إن أحد مفاعيل الهزيمة هو فقدان الأمل والذي يتجلى في أوجه مختلفة منها، على سبيل المثال، محاولة الترويج لأخبار هزيمة أخرى بشكل استباقي. يتجلى هذا بشكل ملموس اليوم في محاولة البعض، ولا أقصد هنا بعض المواقع الإخبارية فقط بل وجمهور القراء أيضاً، تناقل أخبارٍ عن انسحابات وعمليات إخلاء من مطار دير الزور العسكري، وذلك ليس فقط من باب القياس على ماحصل في مطار الطبقة، بل في محاولة استباقية لمنع تكرار ماحصل هناك. ومن يحاول أن يتقصى هذه الروايات سيجد فيها الكثير من الابداع ونسج الخيال، بل أن البعض يمضي في تسويق روايات من قبيل أنه قد تم التخلي عن دير الزور ومقايضتها بحلب! أي أن يتم ترك دير الزور لداعش على أن تترك داعش حلب لنا!! هذه الرواية هي مجرد مثال وهناك الكثير الكثير غيرها. ولايمكن أن يتوفر لي الوقت الكافي لسرد كل الروايات التي يتم تداولها، خصوصاً في دير الزور، ناهيك عن تفنيدها، لذلك سأكتفي بذكر مايلي:

 1- محيط مطار دير الزور العسكري آمن وقد قام الجيش العربي السوري بتوسيع الطوق حوله مؤخراً. والمطار، لمن لايعلم، يحده من الشمال والشمال الغربي مدينة دير الزور ويحده من الغرب تضاريس جبلية ثم المقابر ثم مباني جامعة الفرات وصولاً إلى نقاط عسكرية أخرى مهمة ومحصنة، منها على سبيل المثال اللواء 137. أما في جنوب وجنوب غرب المطار فقد وسع الجيش أيضاً الطوق ليصل إلى قرب حقل التيم، الذي يبعد حوالي 11 كم عن المطار، والذي انسحبت منه قوات داعش والحقل نفسه يقع الآن ضمن مدى السيطرة النارية للجيش. أما من الشرق فيحد المطار عدد من القرى والمزارع، في مناطق الجفرا والمريعية، وقد كان الجيش قد وسع سيطرته هناك في الأيام الأخيرة، لتصبح المسافة التي يسيطر عليها الجيش شرق المطار أكثر من 5 كم. باختصار، إن الطوق الذي يحيط بالمطار ويمنع الهجمات عليه، هو اليوم في أحسن حالاته منذ دخل "التتار" إلى دير الزور منذ أكثر من سنتين.

 2- الأخبار التي يتم تناقلها عن هجمات داعش على المطار والخسائر التي وقعت هناك هي غير حقيقية – بمعنى أنها لم تحصل أساساً. فضلاً عن أن هذه الأخبار نفسها، مثل تدمير 6 طائرات ميغ-21 على أرض المطار بواسطة مدفع 57، قد تم تكرارها، بنفس التفاصيل، عدة مرات خلال الأسبوعين الماضيين. وبالمناسبة، المدفع من عيار 57 مم، الذي تقول تلك الأخبار أن داعش استخدمته لإعطاب الطائرات على أرض المطار، لايملك أساساً مدى يسمح له بضرب المطار - فمدى المدفع الأقصى هو حوالي 6 كم. وجميع مواقع داعش تبعد عن المطار أكثر من هذه المسافة.

 3- يعمل الطيران الحربي، القاذف والمروحي، بشكل متواصل، ومنذ فترة، على ضرب مواقع داعش في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور. وهناك أنباء شبه مؤكدة عن انسحاب قسم كبير من قوات داعش من "موحسن" (12 كم شرق المطار) إلى "البصيرة" (24 كم شرق المطار). هذا الانسحاب ليس فقط بتأثير الضربات الجوية وحدها ولكن بسبب قيام بعض أهالي موحسن بالتواصل مع الجهات المختصة للتبليغ عن أماكن التجمعات الكبيرة لقوات داعش ليقوم الجيش باستهدافها بالطيران والمدفعية.

 4- القيادة العليا تتابع مايحصل في دير الزور عن كثب وقد تم إرسال أكثر من مبعوث إلى مدينة دير الزور وقد تبع هذه الزيارات إرسال المزيد من التعزيزات في الأعداد والعتاد. ولايمكنني الإفصاح بتفاصيل أكثر ولكن الشيء الوحيد الملموس على الأرض هو النية والاستعداد لقتال الدواعش بشراسة وتغيير مسار المواجهات السابقة.

 5- لم يحصل أي تغيير - خلال الأسبوعين الماضيين - في القيادات العسكرية في دير الزور. فالعقيد سهيل الحسن قد نقل إلى حماة وليس إلى دير الزور. ووجود أحد الضباط البارزين، المسؤولين عن العمليات في دير الزور، خارج دير الزور حالياً لايعود لكونه قد نقل من دير الزور، كما يحاول البعض أن يروج، ولكنه مجرد تواجد عادي، روتيني، خارج دير الزور وقد حصل عدة مرات في السابق، وسيعود ذلك الضابط قريباً جداً إلى دير الزور.

 6- الشيء المؤسف الوحيد فيما يحصل في دير الزور، وفي المواجهات مع داعش عموماً، هو أن جمهور المعارضة نفسه الذي كان قد أعلن العداء لداعش في الماضي هو نفسه اليوم الذي يقوم بتسويق الإشاعات حول تقدم داعش للسيطرة على دير الزور. وفي الحقيقة، يواصل المعارضون، مرة بعد مرة، الانتقال إلى دركٍ أكثر انحطاطاً في طريقة تعاملهم مع مايحصل على أرض الوطن. والأكيد أن مقولة "البول في الثياب نكاية بالطهارة" ماتزال هي القاعدة الناظمة لخيارات المعارضين الذين يهللون ويرحبون بدخول داعش إلى دير الزور، بالرغم من إيقانهم أن ألوف المدنيين هناك معرضون لسيناريو يفوق سيناريو مسيحيي وايزيديي العراق سوءً.

 تعليق ختامي

بعيداً عما يتم تناقله عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فقد نجحت صحيفة العربي الجديد، القطرية بإدارة عزمي بشارة، بنشر مقابلة مع بعض الدواعش المطلعين على مايحصل حول مطار دير الزور العسكري، وقد لفتني مدى المصداقية في تلك المقالة التي تذكر صراحة صعوبة الهجوم على المطار و، وهذا هو الأهم، تذكر أن الهجوم على المطار لم يبدأ أساساً. توقعي لماسيحصل في الأيام المقبلة هو أن داعش تواجه خيارات صعبة، فالصور التي تم نشرها بعد معارك الطبقة لم تنجح في تحويل المواجهات في حماة وحمص إلى نصر سهل، ومصير الدواعش في حماة، تحديداً، يبدو قاتماً والهجوم على مطار دير الزور مازال مجرد "تغريدة" على تويتر. لذلك، وبكل موضوعية، الاحتمالان المنطقيان الوحيدان في دير الزور هما إما أن يبق الوضع على ما هو عليه وتتجنب داعش القيام بأي هجوم أو أن تقرر القيام بالهجوم فعلاً والنتيجة المتوقعة لمثل هذا الهجوم هي مواجهة مطولة وطاحنة. وكانت داعش قد جربت في الشتاء الماضي الهجوم على مواقع الجيش في مدينة دير الزور، من جهة الرقة، حيث تم استخدام عربة "بي إم بي" مفخخة استهدفت أحد الحواجز ليستشهد ثلث عناصر الحاجز تقريباً فيما استمر باقي العناصر في الدفاع ريثما وصلت تعزيزات وتم صد هجوم قوات داعش، التي قدرت يومها بالعشرات إلى المئات. في ذلك اليوم، قام رجال الجيش بتحميل جثث مقاتلي داعش في السيارات والتجوال فيها في شوارع مدينة دير الزور. هذا هو تاريخ المواجهة بين الجيش وداعش في دير الزور والمؤشرات الموضوعية لاتشير إلا إلى أن التاريخ سيكرر نفسه.

  • فريق ماسة
  • 2014-09-05
  • 8189
  • من الأرشيف

عن معركة دير الزور المرتقبة....بقلم محمد صالح الفتيح

إن أحد مفاعيل الهزيمة هو فقدان الأمل والذي يتجلى في أوجه مختلفة منها، على سبيل المثال، محاولة الترويج لأخبار هزيمة أخرى بشكل استباقي. يتجلى هذا بشكل ملموس اليوم في محاولة البعض، ولا أقصد هنا بعض المواقع الإخبارية فقط بل وجمهور القراء أيضاً، تناقل أخبارٍ عن انسحابات وعمليات إخلاء من مطار دير الزور العسكري، وذلك ليس فقط من باب القياس على ماحصل في مطار الطبقة، بل في محاولة استباقية لمنع تكرار ماحصل هناك. ومن يحاول أن يتقصى هذه الروايات سيجد فيها الكثير من الابداع ونسج الخيال، بل أن البعض يمضي في تسويق روايات من قبيل أنه قد تم التخلي عن دير الزور ومقايضتها بحلب! أي أن يتم ترك دير الزور لداعش على أن تترك داعش حلب لنا!! هذه الرواية هي مجرد مثال وهناك الكثير الكثير غيرها. ولايمكن أن يتوفر لي الوقت الكافي لسرد كل الروايات التي يتم تداولها، خصوصاً في دير الزور، ناهيك عن تفنيدها، لذلك سأكتفي بذكر مايلي:  1- محيط مطار دير الزور العسكري آمن وقد قام الجيش العربي السوري بتوسيع الطوق حوله مؤخراً. والمطار، لمن لايعلم، يحده من الشمال والشمال الغربي مدينة دير الزور ويحده من الغرب تضاريس جبلية ثم المقابر ثم مباني جامعة الفرات وصولاً إلى نقاط عسكرية أخرى مهمة ومحصنة، منها على سبيل المثال اللواء 137. أما في جنوب وجنوب غرب المطار فقد وسع الجيش أيضاً الطوق ليصل إلى قرب حقل التيم، الذي يبعد حوالي 11 كم عن المطار، والذي انسحبت منه قوات داعش والحقل نفسه يقع الآن ضمن مدى السيطرة النارية للجيش. أما من الشرق فيحد المطار عدد من القرى والمزارع، في مناطق الجفرا والمريعية، وقد كان الجيش قد وسع سيطرته هناك في الأيام الأخيرة، لتصبح المسافة التي يسيطر عليها الجيش شرق المطار أكثر من 5 كم. باختصار، إن الطوق الذي يحيط بالمطار ويمنع الهجمات عليه، هو اليوم في أحسن حالاته منذ دخل "التتار" إلى دير الزور منذ أكثر من سنتين.  2- الأخبار التي يتم تناقلها عن هجمات داعش على المطار والخسائر التي وقعت هناك هي غير حقيقية – بمعنى أنها لم تحصل أساساً. فضلاً عن أن هذه الأخبار نفسها، مثل تدمير 6 طائرات ميغ-21 على أرض المطار بواسطة مدفع 57، قد تم تكرارها، بنفس التفاصيل، عدة مرات خلال الأسبوعين الماضيين. وبالمناسبة، المدفع من عيار 57 مم، الذي تقول تلك الأخبار أن داعش استخدمته لإعطاب الطائرات على أرض المطار، لايملك أساساً مدى يسمح له بضرب المطار - فمدى المدفع الأقصى هو حوالي 6 كم. وجميع مواقع داعش تبعد عن المطار أكثر من هذه المسافة.  3- يعمل الطيران الحربي، القاذف والمروحي، بشكل متواصل، ومنذ فترة، على ضرب مواقع داعش في الريف الشرقي لمحافظة دير الزور. وهناك أنباء شبه مؤكدة عن انسحاب قسم كبير من قوات داعش من "موحسن" (12 كم شرق المطار) إلى "البصيرة" (24 كم شرق المطار). هذا الانسحاب ليس فقط بتأثير الضربات الجوية وحدها ولكن بسبب قيام بعض أهالي موحسن بالتواصل مع الجهات المختصة للتبليغ عن أماكن التجمعات الكبيرة لقوات داعش ليقوم الجيش باستهدافها بالطيران والمدفعية.  4- القيادة العليا تتابع مايحصل في دير الزور عن كثب وقد تم إرسال أكثر من مبعوث إلى مدينة دير الزور وقد تبع هذه الزيارات إرسال المزيد من التعزيزات في الأعداد والعتاد. ولايمكنني الإفصاح بتفاصيل أكثر ولكن الشيء الوحيد الملموس على الأرض هو النية والاستعداد لقتال الدواعش بشراسة وتغيير مسار المواجهات السابقة.  5- لم يحصل أي تغيير - خلال الأسبوعين الماضيين - في القيادات العسكرية في دير الزور. فالعقيد سهيل الحسن قد نقل إلى حماة وليس إلى دير الزور. ووجود أحد الضباط البارزين، المسؤولين عن العمليات في دير الزور، خارج دير الزور حالياً لايعود لكونه قد نقل من دير الزور، كما يحاول البعض أن يروج، ولكنه مجرد تواجد عادي، روتيني، خارج دير الزور وقد حصل عدة مرات في السابق، وسيعود ذلك الضابط قريباً جداً إلى دير الزور.  6- الشيء المؤسف الوحيد فيما يحصل في دير الزور، وفي المواجهات مع داعش عموماً، هو أن جمهور المعارضة نفسه الذي كان قد أعلن العداء لداعش في الماضي هو نفسه اليوم الذي يقوم بتسويق الإشاعات حول تقدم داعش للسيطرة على دير الزور. وفي الحقيقة، يواصل المعارضون، مرة بعد مرة، الانتقال إلى دركٍ أكثر انحطاطاً في طريقة تعاملهم مع مايحصل على أرض الوطن. والأكيد أن مقولة "البول في الثياب نكاية بالطهارة" ماتزال هي القاعدة الناظمة لخيارات المعارضين الذين يهللون ويرحبون بدخول داعش إلى دير الزور، بالرغم من إيقانهم أن ألوف المدنيين هناك معرضون لسيناريو يفوق سيناريو مسيحيي وايزيديي العراق سوءً.  تعليق ختامي بعيداً عما يتم تناقله عبر شبكات التواصل الاجتماعي، فقد نجحت صحيفة العربي الجديد، القطرية بإدارة عزمي بشارة، بنشر مقابلة مع بعض الدواعش المطلعين على مايحصل حول مطار دير الزور العسكري، وقد لفتني مدى المصداقية في تلك المقالة التي تذكر صراحة صعوبة الهجوم على المطار و، وهذا هو الأهم، تذكر أن الهجوم على المطار لم يبدأ أساساً. توقعي لماسيحصل في الأيام المقبلة هو أن داعش تواجه خيارات صعبة، فالصور التي تم نشرها بعد معارك الطبقة لم تنجح في تحويل المواجهات في حماة وحمص إلى نصر سهل، ومصير الدواعش في حماة، تحديداً، يبدو قاتماً والهجوم على مطار دير الزور مازال مجرد "تغريدة" على تويتر. لذلك، وبكل موضوعية، الاحتمالان المنطقيان الوحيدان في دير الزور هما إما أن يبق الوضع على ما هو عليه وتتجنب داعش القيام بأي هجوم أو أن تقرر القيام بالهجوم فعلاً والنتيجة المتوقعة لمثل هذا الهجوم هي مواجهة مطولة وطاحنة. وكانت داعش قد جربت في الشتاء الماضي الهجوم على مواقع الجيش في مدينة دير الزور، من جهة الرقة، حيث تم استخدام عربة "بي إم بي" مفخخة استهدفت أحد الحواجز ليستشهد ثلث عناصر الحاجز تقريباً فيما استمر باقي العناصر في الدفاع ريثما وصلت تعزيزات وتم صد هجوم قوات داعش، التي قدرت يومها بالعشرات إلى المئات. في ذلك اليوم، قام رجال الجيش بتحميل جثث مقاتلي داعش في السيارات والتجوال فيها في شوارع مدينة دير الزور. هذا هو تاريخ المواجهة بين الجيش وداعش في دير الزور والمؤشرات الموضوعية لاتشير إلا إلى أن التاريخ سيكرر نفسه.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة