ماذا في جولة مقرن؟ وهل ينفجر خلاف الملك والأمير أم ترمم "الاخوة" الاضطرارية؟

كأن الوقت الضائع قد انتهى. وما يعتمل في النفوس منذ شهور، صار لزاماً أن يتم تظهيره بشكل واضح. انتهى الوقت الضائع، وحتى غزة، لم تعد تكفي لتتغطى خلفها الخلافات بين "الاخوة" الخليجيين.

 شيء ما يدور في أروقة الحكم الخليجية. تتصادم العواصف الآتية من الشرق بتلك الآتية من الغرب. وأسئلة القلق والهواجس بين الخليجيين انفسهم، تتأجج. الجار الكبير على الضفة الشرقية للخليج، جرت شيطنته إلى الدرجة التي ليس من السهل بعدها النزول عن الشجرة. والحليف الأميركي لا يكف عن توجيه رسائل طمأنة للخليجيين، لكنها من دون جدوى لأنه دائماً ما يرفقها بعبارات تشير بوضوح إلى المضي قدماً في خيار التفاوض مع الإيرانيين، حتى بعد انتهاء مهلة الـ20 من تموز الحالي. يروّج السعوديون إلى الخشية من تقلص نفوذ المملكة ودورها في ما لو تقاربت طهران وواشنطن.

 للمفارقة، تلتقي هواجس بعض الخليجيين مع هواجس اسرائيل وإن كانت بدوافع مختلفة، لكن الطرفين تجمعها رغبة شديدة في عرقلة تقدم التفاهم الإيراني مع الغرب،مهما كان الثمن، أو على الأقل، رفع مستوى الشروط الغربية المطروحة أمام الإيرانيين، ومنع طهران من تحقيق ما يعتبرونه مكاسب إقليمية، وذلك في لحظة انهماك الكرملين بالنار الأوكرانية في الحديقة الخلفية للنفوذ الروسي، وانشغال أطراف محور "الحلفاء"، سورية والعراق و"حزب الله"، بالنيران الإقليمية. وفي هذه اللحظة الدقيقة، تذهب اسرائيل إلى خيار المعركة ضد الفلسطينيين، تحت شعار ضرب "حماس"، لعوامل عدة بينها القناعة الإسرائيلية بأن الشعار قد يلقى الآن صدى رناناً في نفوس كثيرين.

 ووسط هذه الاجواء، تقترب القمة الخليجية السنوية. تقترب ومعلومات "السفير" تشير إلى مصيرها قد يكون في مهب هذه العواصف، وصراعات الأشقاء في خليج التجاذبات والأهواء التي صارت تفرق أكثر مما تجمع.

 ولي ولي العهد السعودي الأمير مقرن بن عبد العزيز زار الكويت، بعد زيارتين مشابهتين إلى المنامة وأبوظبي. جولة الأمير مقرن وهو أيضاً المبعوث الخاص لملك السعودية، جاءت بعد الزيارة المفاجئة والمقتضبة التي قام بها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى جدة حيث التقى الملك السعودي عبد الله. وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي زار قبل أيام قطر بالإضافة إلى الكويت التي تتولى حالياً رئاسة القمة الخليجية. تميم كان قد زار الكويت للمفارقة في اليوم ذاته الذي كان الشارع الكويتي يشهد اضطراباً وصدامات بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين وجهت إليهم اتهامات إعلامية بولائهم لتيار "الإخوان" وقطر!

 فهل جاءت جولة الأمير مقرن على الكويت والإمارات والبحرين، بعد أيام قليلة على لقاء تميم وعبدالله بن عبد العزيز، مجرد صدفة؟ أم أن قراراً قد اتخذ بإعادة تنشيط الحركة السعودية للتضييق على الشقيق القطري الأصغر بعد نحو أربعة شهور على قرار الرياض والمنامة وابوظبي، سحب السفراء من الدوحة، وبعد نحو تسعة شهور على اللقاء المفصلي الذي كان عقد في الرياض بين الملك السعودي وأمير قطر وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في محاولة من الأخير لاحتواء شرارات الخلاف التي كانت تتصاعد بين السعودية وقطر، ولا يبدو أنها انطفأت؟

 كانت الحرب على غزة، حاضرة في اللقاء القصير بين الملك عبدالله والأمير تميم. لكنها لم تكن محور اللقاء. وغالب الظن أن أمير قطر لن يذهب بنفسه إلى جدة لمناقشة تفاصيل التهدئة في غزة، طالما أن صيغة جدية لوقف إطلاق النار لم يتم التفاهم عليها بعد، مع الأخذ بالاعتبار أيضاً أن اللقاء الاستثنائي، غاب عنه وزيرا خارجية البلدين السعودي سعود الفيصل والقطري خالد العطية، في حين حضر وزيرا الداخلية في البلدين السعودي الأمير محمد بن نايف والقطري عبدالله بن ناصر آل ثاني الذي يتولى أيضاً رئاسة الحكومة.

 من الصعب في تصور أن تكون الحرب على غزة طاغية الحضور في لقاء جدة، وغالب الظن أن المداولات ربما تكون اقتصرت على إعراب المملكة عن استيائها من المقترحات القطرية لوقف إطلاق النار والتي ظهرت كأنها تعبير عن تعارض مع الدور المصري الذي تفضله السعودية بالتأكيد.

 ولم يصدر في البيانات الرسمية الصادرة عن الطرفين بعد لقاء عبدالله وتميم، ما يجزم بطبيعة المحادثات القصيرة. مصدر خليجي مطلع قال لـ"السفير" إن زيارة تميم "كانت بعيدة عن غزة. قطر تشعر بعزلة متزايدة من حولها، وغزة قدمت فرصة أمامها لطرق أبواب السعودية لعل وعسى".

 تشعر السعودية، وغيرها، أن قطر لم تتلق الرسالة الخليجية إليها، بسحب السفراء في آذار الماضي، بالجدية المأمولة. خطوة سحب السفراء، تبعها لقاء لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي عقد، للمفارقة، في قاعدة عسكرية جوية في الرياض في 17 نيسان الماضي. توقع كثيرون انفراجاً ديبلوماسياً بعده، لكن شيئاً لم يحدث.

 يذكر أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرمونت الاميركية غريغوري غوس بأن السعوديين يطالبون القطريين بإدخال "تغييرات جذرية على سياساتهم الخارجية بشأن القضايا الإقليمية، بما في ذلك طريقة تعاملهم مع الوضع الإقليمي وتغطية قناة الجزيرة".

ومن جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية الاماراتي عبد الخالق عبدالله لـ"السفير" مشيراً إلى الشهور العديدة التي مرت منذ سحب السفراء واللقاء الوزاري في القاعدة العسكرية، إن "قطر لعبت على ورقة الوقت على قاعدة نؤجل وربما نكسب وقتاً إضافياً ونكسب إذا تغيّرت الأوضاع لمصلحة الدوحة". وأضاف أن "قطر حاولت أيضاً لعب ورقة التفريق بين السعودية والإمارات، من خلال قيام الدوحة بمحاولة التقارب مع الرياض، والتصعيد إعلامياً مع ابوظبي، وهي حملة إعلامية تتم فيها كل أشكال التطاول الشخصي والاتهامات بين البلدين".

 يعتبر غوس، الاستاذ الجامعي الاميركي، أن المطالب السعودية والإمارات والبحرين من قطر تشكل في واقع الأمر "تحدياً مباشراً" للأمير السابق الأب حمد بن خليفة آل ثاني، والسياسات التي أرساها على الصعيد الخارجي، ما يمثل إحراجاً لتميم الابن، خصوصاً أن والده ما زال حياً. وتابع غوس "هذا أمر يصعب القيام به، وتقديري هو أن أمير قطر سيحاول تجزئة الخلاف" ما بين مطالب الخليجيين واحتياجات قطر. لكن الاستاذ الأميركي يقول إن "السعوديين في مزاج صدامي يشجّعهم على ذلك موقف كل من الإماراتيين والمصريين بشأن الاخوان المسلمين".

 وبينما يقول عبد الخالق عبدالله إنه يتوقع حدوث تصعيد بين الإمارات وقطر إذا استمرت أزمة العلاقات على ما هي عليه، يقول غوس من جهته، إن السعوديين "قد يتخذون خطوات إضافية للضغط على قطر"، لكن طبيعة هذه الخطوات لا تزال محل تكهنات.

 وبالإمكان متابعة ما ستتمخض عنه جولة ولي ولي العهد السعودي. وبحسب عبد الخالق عبدالله، الخبير بالشؤون الخليجية، فإن القمة الخليجية التي تعقد سنوياً، ربما تكون مهدّدة، وهو ما يمكن ان يفسر الحركة الديبلوماسية الخليجية الحالية.

 وقال عبدالله لـ"السفير" إن ثلاث دول (السعودية والامارات والبحرين) قررت مقاطعة القمة المفترض عقدها في الدوحة. وهو ما سيعني فقدان النصاب وإلغاء القمة. ولو حدث ذلك، فإنها ستكون المرة الأولى منذ 30 سنة، عندما تأسس مجلس التعاون الخليجي".

 واوضح عبدالله أن البديل عن سقوط القمة الخليجية في الدوحة، قد يكون الدعوة السعودية إلى قمة بديلة في الرياض"، مشيراً في الوقت ذاته إلى غياب الأميركيين عن ملف الأزمة الخليجية، حيث سبق لهم أن عبروا بوضوح منذ بداية التأزم الخليجي - الخليجي، بأن واشنطن لن تتدخل ما لم يطلب منها ذلك. وقد سبق أن ألغى اوباما قمة كان يفترض أن تجمعه بالزعماء الخليجيين في الرياض عندما زارها في آذار الماضي واكتفى بلقاء الملك السعودي، في محاولة على ما يبدو لتجنب الانشغال بالخلافات بين الزعماء الخليجيين.

 ومهما يكن، فإن السؤال الأبرز الآن، يتعلق بما اذا كانت زيارة تميم الى جدة وجولة الامير مقرن وغيرها من الحركة الديبلوماسية، ستتمخض عن انفراج شكلي ما، ينقذ القمة الخليجية؟ وهل ستظهر قطر أنها استمعت بشكل أكثر وضوحاً لمطالب الدول الثلاث بشأن الدور القطري إقليمياً واحتضان معارضين خليجيين ودعم تيار "الاخوان المسلمين" في الخليج والمنطقة؟ إذ بدا أن الرسائل الاولى لم تلقَ الصدى المأمول. فعلى سبيل المثال، في بداية ايار، عشية الانتخابات الرئاسية المصرية التي راهنت السعودية عليها بقوة وألقت بثقلها خلفها، خرج الشيخ يوسف القرضاوي ليفتي بتحريم المشاركة في عملية الاقتراع. وبطبيعة الحال لم يكن كلامه يعكس مبادئ "حرية التعبير" وهي تمارس في قطر، إذ كان من الواضح أن الفتوى لم تكن أكثر من رسالة قطرية مدوّية في وجه سياسة الضغط الخليجية الممارسة على الدوحة.

 إذن، الاحتمالات الأساسية الآن أمام طريق الأخوة الخليجية الشاقة:

- مراوحة الوضع على ما هو عليه.

- تهدئة سعودية – قطرية شكلية، لإنقاذ القمة الخليجية حصراً، ولا تمنع انفجار الموقف لاحقاً.

 - انفراج مؤقت يتيح عودة السفراء المسحوبين من الدوحة، وهو ما قد يفسر التشاور المكثف الحاصل الآن على خط الرياض – المنامة – ابو ظبي – الكويت.

 - تدهور العلاقات إلى منحى جديد، ربما تكون جولة الأمير مقرن إيذاناً ببدايتها، وتتضمن أقله إعلان مقاطعة قمة مجلس التعاون الخليجي، أو حتى قطع العلاقات مع الدوحة، اللهم إلا إذا تسنى لوزيري داخلية السعودية محمد بن نايف وقطر عبدالله بن ناصر آل ثاني اللذين تجمعهما علاقات متينة، من الحد من مظاهر الانهيار.

 إلا أن أسوأ ما يمكن تصوره في المرحلة المقبلة، أن يكون تطور الأحداث الخليجية ليس أكثر من محطة جديدة في مسار الحسابات الضيقة (مثلما فعلت قطر باللعب بورقة الوقت في خلافها مع إشقائها الخليجيين)، برهان الخليجيين عموماً على حدوث تبدلات في المشهد الإقليمي سواء ضد طهران او دمشق او بغداد.. وصولاً الى الحوثيين في اليمن.

 وكما بدا خلال خلافات الخليج التي جرى ضبطها وتأجيلها في الربيع الماضي، فإن الانظمة الخليجية كانت تنتظر في تلك الأثناء تطورات المشهد في جبال القلمون وانتخابات الرئاسة في مصر وتطورات المسار التفاوضي بين طهران والغرب، والانتخابات البرلمانية في العراق. وها هي الآن، بعضها يحاول تشكيل تحالف حكومي عشائري حزبي ضد الحوثيين، ويتابع بشغف تمدّد "داعش" في العراق وسورية ويدفع باتجاه إسقاط نوري المالكي، ولا يشعر في الوقت ذاته بالهلع من احتمال تقسيم العراق، وتهجير المسيحيين والشيعة والأكراد وغيرهم، ويأمل في إطار المنطق التكتيكي الضيق ذاته، الاستمرار في إضعاف الرئيس بشار الأسد، وسقوط السوريين تحت رحمة "جهاديي" الحول السياسي والديني.

 سننتظر...ونرى.

  • فريق ماسة
  • 2014-07-28
  • 9736
  • من الأرشيف

الخليجيون في مهبّ العواصف.. والقمة مهدّدة

ماذا في جولة مقرن؟ وهل ينفجر خلاف الملك والأمير أم ترمم "الاخوة" الاضطرارية؟ كأن الوقت الضائع قد انتهى. وما يعتمل في النفوس منذ شهور، صار لزاماً أن يتم تظهيره بشكل واضح. انتهى الوقت الضائع، وحتى غزة، لم تعد تكفي لتتغطى خلفها الخلافات بين "الاخوة" الخليجيين.  شيء ما يدور في أروقة الحكم الخليجية. تتصادم العواصف الآتية من الشرق بتلك الآتية من الغرب. وأسئلة القلق والهواجس بين الخليجيين انفسهم، تتأجج. الجار الكبير على الضفة الشرقية للخليج، جرت شيطنته إلى الدرجة التي ليس من السهل بعدها النزول عن الشجرة. والحليف الأميركي لا يكف عن توجيه رسائل طمأنة للخليجيين، لكنها من دون جدوى لأنه دائماً ما يرفقها بعبارات تشير بوضوح إلى المضي قدماً في خيار التفاوض مع الإيرانيين، حتى بعد انتهاء مهلة الـ20 من تموز الحالي. يروّج السعوديون إلى الخشية من تقلص نفوذ المملكة ودورها في ما لو تقاربت طهران وواشنطن.  للمفارقة، تلتقي هواجس بعض الخليجيين مع هواجس اسرائيل وإن كانت بدوافع مختلفة، لكن الطرفين تجمعها رغبة شديدة في عرقلة تقدم التفاهم الإيراني مع الغرب،مهما كان الثمن، أو على الأقل، رفع مستوى الشروط الغربية المطروحة أمام الإيرانيين، ومنع طهران من تحقيق ما يعتبرونه مكاسب إقليمية، وذلك في لحظة انهماك الكرملين بالنار الأوكرانية في الحديقة الخلفية للنفوذ الروسي، وانشغال أطراف محور "الحلفاء"، سورية والعراق و"حزب الله"، بالنيران الإقليمية. وفي هذه اللحظة الدقيقة، تذهب اسرائيل إلى خيار المعركة ضد الفلسطينيين، تحت شعار ضرب "حماس"، لعوامل عدة بينها القناعة الإسرائيلية بأن الشعار قد يلقى الآن صدى رناناً في نفوس كثيرين.  ووسط هذه الاجواء، تقترب القمة الخليجية السنوية. تقترب ومعلومات "السفير" تشير إلى مصيرها قد يكون في مهب هذه العواصف، وصراعات الأشقاء في خليج التجاذبات والأهواء التي صارت تفرق أكثر مما تجمع.  ولي ولي العهد السعودي الأمير مقرن بن عبد العزيز زار الكويت، بعد زيارتين مشابهتين إلى المنامة وأبوظبي. جولة الأمير مقرن وهو أيضاً المبعوث الخاص لملك السعودية، جاءت بعد الزيارة المفاجئة والمقتضبة التي قام بها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى جدة حيث التقى الملك السعودي عبد الله. وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي زار قبل أيام قطر بالإضافة إلى الكويت التي تتولى حالياً رئاسة القمة الخليجية. تميم كان قد زار الكويت للمفارقة في اليوم ذاته الذي كان الشارع الكويتي يشهد اضطراباً وصدامات بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين وجهت إليهم اتهامات إعلامية بولائهم لتيار "الإخوان" وقطر!  فهل جاءت جولة الأمير مقرن على الكويت والإمارات والبحرين، بعد أيام قليلة على لقاء تميم وعبدالله بن عبد العزيز، مجرد صدفة؟ أم أن قراراً قد اتخذ بإعادة تنشيط الحركة السعودية للتضييق على الشقيق القطري الأصغر بعد نحو أربعة شهور على قرار الرياض والمنامة وابوظبي، سحب السفراء من الدوحة، وبعد نحو تسعة شهور على اللقاء المفصلي الذي كان عقد في الرياض بين الملك السعودي وأمير قطر وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في محاولة من الأخير لاحتواء شرارات الخلاف التي كانت تتصاعد بين السعودية وقطر، ولا يبدو أنها انطفأت؟  كانت الحرب على غزة، حاضرة في اللقاء القصير بين الملك عبدالله والأمير تميم. لكنها لم تكن محور اللقاء. وغالب الظن أن أمير قطر لن يذهب بنفسه إلى جدة لمناقشة تفاصيل التهدئة في غزة، طالما أن صيغة جدية لوقف إطلاق النار لم يتم التفاهم عليها بعد، مع الأخذ بالاعتبار أيضاً أن اللقاء الاستثنائي، غاب عنه وزيرا خارجية البلدين السعودي سعود الفيصل والقطري خالد العطية، في حين حضر وزيرا الداخلية في البلدين السعودي الأمير محمد بن نايف والقطري عبدالله بن ناصر آل ثاني الذي يتولى أيضاً رئاسة الحكومة.  من الصعب في تصور أن تكون الحرب على غزة طاغية الحضور في لقاء جدة، وغالب الظن أن المداولات ربما تكون اقتصرت على إعراب المملكة عن استيائها من المقترحات القطرية لوقف إطلاق النار والتي ظهرت كأنها تعبير عن تعارض مع الدور المصري الذي تفضله السعودية بالتأكيد.  ولم يصدر في البيانات الرسمية الصادرة عن الطرفين بعد لقاء عبدالله وتميم، ما يجزم بطبيعة المحادثات القصيرة. مصدر خليجي مطلع قال لـ"السفير" إن زيارة تميم "كانت بعيدة عن غزة. قطر تشعر بعزلة متزايدة من حولها، وغزة قدمت فرصة أمامها لطرق أبواب السعودية لعل وعسى".  تشعر السعودية، وغيرها، أن قطر لم تتلق الرسالة الخليجية إليها، بسحب السفراء في آذار الماضي، بالجدية المأمولة. خطوة سحب السفراء، تبعها لقاء لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي عقد، للمفارقة، في قاعدة عسكرية جوية في الرياض في 17 نيسان الماضي. توقع كثيرون انفراجاً ديبلوماسياً بعده، لكن شيئاً لم يحدث.  يذكر أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيرمونت الاميركية غريغوري غوس بأن السعوديين يطالبون القطريين بإدخال "تغييرات جذرية على سياساتهم الخارجية بشأن القضايا الإقليمية، بما في ذلك طريقة تعاملهم مع الوضع الإقليمي وتغطية قناة الجزيرة". ومن جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية الاماراتي عبد الخالق عبدالله لـ"السفير" مشيراً إلى الشهور العديدة التي مرت منذ سحب السفراء واللقاء الوزاري في القاعدة العسكرية، إن "قطر لعبت على ورقة الوقت على قاعدة نؤجل وربما نكسب وقتاً إضافياً ونكسب إذا تغيّرت الأوضاع لمصلحة الدوحة". وأضاف أن "قطر حاولت أيضاً لعب ورقة التفريق بين السعودية والإمارات، من خلال قيام الدوحة بمحاولة التقارب مع الرياض، والتصعيد إعلامياً مع ابوظبي، وهي حملة إعلامية تتم فيها كل أشكال التطاول الشخصي والاتهامات بين البلدين".  يعتبر غوس، الاستاذ الجامعي الاميركي، أن المطالب السعودية والإمارات والبحرين من قطر تشكل في واقع الأمر "تحدياً مباشراً" للأمير السابق الأب حمد بن خليفة آل ثاني، والسياسات التي أرساها على الصعيد الخارجي، ما يمثل إحراجاً لتميم الابن، خصوصاً أن والده ما زال حياً. وتابع غوس "هذا أمر يصعب القيام به، وتقديري هو أن أمير قطر سيحاول تجزئة الخلاف" ما بين مطالب الخليجيين واحتياجات قطر. لكن الاستاذ الأميركي يقول إن "السعوديين في مزاج صدامي يشجّعهم على ذلك موقف كل من الإماراتيين والمصريين بشأن الاخوان المسلمين".  وبينما يقول عبد الخالق عبدالله إنه يتوقع حدوث تصعيد بين الإمارات وقطر إذا استمرت أزمة العلاقات على ما هي عليه، يقول غوس من جهته، إن السعوديين "قد يتخذون خطوات إضافية للضغط على قطر"، لكن طبيعة هذه الخطوات لا تزال محل تكهنات.  وبالإمكان متابعة ما ستتمخض عنه جولة ولي ولي العهد السعودي. وبحسب عبد الخالق عبدالله، الخبير بالشؤون الخليجية، فإن القمة الخليجية التي تعقد سنوياً، ربما تكون مهدّدة، وهو ما يمكن ان يفسر الحركة الديبلوماسية الخليجية الحالية.  وقال عبدالله لـ"السفير" إن ثلاث دول (السعودية والامارات والبحرين) قررت مقاطعة القمة المفترض عقدها في الدوحة. وهو ما سيعني فقدان النصاب وإلغاء القمة. ولو حدث ذلك، فإنها ستكون المرة الأولى منذ 30 سنة، عندما تأسس مجلس التعاون الخليجي".  واوضح عبدالله أن البديل عن سقوط القمة الخليجية في الدوحة، قد يكون الدعوة السعودية إلى قمة بديلة في الرياض"، مشيراً في الوقت ذاته إلى غياب الأميركيين عن ملف الأزمة الخليجية، حيث سبق لهم أن عبروا بوضوح منذ بداية التأزم الخليجي - الخليجي، بأن واشنطن لن تتدخل ما لم يطلب منها ذلك. وقد سبق أن ألغى اوباما قمة كان يفترض أن تجمعه بالزعماء الخليجيين في الرياض عندما زارها في آذار الماضي واكتفى بلقاء الملك السعودي، في محاولة على ما يبدو لتجنب الانشغال بالخلافات بين الزعماء الخليجيين.  ومهما يكن، فإن السؤال الأبرز الآن، يتعلق بما اذا كانت زيارة تميم الى جدة وجولة الامير مقرن وغيرها من الحركة الديبلوماسية، ستتمخض عن انفراج شكلي ما، ينقذ القمة الخليجية؟ وهل ستظهر قطر أنها استمعت بشكل أكثر وضوحاً لمطالب الدول الثلاث بشأن الدور القطري إقليمياً واحتضان معارضين خليجيين ودعم تيار "الاخوان المسلمين" في الخليج والمنطقة؟ إذ بدا أن الرسائل الاولى لم تلقَ الصدى المأمول. فعلى سبيل المثال، في بداية ايار، عشية الانتخابات الرئاسية المصرية التي راهنت السعودية عليها بقوة وألقت بثقلها خلفها، خرج الشيخ يوسف القرضاوي ليفتي بتحريم المشاركة في عملية الاقتراع. وبطبيعة الحال لم يكن كلامه يعكس مبادئ "حرية التعبير" وهي تمارس في قطر، إذ كان من الواضح أن الفتوى لم تكن أكثر من رسالة قطرية مدوّية في وجه سياسة الضغط الخليجية الممارسة على الدوحة.  إذن، الاحتمالات الأساسية الآن أمام طريق الأخوة الخليجية الشاقة: - مراوحة الوضع على ما هو عليه. - تهدئة سعودية – قطرية شكلية، لإنقاذ القمة الخليجية حصراً، ولا تمنع انفجار الموقف لاحقاً.  - انفراج مؤقت يتيح عودة السفراء المسحوبين من الدوحة، وهو ما قد يفسر التشاور المكثف الحاصل الآن على خط الرياض – المنامة – ابو ظبي – الكويت.  - تدهور العلاقات إلى منحى جديد، ربما تكون جولة الأمير مقرن إيذاناً ببدايتها، وتتضمن أقله إعلان مقاطعة قمة مجلس التعاون الخليجي، أو حتى قطع العلاقات مع الدوحة، اللهم إلا إذا تسنى لوزيري داخلية السعودية محمد بن نايف وقطر عبدالله بن ناصر آل ثاني اللذين تجمعهما علاقات متينة، من الحد من مظاهر الانهيار.  إلا أن أسوأ ما يمكن تصوره في المرحلة المقبلة، أن يكون تطور الأحداث الخليجية ليس أكثر من محطة جديدة في مسار الحسابات الضيقة (مثلما فعلت قطر باللعب بورقة الوقت في خلافها مع إشقائها الخليجيين)، برهان الخليجيين عموماً على حدوث تبدلات في المشهد الإقليمي سواء ضد طهران او دمشق او بغداد.. وصولاً الى الحوثيين في اليمن.  وكما بدا خلال خلافات الخليج التي جرى ضبطها وتأجيلها في الربيع الماضي، فإن الانظمة الخليجية كانت تنتظر في تلك الأثناء تطورات المشهد في جبال القلمون وانتخابات الرئاسة في مصر وتطورات المسار التفاوضي بين طهران والغرب، والانتخابات البرلمانية في العراق. وها هي الآن، بعضها يحاول تشكيل تحالف حكومي عشائري حزبي ضد الحوثيين، ويتابع بشغف تمدّد "داعش" في العراق وسورية ويدفع باتجاه إسقاط نوري المالكي، ولا يشعر في الوقت ذاته بالهلع من احتمال تقسيم العراق، وتهجير المسيحيين والشيعة والأكراد وغيرهم، ويأمل في إطار المنطق التكتيكي الضيق ذاته، الاستمرار في إضعاف الرئيس بشار الأسد، وسقوط السوريين تحت رحمة "جهاديي" الحول السياسي والديني.  سننتظر...ونرى.

المصدر : السفير/ خليل حرب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة