منذ ابتداء العلاقة "الايجابية" بين رئيس الحكومة سعد الحريري والقيادة السورية، تبيّن ان ثمرة هذه العلاقة بين الطرفين ستكون نتيجة حل يقضي بتراجع الحريري ومحيطه عن المطالبة بمعاقبة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اذا كانت هذه المحكمة ستتهم سوريا بالجريمة بعدما كانت معلومات وتوقعات هذا الفريق تصب كلها في خانة ضلوعها فيها منفردة، او بمشاركة الحزب.

من الثابت ان الانفتاح الحريري السوري المتبادل لم يكن ليرى النور لولا انتهاج الحريري ومن معه محلياً وخارجياً نهج تبرئة دمشق من هذه الجريمة وتحييدها عنها وطي صفحة الصراع معها بدعم سعودي قوي ومباشر. لكن هذا التغيير لم يشمل بالنسبة الى الحريري ومحيطه الأطراف الآخرين الذين قد يطالهم الاتهام بالاغتيال وفي مقدمتهم حزب لله وفق السيناريو الذي نشر في صحيفتي دير شبيغل والفيغارو . وكان رهان الحريري يقوم على فصل سوريا عن حزب لله في حال توجيه المحكمة اتهامها له، لحسابات تتصل بالصراع من اجل البقاء بالنسبة للنظام في سوريا على قاعدة الصفقات التاريخية. وكانت قناعة هذا الفريق مبنية على الاستنتاج بان دمشق غير ضالعة عن حق في جريمة الاغتيال، وان ضلوع حزب لله فيها يضر بسياستها وإستراتيجية "حافة الهاوية" التي تنتهجها دمشق منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد. وبالتالي فهي غير مستعدة لتحمّل عاقبة تورّط الحزب في الجريمة وما يستتبعه من ضرر على المستويين الاستراتيجيين المحلي والدولي.

بعد إقدام الحريري على إعلان التراجع الرسمي عن اتهام سورية باغتيال والده عبر صحيفة الشرق الأوسط، كانت الخطوة التالية المنتظرة منه هي شمول حزب لله بهذه التبرئة من الجريمة بسبب الجوّ العام الاميريكي والاوروبي والعربي الهادف إلى تجريد المقاومة من سلاحها وهذه المرّة عبر المحكمة الدولية بعد فشل تحقيق هذا الهدف عبر المحاولات السابقة والتي كانت آخرها حرب تموز العام 2006، التي أفضت الى تثبيت واقع شرق أوسطي كرّسته المقاومة، بدل الشرق الأوسط الجديد الذي وعدت به وزيرة الخارجية الاميريكية السابقة كوندوليزا رايس خلال تلك الحرب.

أمام هذا الواقع باتت خيارات الحريري في موضوع المحكمة محصورة بين حدّين، أولهما التراجع عن الاتهام لسورية تحت مظلة التفاهم السوري السعودي، وثانيهما عدم التخلّي عن المحكمة وعملها الذي يقتنع الحريري به حتى لو طال اتهامها حزب لله، مع تلميحه إلى إمكانية التوصل إلى مخرج لقيادة الحزب يجلها غير متورطة رسمياً بما يحمي أركانها من العقاب من دون تعريض سلاحه للانتزاع عبر هذا الملف.

تشير المعلومات الواردة من أوساط الرئيس الحريري غالى "البناء" ان ولي دم الرئيس الشهيد مستعد للتضحية بالعقاب وليس بالمحكمة وحكمها في جريمة اغتيال والده، وهذا الآمر هو في أساس الاقتناع السعودي بان الموضوع يستحق التضحية مقابل استقرارالمجمتع والحكم اللبنانيين في عهدة الحريري الذي لا يستطيع لا هو ولا غيره من الطائفة السنّية ممارسة الحد الادنى من الحكم وسط حرب اهلية اسلامية ولبنانية يؤدي الحسم فيها الى تفتيت الدولة الهشّة الى دويلات طائفية ومذهبية في أحسن الأحوال، وتصبح حينها جريمة اغتيال والده من التاريخ. لكن الحريري ومن معه يريدون انتصاراً ولو معنوياً على الاقل، وهو مستعد للعفو وإنهاء مفاعيل المحكمة بعد صدور قراراتها وفي مقدمتها القرار الظنّي وليس قبلها فيكون انتصاره حينها مزدوجاً، حيث تكون ادانة المتهمين قد تحققت نظرياً، وعفوه عنهم لإنقاذ الدولة قد جعل منه رجل دولة و بطل تاريخي عملياً.

  • فريق ماسة
  • 2010-10-29
  • 9352
  • من الأرشيف

ما هـو شــرط الحريري لإنهاء المحكمة

منذ ابتداء العلاقة "الايجابية" بين رئيس الحكومة سعد الحريري والقيادة السورية، تبيّن ان ثمرة هذه العلاقة بين الطرفين ستكون نتيجة حل يقضي بتراجع الحريري ومحيطه عن المطالبة بمعاقبة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اذا كانت هذه المحكمة ستتهم سوريا بالجريمة بعدما كانت معلومات وتوقعات هذا الفريق تصب كلها في خانة ضلوعها فيها منفردة، او بمشاركة الحزب. من الثابت ان الانفتاح الحريري السوري المتبادل لم يكن ليرى النور لولا انتهاج الحريري ومن معه محلياً وخارجياً نهج تبرئة دمشق من هذه الجريمة وتحييدها عنها وطي صفحة الصراع معها بدعم سعودي قوي ومباشر. لكن هذا التغيير لم يشمل بالنسبة الى الحريري ومحيطه الأطراف الآخرين الذين قد يطالهم الاتهام بالاغتيال وفي مقدمتهم حزب لله وفق السيناريو الذي نشر في صحيفتي دير شبيغل والفيغارو . وكان رهان الحريري يقوم على فصل سوريا عن حزب لله في حال توجيه المحكمة اتهامها له، لحسابات تتصل بالصراع من اجل البقاء بالنسبة للنظام في سوريا على قاعدة الصفقات التاريخية. وكانت قناعة هذا الفريق مبنية على الاستنتاج بان دمشق غير ضالعة عن حق في جريمة الاغتيال، وان ضلوع حزب لله فيها يضر بسياستها وإستراتيجية "حافة الهاوية" التي تنتهجها دمشق منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد. وبالتالي فهي غير مستعدة لتحمّل عاقبة تورّط الحزب في الجريمة وما يستتبعه من ضرر على المستويين الاستراتيجيين المحلي والدولي. بعد إقدام الحريري على إعلان التراجع الرسمي عن اتهام سورية باغتيال والده عبر صحيفة الشرق الأوسط، كانت الخطوة التالية المنتظرة منه هي شمول حزب لله بهذه التبرئة من الجريمة بسبب الجوّ العام الاميريكي والاوروبي والعربي الهادف إلى تجريد المقاومة من سلاحها وهذه المرّة عبر المحكمة الدولية بعد فشل تحقيق هذا الهدف عبر المحاولات السابقة والتي كانت آخرها حرب تموز العام 2006، التي أفضت الى تثبيت واقع شرق أوسطي كرّسته المقاومة، بدل الشرق الأوسط الجديد الذي وعدت به وزيرة الخارجية الاميريكية السابقة كوندوليزا رايس خلال تلك الحرب. أمام هذا الواقع باتت خيارات الحريري في موضوع المحكمة محصورة بين حدّين، أولهما التراجع عن الاتهام لسورية تحت مظلة التفاهم السوري السعودي، وثانيهما عدم التخلّي عن المحكمة وعملها الذي يقتنع الحريري به حتى لو طال اتهامها حزب لله، مع تلميحه إلى إمكانية التوصل إلى مخرج لقيادة الحزب يجلها غير متورطة رسمياً بما يحمي أركانها من العقاب من دون تعريض سلاحه للانتزاع عبر هذا الملف. تشير المعلومات الواردة من أوساط الرئيس الحريري غالى "البناء" ان ولي دم الرئيس الشهيد مستعد للتضحية بالعقاب وليس بالمحكمة وحكمها في جريمة اغتيال والده، وهذا الآمر هو في أساس الاقتناع السعودي بان الموضوع يستحق التضحية مقابل استقرارالمجمتع والحكم اللبنانيين في عهدة الحريري الذي لا يستطيع لا هو ولا غيره من الطائفة السنّية ممارسة الحد الادنى من الحكم وسط حرب اهلية اسلامية ولبنانية يؤدي الحسم فيها الى تفتيت الدولة الهشّة الى دويلات طائفية ومذهبية في أحسن الأحوال، وتصبح حينها جريمة اغتيال والده من التاريخ. لكن الحريري ومن معه يريدون انتصاراً ولو معنوياً على الاقل، وهو مستعد للعفو وإنهاء مفاعيل المحكمة بعد صدور قراراتها وفي مقدمتها القرار الظنّي وليس قبلها فيكون انتصاره حينها مزدوجاً، حيث تكون ادانة المتهمين قد تحققت نظرياً، وعفوه عنهم لإنقاذ الدولة قد جعل منه رجل دولة و بطل تاريخي عملياً.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة