لا يحتاج المرء إلى أن يكون لديه أكثر من قلب واحد كي يشعر بمرارة الألم والحزن التي تعتصر قلوب أهالي وذوي الضحايا الذين سقطوا في حادث إصابة الطائرة الماليزية في الأجواء الأوكرانية بصاروخ أدى إلى مقتل كلّ من فيها،

 لكنه لا يحتاج أيضاً إلى أكثر من لحظة واحدة من التفكير باستخدام عقل واحد كي يعلم أنه سواء كان مصدر الصاروخ الجيش الأوكراني بفرضية أنّ الطائرة تعود إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو كان مصدر الصاروخ المعارضون في شرق أوكرانيا بفرضية أنّ الطائرة تعود للجيش الأوكراني، ففي الحالين الإصابة تتمّ بالخطأ، حيث لا يوجد أي منطق يمكن أن يوصل صاحبه إلى الاستنتاج أنّ ثمة مصلحة لأيّ من فريقي الصراع في أوكرانيا بمقتل مئات ركاب الطائرة المدنية في سياق المواجهة الدائرة بينهما.

يحتاج المرء أن يكون بلا قلب كي لا يشعر بالمرارة والألم يعتصران قلوب أهالي وذوي الأطفال يقتلون بدم بارد في غزة وبالتقسيط، وتحت كاميرات التلفزة، ويخرج مسؤولون في المجتمع الدولي من مستوى الرئيس الأميركي باراك أوباما يقولون إنّ «إسرائيل» تدافع عن نفسها، والسؤال بسيط، إذا كانت المقاومة هي من رفض المبادرة المصرية لأنها لا تريد صياغة مضمون تفاهمات وقف النار بعد أن يتمّ وقفه، لأنها تعلم أنه متى توقف إطلاق النار لن يستمع إليها ولمطالبها أحد، فهل كان بمستطاع «إسرائيل» أن تعتمد الاستخدام المحدود للقوة بحدود الردّ على النار فقط وبصورة لا تتعدّى نطاق الردّ الموضعي كما تفعل مع الصواريخ الآتية من جنوب لبنان؟

فجأة في مجلس الأمن دعوات متسارعة للجان تحقيق دولية في حادث إسقاط الطائرة الماليزية، وهو أمر مفيد وجيد ومطلوب، لكن أن يأتي مشفوعاً بكلمات مبرمجة يتوجها الرئيس الأميركي بحسم الجهة المتهمة باعتبارها الفريق الأوكراني المدعوم من موسكو، والتلميح اللافت للنظر نحو ضرورة محاسبة من يقف وراء العملية مباشرة أو بصورة غير مباشرة، حتى كان لا ينقصه سوى المطالبة بجلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى قفص المحكمة مخفوراً مكبّل اليدين، أمر مثير للسخرية وقدر وقح من الكوميديا السوداء، في وقت يصف أوباما الاستهداف الإجرامي الإسرائيلي لأطفال فلسطين بالدفاع المشروع عن النفس.

 

 

 

الطائرة الماليزية مقابل غزة ليست معادلة أخلاقية وحسب لفضح النفاق والوقاحة اللذين يحكمان معايير المقاربات الدولية لما يجري في فلسطين، بل هي معادلة تفاوضية تطرحها واشنطن على موسكو، تشاركوننا في تغطية ما تفعله «إسرائيل» فنصمت على ما جرى ولا نحوّله إلى مضبطة اتهام ضدّ حلفائكم في أوكرانيا لجلبهم إلى المحكمة على الطريقة اليوغوسلافية، وما يجري في غزة إذن مشروع أميركي يتصل بالمواجهة الدائرة في الشرق كله، لخلط أوراق يهدف إلى إسقاط سهم فلسطين من رصيد حلف المقاومة، ونقل «إسرائيل» رسمياً إلى حلف مواجهة الإرهاب بعد توصيف المقاومة في فلسطين إرهاباً، واللجوء إلى موسكو ولو ابتزازاً صار ضرورة، بعدما خاب الرهان الأميركي الإسرائيلي على مفعول أخطاء حماس نحو سورية في جعل حلف المقاومة يدير ظهره لما يجري في غزة.

ثمة سؤال محيّر لماذا ماليزيا بعدما كانت طائرة مشابهة قد فقدت وأشارت أصابع الاتهام نحو الاستخبارات الأميركية لنقلها أسراراً ومعدات إلكترونية اشترتها الصين من قراصنة أفغان تتضمّن تقنيات عسكرية أميركية، والقاعدة تقول من يفعلها مرة يقدر أن يفعلها مرة أخرى؟

  • فريق ماسة
  • 2014-07-19
  • 11504
  • من الأرشيف

الطائرة الماليزية مقابل غزة

لا يحتاج المرء إلى أن يكون لديه أكثر من قلب واحد كي يشعر بمرارة الألم والحزن التي تعتصر قلوب أهالي وذوي الضحايا الذين سقطوا في حادث إصابة الطائرة الماليزية في الأجواء الأوكرانية بصاروخ أدى إلى مقتل كلّ من فيها،  لكنه لا يحتاج أيضاً إلى أكثر من لحظة واحدة من التفكير باستخدام عقل واحد كي يعلم أنه سواء كان مصدر الصاروخ الجيش الأوكراني بفرضية أنّ الطائرة تعود إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو كان مصدر الصاروخ المعارضون في شرق أوكرانيا بفرضية أنّ الطائرة تعود للجيش الأوكراني، ففي الحالين الإصابة تتمّ بالخطأ، حيث لا يوجد أي منطق يمكن أن يوصل صاحبه إلى الاستنتاج أنّ ثمة مصلحة لأيّ من فريقي الصراع في أوكرانيا بمقتل مئات ركاب الطائرة المدنية في سياق المواجهة الدائرة بينهما. يحتاج المرء أن يكون بلا قلب كي لا يشعر بالمرارة والألم يعتصران قلوب أهالي وذوي الأطفال يقتلون بدم بارد في غزة وبالتقسيط، وتحت كاميرات التلفزة، ويخرج مسؤولون في المجتمع الدولي من مستوى الرئيس الأميركي باراك أوباما يقولون إنّ «إسرائيل» تدافع عن نفسها، والسؤال بسيط، إذا كانت المقاومة هي من رفض المبادرة المصرية لأنها لا تريد صياغة مضمون تفاهمات وقف النار بعد أن يتمّ وقفه، لأنها تعلم أنه متى توقف إطلاق النار لن يستمع إليها ولمطالبها أحد، فهل كان بمستطاع «إسرائيل» أن تعتمد الاستخدام المحدود للقوة بحدود الردّ على النار فقط وبصورة لا تتعدّى نطاق الردّ الموضعي كما تفعل مع الصواريخ الآتية من جنوب لبنان؟ فجأة في مجلس الأمن دعوات متسارعة للجان تحقيق دولية في حادث إسقاط الطائرة الماليزية، وهو أمر مفيد وجيد ومطلوب، لكن أن يأتي مشفوعاً بكلمات مبرمجة يتوجها الرئيس الأميركي بحسم الجهة المتهمة باعتبارها الفريق الأوكراني المدعوم من موسكو، والتلميح اللافت للنظر نحو ضرورة محاسبة من يقف وراء العملية مباشرة أو بصورة غير مباشرة، حتى كان لا ينقصه سوى المطالبة بجلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى قفص المحكمة مخفوراً مكبّل اليدين، أمر مثير للسخرية وقدر وقح من الكوميديا السوداء، في وقت يصف أوباما الاستهداف الإجرامي الإسرائيلي لأطفال فلسطين بالدفاع المشروع عن النفس.       الطائرة الماليزية مقابل غزة ليست معادلة أخلاقية وحسب لفضح النفاق والوقاحة اللذين يحكمان معايير المقاربات الدولية لما يجري في فلسطين، بل هي معادلة تفاوضية تطرحها واشنطن على موسكو، تشاركوننا في تغطية ما تفعله «إسرائيل» فنصمت على ما جرى ولا نحوّله إلى مضبطة اتهام ضدّ حلفائكم في أوكرانيا لجلبهم إلى المحكمة على الطريقة اليوغوسلافية، وما يجري في غزة إذن مشروع أميركي يتصل بالمواجهة الدائرة في الشرق كله، لخلط أوراق يهدف إلى إسقاط سهم فلسطين من رصيد حلف المقاومة، ونقل «إسرائيل» رسمياً إلى حلف مواجهة الإرهاب بعد توصيف المقاومة في فلسطين إرهاباً، واللجوء إلى موسكو ولو ابتزازاً صار ضرورة، بعدما خاب الرهان الأميركي الإسرائيلي على مفعول أخطاء حماس نحو سورية في جعل حلف المقاومة يدير ظهره لما يجري في غزة. ثمة سؤال محيّر لماذا ماليزيا بعدما كانت طائرة مشابهة قد فقدت وأشارت أصابع الاتهام نحو الاستخبارات الأميركية لنقلها أسراراً ومعدات إلكترونية اشترتها الصين من قراصنة أفغان تتضمّن تقنيات عسكرية أميركية، والقاعدة تقول من يفعلها مرة يقدر أن يفعلها مرة أخرى؟

المصدر : ناصر قنديل -


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة