من تابع خطاب الرئيس السوري بشار الأسد الذي ألقاه ظهر الأربعاء اثر أدائه اليمين الدستورية لولاية رئاسية ثالثة من سبع سنوات بعد فوزه في انتخابات رئاسية أجريت مطلع الشهر الماضي يلحظ علامات ثقة متزايدة، وشعور بالارتياح لسير الأمور في بلاده والمحيط الإقليمي المحيط به.

كان لافتا أن الرئيس الأسد، ومن خلال هذا الخطاب أراد أن يوجه رسائل عديدة، داخلية وخارجية، عنوانها الأبرز، ومثلما جاء في النص، تبرير سياسة "القبضة الحديدية" التي استخدمها ضد معارضيه، وصحة "نظرية المؤامرة" التي حذر منها منذ بداية "الثورة" في بلاده، وانخراط المعارضة المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة والعرب ودول الخليج في حرب دموية للإطاحة بنظامه.

وصول الرئيس الأسد إلى الباحة الخارجية للقصر الجمهوري وحده ودون حرس أو مرافقين، واستعراضه حرس الشرف بتأن فوق سجادة حمراء ولدقائق ثم الدخول إلى القاعة الرئيسية التي غصت بالوزراء وكبار الشخصيات وأعضاء مجلس الشعب، هذا الوصول وبروتوكولاته كان مقصودا، وجرى إعداده بعناية، لإيصال رسالة قوية تقول انه ليس رئيسا متخفيا في الغرف المغلقة أو في سراديب تحت الأرض، يخشى الاغتيال، وإنما هو رئيس يتحرك بصورة طبيعية مثل الزعماء الآخرين دون أي خوف أو قلق، وهذه "العلانية" في التنقل تطور جديد بالمقارنة بعام سابق أو اقل.

الورقة الأقوى التي يملكها الرئيس الأسد هي ورقة "الإرهاب" التي باتت على رأس سلم أولويات الدول الإقليمية والعالمية في الوقت الراهن، واحتلت مكان "أولوية" الإطاحة بنظامه، فصعود قوة "الدولة الإسلامية" واستيلائها على مناطق واسعة في سورية والعراق، وقلق دول إقليمية مثل السعودية والأردن وتركيا ولبنان وإسرائيل من هذا الصعود القوي، علاوة على الانهيار الأمني والبنيوي للدولة الليبية، وتفاقم الصراع الطائفي والعرقي في العراق، كلها عوامل وتطورات تخدم نظام الرئيس الأسد، وتساهم في تخفيف، إن لم تكن، إزالة الضغوط معظم على نظامه.

لم يكن مفاجئا أن يركز الرئيس الأسد في خطابه الرئيس على هذه التطورات، ويكرر كلمة "الإرهاب" أكثر من سبع مرات، والتحذير من امتداده خاصة عندما قال "الدول التي تدعم الإرهاب ستدفع ثمنا باهظا"، وأضاف حذرنا منذ بداية الإحداث من مخطط لن يقف عند حدود سورية بل سيتجاوزها لان هذا الإرهاب لا يعرف حدودا"، واتهم بوضوح دولا عربية وغربية بدعم هذا الإرهاب.

وتأتي حالة الثقة هذه الواضحة في خطاب الرئيس الأسد وتحدياته في وقت يتراجع فيه الاهتمام بالأزمة السورية إلى نقاط إقليمية أكثر سخونة مثل ليبيا والعراق والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وفي وقت تعاني فيه المعارضة السورية المسلحة والسياسية لنظامه حالة من الضعف والانقسامات الحادة هي الأكثر خطورة منذ بدء الأزمة، حيث تراجع الدعم الخارجي، والأمريكي منه بالذات، بينما أدركت دولا عربية مثل كل من المملكة العربية السعودية وقطر الداعم العربي الرئيسي لهذه المعارضة أن فرص سقوط النظام السوري تراجعت كثيرا وباتت محدودة أن لم تكن معدومة، وان تصاعد قوة الدولة الإسلامية العسكرية والعقائدية قد ترتد عليها بطريقة أو بأخرى، وتشكل خطرا حقيقيا على أمنها الوطني.

الرئيس الأسد كان يتحدث عن "خصومه" العرب وغير العرب بشماتة ملحوظة، وان كان حاول إخفاء ذلك، عندما خص شخصيتين، تصريحا وتلميحا من خصومه بالهجوم اللاذع، الأول هو السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي الذي انتقده بشدة وبالاسم ووصفه في خانة "العنتريات" عندما قال "انه كان يريد تحرير سورية والصلاة في المسجد الأموي، ولم يرد الصلاة في المسجد الأقصى، وأصبح في قطاع غزة حمل وديع″، وكذلك انتقد الأمير بندر بن سلطان تحت بند "البندريات" الذي وصفه بـ"الانبطاح" و"العمالة".

ويحمل الرئيس الأسد، مثلما هو واضح من الخطاب، "مرارة" غير معهودة تجاه السيد اردوغان ربما لأنه كان صديقا حميما وداعما رئيسيا له قبل أن ينقلب عليه ويتحول إلى رأس حربة في "مشروع″ أو "مؤامرة" إسقاط النظام السوري وتحويل بلاده إلى قاعدة رئيسية لمرور المقاتلين والأسلحة والأموال لدعم جبهات القتال ضد النظام السوري، ودعمه اللامحدود للإخوان المسلمين وتحويل اسطنبول إلى حاضنة ومقر لنشاطاتهم.

وربما من الصعب أن ينسى الرئيس الأسد التصريحات المهينة التي أطلقها السيد اردوغان في بداية الأزمة وهاجمه بشدة (أي الأسد) وعبارات قاسية أكد فيها أكثر من مرة أن أيامه باتت معدودة.

الرئيس الأسد، ونظامه، اتفقنا معه أو اختلفنا، خرج تقريبا من عنق الزجاجة، ولم يعد مهددا بالقدر الذي كان عليه الحال قبل عام أو ثلاثة أعوام، ولا نبالغ إذا قلنا أن وضع خصومه سواء الدول أو المعارضات بات مقلقا ويتطور نحو الأسوأ، وهذا ما يفسر حالة الارتياح التي باتت مرسومة على وجهه أثناء إلقاء الخطاب، ومن خلال بعض التعليقات الساخرة التي أطلقها وجاءت خروجا عن النص، وهذا لا يعني انه وصل إلى بر الأمان، فالطريق ما زال طويلا ومليئا بالمطيات وحقول الألغام المتفجرة، فليس هناك شيء دائم وغير متحول في منطقة ملتهبة مثل الشرق الأوسط هذه الأيام.

  • فريق ماسة
  • 2014-07-15
  • 6960
  • من الأرشيف

قراءة سريعة في خطاب الرئيس الأسد : ما أسباب ثقته المتزايدة ؟

من تابع خطاب الرئيس السوري بشار الأسد الذي ألقاه ظهر الأربعاء اثر أدائه اليمين الدستورية لولاية رئاسية ثالثة من سبع سنوات بعد فوزه في انتخابات رئاسية أجريت مطلع الشهر الماضي يلحظ علامات ثقة متزايدة، وشعور بالارتياح لسير الأمور في بلاده والمحيط الإقليمي المحيط به. كان لافتا أن الرئيس الأسد، ومن خلال هذا الخطاب أراد أن يوجه رسائل عديدة، داخلية وخارجية، عنوانها الأبرز، ومثلما جاء في النص، تبرير سياسة "القبضة الحديدية" التي استخدمها ضد معارضيه، وصحة "نظرية المؤامرة" التي حذر منها منذ بداية "الثورة" في بلاده، وانخراط المعارضة المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة والعرب ودول الخليج في حرب دموية للإطاحة بنظامه. وصول الرئيس الأسد إلى الباحة الخارجية للقصر الجمهوري وحده ودون حرس أو مرافقين، واستعراضه حرس الشرف بتأن فوق سجادة حمراء ولدقائق ثم الدخول إلى القاعة الرئيسية التي غصت بالوزراء وكبار الشخصيات وأعضاء مجلس الشعب، هذا الوصول وبروتوكولاته كان مقصودا، وجرى إعداده بعناية، لإيصال رسالة قوية تقول انه ليس رئيسا متخفيا في الغرف المغلقة أو في سراديب تحت الأرض، يخشى الاغتيال، وإنما هو رئيس يتحرك بصورة طبيعية مثل الزعماء الآخرين دون أي خوف أو قلق، وهذه "العلانية" في التنقل تطور جديد بالمقارنة بعام سابق أو اقل. الورقة الأقوى التي يملكها الرئيس الأسد هي ورقة "الإرهاب" التي باتت على رأس سلم أولويات الدول الإقليمية والعالمية في الوقت الراهن، واحتلت مكان "أولوية" الإطاحة بنظامه، فصعود قوة "الدولة الإسلامية" واستيلائها على مناطق واسعة في سورية والعراق، وقلق دول إقليمية مثل السعودية والأردن وتركيا ولبنان وإسرائيل من هذا الصعود القوي، علاوة على الانهيار الأمني والبنيوي للدولة الليبية، وتفاقم الصراع الطائفي والعرقي في العراق، كلها عوامل وتطورات تخدم نظام الرئيس الأسد، وتساهم في تخفيف، إن لم تكن، إزالة الضغوط معظم على نظامه. لم يكن مفاجئا أن يركز الرئيس الأسد في خطابه الرئيس على هذه التطورات، ويكرر كلمة "الإرهاب" أكثر من سبع مرات، والتحذير من امتداده خاصة عندما قال "الدول التي تدعم الإرهاب ستدفع ثمنا باهظا"، وأضاف حذرنا منذ بداية الإحداث من مخطط لن يقف عند حدود سورية بل سيتجاوزها لان هذا الإرهاب لا يعرف حدودا"، واتهم بوضوح دولا عربية وغربية بدعم هذا الإرهاب. وتأتي حالة الثقة هذه الواضحة في خطاب الرئيس الأسد وتحدياته في وقت يتراجع فيه الاهتمام بالأزمة السورية إلى نقاط إقليمية أكثر سخونة مثل ليبيا والعراق والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وفي وقت تعاني فيه المعارضة السورية المسلحة والسياسية لنظامه حالة من الضعف والانقسامات الحادة هي الأكثر خطورة منذ بدء الأزمة، حيث تراجع الدعم الخارجي، والأمريكي منه بالذات، بينما أدركت دولا عربية مثل كل من المملكة العربية السعودية وقطر الداعم العربي الرئيسي لهذه المعارضة أن فرص سقوط النظام السوري تراجعت كثيرا وباتت محدودة أن لم تكن معدومة، وان تصاعد قوة الدولة الإسلامية العسكرية والعقائدية قد ترتد عليها بطريقة أو بأخرى، وتشكل خطرا حقيقيا على أمنها الوطني. الرئيس الأسد كان يتحدث عن "خصومه" العرب وغير العرب بشماتة ملحوظة، وان كان حاول إخفاء ذلك، عندما خص شخصيتين، تصريحا وتلميحا من خصومه بالهجوم اللاذع، الأول هو السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي الذي انتقده بشدة وبالاسم ووصفه في خانة "العنتريات" عندما قال "انه كان يريد تحرير سورية والصلاة في المسجد الأموي، ولم يرد الصلاة في المسجد الأقصى، وأصبح في قطاع غزة حمل وديع″، وكذلك انتقد الأمير بندر بن سلطان تحت بند "البندريات" الذي وصفه بـ"الانبطاح" و"العمالة". ويحمل الرئيس الأسد، مثلما هو واضح من الخطاب، "مرارة" غير معهودة تجاه السيد اردوغان ربما لأنه كان صديقا حميما وداعما رئيسيا له قبل أن ينقلب عليه ويتحول إلى رأس حربة في "مشروع″ أو "مؤامرة" إسقاط النظام السوري وتحويل بلاده إلى قاعدة رئيسية لمرور المقاتلين والأسلحة والأموال لدعم جبهات القتال ضد النظام السوري، ودعمه اللامحدود للإخوان المسلمين وتحويل اسطنبول إلى حاضنة ومقر لنشاطاتهم. وربما من الصعب أن ينسى الرئيس الأسد التصريحات المهينة التي أطلقها السيد اردوغان في بداية الأزمة وهاجمه بشدة (أي الأسد) وعبارات قاسية أكد فيها أكثر من مرة أن أيامه باتت معدودة. الرئيس الأسد، ونظامه، اتفقنا معه أو اختلفنا، خرج تقريبا من عنق الزجاجة، ولم يعد مهددا بالقدر الذي كان عليه الحال قبل عام أو ثلاثة أعوام، ولا نبالغ إذا قلنا أن وضع خصومه سواء الدول أو المعارضات بات مقلقا ويتطور نحو الأسوأ، وهذا ما يفسر حالة الارتياح التي باتت مرسومة على وجهه أثناء إلقاء الخطاب، ومن خلال بعض التعليقات الساخرة التي أطلقها وجاءت خروجا عن النص، وهذا لا يعني انه وصل إلى بر الأمان، فالطريق ما زال طويلا ومليئا بالمطيات وحقول الألغام المتفجرة، فليس هناك شيء دائم وغير متحول في منطقة ملتهبة مثل الشرق الأوسط هذه الأيام.

المصدر : الماسة السورية/ راي اليوم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة