ربما تكون محض مصادفة أن تنشر صفحة «فايسبوك» الخاصة ببرنامج «الناس والسياسة» على قناة «تلاقي» السورية، رابط أغنية الموسيقي شربل روحانا «لشو التغير» مرفقة بعبارة: «وبيجتمعوا مع ذاتهن حتى يختاروا ذاتهن»، في الصباح الذي تلى إعلان تشكيل الحكومة الجديدة التي ضمت الكثير من الوجوه القديمة. هكذا يكون التوظيف الساخر والذكي للأغنية ـ إن كان مقصوداً ـ الاستثناء الجريء اليتيم في سياق تعاطي القنوات السورية الرسمية والخاصة، مع إعلان الحكومة.

أعدّت «الإخبارية» السورية سلسلة تقارير تسأل فيها عما يريد المواطن السوري من الحكومة الجديدة. تتشابه كلّ تلك التقارير عنواناً ومضموناً ليختلف فيها فقط تاريخ البث أو اسم المعدّ. تستطلع المراسلة يارا صالح آراء الناس في شوارع الحسكة، على أنغام أغنية فيروز «احكيلي احكيلي عن بلدي احكيلي». تتكرّر المطالب ذاتها الواردة في تقارير سابقة عرضتها القناة: «الأمن والأمان»، و«القضاء على الإرهابيين»، و«تحسين وضع الخدمات والكهرباء والماء»، و«تخفيض الأسعار». تستعاد المطالب ذاتها بين تقرير وآخر، حتى بات بالإمكان توقّع ما قد يقوله المواطنون قبل أن يشرعوا بالكلام.

غلبت النبرة الليّنة والخجولة على حديث جميع الضيوف، ليبدو السوريون شعباً منكسراً متعباً. امرأة واحدة فقط أشاحت بوجهها غاضبة وهي تقول: «كلّه مثل بعضه».

لم يختلف المشهد على قناة «سما» الإخبارية التي لقّنت المشاهدين درساً بعنوان «كيف تكون مواطناً مثالياً يحبّ حكومته». أعد مراسلها نبراس مجركش تقريراً من قلب دمشق، يقول فيه أحد المواطنين: «الحكومة السابقة أكيد اشتغلت، والحكومة الجديدة الله يقوّيها لتشتغل أكتر من القديمة». كما لو أنّ تلك الحكومة ليست نفسها من تنهال عليها الشتائم في الشارع وباصات النقل الداخلي، ومواقع التواصل الاجتماعي. لم ينسَ التقرير تذكير المواطن بالوزارات التي طالها التغيير، من دون التطرق للوزارات السيادية، ذات الدور الجوهري في الأزمة، والتي بقيت على حالها.

تعاملت قناتا «سما» و«الإخباريّة» مع الحكومة الجديدة بوصفها «سانتا كلوز»، باعتبارها الجهة القادرة على حل القضايا العالقة، في تجاهل مقصود لتراتبية اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية في سوريا وتأثير التوازنات الدولية الخارجية أو الضغط الذي يمارسه أصحاب رؤوس الأموال. وهو اتجاه تسعى من خلاله وسائل الإعلام الرسميّة السورية لتكريس رسالة مفادها أن «الوزراء ليسوا خطاً أحمر». إذ يمكن لك أن تنقد كيفما شئت، طالما تبقي انتقاداتك عامّة، عائمة في الهواء. وفي الوقت الذي أصرّت فيه القنوات الرسمية على اعتبار تشكيل الحكومة «انتصاراً سياسياً يكمّل انتصارات الميدان»، تجاهلت تماماً الصور المسرّبة عن مقتل 200 جندي سوري في الرقة على يد «داعش»، وغيرها من المؤشرات الخطيرة الأخرى، بالعقليّة ذاتها التي لا تجعلها ترى سوى النصف الملآن من الكأس.

تريد وسائل الإعلام الرسمية من السوريين أن يعتادوها ويتوقفوا عن مطالبتها بتغير آليات عملها، بحيث يكون أسلوب التعاطي مع الحكومة الجديدة، مثالاً آخر لسياسة «العوم على السطح» وتقديم تحليل أحادي الاتجاه لأزمة معقّدة ومركبة كالأزمة السورية. «لشو التغير؟» يسأل الإعلام الرسمي السوري طالما أنه وفي نظره «المستقبل متل الماضي»، و«السميّعة ذاتهن»، متجاهلاً الخطر الحقيقي المتمثل بتراجع شعبيته حتى بين الشريحة التي دأبت على متابعته.

  • فريق ماسة
  • 2014-09-01
  • 13588
  • من الأرشيف

الإعلام السوري يحتفي بالحكومة الجديدة

ربما تكون محض مصادفة أن تنشر صفحة «فايسبوك» الخاصة ببرنامج «الناس والسياسة» على قناة «تلاقي» السورية، رابط أغنية الموسيقي شربل روحانا «لشو التغير» مرفقة بعبارة: «وبيجتمعوا مع ذاتهن حتى يختاروا ذاتهن»، في الصباح الذي تلى إعلان تشكيل الحكومة الجديدة التي ضمت الكثير من الوجوه القديمة. هكذا يكون التوظيف الساخر والذكي للأغنية ـ إن كان مقصوداً ـ الاستثناء الجريء اليتيم في سياق تعاطي القنوات السورية الرسمية والخاصة، مع إعلان الحكومة. أعدّت «الإخبارية» السورية سلسلة تقارير تسأل فيها عما يريد المواطن السوري من الحكومة الجديدة. تتشابه كلّ تلك التقارير عنواناً ومضموناً ليختلف فيها فقط تاريخ البث أو اسم المعدّ. تستطلع المراسلة يارا صالح آراء الناس في شوارع الحسكة، على أنغام أغنية فيروز «احكيلي احكيلي عن بلدي احكيلي». تتكرّر المطالب ذاتها الواردة في تقارير سابقة عرضتها القناة: «الأمن والأمان»، و«القضاء على الإرهابيين»، و«تحسين وضع الخدمات والكهرباء والماء»، و«تخفيض الأسعار». تستعاد المطالب ذاتها بين تقرير وآخر، حتى بات بالإمكان توقّع ما قد يقوله المواطنون قبل أن يشرعوا بالكلام. غلبت النبرة الليّنة والخجولة على حديث جميع الضيوف، ليبدو السوريون شعباً منكسراً متعباً. امرأة واحدة فقط أشاحت بوجهها غاضبة وهي تقول: «كلّه مثل بعضه». لم يختلف المشهد على قناة «سما» الإخبارية التي لقّنت المشاهدين درساً بعنوان «كيف تكون مواطناً مثالياً يحبّ حكومته». أعد مراسلها نبراس مجركش تقريراً من قلب دمشق، يقول فيه أحد المواطنين: «الحكومة السابقة أكيد اشتغلت، والحكومة الجديدة الله يقوّيها لتشتغل أكتر من القديمة». كما لو أنّ تلك الحكومة ليست نفسها من تنهال عليها الشتائم في الشارع وباصات النقل الداخلي، ومواقع التواصل الاجتماعي. لم ينسَ التقرير تذكير المواطن بالوزارات التي طالها التغيير، من دون التطرق للوزارات السيادية، ذات الدور الجوهري في الأزمة، والتي بقيت على حالها. تعاملت قناتا «سما» و«الإخباريّة» مع الحكومة الجديدة بوصفها «سانتا كلوز»، باعتبارها الجهة القادرة على حل القضايا العالقة، في تجاهل مقصود لتراتبية اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية في سوريا وتأثير التوازنات الدولية الخارجية أو الضغط الذي يمارسه أصحاب رؤوس الأموال. وهو اتجاه تسعى من خلاله وسائل الإعلام الرسميّة السورية لتكريس رسالة مفادها أن «الوزراء ليسوا خطاً أحمر». إذ يمكن لك أن تنقد كيفما شئت، طالما تبقي انتقاداتك عامّة، عائمة في الهواء. وفي الوقت الذي أصرّت فيه القنوات الرسمية على اعتبار تشكيل الحكومة «انتصاراً سياسياً يكمّل انتصارات الميدان»، تجاهلت تماماً الصور المسرّبة عن مقتل 200 جندي سوري في الرقة على يد «داعش»، وغيرها من المؤشرات الخطيرة الأخرى، بالعقليّة ذاتها التي لا تجعلها ترى سوى النصف الملآن من الكأس. تريد وسائل الإعلام الرسمية من السوريين أن يعتادوها ويتوقفوا عن مطالبتها بتغير آليات عملها، بحيث يكون أسلوب التعاطي مع الحكومة الجديدة، مثالاً آخر لسياسة «العوم على السطح» وتقديم تحليل أحادي الاتجاه لأزمة معقّدة ومركبة كالأزمة السورية. «لشو التغير؟» يسأل الإعلام الرسمي السوري طالما أنه وفي نظره «المستقبل متل الماضي»، و«السميّعة ذاتهن»، متجاهلاً الخطر الحقيقي المتمثل بتراجع شعبيته حتى بين الشريحة التي دأبت على متابعته.

المصدر : السفير / نور أبوفراج


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة