دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
قد نكون ما زلنا جميعاً في موقع المستهتر أوالمستهزئ بداعش، إلاّ أنّ ما نراه يومًا بعد يومٍ يثبتُ أنّنا أمام تنظيمٍ يعرف ماذا يفعل وإلى أين يريد الوصول.
تعلّم هذا التنظيم من تجربته في سورية وحقّق إنجازاتٍ كبيرةً في العراق، وها هو يُسقِط تجربته في العراق على سورية.
قد يكون تنظيم الدّولة الإسلامية الوحيد بين التنظيمات المتشدّدة الذي يستغلّ الثغرات ونقاط الضعف ويتسلّل منها ليحقق قفزاتٍ ميدانيةً سريعة.
وقبل الدخول في قراءة ما حصل وسيحصل من خلال سيطرة داعش اليوم على حقل الشاعر للغاز القريب من تدمر، لا بدّ من إعادة توصيفٍ سابقٍ لي لتنظيم الدولة الإسلامية لترابط الأمر بموضوعنا.
أثبت تنظيم الدولة الإسلامية أنه تنظيمٌ يضمّ قيادةً محترفة تعرف كيف تخطّط وتعرف كيف تستثمر عديدها وعدّتها وكيف تستخدم كل شيء بين أيديها.
أولًا: العامل العسكري والاستخباراتي:
- أثبتت داعش أنها تولي التدريب المتمثل في اكتساب مهارات الميدان واستخدام الأسلحة، وخصوصاً التدريبات المتعلقة بالقتال من الحركة والإغارة السريعة بقواتٍ كبيرة على أهداف ضعيفة في توقيتٍ واحدٍ وفي أكثر من إتجاه، كما صار واضحًا أنّ هجمات داعش مرتبطةٌ بمعلوماتٍ استخباراتيةٍ دقيقةٍ تتجاوز الاستعلام الميداني لتصل إلى معلومات لا تؤمّنها إلاّ طائرات الاستطلاع والأقمار الصناعية، وهذا ما يؤكد ارتباط داعش بجهات إقليمية ودولية.
- السيطرة على حقول النفط والغاز كانت الأهداف التي تسبق السيطرة على المساحات المحيطة فيها وتحصين هذه المواقع بعد السيطرة عليها وتحويلها إلى قلاع عسكرية، وتأتي هذه السيطرة تحت فهمٍ دقيقٍ لداعش لأهمية العامل الاقتصادي في تأمين استمرارية القتال والاستقطاب لمقاتلين جدد بشكلٍ دائم، كما لا يغيب عن بالنا مواقع اقتصادية أخرى كالسدود ومحطات المياه والكهرباء للتحكم مستقبلًا بالمدن الكبرى.
- استخدام الإعلام من قبل متخصصين وخبراء ينضوون تحت لواء داعش، وربما خبراء من الدول الداعمة لهم، لما للإعلام من أهميةٍ في إبراز انتصارات داعش وإنجازاتهم العسكرية، ولما يشكل أيضًا من تأثير في مخاطبة المنبهرين في فكرة الخلافة وجذبهم للهجرة إلى "أرض الخلافة"، وليس خافياً البيان الذي دعى فيه التنظيم المتخصصين من أطباء ومهندسين وحقوقيين وقضاة وغيرهم للهجرة إلى أرض الخلافة.
وبالانتقال إلى ما حصل اليوم بخصوص سيطرة داعش على حقل الشاعر في محيط تدمر، فإنّ ما حصل يدلّ على معرفة داعش بتوزّع القوى وعديدها والثغرات الميدانية، وما اختيار داعش لحقل الشاعر الذي يقع ضمن بيئة من مجموعة جبال إلاّ لتحقيق عامل التحصّن بوجه الطيران والمدفعية ولتصعيب المواجهة على قوات الجيش العربي السوري.
إذا نظرنا إلى الخارطة المرفقة نرى أنّ حقل الشاعر لا يبعد عن سلمية التي تعتبر عقدة مواصلات هامة باتجاه حلب وحمص وحماه، وكذلك باتجاه النبك عبر الطريق الصحراوي.
تبعد المسافة بين جبل الشاعر وسلمية حوالي 80 كلم، وأي تطوير للعمليات القادمة من قبل داعش سيكون باتجاهها بالتأكيد.
أمّا الهدف المباشر لداعش فسيكون تعقيد الوضع الميداني على وحدات الجيش السوري في جبهات حلب وحمص وحماه، من خلال جذب قوات الجيش السوري إلى جبهة جديدة وتخفيف الضغط عن الجبهات المذكورة.
أمّا الهدف الأبعد فهو الوصول إلى الساحل اللبناني عبر أرياف حمص.
قد يبدو الهدف المباشر ممكن التحقيق في ظلّ دوافع داعش وأهدافها المباشرة، رغم قناعتي بأنّ الغاية المباشرة هي السيطرة على مواقع الغاز وتشتيت قوة الجيش السوري، أقّله في المنظور القريب.
في الهدف بعيد المدى، يبدو الأمر مرتبطًا بالبيئات الحاضنة سواء تلك التي في البادية السورية أو في الشمال اللبناني، وعليه صار ملحًّا أن يحصل الحد الأدنى من التنسيق الاستخباراتي والعسكري بين الجيشين اللبناني والسوري.
ولا يجب أن يغيب عن بالنا التوسّع الذي تقوم به داعش على حساب الجماعات الأخرى في ريف حلب الشمالي، والذي سبقته سيطرة داعش على مناطق واسعة في دير الزور والبوكمال، وبالتأكيد في الرقّة الوجود الأقوى لداعش. بالإضافة إلى استهداف داعش للقوى الكردية على امتداد الحدود التركية السورية من عين عرب في ريف حلب الشرقي إلى اخترين في ريف حلب الشمالي.
من خلال تطورات اليوم، يبدو أنّنا أمام مرحلة معقّدة بعض الشيء، ولا يبدو وجود حلول مباشرة لحكاية داعش الاّ بـ:
1- القيام بعمليات قصف جوّي مرهقة لمعسكرات ومقرّات داعش وتسيير طائرات بدون طيار فوق مناطق البادية على خطوط التقدم المحتملة.
2- تفعيل التعاون والتنسيق الإستخباراتي بين الجيوش العراقي والسوري واللبناني، ووضع خطط للمناطق الحدودية المشتركة لمعالجة أية تطورات قادمة، كما مراقبة البيئات الحاضنة المحتملة التي قد تشكّل مفاجآت غير محسوبة.
3- اعتماد تكتيك الكمائن لقوات النخبة في البادية بواسطة الطوافات، على أن تكون مهمة هذه القوات استطلاعية لتبليغ طائرات وطوافات سلاح الجو السوري عن حركة أرتال وتحركات داعش.
4- المباشرة بفتح معركة مع القوة التي سيطرت على حقل الشاعر وإعادة الأمور الى ما كانت عليه.
إنّ دخول داعش على خط المعركة بهذه القوة في العراق وسورية يثبت أنّ مخطّط تقسيم المنطقة الى دويلات مذهبية وإثنية يسير بقوة، وأنّ القوى المخطِّطة والداعمة ما زالت قادرة على تحريك الكثير من التنظيمات وعلى رأسها داعش لتحويل هذا المخطط الى واقعٍ ملموس.
في المقابل لا يبدو أنّ محور المقاومة سيقف مكتوف الأيدي تجاه ما يحصل، ومن المؤكّد أنّ المرحلة القادمة ستكون مرحلة الانتقال من توجيه الرسائل الى مرحلة المواجهات الصعبة.
من الموصل الى غزّة، الهجمة واحدة والمعركة واحدة، والرّد المنطقي بتوحيد إرادات القتال والجبهات من غزّة الى الموصل.
*ضابط سابق (خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية)
المصدر :
سلاب نيوز/عمر معربوني
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة