بين ترحيب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالغارات الجوية الأميركية على مواقع داعش في سوريا وحديثه عن ضرورة استكمالها، ومسارعة أنقرة إلى نفي استخدام مجالها الجوي لشن التحالف الدولي ضرباته، ربما تكمن حقيقة الموقف التركي.

فمن جهة أنقرة جزء من حلف شمال الأطلسي وقاعدة استراتيجية له، ومن جهة ثانية يبدو من الصعوبة عليها بمكان ضرب ما تعتبرها الأداة الوحيدة لاستمرار تأثيرها الفاعل في القضايا الإقليمية.

إنطلاقاً من هذين الاعتبارين يطرح التساؤل حول إمكانية تغريد تركيا خارج سرب الولايات المتحدة والأطلسي اللذين اتخذا القرار بالقضاء على التنظيم الذي تؤكد كل التقارير الغربية وغيرها الرعاية التركية له فضلاً عن تمويله وتسليحه.

هنا يتحدث المتخصص في الشؤون التركية الدكتور محمد نور الدين "للميادين نت" عن عوامل عديدة تؤشر إلى أن لا قرار تركياً أقله بالمدى المنظور بالمشاركة في التحالف الدولي وتحديداً من خلال توجيه ضربات مؤثرة وفاعلة ضد "داعش" تماماً كما هو حال الضربات التي يمكن أن توجهها الدول العربية التي تعتبر نفسها شريكة في هذا التحالف، "لكونها غير مخلصة وغير جدية في هذه العملية" على حد قوله.

إلام يستند نور الدين في قراءته هذه وما هي هذه العوامل؟

ـ أولاً: ضرب تركيا لـ"داعش" الآن في سوريا يعني عملياً التضحية بآخر ورقة تمتلكها، بعد الجيش السوري الحر وجبهة النصرة، لقتال نظام الأسد من جهة ولقطع الطريق أمام أي محاولة لسيطرة أكراد سوريا على مناطق حدودية. لا سيما وأن تركيا عاجزة عن التدخل العسكري المباشر لأسباب عديدة أبرزها افتقارها للغطاء الخارجي.

ـ ثانياً: الولايات المتحدة وإن طلبت من تركيا الانضمام إلى التحالف إلا أنها غير منزعجة من دعم أنقرة لداعش. ففي بقاء هذه الجماعات الإرهابية التي جرى تأسيسها وتدريبها وتمويلها بطريقة غير طبيعية، مصلحة أميركية وأوروبية وإسرائيلية. لكن الفارق أن الترددات الأميركية قد تكون على موجة معينة بينما الأتراك على موجة أقل أو أعلى. وبالتالي لا الأميركي ولا التركي مستعدان للقيام بعمل جدي ضد داعش.

ـ ثالثاً: لا بديل استراتيجياً بالنسبة لحلف شمال الأطلسي وواشنطن عن أنقرة، كما لا يمكن لإقليم كردستان أن يكون القاعدة البديلة رغم وجود تقارير وتحليلات غربية تتحدث عن منحى أميركي في هذا الاتجاه في حال تصاعدت حدة التباينات والخلافات المتكررة مع أنقرة ووصلت الأمور إلى طريق مسدود. وفي هذا السياق يضع مراقبون تدخل واشنطن في العراق عندما هددت أربيل وليس بغداد.

فموقع تركيا موقع استراتيجي بامتياز، له حدود مع روسيا عبر البحر الأسود والقوقاز، كما إنها جزء من أوروبا والبحر المتوسط، وبالتالي من المستبعد أن تكون أربيل بديلاً عنها، مع إمكانية أن تشكل مرتكزاً للسياسة الأميركية تجاه إيران وتركيا والعالم العربي.

وفي أفضل الأحوال إذا تحقق لكردستان أن تكون بديلاً لإنجيرليك وتركيا بالنسبة للولايات المتحدة والأطلسي، فإن ذلك سيتطلب وقتاً طويلاً ولن يتبلور إلا قبل سنوات. وحتى ذلك الحين لا يمكن للغرب أن يتخلى عن تركيا.

رابعاً: يشعر أردوغان براحة على المستوى الداخلي حيث لا ضغوط فاعلة عليه من قبل المعارضة ليس فقط بما يتعلق بدعمه لـ"داعش" بل كل القضايا الإقليمية من سوريا والعراق ومصر وحتى العلاقة مع السعودية. هذه المعارضة الداخلية موجودة لكنها منقسمة على نفسها وأثبتت عجزها عن التوحد في كل الانتخابات التشريعية والبلدية والرئاسية من العام 2002 حتى اليوم. وبالتالي فإن هذه المعارضة غير مؤثرة في الداخل لجهة الضغط على الحكومة من أجل تغيير سياستها الخارجية.

في المقابل فإن حزب العدالة والتنمية رغم كل الأخطاء التي ارتبكها في سياسته في سوريا والمخاطر التي جلبها جراء هذه السياسة على المستوى الأمني والاقتصادي ودعمه لهذه المنظمات المصنفة "إرهابية" لا يزال يتمتع بتأييد شعبي بنسبة 45 الى 50% لأسباب داخلية تتعلق برغبة هذه الفئة بعدم عودة العلمانيين إلى السلطة. وهذه الفئة المؤيدة هي فئة محافظة وصلبة وصامدة تجعل أردوغان أو بديله في حزب العدالة والتنمية منتصراً من الآن في الانتخابات المقبلة.

خامساً: العامل الكردي الذي ينظر إليه من زاويتين، الأولى عدم جدية الحكومة التركية إيجاد حلّ للمشكلة الكردية في الداخل. والتطورات الأخيرة في المنطقة أكبر دليل على ذلك، فمن جهة لم تسارع تركيا إلى نجدة مسعود البرزاني حين هددت أربيل من قبل "داعش" رغم ما سبق ذلك من لقاءات والحديث عن بدء علاقات استراتيجية بين الجانبين، ومن جهة ثانية يبرز من خلال سيطرة داعش على كوباني أو ريف عين العرب عدم رغبة تركيا في نشوء كيان كردي آخر في الداخل السوري. بل إنه جرى الحديث عن صفقة بين أنقرة وداعش أطلق بنتيجتها الرهائن الأتراك.

أما البعد الثاني في المسألة الكردية فهو شعور فائض بالثقة بالنفس لدى الحكومة التركية بأنها قادرة على سحق أي تمرد عسكري لحزب العمال الكردستاني. ولعل في تجربة ثلاثين سنة ما يفسر هذه الثقة. فالعمل العسكري لحزب العمال منذ عام 1984 وحتى سنة ونصف خلت لم يؤد إلى أي نتيجة. وعلى الرغم من تقديم الأكراد في تركيا لفترات زمنية طويلة تضحيات فاقت بكثير تلك التي قدمها أكراد العراق إلا أن هؤلاء وصلوا الى مرحلة الدولة الكردية المستقلة تقريباً فيما لا يزال أكراد تركيا في صف الحضانة لجهة ما تحقق من مطالبهم. لذلك أسباب عديدة من بينها ما هو مرتبط بالغرب الذي لا

يزال يحتاج إلى تركيا أطلسية وذات سياسات غربية، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إن لم تكن موحدة. وبالتالي فإن واشنطن ضد أي انفصال كردي في تركيا. وهذا ما يفسر بقاء تركيا حتى الآن بمنأى عن التصدعات والثورات والاضطرابات التي تتعرض لها الدول الأخرى.

  • فريق ماسة
  • 2014-09-24
  • 10954
  • من الأرشيف

موقف تركيا من التحالف الدولي.. خلفياته وآفاقه المستقبلية؟

بين ترحيب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالغارات الجوية الأميركية على مواقع داعش في سوريا وحديثه عن ضرورة استكمالها، ومسارعة أنقرة إلى نفي استخدام مجالها الجوي لشن التحالف الدولي ضرباته، ربما تكمن حقيقة الموقف التركي. فمن جهة أنقرة جزء من حلف شمال الأطلسي وقاعدة استراتيجية له، ومن جهة ثانية يبدو من الصعوبة عليها بمكان ضرب ما تعتبرها الأداة الوحيدة لاستمرار تأثيرها الفاعل في القضايا الإقليمية. إنطلاقاً من هذين الاعتبارين يطرح التساؤل حول إمكانية تغريد تركيا خارج سرب الولايات المتحدة والأطلسي اللذين اتخذا القرار بالقضاء على التنظيم الذي تؤكد كل التقارير الغربية وغيرها الرعاية التركية له فضلاً عن تمويله وتسليحه. هنا يتحدث المتخصص في الشؤون التركية الدكتور محمد نور الدين "للميادين نت" عن عوامل عديدة تؤشر إلى أن لا قرار تركياً أقله بالمدى المنظور بالمشاركة في التحالف الدولي وتحديداً من خلال توجيه ضربات مؤثرة وفاعلة ضد "داعش" تماماً كما هو حال الضربات التي يمكن أن توجهها الدول العربية التي تعتبر نفسها شريكة في هذا التحالف، "لكونها غير مخلصة وغير جدية في هذه العملية" على حد قوله. إلام يستند نور الدين في قراءته هذه وما هي هذه العوامل؟ ـ أولاً: ضرب تركيا لـ"داعش" الآن في سوريا يعني عملياً التضحية بآخر ورقة تمتلكها، بعد الجيش السوري الحر وجبهة النصرة، لقتال نظام الأسد من جهة ولقطع الطريق أمام أي محاولة لسيطرة أكراد سوريا على مناطق حدودية. لا سيما وأن تركيا عاجزة عن التدخل العسكري المباشر لأسباب عديدة أبرزها افتقارها للغطاء الخارجي. ـ ثانياً: الولايات المتحدة وإن طلبت من تركيا الانضمام إلى التحالف إلا أنها غير منزعجة من دعم أنقرة لداعش. ففي بقاء هذه الجماعات الإرهابية التي جرى تأسيسها وتدريبها وتمويلها بطريقة غير طبيعية، مصلحة أميركية وأوروبية وإسرائيلية. لكن الفارق أن الترددات الأميركية قد تكون على موجة معينة بينما الأتراك على موجة أقل أو أعلى. وبالتالي لا الأميركي ولا التركي مستعدان للقيام بعمل جدي ضد داعش. ـ ثالثاً: لا بديل استراتيجياً بالنسبة لحلف شمال الأطلسي وواشنطن عن أنقرة، كما لا يمكن لإقليم كردستان أن يكون القاعدة البديلة رغم وجود تقارير وتحليلات غربية تتحدث عن منحى أميركي في هذا الاتجاه في حال تصاعدت حدة التباينات والخلافات المتكررة مع أنقرة ووصلت الأمور إلى طريق مسدود. وفي هذا السياق يضع مراقبون تدخل واشنطن في العراق عندما هددت أربيل وليس بغداد. فموقع تركيا موقع استراتيجي بامتياز، له حدود مع روسيا عبر البحر الأسود والقوقاز، كما إنها جزء من أوروبا والبحر المتوسط، وبالتالي من المستبعد أن تكون أربيل بديلاً عنها، مع إمكانية أن تشكل مرتكزاً للسياسة الأميركية تجاه إيران وتركيا والعالم العربي. وفي أفضل الأحوال إذا تحقق لكردستان أن تكون بديلاً لإنجيرليك وتركيا بالنسبة للولايات المتحدة والأطلسي، فإن ذلك سيتطلب وقتاً طويلاً ولن يتبلور إلا قبل سنوات. وحتى ذلك الحين لا يمكن للغرب أن يتخلى عن تركيا. رابعاً: يشعر أردوغان براحة على المستوى الداخلي حيث لا ضغوط فاعلة عليه من قبل المعارضة ليس فقط بما يتعلق بدعمه لـ"داعش" بل كل القضايا الإقليمية من سوريا والعراق ومصر وحتى العلاقة مع السعودية. هذه المعارضة الداخلية موجودة لكنها منقسمة على نفسها وأثبتت عجزها عن التوحد في كل الانتخابات التشريعية والبلدية والرئاسية من العام 2002 حتى اليوم. وبالتالي فإن هذه المعارضة غير مؤثرة في الداخل لجهة الضغط على الحكومة من أجل تغيير سياستها الخارجية. في المقابل فإن حزب العدالة والتنمية رغم كل الأخطاء التي ارتبكها في سياسته في سوريا والمخاطر التي جلبها جراء هذه السياسة على المستوى الأمني والاقتصادي ودعمه لهذه المنظمات المصنفة "إرهابية" لا يزال يتمتع بتأييد شعبي بنسبة 45 الى 50% لأسباب داخلية تتعلق برغبة هذه الفئة بعدم عودة العلمانيين إلى السلطة. وهذه الفئة المؤيدة هي فئة محافظة وصلبة وصامدة تجعل أردوغان أو بديله في حزب العدالة والتنمية منتصراً من الآن في الانتخابات المقبلة. خامساً: العامل الكردي الذي ينظر إليه من زاويتين، الأولى عدم جدية الحكومة التركية إيجاد حلّ للمشكلة الكردية في الداخل. والتطورات الأخيرة في المنطقة أكبر دليل على ذلك، فمن جهة لم تسارع تركيا إلى نجدة مسعود البرزاني حين هددت أربيل من قبل "داعش" رغم ما سبق ذلك من لقاءات والحديث عن بدء علاقات استراتيجية بين الجانبين، ومن جهة ثانية يبرز من خلال سيطرة داعش على كوباني أو ريف عين العرب عدم رغبة تركيا في نشوء كيان كردي آخر في الداخل السوري. بل إنه جرى الحديث عن صفقة بين أنقرة وداعش أطلق بنتيجتها الرهائن الأتراك. أما البعد الثاني في المسألة الكردية فهو شعور فائض بالثقة بالنفس لدى الحكومة التركية بأنها قادرة على سحق أي تمرد عسكري لحزب العمال الكردستاني. ولعل في تجربة ثلاثين سنة ما يفسر هذه الثقة. فالعمل العسكري لحزب العمال منذ عام 1984 وحتى سنة ونصف خلت لم يؤد إلى أي نتيجة. وعلى الرغم من تقديم الأكراد في تركيا لفترات زمنية طويلة تضحيات فاقت بكثير تلك التي قدمها أكراد العراق إلا أن هؤلاء وصلوا الى مرحلة الدولة الكردية المستقلة تقريباً فيما لا يزال أكراد تركيا في صف الحضانة لجهة ما تحقق من مطالبهم. لذلك أسباب عديدة من بينها ما هو مرتبط بالغرب الذي لا يزال يحتاج إلى تركيا أطلسية وذات سياسات غربية، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إن لم تكن موحدة. وبالتالي فإن واشنطن ضد أي انفصال كردي في تركيا. وهذا ما يفسر بقاء تركيا حتى الآن بمنأى عن التصدعات والثورات والاضطرابات التي تتعرض لها الدول الأخرى.

المصدر : الميادين نت


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة