بدأ البرلمان الأردني في أولى جلسات دورته الاستثنائية، مناقشة مشروع قانون أقرته الحكومة مؤخراً، يتضمن تعديلات على بندين في دستور المملكة، تمنح بموجب إحداهما صلاحيات حصرية للملك بتعيين قائد الجيش، ومدير المخابرات العامة مباشرةً، دون التنسيب من رئيس الوزراء.

تأتي موافقة البرلمان على مناقشة التعديلات وسط تفاوت في وجهات النظر في الأوساط السياسية والنيابية بين مؤيد ومعارض لتلك التعديلات، في بلد نظام الحكم فيه نيابي ملكي، فيما منح البرلمان مناقشة مشروع التعديلات صفة الاستعجال.

وتفاوتت تفسيرات المراقبين لطرح التعديل، بين من رأي أن تلك الخطوة تقلل من أي مخاوف مستقبلية بحدوث خلاف بين الملك والحكومة "البرلمانية" على تلك المناصب، في وقت خطت فيه المملكة نهجاً جديداً نحو تشكيل الحكومات البرلمانية منذ انتخابات 2012، أفضت إلى اختيار رئيس الحكومة الحالية، عبدالله النسور، بالتشاور مع الكتل البرلمانية.

لكن خبراء دستوريون اعتبروا أن الخطوة "غير مسبوقة" في تاريخ الملكيات الدستورية في العالم، منذ 200 سنة، من شأنها مصادرة حق الشعب، باعتباره مصدراً للسلطات، في مساءلة من يتقلد تلك المواقع السيادية، حيث ستضع مطالبات المساءلة لتلك الأجهزة الملك في مواجهة مع الشعب، بينما يعفي الدستور الملك من أي تبعات ومسؤولية.

وقال الخبير الدستوري محمد الحموري، في تصريحات لموقع CNN بالعربية، إن هذه التعديلات المفاجئة "لا تنسجم مع الفكر الدستوري المتعلق بالملكية الدستورية، الذي يرتكز عليه نظام الحكم في الأردن.. وهي تشكل خروجاً عن الملكية الدستورية، وتضعنا أمام ملكية رئاسية."

وأضاف الحموري أن "التغيير هنا يعطي للملك سلطة رئيس جمهورية، أي ملك بصلاحيات رئيس جمهورية، ونكون بذلك هدمنا ركناً بين السلطة والملك أولاً، وثانياً أخللنا بمبدأ سلطة الشعب في المحاسبة.. الملك معفي من كل تبعة ومسؤولية بموجب الدستور، وهذا يعني انهيار النظام البرلماني"، بحسب قوله.

ورأى الحموري، وهو عضو سابق في "اللجنة الوطنية للنزاهة"، أن ما طرحه ليس وجهة نظر شخصية، بل مرتكزات للفكر الدستوري في العالم، مشيراً إلى أن هناك نحو 50 نظاماً برلمانياً في العالم لم يمنح أي منهم رئيس الدولة صلاحيات لتعيين شخصيات في هذه المواقع، وقال إنه حاول إيصال رأيه الدستوري إلى ملك الأردن، إلا أنه أضاف: "هناك طواقم حول الملك، تحجب عنه الصورة."

وأبدت أقلية نيابية احتجاجها على إرسال التعديلات خلال جلسة المناقشة الثلاثاء، مستشهدة بمحاكمة محمد الذهبي، أحد مديري دائرة المخابرات العامة السابق أمام القضاء الأردني نهاية 2012، في قضية متعلقة بالفساد، فيما رأت الأغلبية أن في التعديلات استكمالاً لمسيرة الإصلاحات الدستورية في البلاد بدأت في 2011.

ونقلت وكالة الأنباء الأردنية "بترا" عن رئيس الحكومة عبد الله النسور، مسوغات طرح التعديلات الدستورية، إلى ما قال إنه "لا يوجد أي سبب لهذه التعديلات الدستورية بأي شكل من الأشكال، إلا الرقي بالعملية الديمقراطية، ودفعها خطوة واسعة إلى الأمام."

ويستند مؤيدو التعديلات الدستورية إلى التأكيد على النأي بالقضايا السيادية المتعلقة بالأجهزة الأمنية عن تجاذبات تشكيل الحكومات البرلمانية، التي قد يرافقها تداخل مصالح حزبية وقوى سياسية، بحسب مراقبين.

واشتمل مشروع التعديل على بندين، يتعلق الأول بتوسيع إشراف الهيئة المستقلة للانتخاب على الانتخابات البلدية والعامة إضافة إلى النيابية، فيما عدل البند الثاني المادة 40 من الدستور، لتنص على منح الملك صلاحية تعيين قائد الجيش، ومدير المخابرات.

في المقابل، قال العضو في البرلمان الأردني، المحامي محمود الخرابشة، إن تلك التعديلات "هي إصلاحية أمنية بامتياز"، في ظل الظروف الأمنية والسياسية التي تمر بها المنطقة، خاصةً مع تدخل جيوش عربية في الشؤون السياسية لبلدانها وانهيارها، على حد تعبيره.

وقال الخرابشة لموقع CNN بالعربية: "الملك هو قائد القوات المسلحة البرية والجوية والبحرية، ألا يمكن منح الملك صلاحية تعيين مسؤولي تلك الأجهزة؟.. وللملك أيضاً واجبات بموجب الدستور، كإعلان الحرب وإلغاء المعاهدات.. أيهما أخطر؟.. أن ننيط بالملك تعيين الحكومة ورئيسها، أم تعيين قائد الجيش تعييناً فقط."

ورأى الخرابشة أن منح الملك صلاحيات التعيين لتلك الأجهزة، لا يعني أن التبعية ستكون للملك، وأن إنشاء وزارة الدفاع بموجب نظام جديد، وتعيين وزير فيها، يعني خضوعها إلى الرقابة البرلمانية، وأوضح قائلاً: "هناك قانون سيوضح الواجبات والصلاحيات لتلك الأجهزة، سواء وزارة الدفاع، أو دائرة المخابرات.. هذه خطوة إصلاحية من شأنها تحصين قوات المسلحة وإبعادها عن شبح المناكفات السياسية، والملك بموجب الدستور هو الضامن لأمن واستقرار الوطن."

وبين الخرابشة أن إقرار التعديلات الدستورية، التي استأذن فيها النسور الملك، بعد رسالة ملكية دعا فيها الحكومة لتفعيل وزارة الدفاع، التي سينشأ لها هيكل تنظيمي (مناطة برئيس الوزراء)، سيتبعها تعديلات على قوانين المخابرات والقوات المسلحة.

وقال: "رئيس المخابرات ووزير الدفاع لن يكونا محصنين.. عملياً وزير الدفاع يمارس صلاحياته، والمخابرات تتبع لرئيس الوزراء، والقوات المسلحة تتبع لوزارة الدفاع.. وهناك عدة سيناريوهات لتعديل القوانين."

ولفت الخرابشة، إلى أن تلك الخطوات من شأنها أن تنأى بجهاز القوات المسلحة بعيداً عن ما قال عنه "شبهات فساد، لحقت بعدد من المؤسسات التي تتبع لها، كالمؤسسة العسكرية، والمؤسسة العامة للإسكان، وما لحقها من أحاديث عن قضايا فساد"، على حد تعبيره.

 

  • فريق ماسة
  • 2014-08-19
  • 8483
  • من الأرشيف

البرلمان الأردني يشرع بمناقشة تعديلات دستورية توسع صلاحيات الملك

  بدأ البرلمان الأردني في أولى جلسات دورته الاستثنائية، مناقشة مشروع قانون أقرته الحكومة مؤخراً، يتضمن تعديلات على بندين في دستور المملكة، تمنح بموجب إحداهما صلاحيات حصرية للملك بتعيين قائد الجيش، ومدير المخابرات العامة مباشرةً، دون التنسيب من رئيس الوزراء. تأتي موافقة البرلمان على مناقشة التعديلات وسط تفاوت في وجهات النظر في الأوساط السياسية والنيابية بين مؤيد ومعارض لتلك التعديلات، في بلد نظام الحكم فيه نيابي ملكي، فيما منح البرلمان مناقشة مشروع التعديلات صفة الاستعجال. وتفاوتت تفسيرات المراقبين لطرح التعديل، بين من رأي أن تلك الخطوة تقلل من أي مخاوف مستقبلية بحدوث خلاف بين الملك والحكومة "البرلمانية" على تلك المناصب، في وقت خطت فيه المملكة نهجاً جديداً نحو تشكيل الحكومات البرلمانية منذ انتخابات 2012، أفضت إلى اختيار رئيس الحكومة الحالية، عبدالله النسور، بالتشاور مع الكتل البرلمانية. لكن خبراء دستوريون اعتبروا أن الخطوة "غير مسبوقة" في تاريخ الملكيات الدستورية في العالم، منذ 200 سنة، من شأنها مصادرة حق الشعب، باعتباره مصدراً للسلطات، في مساءلة من يتقلد تلك المواقع السيادية، حيث ستضع مطالبات المساءلة لتلك الأجهزة الملك في مواجهة مع الشعب، بينما يعفي الدستور الملك من أي تبعات ومسؤولية. وقال الخبير الدستوري محمد الحموري، في تصريحات لموقع CNN بالعربية، إن هذه التعديلات المفاجئة "لا تنسجم مع الفكر الدستوري المتعلق بالملكية الدستورية، الذي يرتكز عليه نظام الحكم في الأردن.. وهي تشكل خروجاً عن الملكية الدستورية، وتضعنا أمام ملكية رئاسية." وأضاف الحموري أن "التغيير هنا يعطي للملك سلطة رئيس جمهورية، أي ملك بصلاحيات رئيس جمهورية، ونكون بذلك هدمنا ركناً بين السلطة والملك أولاً، وثانياً أخللنا بمبدأ سلطة الشعب في المحاسبة.. الملك معفي من كل تبعة ومسؤولية بموجب الدستور، وهذا يعني انهيار النظام البرلماني"، بحسب قوله. ورأى الحموري، وهو عضو سابق في "اللجنة الوطنية للنزاهة"، أن ما طرحه ليس وجهة نظر شخصية، بل مرتكزات للفكر الدستوري في العالم، مشيراً إلى أن هناك نحو 50 نظاماً برلمانياً في العالم لم يمنح أي منهم رئيس الدولة صلاحيات لتعيين شخصيات في هذه المواقع، وقال إنه حاول إيصال رأيه الدستوري إلى ملك الأردن، إلا أنه أضاف: "هناك طواقم حول الملك، تحجب عنه الصورة." وأبدت أقلية نيابية احتجاجها على إرسال التعديلات خلال جلسة المناقشة الثلاثاء، مستشهدة بمحاكمة محمد الذهبي، أحد مديري دائرة المخابرات العامة السابق أمام القضاء الأردني نهاية 2012، في قضية متعلقة بالفساد، فيما رأت الأغلبية أن في التعديلات استكمالاً لمسيرة الإصلاحات الدستورية في البلاد بدأت في 2011. ونقلت وكالة الأنباء الأردنية "بترا" عن رئيس الحكومة عبد الله النسور، مسوغات طرح التعديلات الدستورية، إلى ما قال إنه "لا يوجد أي سبب لهذه التعديلات الدستورية بأي شكل من الأشكال، إلا الرقي بالعملية الديمقراطية، ودفعها خطوة واسعة إلى الأمام." ويستند مؤيدو التعديلات الدستورية إلى التأكيد على النأي بالقضايا السيادية المتعلقة بالأجهزة الأمنية عن تجاذبات تشكيل الحكومات البرلمانية، التي قد يرافقها تداخل مصالح حزبية وقوى سياسية، بحسب مراقبين. واشتمل مشروع التعديل على بندين، يتعلق الأول بتوسيع إشراف الهيئة المستقلة للانتخاب على الانتخابات البلدية والعامة إضافة إلى النيابية، فيما عدل البند الثاني المادة 40 من الدستور، لتنص على منح الملك صلاحية تعيين قائد الجيش، ومدير المخابرات. في المقابل، قال العضو في البرلمان الأردني، المحامي محمود الخرابشة، إن تلك التعديلات "هي إصلاحية أمنية بامتياز"، في ظل الظروف الأمنية والسياسية التي تمر بها المنطقة، خاصةً مع تدخل جيوش عربية في الشؤون السياسية لبلدانها وانهيارها، على حد تعبيره. وقال الخرابشة لموقع CNN بالعربية: "الملك هو قائد القوات المسلحة البرية والجوية والبحرية، ألا يمكن منح الملك صلاحية تعيين مسؤولي تلك الأجهزة؟.. وللملك أيضاً واجبات بموجب الدستور، كإعلان الحرب وإلغاء المعاهدات.. أيهما أخطر؟.. أن ننيط بالملك تعيين الحكومة ورئيسها، أم تعيين قائد الجيش تعييناً فقط." ورأى الخرابشة أن منح الملك صلاحيات التعيين لتلك الأجهزة، لا يعني أن التبعية ستكون للملك، وأن إنشاء وزارة الدفاع بموجب نظام جديد، وتعيين وزير فيها، يعني خضوعها إلى الرقابة البرلمانية، وأوضح قائلاً: "هناك قانون سيوضح الواجبات والصلاحيات لتلك الأجهزة، سواء وزارة الدفاع، أو دائرة المخابرات.. هذه خطوة إصلاحية من شأنها تحصين قوات المسلحة وإبعادها عن شبح المناكفات السياسية، والملك بموجب الدستور هو الضامن لأمن واستقرار الوطن." وبين الخرابشة أن إقرار التعديلات الدستورية، التي استأذن فيها النسور الملك، بعد رسالة ملكية دعا فيها الحكومة لتفعيل وزارة الدفاع، التي سينشأ لها هيكل تنظيمي (مناطة برئيس الوزراء)، سيتبعها تعديلات على قوانين المخابرات والقوات المسلحة. وقال: "رئيس المخابرات ووزير الدفاع لن يكونا محصنين.. عملياً وزير الدفاع يمارس صلاحياته، والمخابرات تتبع لرئيس الوزراء، والقوات المسلحة تتبع لوزارة الدفاع.. وهناك عدة سيناريوهات لتعديل القوانين." ولفت الخرابشة، إلى أن تلك الخطوات من شأنها أن تنأى بجهاز القوات المسلحة بعيداً عن ما قال عنه "شبهات فساد، لحقت بعدد من المؤسسات التي تتبع لها، كالمؤسسة العسكرية، والمؤسسة العامة للإسكان، وما لحقها من أحاديث عن قضايا فساد"، على حد تعبيره.  

المصدر : الماسة السورية/(CNN)


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة