بعد تهجير المسيحيين من الموصل. سيناريو التهجير، الجزية، أو القتل يلوح فوق الحسكة «المسيحية السورية».

المغول افتتحوا موسم التهجير الأول في العام 1401 بوصول جيوش تيمورلنك إلى دير تل تنينير القريب من مدينة الحسكة. والتل يُعدّ أحد أهم المعالم والشواهد على حيوية السريانية وتجذرها في المنطقة، وهو تل يحوي بقايا دير تاريخي ومسجد وخانين ومعصر وحوانيت وحمام.

التهجير تابعه العثمانيون إبان الحرب العالمية الأولى، في ارتكاب أكبر المذابح، المجهولة، بحق 750 ألف سرياني - كلداني - آشوري في طور عابدين، وماردين، وديار بكر، وميديات واورفة. كما نفي الآلاف من أرضهم التاريخية، على الضفاف العليا لنهر الخابور، «أخ الأرض»، ومنابعه في الجنوب التركي، إلى سوريا الانتدابية الفرنسية.

وعلى خطى التتار والألوية الحميدية العثمانية، يحبك تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش» خطته الأخيرة للهجوم على مهد المسيحية المشرقية في الجزيرة الفراتية، لاستكمال تهجير المسيحيين من احد مراكزهم التاريخية في منطقة الحسكة، التي انشأوا فيها أهم حواضرها في الحسكة والقامشلي، والقحطانية والمالكية ورأس العين، التي هجرها أكثرهم بعد هجوم «جبهة النصرة» والجماعات «الجهادية» عليها قبل عام. 4500 عام تربط المجموعات الأشورية والكلدانية والسريانية بحوض الخابور، قبل التحول إلى المسيحية التي جعلت من الحسكة معقلهم التاريخي والثقافي التي شرع ببنائها نهاية القرن التاسع عشر الخواجة عمسيح موسى.

مئتا ألف مسيحي في الحسكة، و350 ألفاً سبقوهم خلال عقود من النزف إلى السويد، وألمانيا، والولايات المتحدة وغيرها.

ويعد «داعش» العدة لتكرار السيناريو الموصلي في الحسكة وأريافها، والاستفادة من ديناميكية «الغزوات» التي وحد فيها الساحتين العراقية والسورية في ساحة واحدة وأوصلته إلى جنوب المدينة منذ أربعة أيام، بعد استيلائه على منطقة «الفوج 121» المدفعي في الميلبية، المكلف بحماية جنوب المحافظة. ويتجه «الدولة الإسلامية» إلى استكمال توحيد حاضرات المهد المسيحي في نينوى وسنجار والحسكة، لكن من دون المسيحيين، خصوصاً أن عملية التهجير من الموصل لم تجد رد فعل يرقى إلى مستوى الحدث التاريخي، في التطهير العرقي والديني الذي يستهدف الكنيسة السريانية والكلدانية والأشورية، والجماعات المؤسسة لعمران واجتماع المنطقة.

وكان الفوج، الذي يعد احد أفضل قطعات «الفرقة 17»، قد تهاوى بسرعة، وانسحب جنوده نحو المدينة، وسقط منهم 50 مقاتلاً خلال القتال. وأحرق الغزاة 153 ألف طن من القطن، ونهبوا صوامع القمح والحبوب القريبة من الفوج. ويلبي الهجوم على الحسكة، فضلاً عن التطهير العرقي والديني، هدفاً استراتيجياً لـ«دولة إسلامية» في طور مضاعفة مواردها المالية والاقتصادية، في مناطق يقلّ فيها السكان، بالسيطرة على أربعة ملايين فدان من الأرض الخصبة في المثلث الواقع بين نهري الجغجغ والخابور، قبل نزولهما الفرات.

واختار «داعش» تكتيك إشراك عناصره الأكراد في اقتحام منطقة يشكل الأكراد أحد مركباتها الأساسية سكانياً، وعنصراً حاسماً في الدفاع عنها. كما قرر الاستعانة بقيادات كردية تعمل داخل «الجبهة الإسلامية الكردية» لإحداث شرخ فيها. ودفع بعصام الكردي (أبو بكر الكردي)، للانشقاق عن الجبهة مع بعض المجموعات تمهيداً لزجهم في المعارك ضد «حزب الاتحاد الديمقراطي».

كما قرر زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي إيفاد خطاب الكردي، لقيادة العملية العسكرية، على المدينة التي أصبحت في مرمى مدفعيتها المتوسطة، خصوصاً الهاون، الذي قتل تسعة من المدنيين فيها في عملية قصف لأحد أسواقها. وتقول معلومات في المنطقة إن «داعش» سيلجأ إلى تفعيل خلايا نائمة في الحسكة، لاختراقها من الداخل، كما فعل خلال الهجوم الأسبوع الماضي، على مقر «حزب البعث» في الحسكة، والذي نفذه أربعة انتحاريين من الأكراد ، قتلوا حنا عطالله مسؤول الحزب في المدينة، وستة بعثيين، بعد أن فجروا أنفسهم في مبنى الفرع الحزبي. وشن «داعش» هجوماً على المدينة بعد سقوط «الفوج 121»، حاول فيه وضعها بين فكي كماشة، بالهجوم عليها من ثلاثة محاور، شمال شرقي عبر جبل كوكب، حيث اصطدمت بمقاومة «الفوج 123» والأكراد و«جبهة نشوى» غربي المدينة، ومن جنوبها عبر الغويران.

وتقول معلومات في المنطقة إن قيادة «داعش» عقدت اجتماعاً قبل يومين لإعادة النظر في استراتيجيتها، التي تلقت ضربة كبيرة، بعد فشلها في احتلال عين العرب (كوباني)، رغم تقدّمه في أرياف الإدارة الذاتية الديموقراطية بعد ثلاثة أسابيع من الهجمات المتلاحقة. ومن دون 1500 مقاتل من «حزب العمال الكردستاني» عبروا الحدود التركية نحو كوباني لم يكن ممكناً لوحدات الحماية الشعبية، أن تصدّ هجمات «داعش» الذي يقاتل مسلحاً بمعدات الجيش العراقي التي غنمها في غزوة الموصل.

وتقول مصادر كردية إن العشرات من مقاتلي «داعش» عبروا، خلال الأسابيع الماضية، الحدود التركية باتجاه سوريا، تحت أنظار الجيش التركي، فيما يبدو اتساعاً في تحويل الشمال السوري، ساحة توريط لـ«حزب العمال الكردستاني»، واستنزافه في الحرب السورية.

وتدفع العمليات العسكرية لـ«داعش» في المنطقة إلى توحيد جبهة المدافعين عن محافظة الحسكة، من الجيش السوري، ووحدات الحماية الشعبية الكردية. ويقول قادة من الأكراد إنهم كانوا يتمنون وضوحاً سياسياً أكثر من دمشق تجاه الإدارة الذاتية الديموقراطية في الشمال السوري، ومرونة أكبر في التعاطي مع هذه الإدارة والاعتراف بها، للذهاب نحو أكثر من مجرد تنسيق ظرفي فرضته الأخطار المشتركة التي تهدد بقاء الجيش السوري في الشرق، ومنع ضمّه إلى دولة البغدادي على المقلب العراقي.

ومن جانب آخر، بات خطاب الكردي يهدد المشروع الكردي برمّته، وطموح أكراد «روجافا» (كردستان الجنوبية) اختبار إدارة محلية للمرة الأولى في سوريا، مع اضمحلال المركز الدمشقي، وخروج المعارضة السورية من المشهد.

ويبدو أن جغرافيا الجبهات، فرضت خيارات التعاون بين الجيش السوري ووحدات حماية الشعب الكردية التي انتشرت على تخوم جبل كوكب، ومنعت سقوط «الفوج 123». والحال أن الانعطاف في التعاون وتحويله إلى تحالف، بات يعتمد على اتساع المعارك التي ستفرضها ديناميكية «داعش» العسكرية في المنطقة، والتطورات على جبهة العراق الداخلية، وقدرة أبو بكر البغدادي على تثبيت سيطرته على الغرب في الموصل ونينوى، للتفرغ لمعركة الحسكة، ما يجعل من احتمال تطوير التعاون المؤقت في الحسكة والقامشلي، إلى تحالف احتمالاً أكثر واقعية .

وفي إطار التعاون مع دمشق بدأ الأكراد في حشد قواتهم في المنطقة لإنشاء خط دفاع عن الحسكة، إلى جانب «الفوج 123»، وقاموا بتنفيذ استعراض بالأمس في وسط المدينة. وتقول معلومات إن الأكراد سلموا حواجز في القامشلي إلى رجال الدفاع الوطني الذي يقوده محمد الفارس زعيم طي في المنطقة، وأرسلوا مقاتليهم إلى الحسكة. كما توجّه مقاتلون من تل تمر بالقرب من رأس العين نحو المدينة التي تتأهب للمعركة. وتداعت عشائر الحسكة إلى استنفار عام، وتوافقت على تشكيل إدارة مباشرة للمدينة للدفاع عنها. وخلال الساعات الماضية أعلن «داعش» أنه لا يخطط كما أشيع عنه لتهجير الأكراد من الموصل، أسوة بالمسيحيين والشيعة واليزيديين، لطمأنة الأكراد. لكنه يتابع تنفيذ مذابح غير مسبوقة بحقهم في أرياف كوباني وتل أبيض.

ولا يتمتع «داعش» ببيئة حاضنة كبيرة في المنطقة، وهو عنصر مهم لتأمين دفاع فعال عن المدينة. ويمثل الغويران، جنوب المدينة، صدعاً كبيراً في جبهة القتال، إذ شكل الحي الذي أنشأته الحكومات السورية منذ الستينيات، لاستيعاب موظفي إداراتها المحلية، بيئة حاضنة لـ«داعش». فالحي، الذي يقطنه 15 ألف نسمة، يضم قادمين من دير الزور وعائلات من «الشوايا» وهم خلائط من أفراد العشائر البدوية التي توطنت ودخلت الإدارات الحكومية. وكان بعض الحي قد شكل أول ملاحق الانشقاق، ليؤلف كتائب «أحرار الغويران» تحت ألوية «جبهة النصرة». وشغل بعضهم ساحة القتال جنوب الحسكة الذي استولى عليه «الدولة الإسلامية» في الشدادي وتل حميس والهول، وهي كلها مناطق تحوّلت إلى مراكز تجمع لـ«جيش داعش» وأسلحته الآتية من العراق المحاذي.

وباستثناء جزء من قبيلة العدوان، التي بايع النائب المنشق حلو الحلو، البغدادي خليفة، لم يجد «داعش» موطئ قدم عشائري لإسقاط المدينة والمحافظة من الداخل. أما حميدي دهام الجربا، زعيم شمر، فتعكس خياراته واقعية التحالف بين الأكراد والعرب والعشائر في الجزيرة لمنع تمدد «الدولة الإسلامية»، إذ يقف ابن عم أحمد الجربا الرئيس السابق لـ«الائتلاف الوطني السوري»، مع الأكراد حاكماً مشتركاً لمقاطعة الجزيرة الإدارية الذاتية، ويكرّر أن من يحكم دمشق، يحكم الجزيرة الفراتية أيضاً.

  • فريق ماسة
  • 2014-07-30
  • 11698
  • من الأرشيف

سيناريو موصلي يلوح ضد المسيحيين.. والأكراد يستعدّون للدفاع

بعد تهجير المسيحيين من الموصل. سيناريو التهجير، الجزية، أو القتل يلوح فوق الحسكة «المسيحية السورية». المغول افتتحوا موسم التهجير الأول في العام 1401 بوصول جيوش تيمورلنك إلى دير تل تنينير القريب من مدينة الحسكة. والتل يُعدّ أحد أهم المعالم والشواهد على حيوية السريانية وتجذرها في المنطقة، وهو تل يحوي بقايا دير تاريخي ومسجد وخانين ومعصر وحوانيت وحمام. التهجير تابعه العثمانيون إبان الحرب العالمية الأولى، في ارتكاب أكبر المذابح، المجهولة، بحق 750 ألف سرياني - كلداني - آشوري في طور عابدين، وماردين، وديار بكر، وميديات واورفة. كما نفي الآلاف من أرضهم التاريخية، على الضفاف العليا لنهر الخابور، «أخ الأرض»، ومنابعه في الجنوب التركي، إلى سوريا الانتدابية الفرنسية. وعلى خطى التتار والألوية الحميدية العثمانية، يحبك تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش» خطته الأخيرة للهجوم على مهد المسيحية المشرقية في الجزيرة الفراتية، لاستكمال تهجير المسيحيين من احد مراكزهم التاريخية في منطقة الحسكة، التي انشأوا فيها أهم حواضرها في الحسكة والقامشلي، والقحطانية والمالكية ورأس العين، التي هجرها أكثرهم بعد هجوم «جبهة النصرة» والجماعات «الجهادية» عليها قبل عام. 4500 عام تربط المجموعات الأشورية والكلدانية والسريانية بحوض الخابور، قبل التحول إلى المسيحية التي جعلت من الحسكة معقلهم التاريخي والثقافي التي شرع ببنائها نهاية القرن التاسع عشر الخواجة عمسيح موسى. مئتا ألف مسيحي في الحسكة، و350 ألفاً سبقوهم خلال عقود من النزف إلى السويد، وألمانيا، والولايات المتحدة وغيرها. ويعد «داعش» العدة لتكرار السيناريو الموصلي في الحسكة وأريافها، والاستفادة من ديناميكية «الغزوات» التي وحد فيها الساحتين العراقية والسورية في ساحة واحدة وأوصلته إلى جنوب المدينة منذ أربعة أيام، بعد استيلائه على منطقة «الفوج 121» المدفعي في الميلبية، المكلف بحماية جنوب المحافظة. ويتجه «الدولة الإسلامية» إلى استكمال توحيد حاضرات المهد المسيحي في نينوى وسنجار والحسكة، لكن من دون المسيحيين، خصوصاً أن عملية التهجير من الموصل لم تجد رد فعل يرقى إلى مستوى الحدث التاريخي، في التطهير العرقي والديني الذي يستهدف الكنيسة السريانية والكلدانية والأشورية، والجماعات المؤسسة لعمران واجتماع المنطقة. وكان الفوج، الذي يعد احد أفضل قطعات «الفرقة 17»، قد تهاوى بسرعة، وانسحب جنوده نحو المدينة، وسقط منهم 50 مقاتلاً خلال القتال. وأحرق الغزاة 153 ألف طن من القطن، ونهبوا صوامع القمح والحبوب القريبة من الفوج. ويلبي الهجوم على الحسكة، فضلاً عن التطهير العرقي والديني، هدفاً استراتيجياً لـ«دولة إسلامية» في طور مضاعفة مواردها المالية والاقتصادية، في مناطق يقلّ فيها السكان، بالسيطرة على أربعة ملايين فدان من الأرض الخصبة في المثلث الواقع بين نهري الجغجغ والخابور، قبل نزولهما الفرات. واختار «داعش» تكتيك إشراك عناصره الأكراد في اقتحام منطقة يشكل الأكراد أحد مركباتها الأساسية سكانياً، وعنصراً حاسماً في الدفاع عنها. كما قرر الاستعانة بقيادات كردية تعمل داخل «الجبهة الإسلامية الكردية» لإحداث شرخ فيها. ودفع بعصام الكردي (أبو بكر الكردي)، للانشقاق عن الجبهة مع بعض المجموعات تمهيداً لزجهم في المعارك ضد «حزب الاتحاد الديمقراطي». كما قرر زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي إيفاد خطاب الكردي، لقيادة العملية العسكرية، على المدينة التي أصبحت في مرمى مدفعيتها المتوسطة، خصوصاً الهاون، الذي قتل تسعة من المدنيين فيها في عملية قصف لأحد أسواقها. وتقول معلومات في المنطقة إن «داعش» سيلجأ إلى تفعيل خلايا نائمة في الحسكة، لاختراقها من الداخل، كما فعل خلال الهجوم الأسبوع الماضي، على مقر «حزب البعث» في الحسكة، والذي نفذه أربعة انتحاريين من الأكراد ، قتلوا حنا عطالله مسؤول الحزب في المدينة، وستة بعثيين، بعد أن فجروا أنفسهم في مبنى الفرع الحزبي. وشن «داعش» هجوماً على المدينة بعد سقوط «الفوج 121»، حاول فيه وضعها بين فكي كماشة، بالهجوم عليها من ثلاثة محاور، شمال شرقي عبر جبل كوكب، حيث اصطدمت بمقاومة «الفوج 123» والأكراد و«جبهة نشوى» غربي المدينة، ومن جنوبها عبر الغويران. وتقول معلومات في المنطقة إن قيادة «داعش» عقدت اجتماعاً قبل يومين لإعادة النظر في استراتيجيتها، التي تلقت ضربة كبيرة، بعد فشلها في احتلال عين العرب (كوباني)، رغم تقدّمه في أرياف الإدارة الذاتية الديموقراطية بعد ثلاثة أسابيع من الهجمات المتلاحقة. ومن دون 1500 مقاتل من «حزب العمال الكردستاني» عبروا الحدود التركية نحو كوباني لم يكن ممكناً لوحدات الحماية الشعبية، أن تصدّ هجمات «داعش» الذي يقاتل مسلحاً بمعدات الجيش العراقي التي غنمها في غزوة الموصل. وتقول مصادر كردية إن العشرات من مقاتلي «داعش» عبروا، خلال الأسابيع الماضية، الحدود التركية باتجاه سوريا، تحت أنظار الجيش التركي، فيما يبدو اتساعاً في تحويل الشمال السوري، ساحة توريط لـ«حزب العمال الكردستاني»، واستنزافه في الحرب السورية. وتدفع العمليات العسكرية لـ«داعش» في المنطقة إلى توحيد جبهة المدافعين عن محافظة الحسكة، من الجيش السوري، ووحدات الحماية الشعبية الكردية. ويقول قادة من الأكراد إنهم كانوا يتمنون وضوحاً سياسياً أكثر من دمشق تجاه الإدارة الذاتية الديموقراطية في الشمال السوري، ومرونة أكبر في التعاطي مع هذه الإدارة والاعتراف بها، للذهاب نحو أكثر من مجرد تنسيق ظرفي فرضته الأخطار المشتركة التي تهدد بقاء الجيش السوري في الشرق، ومنع ضمّه إلى دولة البغدادي على المقلب العراقي. ومن جانب آخر، بات خطاب الكردي يهدد المشروع الكردي برمّته، وطموح أكراد «روجافا» (كردستان الجنوبية) اختبار إدارة محلية للمرة الأولى في سوريا، مع اضمحلال المركز الدمشقي، وخروج المعارضة السورية من المشهد. ويبدو أن جغرافيا الجبهات، فرضت خيارات التعاون بين الجيش السوري ووحدات حماية الشعب الكردية التي انتشرت على تخوم جبل كوكب، ومنعت سقوط «الفوج 123». والحال أن الانعطاف في التعاون وتحويله إلى تحالف، بات يعتمد على اتساع المعارك التي ستفرضها ديناميكية «داعش» العسكرية في المنطقة، والتطورات على جبهة العراق الداخلية، وقدرة أبو بكر البغدادي على تثبيت سيطرته على الغرب في الموصل ونينوى، للتفرغ لمعركة الحسكة، ما يجعل من احتمال تطوير التعاون المؤقت في الحسكة والقامشلي، إلى تحالف احتمالاً أكثر واقعية . وفي إطار التعاون مع دمشق بدأ الأكراد في حشد قواتهم في المنطقة لإنشاء خط دفاع عن الحسكة، إلى جانب «الفوج 123»، وقاموا بتنفيذ استعراض بالأمس في وسط المدينة. وتقول معلومات إن الأكراد سلموا حواجز في القامشلي إلى رجال الدفاع الوطني الذي يقوده محمد الفارس زعيم طي في المنطقة، وأرسلوا مقاتليهم إلى الحسكة. كما توجّه مقاتلون من تل تمر بالقرب من رأس العين نحو المدينة التي تتأهب للمعركة. وتداعت عشائر الحسكة إلى استنفار عام، وتوافقت على تشكيل إدارة مباشرة للمدينة للدفاع عنها. وخلال الساعات الماضية أعلن «داعش» أنه لا يخطط كما أشيع عنه لتهجير الأكراد من الموصل، أسوة بالمسيحيين والشيعة واليزيديين، لطمأنة الأكراد. لكنه يتابع تنفيذ مذابح غير مسبوقة بحقهم في أرياف كوباني وتل أبيض. ولا يتمتع «داعش» ببيئة حاضنة كبيرة في المنطقة، وهو عنصر مهم لتأمين دفاع فعال عن المدينة. ويمثل الغويران، جنوب المدينة، صدعاً كبيراً في جبهة القتال، إذ شكل الحي الذي أنشأته الحكومات السورية منذ الستينيات، لاستيعاب موظفي إداراتها المحلية، بيئة حاضنة لـ«داعش». فالحي، الذي يقطنه 15 ألف نسمة، يضم قادمين من دير الزور وعائلات من «الشوايا» وهم خلائط من أفراد العشائر البدوية التي توطنت ودخلت الإدارات الحكومية. وكان بعض الحي قد شكل أول ملاحق الانشقاق، ليؤلف كتائب «أحرار الغويران» تحت ألوية «جبهة النصرة». وشغل بعضهم ساحة القتال جنوب الحسكة الذي استولى عليه «الدولة الإسلامية» في الشدادي وتل حميس والهول، وهي كلها مناطق تحوّلت إلى مراكز تجمع لـ«جيش داعش» وأسلحته الآتية من العراق المحاذي. وباستثناء جزء من قبيلة العدوان، التي بايع النائب المنشق حلو الحلو، البغدادي خليفة، لم يجد «داعش» موطئ قدم عشائري لإسقاط المدينة والمحافظة من الداخل. أما حميدي دهام الجربا، زعيم شمر، فتعكس خياراته واقعية التحالف بين الأكراد والعرب والعشائر في الجزيرة لمنع تمدد «الدولة الإسلامية»، إذ يقف ابن عم أحمد الجربا الرئيس السابق لـ«الائتلاف الوطني السوري»، مع الأكراد حاكماً مشتركاً لمقاطعة الجزيرة الإدارية الذاتية، ويكرّر أن من يحكم دمشق، يحكم الجزيرة الفراتية أيضاً.

المصدر : الماسة السورية/ محمد بلوط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة