دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
■ الى أي مدى فاجأتكم غزة 2014، وخصوصاً أن موقف الحزب كان متريثاً في الأيام الأولى، على صعيد الموقف وعلى صعيد السلوك الإعلامي. هل كانت هناك خشية من أن المقاومة تستدرج إلى فخ؟
هل كان المسار الفلسطيني متوقعاً؟ لا، لكنه لم يكن أيضاً مفاجئاً. المفاجئ ما يكون خلاف السياقات. الواضح ان الاسرائيلي، لا المقاومة، هو من دفع الأمور في هذا الاتجاه منذ خطف المستوطنين الثلاثة.
الطريقة التي تعاطى بها الاسرائيلي ليست طريقة من يفتش عن مخطوفين. بحجة البحث عن المستوطنين الثلاثة، فعل كل ما يستطيع فعله في الضفة الغربية، بمسح حماس والجهاد والجبهة الشعبية، وكل ما يتصل ببنية المقاومة. تطورت الأمور من مستوى الى مستوى، وأنا أميل الى أن ما حصل هو تدحرج، لأن الاسرائيلي تدحرج والمقاومة تدحرجت. بمعنى أنه ما من أحد خطط للحرب. البعض، للأسف، اتهموا المقاومة بأنها ذهبت إلى الحرب لكي تحيي دورها السياسي أو لإحياء المحور التركي والقطري والإخواني. أنا لا أرى ذلك.
في المقابل، الإسرائيلي الذي يراقب تطورات المنطقة وتحولاتها ليس مستعجلاً على الحرب، لكن عندما تتدحرج تصبح هناك فرصة وتهديد. الإسرائيلي هنا يود الاستفادة من الفرصة، والمقاومة تواجه هذا التهديد، وتحاول أن تحوّله إلى فرصة. هكذا نفهم ما جرى. الطرف الإسرائيلي رأى أنه طالما ذهبنا إلى المواجهة فهذه فرصة، وخصوصاً أن غزة محاصرة، والعالم العربي ممزق، والوضعين الإقليمي والدولي في مزاج آخر، وكذلك اهتمامات الشعوب العربية. في الأيام الأولى، ضرب العدو كل الأهداف التي لديه معلومات عنها، ومع ذلك استمرت الصواريخ تطلق من قطاع غزة. لذلك وجد نفسه أمام مشكلة كبيرة.
أما المقاومة، وطالما أن الحرب فرضت عليها، فهذه فرصتها لرفع الحصار. لذلك واضح ان المقاومة لا تبحث عن نصر معنوي أو عن مخرج يحفظ ماء الوجه، وإنما عن انجاز حقيقي هو رفع الحصار، ولو كان مكلفاً. وهذه نقطة قوة للمقاومة، أولاً لأن هذه إرادة كل فصائل المقاومة في غزة. وثانياً لأن هناك إرادة شعبية حقيقية في موضوع رفع الحصار.
ربما يختلف الناس مع حماس على إدارة القطاع، وعلى السلطة والحكومة، وقد تتباين الفصائل في ما يتعلق بالموقف من الأحداث الإقليمية، لكن في موضوع رفع الحصار، هذا مطلب شعبي جماهيري غزاوي إجماعي.
هذا فهمنا لطبيعة المعركة. لذلك عندما عرض في البداية وقف إطلاق نار او تهدئة في مقابل تهدئة، كان إجماع الفصائل على أنه لا يمكن ان نناقش ذلك من دون تحقيق انجاز رفع الحصار. منذ بداية المعركة، هذا كان هدف المقاومة. الإسرائيلي، في تقديري، «علق»، وهو حاول كثيراً ان يستفيد من أضرار حرب تموز. منذ بداية حرب غزة كانت حرب لبنان الثانية حاضرة في الإعلام الإسرائيلي.
■ هل توافق على أن أهداف العدو كانت متواضعة؟
هذه من عبر تموز. الإسرائيلي حاول ان يستفيد من العبر، لكنه «علق» في المشكل، ولذلك لم يحدد هدفاً. تابعت الحرب منذ بدايتها. ليس واضحاً لديّ ما هو الهدف، ولا يوجد كلام رسمي نهائي. أحدهم يتحدث عن إسقاط نظام حماس، وآخر عن نزع سلاح المقاومة، أو وقف الصواريخ، أو منع دخول الصواريخ أو تصنيعها، أو تدمير الأنفاق. حتى موضوع الأسيرين يتجاهلونه ما أمكن، لأنهم يعرفون انه لا يمكن استعادتهما من دون تفاوض ومن دون ثمن، ولن يصلوا اليهما بالضغط السياسي أو العسكري. الاسرائيلي في مأزق، وربما كان تقديره ان المقاومة لا تملك إرادة الصمود، وأن الناس لن يتحملوا هذا الحجم من التضحيات. وأعتقد ان العدو كان يراهن، كما راهن شيمون بيريز في حرب عناقيد الغضب عام 1996، على نفاد مخزون صواريخ المقاومة، وعندها يقول إنه أوقف اطلاق الصواريخ من دون أن يعطي مكسباً للفلسطينيين، لكن هذه الحسابات كلها «ما ظبطت».
■ هل تبلّغتم من الفلسطينيين طلباً بالتدخل المباشر؟
الأخ موسى (أبو مرزوق) تحدث في هذا الموضوع. لم يتحدث أحد معنا من بقية الفصائل، وأعتقد أن الكل يتفهم.
■ هل يعبّر كلامه عن موقف حماس الحقيقي؟
اذا كان هذا مطلباً جدياً فإنه يناقش ضمن الدوائر المغلقة لا في وسائل الإعلام. خطوط الاتصال بيننا وبين حماس لم تنقطع في يوم من الأيام، حتى في الفترة التي قيل فيها عن تراجع العلاقة. خطوط الاتصال قائمة والتواصل دائم. كان يمكنه هو أو أحد قيادات حماس ان يطلب مناقشة الأمر، أما طرحه في الإعلام، ففي رأيي يثير تساؤلات ولم أجده مناسباً. لا أريد أن أحلّل، والأصل هو حسن النية والتفهم. ربما رأى ان الظروف صعبة قليلا فطرح الفكرة، لكن موضوعاً بهذه الأهمية والخطورة لا نتخاطب به عبر وسائل الإعلام. ولذلك لم نعقّب على الطلب إعلامياً لأن هذا الأمر يناقش في ما بيننا، وما إذا كانت هناك مصلحة أم لا.
■ هل تواصلتم مع حماس في هذا الشأن؟
لا.
■ لم تراجعوهم في الأمر؟
هناك تواصل مستمر، لكن لا نحن تحدثنا في الأمر ولا هم.
■ في رأيكم كم أخّرت حرب غزة الحرب الإسرائيلية المقبلة على لبنان؟
يمكنني القول إنها أخّرت، لكن لا يمكنني أن أقول كثيراً أو قليلاً، لأنه ليس واضحاً ضمن أي ظروف أو معطيات يمكن الإسرائيلي ان يشن حرباً لو أراد ذلك. الإسرائيليون بعد حرب تموز والعبر التي استخلصوها يفترضون أن أي حرب مقبلة يجب أن تؤدي إلى نصر سريع وحاسم وبيّن. في حرب تموز الكل قال ان إسرائيل هزمت، لكن قد يخرج من يدعي غير ذلك، كما حصل أخيراً عندما قال البعض انهم اكتشفوا الآن انهم انتصروا لأن جبهة جنوب لبنان لم تفتح، علماً أن هذه الجبهة لم تفتح لا في الانتفاضة بعد عام 2000 ولا أثناء عملية السور الواقي او في 2008 او حرب الأيام الثمانية.
اشترط الاسرائيليون بعد تموز لأي حرب في لبنان أن يكون النصر، أولاً، سريعاً لا يستغرق وقتاً، ولا تتحول الحرب استنزافاً وقصفاً للمدن، وثانياً، أن يكون حاسماً لا محدوداً او مؤقتاً، وأن يحقق كل الأهداف لا أهدافاً متواضعة، وثالثاً أن يكون واضحاً لا نقاش فيه. من الأسباب المهمة لذلك هو تقديرهم أن اي حرب مقبلة ستكون أصعب بكثير من حيث استهدافاتها، ومن حيث قدرات المقاومة وإمكاناتها الصاروخية وفي المجالات المختلفة. العدو لا يحتمل حرب استنزاف، ونراه حالياً «مضغوطاً»، مع أن عدد الصواريخ الذي يطلق من غزة على تل أبيب وغيرها محدود جداً. هو يتحدث عن فعالية القبة الحديدية، لكن هذا فيه نقاش، لأن القبة الحديدية قد تتمكن من اسقاط عدد محدود من الصواريخ، لكنها ستواجه مشكلة حقيقية في وجه عدد كبير من الصواريخ.
عمل العدو على الاستفادة من عبر تموز تدريباً وتجهيزاً وذهب ليطبّق ذلك في غزة، مفترضاً انه عالج كل الثغر، فضلا عن امتلاكه إحاطة معلوماتية هائلة بأوضاع غزة. برغم ذلك نجد أنه فشل، وهو من يقول ذلك لا نحن. لذلك، عندما يفشل في مواجهة غزة المحاصرة وإمكاناتها المعروفة، فبالتأكيد يجب أن تكثر حساباته. أعتقد أن الموضوع يختلف ما بعد حرب غزة عما كان عليه قبلها.
■ ما نصيحتك للمقاومة وللشعب الفلسطيني في غزة؟
هذه قناعتهم وإرادتهم وثقافتهم. عندما يوضع الإنسان بين خيارين: إما ان يستسلم أو الحرب، فلا خيار بين السلة والذلة. ثقافة المقاومة وخيار المقاومة تناميا لدى الشعب الفلسطيني لأنه لا أفق آخر له. جرب المفاوضات، وانتظر الوضعين الإقليمي والدولي بما يكفي، بل مرت، في ما يتعلق بمصر، فرصة ذهبية بالنسبة إلى قطاع غزة وإلى مجمل القضية الفلسطينية، ولكنها سرعان ما ضاعت. من يعش في غزة فما هي الخيارات لديه؟ أن يقاوم، أو أن يستسلم للشروط الإسرائيلية، أو أن يرمي بنفسه في البحر، أو يهاجر وينضم إلى مخيمات اللاجئين. أعتقد، بعد كل هذه التجارب، أنه ليس أمام الفلسطينيين غير الخيار الذي يتبعونه اليوم. اللاخيار، هنا، بمعنى انه إذا كان الانسان حريصاً على كرامته وعلى بقائه وعلى وجوده يلجأ إلى هذا، وإلا فإن هناك ناساً يستسلمون. أهل غزة أخذوا قرارهم بعدم الاستسلام، وبتحمّل تبعات هذا الموقف ولو كان مكلفاً، ولديهم ثقة بالمقاومة وبأن طريق المقاومة قد يوصل إلى نتيجة. المنطق والعقل ــــ لا الشعارات ــــ يقولان إن عليهم أن يقاتلوا .
■ واضح اننا امام مشكلة بين محور المقاومة والقيادة المصرية. المسألة لا تخص حماس وحدها. كيف تتعاملون مع موقف حكومة السيسي من ملف العدوان على غزة، والضغط على المقاومة؟
أريد أن أستعير كلام احد قادة المقاومة الفلسطينية بأن مشكلة غزة الان أنها بين مشكلتين: مشكلة ثقة مع الاسرائيلي، وهي مشكلة اساسية وجوهرية، وبين أنها اصبحت واقعة بين محورين قطري ــــ تركي، ومصري ــــ سعودي ـــ إماراتي. هذا الانقسام اسبابه مفهومة ومعروفة، لكنه للاسف الشديد انقسام حاد وقاس، في الوقت الذي يجب فيه تجاوز هذا الانقسام بشكل او آخر. نحن، مثلاً، بالتشاور مع الاخوان في الفصائل الفلسطينية ومع الاخوة الايرانيين، اقترحت على الايرانيين أن يتصلوا بالاتراك والقطريين والمصريين، وبالسعوديين ولو عبر الامارات أو عُمان. بالنسبة الى محور المقاومة، لسنا معنيين بتسجيل نقاط أو بتوظيف حركة مقاومة في حسابات داخلية او اقليمية. هناك هدف أساس هو وقف الحرب على غزة ورفع الحصار. في أوقات الاشتباك، الأولوية هي ان يحكي الناس مع بعضهم بعضاً، لكن في غمرة الاحداث، كان الموقف المصري، مثلاً، صعباً، فيما شنّ رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان هجوماً شخصياً على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. حتى القطريون، ومن خلال «الجزيرة»، كان موقفهم سلبياً من مصر، إذا كنت تريد مساعدة غزة فإنه يجب ان تحكي مع مصر، والفلسطينيون انفسهم يقولون إن أي حل أو تسوية غير ممكنة بمعزل عن مصر.
هذا يتطلب من هذين المحورين اللذين تقع غزة بينهما بشكل او آخر أن تتقدم اولوية غزة على كل النقاشات والصراعات الاخرى، وهو ما لم يحصل حتى الآن في الشكل المناسب.
■ كيف ترون علاقتكم بحركة حماس في المرحلة المقبلة، ليس فقط كحزب، بل ايرانياً وسورياً، وخصوصاً بعد حرب غزة؟
حتى قبل حرب غزة. نحن اختلفنا على مقاربة الحدث السوري، ولكن لم تنقطع الاتصالات واللقاءات. كل شيء بقي طبيعياً جداً.
■ والدعم ؟
بطبيعة الحال كل وضعنا تأثر نتيجة احداث سوريا والعراق والمنطقة. في الموضوع السوري، في كل اللقاءات التي كانت تعقد بيننا كانت الدعوة هي الى أن نتفهم موقفهم وأن يتفهموا موقفنا، وان كنا على خلاف في تقويم ما جرى. دارت نقاشات كبيرة بيننا حول هذا الموضوع. طبعا موضوع غزة يعيد هذا المسار الى أولوياته لكي نتواصل ونتعاون اكثر. وبالتأكيد سيكون لذلك تأثير دافع في العلاقة بين حزب الله وحماس، وبين حماس والجمهورية الاسلامية. موضوع سوريا مختلف ومعقد، ويحتاج الى وقت، وهو رهن التطورات الاقليمية، وليس له أفق في المدى المنظور.
■ سندخل الى القدس؟
لدي يقين بذلك.
■ هناك مزاج شعبي يسأل اليوم: ما هي علاقتنا بفلسطين، ولماذا يجب علينا أن نحرر القدس؟
أخطر المشاكل التي نواجهها الآن، سواء في المزاج اللبناني، أو في المزاج العربي، أن نصل إلى وقت تعتبر فيه شعوب المنطقة وجود إسرائيل طبيعياً، وأنها لا تمثل تهديداً للمنطقة ولا لشعوب المنطقة، وأن إسرائيل ـ إذا كانت مشكلة ـ فهي مشكلة للشعب الفلسطيني فقط، لا لكل شعوب المنطقة، وهذا الكلام مرتبط بالسياسة وبالأمن وبالاقتصاد. إسرائيل أولاً هي كيان غير شرعي وهي تهديد للمنطقة وهي تهديد دائم لكل المنطقة، ولا يمكن التعايش مع هذا التهديد، ولذلك يجب أن يكون الهدف النهائي لهذه الأمة هو إزالتها من الوجود، بمعزل عن كل المشاكل والحساسيات، وعن كل ما حصل أو يمكن أن يحصل بين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، بين الشيعة والسنة، بين المسلمين والمسيحيين. كل النزاعات والحساسيات والخلافات والصراعات، لا يجوز أن تسقط ثقافة أن إسرائيل غدة سرطانية، وهي شر مطلق، وخطر على كل شعوب وحكومات هذه المنطقة، وعلى كرامتها ومقدساتها، وبالتالي الهدف النهائي يجب أن يكون إزالتها.
هم يريدون إيصالنا إلى هذه النقطة، وهناك مراحل ينجحون فيها، ونحن يجب ألّا نصل إليها. طبعاً، هذا إذا تحدثنا بالسياسة والاقتصاد والأمن والعسكر والبيئة وما إلى هنالك، ولكن إذا تحدثنا من منطلق عقائدي فهذا موضوع لا يمكن أن يُقارب النقاش فيه على الإطلاق. في الموضوع العقائدي تضيق المساحة الشعبية التي تتأثر بالمزاج وبالعواطف، حيث يؤكد الناس أن لديهم موقفاً عقائدياً من موضوع إسرائيل، وهو موقف لا علاقة له بما إذا كنا متصالحين مع الفلسطينيين أو مختلفين معهم.
وبالتالي صلة حزب الله بالصراع مع العدو الاسرائيلي، وحتى بالوقائع الميدانية داخل فلسطين، لا نقاش فيها.
المصدر :
الأخبار/ابراهيم الأمين, وفيق قانصوه, حسن عليق, مهى زراقط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة