دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لا شك بأن المعركة في ريف حماة بين طرفي الأزمة السورية لها بعد “شخصي” فضلاً عن بعدها العسكري – الميداني بما انّ أمير جبهة النصرة أخذها منذ اليوم الأول نحو “معركة بين شخصين”، وعليه، فإن الفوز أو الهزيمة له ترتيبات خاصة في ضوء ذلك.
تتجه معركة ريف حماة الكبرى، او ما يُصطلع تسميته بـ “غزوة النمر” إلى خواتيمها مع سيطرة قوات “النمر” المقادة من قبل العقيد سُهيل الحسن على غالبية القرى فضلاً عن الإطباق على ما بقي منها على جنود “الجولاني”، أمير “جبهة النصرة” الذي أرادها معركة مسار ومصير معطياً إياها البعد الشخصي.
قاد “الجولاني” بنفسه عمليات “النصرة” وقتالها في ريف حماة. هذا ما كشفته أمس المغارة التي ضُبطت في خلفايا الإستراتيجية التي كانت يوماً معقلاً لـ “الجبهة”. في المقلب الأخر قاد العقيد “سهيل – النمر” قواته في الجيش السوري شخصياً، مشاركاً بالعمليات عبر الإشراف المباشر في الميدان، ما أعطى المعركة صبغة “الجولاني VS النمر”. كلاً منهما أخرج ما في جعبته من تيكيكات وإبداعات عسكرية ليواجه بها الاخر. تميّزت المعركة في ريف حماة بسيناريوهات عسكرية مغايرة في الشكل والمضمون لتلك التي إستخدمت في معارك أخرى حيث كانت الخِدع وعمليات المباغتة والفنيات القتالية وعمليات الغزو والإختراق سمة لـ “قوات النمر” التي عملت على تكتيكات متعددة أعطها الغلبة في الميدان.
تجلى ذلك من خلال عملية الإطباق على المدن من عدة محاول (ظاهرة وخفية) حيث كان الجنود يوهمون جند “النصرة” بأنهم يريدون الإختراق من جهة، فينصب الإهتمام على تلك الجهة، ومن ثم تخرج القوات من جبهة أخرى لتنقض على قرية بقفزة نمر، يواكبها إفتراس من جبهة أخرى، فينهك من في الداخل ويفر نحو ملجيء آخر.. هذه واحدة من عدة أساليب إستخدمت.
حاول “الجولاني” مواجهة سيناريوهات وأساليب “النمر” القتالية محاولاً ان يوازيه السرعة في إقتحامه للمدن والقرى. عمل الجولاني بمكر الثغلب، ساعياً للإيقاع بالنمر في ميدانه عبر أساليب قتال الشوارع ومحاولة إمتصاص القوات في الأيام الاولى للمعركة وجذبها إلى قتال شوارع داخل القرى، لكن مكر “الثغلب” له علاجه لدى “النمر” الفاهمة لطيبة الميدان وما يدور في رأس خصمه. هذا الاسلوب عاد بالفشل على “الجولاني” وقيادته الميدانية التي لم تستطع مجابهة القوة العسكرية المتقدمة نحوها ما أدى لخسارتها القرى في الايام الاولى.
على وقع الضربات، حاول “الجولاني” تعديل مسار الجبهة من خلال محاولة إشراك الإنتحاريين كي يكونوا الرادع لقتدم الجنود، فيما حاولت أخرى إستخدام التلال الموجودة كمواقع إستهداف مباشر. الاسلوب الأول فشل نظراً لكشف الميدان اي محيط القرى فضلاً عن عدم إمكانية إسنخدامه داخلها ما سيعرض مقاتلي “الجبهة” للخطر، كما ان نشاط سلاح الجو السوري وعيونه ترصد اي تحرك مشبوه من هذا النوع، اما الاسلوب الثاني فكان له علاجه. سار النمر مستخدماً تكتيك “القلمون” ومعدلاً عليه. فبدل السيطرة على التلال أولاً ومن ثمّ القرى والمدن، إنقض وقواته على الاثنين معاً، متقدماً على التلال وفي ميدان القرى تحت وابل من القصف الجوي العنيف والإسناد المدفعي – الصاروخي الذي أجبر مسلحي “النصرة” على التقهقر والفرار من القرى واللجوء إلى أخرى.. وهكذا حتى وصلنا إلى حلفايا.
مع مغارته جوف البلدة، أدرك الجولاني الذي يشاهد المعارك من وكره ان ما بدأه شخصياً، سينتهي شخصياً، أي وفق معادلة ( واحد بواحد) وهي التي تفترضها الرؤية التي أخرجها الجولاني. ففي ميزان الربع والخسارة من طرفي القتال هناك شخص يجب ان يدفع الثمن، ثمن السقوط والهزيمة في معركة كبّلتها “شخصنة” الجولاني فأضحى الميدان ساحة تبارز وثأر من جهته إنعكست عليه بشكل دراماتيكي. التطورات المتسارعة أدت لكشف عيوب “النصرة” التي لم تقدر على الصمود أمام مد “النمر” حتى تقهقرت وتزعزعت صفوفها وضُربة دفاعاتها، وأضحت القرى التي توعد فيها “الجولاني”، “النمر” عاجزة عن حماية من فيها من مقاتلين لم يجدوا إلى بالفرار والهرب وسيلة لهم للنجاة من الشبح القادم.. اما “الجولاني” فدفع الثمن.
على وقع هذا التقهقر، لم يكن بوسع “الجولاني” إلا ان يغادر وكره مقراً بالهزيمة التي وصلت إلى مقره، تاركاً خلفه جنوداً يواجهون الموت بسبب “جنون العظمة” وبات “النمر” بمثابة “فوبيا” ليس لجنود “النصرة” فحسب، بل من “الجولاني” الذي تلقى الهزيمة المرة وشعر بنكهتها كما لم يشعر الاخرون.
“النمر” سهيل الحسن قبض على الجولاني، هو أفضل ما يقال عن معركة الاسبوع ونيف التي اظهرت هشاشة قوة “النصرة” في معاقلها. قبض “الحسن” على الجولاني من عنقه مفقداً إياه أهم مواقعه في الحلبة السورية ومعمقاً من جراح النصرة الاخذ بالتوسع على وقع ضربات متعددة الجهات والجبهات.. لم يقبض العقيد “النمر” على “الجولاني” شخصياً، بل قبض على مستقبله العسكري في الميدان السوري، وقبض عليه بتكتيكاته الناجحة واسلوبه العسكري المميز، وبرؤيته العسكرية وتحليليه للميدان العسكري ودراسة مكامن الضغف والقوة التي إستغلها ليؤسس لنصر قواته وتحقيق أهدافها، ففرض قوته على واقع المعركة الذي ترجم لاحقاً إسقاطاً للمدن بزمن قياسي وبنمط قتالي يكشف عن عمق الدراسة التي حصلت للميدان قبل دخوله، ما يدل على مدى قوة الدماغ العسكري الذي دار المعركة. قبض “النمر” أخيراً على “الجولاني” من خلال منطقة كانت تسعى النصرة لتشكيل نواة إمارة فيها مع إدلب نحو حلب ممتدة لجهة الساحل.. فسقط المشروع تحت أقدام الحسن ورجاله.. والمقاومة اللبنانية.
المصدر :
الحدث نيوز / عبدالله قمح
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة