دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تحالف دولي إقليمي لمحاربة تنظيم "داعش" بدأت ملامحه العريضة تنضج. ولادة هذا التحالف أظهرته أكثر تماسكاً حتى من ذاك الذي قاد إلى التدخل العسكري في ليبيا. بدا ذلك واضحاً في إجماع أوروبي، نادر تقريباً، على دعم تسليح أكراد العراق. لكن هذا الإجماع لم يكن "على بياض"، والشرط الأساسي ألا يتم تجاوز حكومة بغداد.
هذه الخلاصات خرج بها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، بعد اجتماع طارئ عقدوه يوم الجمعة الماضي، وكان ملفّ أزمة العراق على رأس أولوياته.
في بيانهم الذي يوضح موقفهم المشترك، رحّب الأوروبيون بالدعم العسكري الذي بدأت بعض دولهم تقدّمه لحكومة أربيل، مؤكدين أن الاستجابة إلى حاجات هذا الإقليم في مواجهته تهديد "داعش" يجب أن تتم "بموافقة السلطات الوطنية العراقية".
ورداً على سؤال لـ"السفير" في هذا السياق، قال وزير الخارجية البلجيكي ديديه ريندرز: "أنا متأكد أنه من الممكن تقديم دعم عسكري لكن عبر الحكومة في بغداد وليس عبر دول أخرى في المنطقة"، مشدداً على أن "القضية الأولى هي أن نتعاون جميعاً مع حكومة بغداد".
نظيره الاسباني جوزيه غارسيا مارغالو أبدى تشدداً كبيراً تجاه هذا الشرط. ردّد بلهجة حازمة أن "اسبانيا تصرّ بشدة أنه (تدفق الأسلحة) يجب أن يتم عبر بغداد".
يخفي ذلك مخاوف نقلها للصحافيين ديبلوماسيون اطلعوا على مداولات وزراء الخارجية. أبرزها الخشية من أن يهدد تدفق الأسلحة على أربيل وحدة العراق، ويشجع القيادة هناك أكثر على مساعيها الانفصالية. البيان المشترك تصدره إعلان الاتحاد الأوروبي "الالتزام بسيادة العراق ووحدة أراضيه".
لكن كل هذا لا يمنع أن الإجماع الأوروبي أعطى ضوءاً أخضر لا لبس فيه، للدعم العسكري كيفما اختارته الدول الأوروبية. إجماع كهذا لطالما كان متعذّراً كلما تعلق بتدخل عسكري أو تسليح، خصوصاً مع توجيهات أوروبية تحظر توريد الأسلحة إلى مناطق النزاع.
التغير الأبرز ظهر في موقف ألمانيا. لم تعد ممانعة ولا مترددة، كما كانت حيال التدخل العسكري الدولي في ليبيا العام 2011. وقتها دافعت برلين عن موقفها بإصرار، بعدما امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن على قرار الحظر الجوي فوق ليبيا، رغم تضمينه عبارة "فعل كل ما يلزم لحماية المدنيين" التي استخدمت لتبرير التدخل.
وزير الخارجية الألماني فرانك والتر شتاينماير قال يوم الجمعة الماضي، إن بلاده لا تزال تدرس إمكانية تقديم دعم عسكري، وهو ما كرره أمام القيادات العراقية والكردية، خلال زيارته إلى بغداد وأربيل أمس الأول.
الأوروبيون وضعوا أنفسهم طرفاً في الحرب الدائرة في العراق، وأعلن وزراء الخارجية أن الاتحاد الأوروبي "يقرّ بالمسؤولية الدولية والأوروبية للتعاون مع العراق في قتالنا المشترك ضد الإرهاب".
صاحب الإجماع الأوروبي التحذير البريطاني والفرنسي من "التهديد" الذي يشكله "داعش" على الأمن الداخلي الأوروبي. رفع آخرون عناوين إنسانية كبرى. فخلال السنوات الماضية كرر وزير خارجية لوكسمبورغ جون أسلبورن مواقف معارضة لسياسة التدخل العسكري. لكنه جاء هذه المرة مع عبارات منتقاة، مبرراً موقفه الداعم لتقديم الانخراط العسكري في حالة العراق.
ورداً على سؤال لـ"السفير"، قال أسلبورن: "إنه ليس قتالاً بين السنة والشيعة. إنه قتال دفاعاً عن شرف الإسلام ومن أجل العالم العربي كله. لذلك فكل تحالف يتشكل لدعم العراق، إنسانياً وعسكرياً، هو تحالف يدافع عن شرف الحياة".
قصة إنشاء تحالف دولي لدعم العراق انطلقت مع الإعلان عن الاجتماع الأوروبي الطارئ. نقل مسؤول أوروبي رفيع المستوى للمراسلين في بروكسل أن الفكرة التي يناقشها الأوروبيون هي توفير مظلة دولية لحرب "داعش"، تضم إليها دول المنطقة مثل إيران والسعودية، وتمتد إلى لبنان والأردن.
حينما سألت "السفير" وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند عن ذلك، أكد العمل على إنشاء التحالف، لكنه لفت إلى خطوة تسبقه. اعتبر أن "الشيء الأول هو عمل السيد (حيدر) العبادي على تشكيل حكومة شاملة تمثل جميع العراقيين"، قبل أن يضيف "وأنا واثق أنك سترى المجتمع الدولي يوحد جهوده لدعم هذه الحكومة الشاملة في صدّ التهديد الخطير الذي يواجه العراق من داعش".
طبيعة التحرك العسكري الدولي تجاه العراق وحدوده، لم تتضح تماماً. ليس معروفاً بعد إن كان الأمر سيتوقف على تدفق الأسلحة إلى أربيل وبغداد، أم ستلحق دول أوروبية بواشنطن لتنفيذ ضربات عسكرية.
لكن بعدما تبنّى مجلس الأمن قراراً دولياً ضد "داعش" و"النصرة"، قال ممثل بريطانيا إن تبني القرار الذي اقترحته بلاده "هو فقط الخطوة الأولى" في هذه المواجهة.
ديبلوماسي أوروبي واسع الإطلاع أكد لـ"السفير" أن العمل جار لبلورة التحالف الدولي لحرب "داعش"، موضحاً أن "هناك اتصالات قائمة مع الدول التي يعنيها استقرار العراق لتشكيل هذه المجموعة الدولية".
الاتحاد الأوروبي أورد إشارة لهذا التحالف في البيان المشترك، وقال إنه "يدعو الدول المجاورة للعراق والشركاء الآخرين لزيادة التعاون وتطوير إجراءات ملموسة لتسهيل حل طويل الأمد للأزمة الراهنة ومحاربة التهديد الإرهابي المشترك والحفاظ على عراق موحّد وديموقراطي".
لا يُخفي الديبلوماسي الأوروبي أن إيقاف تهديد "داعش" يغدو أكثر صعوبة إذا لم يستهدف وجوده في سوريا أيضاً. مع ذلك، يشدّد على أن هناك "نهجين منفصلين لدينا تجاه أزمتي سوريا والعراق، برغم أن "داعش" عامل مشترك بينهما".
بكلمات أخرى، العداوة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، والعمل على إطاحته، لا يزالان عنواناً رئيساً للسياسة الخارجية الأوروبية، مدفوعة بالموقف الفرنسي والبريطاني بشكل أساسي. هناك حرص واضح على تأكيد أن محاربة "داعش" لم تغيّر هذا الموقف.
في هذا السياق، تحدث ديبلوماسي كردي، يمثل حكومة أربيل لـ"السفير" عن التعقيد الذي يواجههم في قتال "داعش"، بسبب حركة الإمداد المفتوحة عبر الحدود السورية، مقراً بـ"صعوبة احتواء تهديد داعش من دون مواجهته في سوريا والعراق معاً".
مع ذلك، لفت الديبلوماسي الكردي إلى أن تجنّب قصف "داعش" في سوريا يأتي "لأن الغرب سيبدو وكأنه يدعم الأسد. في حال قصفوا فعلاً، فمَن سيستفيد؟ إما النصرة أو الأسد، وهم لا يريدون الخيارين".
في الوقت نفسه، لا يبدو الممثل الكردي متفائلاً تجاه ضمّ دول الجوار إلى تحالف دولي ضد "داعش". يؤكد أن "الصراع بين السعودية وإيران، والمواجهة القائمة بينهما في سوريا، يجعل من الصعب دخولهما في تحالف حول العراق الذي صار تحت النفوذ الإيراني منذ تركه الأميركيون"، قبل أن يضيف بلهجة محبطة "لو أن الأمر انتهى في سوريا لما كنا رأينا أبداً ما يحصل لنا الآن في العراق".
إبعاد إيران عن التحالف الدولي ضد "داعش"، مسألة حذر من عواقبها وزير الخارجية الألماني.
في مؤتمره الصحافي في بروكسل، تحدث شتاينماير عن دور طهران في تنحّي نوري المالكي وتكليف حيدر العبادي، مشدداً على أن موقفه كان دائماً لمصلحة إشراكها.
في مقاربة معبرة، استعاد شتاينماير فشل مؤتمر مونترو، أو "جنيف 2" السوري، في وقت كان يطالب هو بوجود طهران على الطاولة. كل ذلك قبل أن يخلص الوزير المحنك إلى أنه "عندما تتعقد الأمور وتصعب، لا يمكن الحصول على نتائج من دون إشراك دول الجوار".
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة