بعد صعود هتلر للسلطة يوم 30 كانون ثاني 1933 كتب ليون تروتسكي الكلمات التالية في وصف النازية: «كل ما كان المجتمع نبذه كحثالة الثقافة وبرازها... ها هو يدفعه من حلقومه. تتقيأ الحضارة الرأسمالية الهمجية غير المطحونة. هذه هي فيزيولوجية النازية» (إسحق دويتشر: «النبي المنبوذ»، المؤسسة العربية، بيروت 1983، ص191).

أفرزت ألمانيا، بلد غوته وبيتهوفن، معاكسهما المتمثل في أدولف هتلر. ليس هذا معزولاً عن ثقافة وسياسة: وصف جورج لوكاش في كتابه «تحطيم العقل» المسار الثقافي الألماني على مدى قرنين من الزمن، بكل ما يحويه من اتجاهات فلسفية ــ فكرية الذي قاد إلى النازية. في السياسة هذا ليس معزولاً عن الهزيمة الألمانية عام 1918 وما تبعه من عقوبات وتكبيلات فرضها المنتصرون في معاهدة فرساي على الألمان. وكذلك هو مرتبط بصعود المد البلشفي، ثم بأزمة عام 1929 الاقتصادية التي حطمت الطبقات الفقيرة والفئات الوسطى الألمانية. الهزيمة العسكرية وتهديد البلشفية، اجتمعا عند فئات واسعة من المجتمع الألماني، مع رعاية من أصحاب المصانع وكبار الرأسماليين، لفرز إيديولوجية فكرية سياسية وحزب سياسي من أجل الرد على الهزيمة الألمانية وضرب ومواجهة المد الشيوعي، مع توجيه النار إلى درايا يهودية حمّلوها مسؤولية هزيمة الحرب العالمية الأولى بعد أن رفض كبار أصحاب البنوك من اليهود الألمان اقراض القيصر الألماني في عام 1918 لتمويل المجهود الحربي بعد أربع سنوات من الحرب، ما أدى إلى انهيار اقتصادي كان سبباً للهزيمة. فيما كان الجيش الألماني سليماً عسكرياً، إذ اجتمع في هذه الإيديولوجية وذاك الحزب وذلك الزعيم مزيج من نِشدان غسل عار الهزيمة مع التوق إلى العظمة الألمانية تحت شعار «ألمانيا فوق الجميع» مع ميول فكرية – سياسية تسوّغ استعمال الوحشية والعنف والقتل للخصوم السياسيين وبخاصة الشيوعيين، والمذابح والتطهيرات الجماعية التي وصلت إلى «الهولوكوست» مع ملايين اليهود. لم يكن موسوليني في ايطاليا بمعزل - كاتجاه فاشي نشأ كحزب وكحركة في آذار 1919 - عن رد فعل دفاعي بوجه المد الشيوعي ركب على الخيبة الايطالية من ترك الحلفاء لروما من دون غنائم الحرب التي احتكرتها لندن وباريس. إذ اعتمد موسوليني على مئات آلاف الجنود المسرحين الآتين من جبهات القتال وعلى الطلاب من الفئات البرجوازية الصغيرة والفلاحين الذين عانوا من أزمة اقتصادية كبرى في فترة ما بعد الحرب اضيفت إلى المشكلة الايطالية المزمنة الموجودة بين جنوب زراعي أقل تطوراً بمدنه وبلداته وريفه وشمال ايطالي متطور ومزدهر صناعياً، حيث أتت القاعدة الاجتماعية للفاشية من الريف وأساساً في الجنوب. كان صعود الفاشية اجتماعياً وتنظيمياً وسياسياً إثر المد اليساري العمالي في أيلول 1920 الذي تمثل في احتلال المصانع من قبل العمال ورد فعل عليه. بدأ استعمال العنف الفاشي في تشرين ثاني1920 ضد العمال واليساريين. وصل موسوليني للسلطة في 28 تشرين أول 1922. كان الجنرال فرانكو ووصوله للسلطة عام 1939 حصيلة لمئات آلاف الجثث بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية الاسبانية ضد الجمهوريين الذين كان الشيوعيون عصب قوتهم حيث كانت هناك اشتراكات إيديولوجية - فكرية – سياسية، في تبرير راض عن قتل وذبح الجمهوريين وتهجير الملايين للمنافي، داخل معسكر الملكيين الذين لم يضموا فقط أنصار «حزب الفالانج» (الكتائب) بل ضموا الكنيسة الكاثوليكية ومؤمنيها وكتلة اجتماعية كبرى من الاسبان الميسورين ومن الفئات الوسطى.

في حالات هتلر وموسوليني وفرانكو كان القتل والتصفيات والذبح مؤدلجاً فكرياً، ومشرعاً سياسياً، وعلنياً في الممارسة، ولم تمارس التقية أبداً حيال ذلك: اجتمعت الهزائم مع الاحباط مع الأزمات الاقتصادية مع الشعور بخطر مد فكري – سياسي مضاد لكي يولد ذلك كله مزيجاً مركباً تمظهر في حركات إيديولوجية - فكرية – سياسية – ثقافية - تنظيمية حزبية أدلجت القتل والذبح والتصفيات الجماعية. أتى هذا من مركب اجتماعي، هو المعسكر الرأسمالي، شعر نفسه في حالة انحسار أمام المد الشيوعي. لم تتولد هذه الوحشية آنذاك في لندن وباريس وواشنطن، حيث لم يكن التهديد الشيوعي قريباً من الأعناق، ولكن في حالات خاصة ببرلين وروما ومدريد حيث اجتمعت عوامل مختلفة خاصة بالحالات الثلاث المذكورة لكي تفرز تلك الوحشية السياسية المؤدلجة. ولم تكن بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية حزينة لما جرى لخصوم هتلر وموسوليني وفرانكو بل راضية، ولم تتحسس رقبتها إلا عندما بدأ هتلر وموسوليني منذ عام 1936 يمدان أيديهما خارج الحدود. قضي على هتلر وموسوليني عام 1945 ثم جرى تدجين نظام فرانكو في حلف الناتو منذ عام 1949. لم تعد النازية والفاشية والكتائبية الفالانجية تلاقي رواجاً في الغرب بعد أن اطمأنت الرأسمالية إلى مصيرها إثر «يالطا» وتقاسم أوروبا ثم بعد أن جرى احتواء المد الشيوعي في السبعينيات، ولو سمحت واشنطن بطبعات عن هتلر وموسوليني وفرانكو أمام خطر المد الشيوعي في أندونيسيا 1965 وتشيلي 1973.

هناك سلسلة تقود من حسن البنا إلى أبو بكر البغدادي عبر سيد قطب مروراً بشكل مباشر إلى الظواهري ومن عبدالله عزام إلى ابن لادن. قاد ابن لادن - الظواهري من خلال «تنظيم قاعدة الجهاد» عام 1998 إلى الزرقاوي وأبو أيوب المصري في «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين». في زمن المصري وقيادته للقاعدة بالعراق بين حزيران 2006 ونيسان 2010 جرى تأسيس «دولة العراق الاسلامية» ووضع عراقي على رأسها هو أبو عمر البغدادي. بعد مقتلهما أتى أبو بكر البغدادي في نيسان2010: في زمن المد الذي عاشه تيار الاسلام السياسي بين عامي 1967 و2013 وضعت الأفكار التطرفية - التكفيرية لسيد قطب، التي أتت حصيلة رد فعل أنتجته الزنزانات والتعذيب والسجون في زمن المد الناصري، جانباً من قبل جماعة «الاخوان المسلمين» مفضلين عليها أفكار حسن الهضيبي الذي رد على كتاب سيد قطب «معالم في الطريق» (1964) عبر كتاب كتب أيضاً في السجن عام 1969 هو «دعاة لاقضاة». في زمن المد أفرز «الإخوان» ظواهر اعتدالية مثل عمر التلمساني الذي تولى منصب «المرشد العام» بين عامي 1974 و1986. تحت تأثير ضربات حسني مبارك برز «مرشد عام» هو مصطفى مشهور بين عامي 1996 و2002 رعى صعود التيار القطبي بقيادة محمود عزت ومحمد بديع إلى الواجهة القيادية الاخوانية، ولكنه لم يستطع الوصول للقيادة إلا بعملية أشبه بالانقلابية جرت في صفوف «مجلس شورى» الجماعة بشهر كانون أول 2009 تم فيها ابعاد المعتدلين مثل عبدالمنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب وتم الاتيان بمحمد بديع مرشداً للجماعة. كان التيار القطبي متحكماً بـ«الإخوان» في أثناء الإطاحة بمبارك وفي زمن الزواج الموقت بين الاسلام السياسي وواشنطن الذي قاد لوصول محمد مرسي للرئاسة المصرية في 30 يونيو 2012. أشر سقوط مرسي في 3 يوليو 2013 إلى بداية انحسار مد تيار الاسلام السياسي، وقد جرت ترجمات لاحقة لذلك عند «اخوان» تونس وليبيا وسوريا. لم ينتج اعتدال اخواني عقب سقوط مرسي كما جرى من قبل الهضيبي والتلمساني بالستينيات والسبعينيات، بل هناك مؤشرات على أن قيادة التيار الاسلامي السياسي الآن والجناح الأقوى فيه هي لـ«السلفية الجهادية»، وأن التشدد الاسلامي أو الاعتدال لم يعد تفرخه بيضة «الاخوان» كما جرى عبر مثالي قطب والهضيبي في الستينيات. واضح الآن في عام2014 وعقب سقوط مرسي أن دفة «الاسلام السياسي» قد أصبحت ممسوكة من قبل «داعش»، أي «الدولة الاسلامية في العراق والشام» التي أعلنها البغدادي يوم 9 نيسان 2013 ثم حولها إلى «دولة الخلافة الاسلامية» في 29 حزيران 2014، وأن «الأصولية الاخوانية» لأول مرة قد أصبحت أضعف من «السلفية الجهادية» منذ أن مثلها «تنظيم قاعدة الجهاد» عام 1998. وهذه خريطة جديدة في صورة تيار الاسلام السياسي، وهي غير مسبوقة منذ آذار 1928 لما أسس البنا جماعة «الاخوان المسلمين» حيث لم يستطع أحد، لا «حزب التحرير» ولا غيره، منافسة «الاخوان» على صدارة تيار الاسلام السياسي.

يؤشر البغدادي و«داعش» إلى حالة انحسارية يعيشها الآن تيار الاسلام السياسي، ووحشيته العنفية تعبّر عن حالة حصار ودفاعية وشعورية انحسارية يعيشها هذا التيار كما كان هتلر وموسوليني وفرانكو أمام المد الشيوعي السوفياتي. كانت وحشية بول بوت و«الخمير الحمر» في كمبوديا، أثناء حمكمهم بين نيسان 1975 وكانون ثاني 1979، مؤشر على انحسار المد الشيوعي السوفياتي البادئ منذ أكتوبر 1917 وعلى قرب سقوط تيار الشيوعية السوفياتية التي فرخت الستالينية والماوية وكان من الأخيرة «الخمير الحمر»، ولولا انحراف دينغ سياو بينغ عن الماوية وقيادته للصين في اتجاه جديد بالثمانينيات، وهو الذي أبعده ماو عن القيادة عام 1966، لكانت بكين لحقت موسكو في السقوط.

* كاتب سوري

  • فريق ماسة
  • 2014-09-08
  • 13481
  • من الأرشيف

«داعش» كمؤشر على انحسار تيار الاسلام السياسي

بعد صعود هتلر للسلطة يوم 30 كانون ثاني 1933 كتب ليون تروتسكي الكلمات التالية في وصف النازية: «كل ما كان المجتمع نبذه كحثالة الثقافة وبرازها... ها هو يدفعه من حلقومه. تتقيأ الحضارة الرأسمالية الهمجية غير المطحونة. هذه هي فيزيولوجية النازية» (إسحق دويتشر: «النبي المنبوذ»، المؤسسة العربية، بيروت 1983، ص191). أفرزت ألمانيا، بلد غوته وبيتهوفن، معاكسهما المتمثل في أدولف هتلر. ليس هذا معزولاً عن ثقافة وسياسة: وصف جورج لوكاش في كتابه «تحطيم العقل» المسار الثقافي الألماني على مدى قرنين من الزمن، بكل ما يحويه من اتجاهات فلسفية ــ فكرية الذي قاد إلى النازية. في السياسة هذا ليس معزولاً عن الهزيمة الألمانية عام 1918 وما تبعه من عقوبات وتكبيلات فرضها المنتصرون في معاهدة فرساي على الألمان. وكذلك هو مرتبط بصعود المد البلشفي، ثم بأزمة عام 1929 الاقتصادية التي حطمت الطبقات الفقيرة والفئات الوسطى الألمانية. الهزيمة العسكرية وتهديد البلشفية، اجتمعا عند فئات واسعة من المجتمع الألماني، مع رعاية من أصحاب المصانع وكبار الرأسماليين، لفرز إيديولوجية فكرية سياسية وحزب سياسي من أجل الرد على الهزيمة الألمانية وضرب ومواجهة المد الشيوعي، مع توجيه النار إلى درايا يهودية حمّلوها مسؤولية هزيمة الحرب العالمية الأولى بعد أن رفض كبار أصحاب البنوك من اليهود الألمان اقراض القيصر الألماني في عام 1918 لتمويل المجهود الحربي بعد أربع سنوات من الحرب، ما أدى إلى انهيار اقتصادي كان سبباً للهزيمة. فيما كان الجيش الألماني سليماً عسكرياً، إذ اجتمع في هذه الإيديولوجية وذاك الحزب وذلك الزعيم مزيج من نِشدان غسل عار الهزيمة مع التوق إلى العظمة الألمانية تحت شعار «ألمانيا فوق الجميع» مع ميول فكرية – سياسية تسوّغ استعمال الوحشية والعنف والقتل للخصوم السياسيين وبخاصة الشيوعيين، والمذابح والتطهيرات الجماعية التي وصلت إلى «الهولوكوست» مع ملايين اليهود. لم يكن موسوليني في ايطاليا بمعزل - كاتجاه فاشي نشأ كحزب وكحركة في آذار 1919 - عن رد فعل دفاعي بوجه المد الشيوعي ركب على الخيبة الايطالية من ترك الحلفاء لروما من دون غنائم الحرب التي احتكرتها لندن وباريس. إذ اعتمد موسوليني على مئات آلاف الجنود المسرحين الآتين من جبهات القتال وعلى الطلاب من الفئات البرجوازية الصغيرة والفلاحين الذين عانوا من أزمة اقتصادية كبرى في فترة ما بعد الحرب اضيفت إلى المشكلة الايطالية المزمنة الموجودة بين جنوب زراعي أقل تطوراً بمدنه وبلداته وريفه وشمال ايطالي متطور ومزدهر صناعياً، حيث أتت القاعدة الاجتماعية للفاشية من الريف وأساساً في الجنوب. كان صعود الفاشية اجتماعياً وتنظيمياً وسياسياً إثر المد اليساري العمالي في أيلول 1920 الذي تمثل في احتلال المصانع من قبل العمال ورد فعل عليه. بدأ استعمال العنف الفاشي في تشرين ثاني1920 ضد العمال واليساريين. وصل موسوليني للسلطة في 28 تشرين أول 1922. كان الجنرال فرانكو ووصوله للسلطة عام 1939 حصيلة لمئات آلاف الجثث بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية الاسبانية ضد الجمهوريين الذين كان الشيوعيون عصب قوتهم حيث كانت هناك اشتراكات إيديولوجية - فكرية – سياسية، في تبرير راض عن قتل وذبح الجمهوريين وتهجير الملايين للمنافي، داخل معسكر الملكيين الذين لم يضموا فقط أنصار «حزب الفالانج» (الكتائب) بل ضموا الكنيسة الكاثوليكية ومؤمنيها وكتلة اجتماعية كبرى من الاسبان الميسورين ومن الفئات الوسطى. في حالات هتلر وموسوليني وفرانكو كان القتل والتصفيات والذبح مؤدلجاً فكرياً، ومشرعاً سياسياً، وعلنياً في الممارسة، ولم تمارس التقية أبداً حيال ذلك: اجتمعت الهزائم مع الاحباط مع الأزمات الاقتصادية مع الشعور بخطر مد فكري – سياسي مضاد لكي يولد ذلك كله مزيجاً مركباً تمظهر في حركات إيديولوجية - فكرية – سياسية – ثقافية - تنظيمية حزبية أدلجت القتل والذبح والتصفيات الجماعية. أتى هذا من مركب اجتماعي، هو المعسكر الرأسمالي، شعر نفسه في حالة انحسار أمام المد الشيوعي. لم تتولد هذه الوحشية آنذاك في لندن وباريس وواشنطن، حيث لم يكن التهديد الشيوعي قريباً من الأعناق، ولكن في حالات خاصة ببرلين وروما ومدريد حيث اجتمعت عوامل مختلفة خاصة بالحالات الثلاث المذكورة لكي تفرز تلك الوحشية السياسية المؤدلجة. ولم تكن بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية حزينة لما جرى لخصوم هتلر وموسوليني وفرانكو بل راضية، ولم تتحسس رقبتها إلا عندما بدأ هتلر وموسوليني منذ عام 1936 يمدان أيديهما خارج الحدود. قضي على هتلر وموسوليني عام 1945 ثم جرى تدجين نظام فرانكو في حلف الناتو منذ عام 1949. لم تعد النازية والفاشية والكتائبية الفالانجية تلاقي رواجاً في الغرب بعد أن اطمأنت الرأسمالية إلى مصيرها إثر «يالطا» وتقاسم أوروبا ثم بعد أن جرى احتواء المد الشيوعي في السبعينيات، ولو سمحت واشنطن بطبعات عن هتلر وموسوليني وفرانكو أمام خطر المد الشيوعي في أندونيسيا 1965 وتشيلي 1973. هناك سلسلة تقود من حسن البنا إلى أبو بكر البغدادي عبر سيد قطب مروراً بشكل مباشر إلى الظواهري ومن عبدالله عزام إلى ابن لادن. قاد ابن لادن - الظواهري من خلال «تنظيم قاعدة الجهاد» عام 1998 إلى الزرقاوي وأبو أيوب المصري في «تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين». في زمن المصري وقيادته للقاعدة بالعراق بين حزيران 2006 ونيسان 2010 جرى تأسيس «دولة العراق الاسلامية» ووضع عراقي على رأسها هو أبو عمر البغدادي. بعد مقتلهما أتى أبو بكر البغدادي في نيسان2010: في زمن المد الذي عاشه تيار الاسلام السياسي بين عامي 1967 و2013 وضعت الأفكار التطرفية - التكفيرية لسيد قطب، التي أتت حصيلة رد فعل أنتجته الزنزانات والتعذيب والسجون في زمن المد الناصري، جانباً من قبل جماعة «الاخوان المسلمين» مفضلين عليها أفكار حسن الهضيبي الذي رد على كتاب سيد قطب «معالم في الطريق» (1964) عبر كتاب كتب أيضاً في السجن عام 1969 هو «دعاة لاقضاة». في زمن المد أفرز «الإخوان» ظواهر اعتدالية مثل عمر التلمساني الذي تولى منصب «المرشد العام» بين عامي 1974 و1986. تحت تأثير ضربات حسني مبارك برز «مرشد عام» هو مصطفى مشهور بين عامي 1996 و2002 رعى صعود التيار القطبي بقيادة محمود عزت ومحمد بديع إلى الواجهة القيادية الاخوانية، ولكنه لم يستطع الوصول للقيادة إلا بعملية أشبه بالانقلابية جرت في صفوف «مجلس شورى» الجماعة بشهر كانون أول 2009 تم فيها ابعاد المعتدلين مثل عبدالمنعم أبو الفتوح ومحمد حبيب وتم الاتيان بمحمد بديع مرشداً للجماعة. كان التيار القطبي متحكماً بـ«الإخوان» في أثناء الإطاحة بمبارك وفي زمن الزواج الموقت بين الاسلام السياسي وواشنطن الذي قاد لوصول محمد مرسي للرئاسة المصرية في 30 يونيو 2012. أشر سقوط مرسي في 3 يوليو 2013 إلى بداية انحسار مد تيار الاسلام السياسي، وقد جرت ترجمات لاحقة لذلك عند «اخوان» تونس وليبيا وسوريا. لم ينتج اعتدال اخواني عقب سقوط مرسي كما جرى من قبل الهضيبي والتلمساني بالستينيات والسبعينيات، بل هناك مؤشرات على أن قيادة التيار الاسلامي السياسي الآن والجناح الأقوى فيه هي لـ«السلفية الجهادية»، وأن التشدد الاسلامي أو الاعتدال لم يعد تفرخه بيضة «الاخوان» كما جرى عبر مثالي قطب والهضيبي في الستينيات. واضح الآن في عام2014 وعقب سقوط مرسي أن دفة «الاسلام السياسي» قد أصبحت ممسوكة من قبل «داعش»، أي «الدولة الاسلامية في العراق والشام» التي أعلنها البغدادي يوم 9 نيسان 2013 ثم حولها إلى «دولة الخلافة الاسلامية» في 29 حزيران 2014، وأن «الأصولية الاخوانية» لأول مرة قد أصبحت أضعف من «السلفية الجهادية» منذ أن مثلها «تنظيم قاعدة الجهاد» عام 1998. وهذه خريطة جديدة في صورة تيار الاسلام السياسي، وهي غير مسبوقة منذ آذار 1928 لما أسس البنا جماعة «الاخوان المسلمين» حيث لم يستطع أحد، لا «حزب التحرير» ولا غيره، منافسة «الاخوان» على صدارة تيار الاسلام السياسي. يؤشر البغدادي و«داعش» إلى حالة انحسارية يعيشها الآن تيار الاسلام السياسي، ووحشيته العنفية تعبّر عن حالة حصار ودفاعية وشعورية انحسارية يعيشها هذا التيار كما كان هتلر وموسوليني وفرانكو أمام المد الشيوعي السوفياتي. كانت وحشية بول بوت و«الخمير الحمر» في كمبوديا، أثناء حمكمهم بين نيسان 1975 وكانون ثاني 1979، مؤشر على انحسار المد الشيوعي السوفياتي البادئ منذ أكتوبر 1917 وعلى قرب سقوط تيار الشيوعية السوفياتية التي فرخت الستالينية والماوية وكان من الأخيرة «الخمير الحمر»، ولولا انحراف دينغ سياو بينغ عن الماوية وقيادته للصين في اتجاه جديد بالثمانينيات، وهو الذي أبعده ماو عن القيادة عام 1966، لكانت بكين لحقت موسكو في السقوط. * كاتب سوري

المصدر : محمد سيد رصاص


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة