يعكس زوار دمشق أجواء ترقب جدي للحراك الأميركي - الغربي لإنشاء تحالف دولي لضرب التنظيمات الإرهابية في سوريا، وفي مقدمها تنظيم «داعش».

مسؤولون سوريون يقاربون هذا الأمر كفرصة ذهبية لتشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب، ولانضمام سوريا اليه بوصفها البلد المعني والمعاني من إرهاب «داعش» وأخواته، تمهد تلقائيا الى فك العزلة الدولية عن النظام، وكذلك وقف الحرب العالمية التي تشن على سوريا منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات.

ترى دمشق في توجه الغرب هذا انتصارا للمنطق الذي طالما عبّر عنه الرئيس بشار الاسد بأن سوريا لا تقاتل ثورة شعبية لتحقيق إصلاحات، بل تقاتل الإرهاب التي تجلى في «داعش» و«جبهة النصرة» وسائر المجموعات الإرهابية التي راهن عليها الغرب لضرب النظام وخلخلة بنية الدولة.

يتحدثون في دمشق عن معادلة جديدة فرضها الإرهاب بكل صوره، ولا يستطيع الغرب أن يتجاهلها أو يقفز فوقها، وخلاصتها أن الغرب أصبح في خندق واحد مع بشار الأسد، عدوهما واحد، ويطلقان النار في اتجاه هدف واحد هو «داعش». أي انه تبنى، ولو متأخرا، المنطق السوري. كما تبنى، بصورة غير مباشرة، خيار «حزب الله» بقتال المجموعات الإرهابية في سوريا. والتحق بـ«حزب الله» بعد ثلاث سنوات من مشاركته في الأزمة السورية. وتبعا لذلك ترى دمشق أن هناك فرصة الآن أكثر من ذهبية للقضاء على الوحش الداعشي المتفلت، خاصة أنه بات يشكل خطرا على الأمن الاقليمي والدولي.

تقارب دمشق الكلام الغربي والاميركي في شأن تشكيل التحالف الدولي، بوصفه كلاماً جدياً وليس عابراً، ما يضع هذا التحالف قائما في وقت قريب ولا ترى نفسها خارج هذا التحالف. لكنها تؤكد في المقابل، ان لا رسائل أمنية سورية ـ أميركية في الوقت الحاضر، ولكن هناك من يعتقد «ان تلك الرسائل ستأتي تباعا. وبحسب المنطق السوري، فإنه مهما كابر الغرب ورفع وتيرة اعتراضه ورفضه التنسيق مع سوريا لضرب «داعش» والمجموعات الإرهابية، سيأتي إلينا للتنسيق معنا في نهاية المطاف، وها هو يمهد الى ذلك عبر طرقه علنا الباب الايراني للشراكة في التحالف، وايران تعني سوريا ضمناً.

تراهن دمشق على شراكة روسيا في التحالف، وثمة مشاورات سورية روسية لإشراك الروس في العمليات العسكرية «الجوية» ضد «داعش»، وموسكو أعلنت انها توافق واشنطن على ضرورة مواجهة «داعش» شرط أن يتم ذلك بموافقة الدول المعنية واحترام سيادتها وبمراعاة القانون الدولي. يعتبرون في دمشق الكلام الروسي هذا ترسيم حدود العمليات العسكرية وردعاً روسياً مسبقاً لأي تفكير بأية مغامرة دولية وحرف تلك العمليات عن هدفها المعلن، نحو أهداف اخرى.

تتقاطع أجواء دمشق، مع ما أبلغته الديبلوماسية الاميركية والاوروبية في بيروت وكذلك بعض الملحقين العسكريين، لبعض المراجع السياسية وغير السياسية في لبنان حول حتمية تشكيل التحالف الدولي ضد «داعش» وفي وقت قريب، ولأسباب كثيرة منها:

اولا، الادارة الاميركية مستفزة مما تصفها «الجريمة الجهنمية» التي تجلت بقتل الصحافي الاميركي جيمس فولي، وقد ألزمت نفسها بالحرب على «داعش» عندما أعلن البيت الابيض ان مقتل فولي بمثابة هجوم إرهابي على الولايات المتحدة وانه يبحث تشكيل التحالف الدولي لضرب «داعش». وبالتالي فإن التصريحات الصادرة عن مستويات أميركية مختلفة في إدارة أوباما، وكذلك المقالات والمواقف الصادرة في وسائل الإعلام الاميركية، ليست عبثية هذه المرة، بل هي جزء من التحضير النفسي للرأي العام الاميركي بتوجه إدارة أوباما الى الحرب على هذا التنظيم.

ثانيا، الجيش الاميركي يعيش حالة غضب لا بد لها ان تنفس في مكان ما، في العراق كما في سوريا، وقد استبق الجيش الاميركي تشكيل التحالف ضد الإرهاب بتنفيذ طلعات جوية استطلاعية، خاصة في أجواء سوريا.

ثالثا، المخاوف الدولية من «داعش» جدية وليست عبثية، وهنا يجب التوقف مليا عند التصريحات البريطانية وكذلك الفرنسية بأن خطر هذا التنظيم قد يتبدى في أي لحظة في شوارع لندن وباريس. وكذلك في أية دولة خليجية، وفي مقدمها السعودية. وهنا يجب قراءة أبعاد الانفتاح السعودي الايراني في هذه المرحلة وتتماته اللاحقة.

رابعا، المخاوف الخليجية والدولية من انه كلما تأخر ضرب «داعش»، لا تصعب إمكانية احتوائه فحسب، بل قد يجعله ذلك يتمدد ويتسرّب ويتفشى داخل بعض الدول العربية، والخليجية على وجه الخصوص نظرا لوجود بيئة حاضنة جدية له.

مطلع الاسبوع الحالي التقى أحد المراجع سفير دولة كبرى وسأله: هل الحرب المفترضة على الارهاب في سوريا والعراق محصورة في هذين البلدين فقط أم أنها ستشمل ضرب الارهاب في لبنان، وهل سيشرك لبنان في هذه الحرب؟

أجاب السفير المذكور حرفيا: «المجتمع الدولي معني بتحييد لبنان وباستمرار الاستقرار فيه حتى في ظل الحرب على «داعش»، وبألا يتمدد هذا التنظيم اليه، أما اذا اقتضت الضرورة فعلى الأكيد لن يستثنى لبنان من ان يكون جزءًا من المعركة».

  • فريق ماسة
  • 2014-08-28
  • 10229
  • من الأرشيف

هل تشمل الحرب الدولية على «داعش».. لبنان؟

يعكس زوار دمشق أجواء ترقب جدي للحراك الأميركي - الغربي لإنشاء تحالف دولي لضرب التنظيمات الإرهابية في سوريا، وفي مقدمها تنظيم «داعش». مسؤولون سوريون يقاربون هذا الأمر كفرصة ذهبية لتشكيل تحالف دولي ضد الإرهاب، ولانضمام سوريا اليه بوصفها البلد المعني والمعاني من إرهاب «داعش» وأخواته، تمهد تلقائيا الى فك العزلة الدولية عن النظام، وكذلك وقف الحرب العالمية التي تشن على سوريا منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات. ترى دمشق في توجه الغرب هذا انتصارا للمنطق الذي طالما عبّر عنه الرئيس بشار الاسد بأن سوريا لا تقاتل ثورة شعبية لتحقيق إصلاحات، بل تقاتل الإرهاب التي تجلى في «داعش» و«جبهة النصرة» وسائر المجموعات الإرهابية التي راهن عليها الغرب لضرب النظام وخلخلة بنية الدولة. يتحدثون في دمشق عن معادلة جديدة فرضها الإرهاب بكل صوره، ولا يستطيع الغرب أن يتجاهلها أو يقفز فوقها، وخلاصتها أن الغرب أصبح في خندق واحد مع بشار الأسد، عدوهما واحد، ويطلقان النار في اتجاه هدف واحد هو «داعش». أي انه تبنى، ولو متأخرا، المنطق السوري. كما تبنى، بصورة غير مباشرة، خيار «حزب الله» بقتال المجموعات الإرهابية في سوريا. والتحق بـ«حزب الله» بعد ثلاث سنوات من مشاركته في الأزمة السورية. وتبعا لذلك ترى دمشق أن هناك فرصة الآن أكثر من ذهبية للقضاء على الوحش الداعشي المتفلت، خاصة أنه بات يشكل خطرا على الأمن الاقليمي والدولي. تقارب دمشق الكلام الغربي والاميركي في شأن تشكيل التحالف الدولي، بوصفه كلاماً جدياً وليس عابراً، ما يضع هذا التحالف قائما في وقت قريب ولا ترى نفسها خارج هذا التحالف. لكنها تؤكد في المقابل، ان لا رسائل أمنية سورية ـ أميركية في الوقت الحاضر، ولكن هناك من يعتقد «ان تلك الرسائل ستأتي تباعا. وبحسب المنطق السوري، فإنه مهما كابر الغرب ورفع وتيرة اعتراضه ورفضه التنسيق مع سوريا لضرب «داعش» والمجموعات الإرهابية، سيأتي إلينا للتنسيق معنا في نهاية المطاف، وها هو يمهد الى ذلك عبر طرقه علنا الباب الايراني للشراكة في التحالف، وايران تعني سوريا ضمناً. تراهن دمشق على شراكة روسيا في التحالف، وثمة مشاورات سورية روسية لإشراك الروس في العمليات العسكرية «الجوية» ضد «داعش»، وموسكو أعلنت انها توافق واشنطن على ضرورة مواجهة «داعش» شرط أن يتم ذلك بموافقة الدول المعنية واحترام سيادتها وبمراعاة القانون الدولي. يعتبرون في دمشق الكلام الروسي هذا ترسيم حدود العمليات العسكرية وردعاً روسياً مسبقاً لأي تفكير بأية مغامرة دولية وحرف تلك العمليات عن هدفها المعلن، نحو أهداف اخرى. تتقاطع أجواء دمشق، مع ما أبلغته الديبلوماسية الاميركية والاوروبية في بيروت وكذلك بعض الملحقين العسكريين، لبعض المراجع السياسية وغير السياسية في لبنان حول حتمية تشكيل التحالف الدولي ضد «داعش» وفي وقت قريب، ولأسباب كثيرة منها: اولا، الادارة الاميركية مستفزة مما تصفها «الجريمة الجهنمية» التي تجلت بقتل الصحافي الاميركي جيمس فولي، وقد ألزمت نفسها بالحرب على «داعش» عندما أعلن البيت الابيض ان مقتل فولي بمثابة هجوم إرهابي على الولايات المتحدة وانه يبحث تشكيل التحالف الدولي لضرب «داعش». وبالتالي فإن التصريحات الصادرة عن مستويات أميركية مختلفة في إدارة أوباما، وكذلك المقالات والمواقف الصادرة في وسائل الإعلام الاميركية، ليست عبثية هذه المرة، بل هي جزء من التحضير النفسي للرأي العام الاميركي بتوجه إدارة أوباما الى الحرب على هذا التنظيم. ثانيا، الجيش الاميركي يعيش حالة غضب لا بد لها ان تنفس في مكان ما، في العراق كما في سوريا، وقد استبق الجيش الاميركي تشكيل التحالف ضد الإرهاب بتنفيذ طلعات جوية استطلاعية، خاصة في أجواء سوريا. ثالثا، المخاوف الدولية من «داعش» جدية وليست عبثية، وهنا يجب التوقف مليا عند التصريحات البريطانية وكذلك الفرنسية بأن خطر هذا التنظيم قد يتبدى في أي لحظة في شوارع لندن وباريس. وكذلك في أية دولة خليجية، وفي مقدمها السعودية. وهنا يجب قراءة أبعاد الانفتاح السعودي الايراني في هذه المرحلة وتتماته اللاحقة. رابعا، المخاوف الخليجية والدولية من انه كلما تأخر ضرب «داعش»، لا تصعب إمكانية احتوائه فحسب، بل قد يجعله ذلك يتمدد ويتسرّب ويتفشى داخل بعض الدول العربية، والخليجية على وجه الخصوص نظرا لوجود بيئة حاضنة جدية له. مطلع الاسبوع الحالي التقى أحد المراجع سفير دولة كبرى وسأله: هل الحرب المفترضة على الارهاب في سوريا والعراق محصورة في هذين البلدين فقط أم أنها ستشمل ضرب الارهاب في لبنان، وهل سيشرك لبنان في هذه الحرب؟ أجاب السفير المذكور حرفيا: «المجتمع الدولي معني بتحييد لبنان وباستمرار الاستقرار فيه حتى في ظل الحرب على «داعش»، وبألا يتمدد هذا التنظيم اليه، أما اذا اقتضت الضرورة فعلى الأكيد لن يستثنى لبنان من ان يكون جزءًا من المعركة».

المصدر : نبيل هيثم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة