سماحها بمرور آلاف المقاتلين الاجانب للانضمام الى تنظيمات مثل “الدولة الاسلامية” وجبهة “النصرة” و”احرار الشام”، موضوعة كليا او جزئيا، على قائمة الجماعات الارهابية من قبل الولايات المتحدة الامريكية، وقد نفت الحكومة التركية هذه الاتهامات رسميا، وعزز الرئيس اردوغان هذا النفي عندما قال في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة انه جرى ترحيل الف مقاتل اجنبي حاولوا الالتحاق بهذه الجماعات. ترحيل هؤلاء المقاتلين جاء بعد ضغوط مكثفة مارستها الولايات المتحدة على  اردوغان وحكومته، وكذلك بعد صدور قرار ملزم من مجلس الامن الدولي يجرم تسهيل مرور المقاتلين الاجانب للالتحاق بالتنظيمات الاسلامية المتشددة في سورية والعراق، والشيء المؤكد ان هذه الضغوط ستستمر وتتصاعد في الايام المقبلة لدفع تركيا الى مشاركة اكبر في العمليات العسكرية الى جانب طائرات التحالف الامريكي، خاصة بعد الافراج عن 49 رهينة تركي كانوا محتجزين لدى تنظيم “الدولة الاسلامية” منذ استيلاء قواتها على الموصل في الحاددي عشر من حزيران (يونيو) الماضي. الحكومة التركية اكدت الجمعة على لسان رئيسا احمد داوود اوغلو في خطاب القاه امام المسؤولين في حزب العدالة والتنمية “اذا كان هناك عملية او حل عسكري يمكنه ان يعيد السلام والاستقرار الى المنطقة فاننا ندعمه”، واضاف “سنتخذ كل التدابير اللازمة لحماية الامن القومي”. كلام السيد اوغلو يتسم بالغموض، فهو لم يقل صراحة بأن بلاده ستستمر في معارضتها للانضمام الى التحالف، ام انها ستتراجع عن هذا الموقف، وربما تنتظر جلسة البرلمان التركي التي ستعقد في الثاني من شهر تشرين الاول (اكتوبر) المقبل من اجل بحث مسألة المشاركة هذه، وفتح قاعدة “انجيرليك” الجوية للطائرات الامريكية المشاركة في الغارات لتصفية “الدولة الاسلامية” وقواعدها في العراق وسورية. الحكومة التركية تحاول شراء الوقت، والمزيد منه، وتأجيل اتخاذ قرار المشتاركة لاطول وقت ممكن، لانها تدرك جيدا حجم الاخطار التي يمكن ان تترتب هذه المشاركة على امنها القومي وجبهتها الداخلية، واقتصادها الوطني خاصة اذا وضعنا في الاعتبار وجود اكثر من الف مقاتل تركي في صفوف الجماعات الاسلامية المتشددة في سورية والعراق، وهناك من يقدر الرقم بمقدار الضعفين، وتهديدات تنظيم الدولة للسلطات التركية بضرب صناعة السياحة التي تدر 35 مليار دولار على الخزينة التركية كل عام. كل المؤشرات ترجح انضمام تركيا للتحالف الامريكي الاربعيني تماما مثلما فعلت حليفتها دولة قطر، والسؤال هو حول حجم هذا التدخل وشكله، فهل سيكون في المشاركة في الغارات الجوية، ام ارسال قوات برية ان تدريب المعارضة السورية وتسليحها، ام الاكتفاء بفتح قاعدة “انجيرليك” الجوية، امام الطائرات الامريكية على عكس ما حدث عام 2003 عنما صوت البرلمان التركي؟ الامر المؤكد ان المشاركة في التحالف مغامرة محفوفة بالمخاطر بالنسبة الى تركيا، ليس لانها في عين العاصفة فقط، وانما لانها تخشى على بروز معادلة استراتيجية جديدة في المنطقة على حساب مصالحها الاقليمية، ووحدتها الوطنية الجغرافية والديمغرافية وامنها الوطني، فتركيا وبعد ثلاثة سنوات من اندلاع الازمة السورية لم ترسل جنديا واحدا او طائرة واحدة لتنفيذ عمليات برية او جوية داخل "الاراض السورية، واكتفت بالدعم غير المباشر، والسياسي منه،" للمعارضة السورية. الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ورئيس وزرائه احمد داوود اوغلو يحتاجان الى كل ما في جعبتهما من حكمة ودهاء لمواجهة هذه المعضلة التي ربما يؤدي اي خطأ في الحسابات تجاهها الى نسف الانجاز الاعجازي الاقتصادي والسياسي الذي حققاه طوال السنوات العشر الماضية.

المصدر : رأي اليوم /عبد الباري عطوان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة