نجحت مساعي مصالحة مخيم اليرموك الفلسطيني قرب دمشق في إطلاق مبادرة جديدة لتحييده عن النار السورية، يرى الموقعون عليها أنها تمتلك فرص البقاء أكثر مما سبق من محاولات انتهت بالفشل، على مدى عام ونصف العام.

وإذا كان سبب الفشل الرئيسي يعزى سابقا من وجهة نظر السلطة والفصائل الفلسطينية إلى وجود «غرباء» بين المقاتلين المرابطين في المخيم، فإن أحد ابرز عوامل نجاح المبادرة الأخيرة، هو «الخوف من نفوذ الغرباء» في محيط المخيم، بعد أنباء عن تعاظم نفوذ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) في المنطقة. وقد نص أحد بنود الاتفاق على إبعاد «الغرباء» عن المنطقة، ووضع نقاط حراسة لمنع تسللهم مجددا.

واجتمع حتى فجر أمس في مبنى البلدية في اليرموك ممثلون عن السلطة السورية ومنظمة التحرير الفلسطينية والفصائل من جهة، مع ممثلين عن الكتائب المسلحة الموجودة في المخيم، والهيئات المدنية والأهلية ومكاتب «الأونروا» من جهة أخرى، ليتم التوصل إلى اتفاق من 11 بنداً، يبدأ تنفيذه بمجرد التوقيع عليه.

واحتفى العشرات من أهالي المخيم بالاتفاق الجديد، خصوصا أنه يأتي قبل اسبوع من حلول شهر رمضان، في وقت يعاني فيه المخيم من حصار اقتصادي مستمر منذ عام ونصف العام.

ويفترض أن يسمح التوقيع على هذا الاتفاق، والذي وصف بأنه «مبدئي»، بعودة المدنيين خلال يومين من تاريخ التنفيذ، ما يعني أن بداية الأسبوع قد تسمح بعودة عشرات المهجرين من المخيم لتفقد ممتلكاتهم، والاطمئنان على من ظل داخله.

ووفقا لما قاله أحد المتابعين لمفاوضات أمس الأول فإن أوامر أعطيت بإزالة السواتر، لبدء المرحلة الثانية من الاتفاق.

لكن الاتفاق نص أولا على «وضع نقاط تمركز حول حدود المخيم الإدارية، لضمان عدم دخول أي مسلح من خارج المخيم»، ويلي ذلك «تشكيل لجنة عسكرية مشتركة متفق عليها» وأخرى «أمنية مهمتها حفظ الأمن داخل المخيم». كما نص الاتفاق على «منع دخول أي شخص متهم بالقتل إلى المخيم حاليا إلى حين إتمام المصالحة الأهلية»، كما سمح بعودة أي «مسلح سابق إلى المخيم ولكن بصفته المدنية».

وبالطبع يمنع الاتفاق أي حضور أو استخدام «للسلاح الثقيل داخل المخيم»، كما يضمن «عدم تعرض المخيم لأي عمل عسكري»، على أن يتم «التعهد بمنع أي مسلح من جوار المخيم، ومن كافة المناطق، بالدخول إليه».

واتفق أيضا على «فتح المداخل الرئيسية لمخيم اليرموك وتجهيز البنى التحتية، وهو ما ستعمد إليه وزارات الدولة في الأيام القليلة المقبلة». وتعتبر الدولة، وفقا للموقعين على الاتفاق، هي «الضامن الوحيد لكل ما سلف» وقد مثلت في الاجتماع برئيس أحد الفروع الأمنية.

ورغم أن الاتفاق نص على «تسوية أوضاع المعتقلين ووقف إطلاق النار فوراً»، إلا ان بعض الناشطين عاب عليه عدم شموله بالعفو لناشطي الهيئات المدنية والإغاثية، الذين تعرضوا للملاحقة من قبل الطرفين، كما فقد قسم منهم في عمليات خطف وأحيانا قنص، ناهيك بالاعتقال. وانتقد آخرون غياب «مبدأ المحاسبة» لمنفذي العديد من عمليات النهب والسرقة التي جرت في أوقات الفوضى داخل المخيم. وقال مصدر مطلع، على أجواء اللقاء الطويل في مبنى البلدية، «ثمة وعود بدراسة ملف ناشطي الإغاثة، ولا سيما أن عملهم اقتصر على الدعم الإنساني، ولم يحملوا سلاحا».

وتفاءل موقعو الاتفاق لأسباب عدة، أبرزها أنه أول شكل من أشكال «الاتصال المباشر بين الفصائل المقاتلة في المخيم، وممثل عن الدولة السورية». وقال أحد المشاركين في اللقاء إلـ«السفير» ان الجانب الحكومي بدأ بتنفيذ بعض الأمور من اللحظة التي وضع ممثل الحكومة توقيعه على ورقة الاتفاق. وضم الموقعون أيضا ممثلين عن أربعة فصائل مسلحة، أبرزها مجموعة «أكناف بيت المقدس» المقربة من حركة «حماس». واتفق على أن تسلم المجموعة عتادها الثقيل إلى الأجهزة الأمنية السورية، ويتضمن أسلحة ثقيلة ومتوسطة، بينها مدرعتان. وبين الكتائب الموقعة أيضا «العهدة العمرية»، كما تردد أن «جبهة النصرة» وافقت على المبادرة أيضا لكن من دون أن يحضر ممثلها الاجتماع.

وتبدأ المرحلة الثانية من الاتفاق بإرسال وفد مشترك من 20 شخصا للتأكد من تمركز المقاتلين على النقاط الخمسين التي تمثل الحدود الإدارية للمخيم مع محيطه، على أن يتبعها تشكيل قوة مشتركة بين فصائل داخل المخيم وخارجه بعتاد خفيف، تتولى حفظ أمن المخيم وتتبع مرجعيتها لراعي الاتفاق الأساسي، المتمثل بالجانب الحكومي السوري.

ووفقا للناشط محمد جلبوط فإن عدة عوامل مهمة ساهمت في نجاح مساعي السبت. ورأى أن أحد أهم العوامل كان التسويات التي حصلت في محيط المخيم، والتي دفعت بـ«الغرباء» إلى وسطه، ما شكل إنذارا بإمكانية حصول معركة كبيرة مع الجيش السوري بهدف طردهم.

كما ساهم تقدم الجيش في الغوطة الشرقية وتضييقه الخناق على بلداتها، وضغط النازحين دورا مهما أيضا في تقريب مواقف الفصائل المسلحة من التسوية. ولا يخفي جلبوط أن ثمة عاملا اضافيا لا يقل خطورة عن العوامل التي سبقت، وهو التحول الذي حصل في ميزان القوى لمصلحة «داعش»، ولا سيما إثر أحداث العراق.

ووفقا لملاحظة الناشط الإغاثي فإن ثمة اتفاقا على أن «داعش» بات يمتلك وجودا ملحوظا في المخيم، ونفوذا واضحا على أطرافه. ويتفق ناشطون فلسطينيون على أن حوالى 900 مقاتل لتنظيم «داعش» موجودون في منطقة الحجر الأسود المتاخمة للمخيم، كما أن للتنظيم امتدادا في مناطق أخرى في ريف دمشق، الأمر الذي شكل، مع تعاظم قوته في المنطقة الشرقية، تهديدا لكل القوى المؤثرة في تلك المنطقة.

ويقول أحد المتابعين لمأساة المخيم الإنسانية على مدى الأشهر الطويلة التي مضت إن «ما شكل إنذارا محقا لكل القوى هنا، هو بدء بعض المقاتلين بمبايعة داعش بعد سماعهم بانتصاراته الأخيرة، بالإضافة إلى انتشار بعض رجال الدين المقربين منه في المخيم، الأمر الذي يعني أن مصيرا اسود يمكن أن يحل إن لم نتحرك».

 

 

  • فريق ماسة
  • 2014-06-22
  • 8523
  • من الأرشيف

دمشق: اتفاق جديد في اليرموك مخاوف من امتداد «داعش» إلى المخيم

نجحت مساعي مصالحة مخيم اليرموك الفلسطيني قرب دمشق في إطلاق مبادرة جديدة لتحييده عن النار السورية، يرى الموقعون عليها أنها تمتلك فرص البقاء أكثر مما سبق من محاولات انتهت بالفشل، على مدى عام ونصف العام. وإذا كان سبب الفشل الرئيسي يعزى سابقا من وجهة نظر السلطة والفصائل الفلسطينية إلى وجود «غرباء» بين المقاتلين المرابطين في المخيم، فإن أحد ابرز عوامل نجاح المبادرة الأخيرة، هو «الخوف من نفوذ الغرباء» في محيط المخيم، بعد أنباء عن تعاظم نفوذ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) في المنطقة. وقد نص أحد بنود الاتفاق على إبعاد «الغرباء» عن المنطقة، ووضع نقاط حراسة لمنع تسللهم مجددا. واجتمع حتى فجر أمس في مبنى البلدية في اليرموك ممثلون عن السلطة السورية ومنظمة التحرير الفلسطينية والفصائل من جهة، مع ممثلين عن الكتائب المسلحة الموجودة في المخيم، والهيئات المدنية والأهلية ومكاتب «الأونروا» من جهة أخرى، ليتم التوصل إلى اتفاق من 11 بنداً، يبدأ تنفيذه بمجرد التوقيع عليه. واحتفى العشرات من أهالي المخيم بالاتفاق الجديد، خصوصا أنه يأتي قبل اسبوع من حلول شهر رمضان، في وقت يعاني فيه المخيم من حصار اقتصادي مستمر منذ عام ونصف العام. ويفترض أن يسمح التوقيع على هذا الاتفاق، والذي وصف بأنه «مبدئي»، بعودة المدنيين خلال يومين من تاريخ التنفيذ، ما يعني أن بداية الأسبوع قد تسمح بعودة عشرات المهجرين من المخيم لتفقد ممتلكاتهم، والاطمئنان على من ظل داخله. ووفقا لما قاله أحد المتابعين لمفاوضات أمس الأول فإن أوامر أعطيت بإزالة السواتر، لبدء المرحلة الثانية من الاتفاق. لكن الاتفاق نص أولا على «وضع نقاط تمركز حول حدود المخيم الإدارية، لضمان عدم دخول أي مسلح من خارج المخيم»، ويلي ذلك «تشكيل لجنة عسكرية مشتركة متفق عليها» وأخرى «أمنية مهمتها حفظ الأمن داخل المخيم». كما نص الاتفاق على «منع دخول أي شخص متهم بالقتل إلى المخيم حاليا إلى حين إتمام المصالحة الأهلية»، كما سمح بعودة أي «مسلح سابق إلى المخيم ولكن بصفته المدنية». وبالطبع يمنع الاتفاق أي حضور أو استخدام «للسلاح الثقيل داخل المخيم»، كما يضمن «عدم تعرض المخيم لأي عمل عسكري»، على أن يتم «التعهد بمنع أي مسلح من جوار المخيم، ومن كافة المناطق، بالدخول إليه». واتفق أيضا على «فتح المداخل الرئيسية لمخيم اليرموك وتجهيز البنى التحتية، وهو ما ستعمد إليه وزارات الدولة في الأيام القليلة المقبلة». وتعتبر الدولة، وفقا للموقعين على الاتفاق، هي «الضامن الوحيد لكل ما سلف» وقد مثلت في الاجتماع برئيس أحد الفروع الأمنية. ورغم أن الاتفاق نص على «تسوية أوضاع المعتقلين ووقف إطلاق النار فوراً»، إلا ان بعض الناشطين عاب عليه عدم شموله بالعفو لناشطي الهيئات المدنية والإغاثية، الذين تعرضوا للملاحقة من قبل الطرفين، كما فقد قسم منهم في عمليات خطف وأحيانا قنص، ناهيك بالاعتقال. وانتقد آخرون غياب «مبدأ المحاسبة» لمنفذي العديد من عمليات النهب والسرقة التي جرت في أوقات الفوضى داخل المخيم. وقال مصدر مطلع، على أجواء اللقاء الطويل في مبنى البلدية، «ثمة وعود بدراسة ملف ناشطي الإغاثة، ولا سيما أن عملهم اقتصر على الدعم الإنساني، ولم يحملوا سلاحا». وتفاءل موقعو الاتفاق لأسباب عدة، أبرزها أنه أول شكل من أشكال «الاتصال المباشر بين الفصائل المقاتلة في المخيم، وممثل عن الدولة السورية». وقال أحد المشاركين في اللقاء إلـ«السفير» ان الجانب الحكومي بدأ بتنفيذ بعض الأمور من اللحظة التي وضع ممثل الحكومة توقيعه على ورقة الاتفاق. وضم الموقعون أيضا ممثلين عن أربعة فصائل مسلحة، أبرزها مجموعة «أكناف بيت المقدس» المقربة من حركة «حماس». واتفق على أن تسلم المجموعة عتادها الثقيل إلى الأجهزة الأمنية السورية، ويتضمن أسلحة ثقيلة ومتوسطة، بينها مدرعتان. وبين الكتائب الموقعة أيضا «العهدة العمرية»، كما تردد أن «جبهة النصرة» وافقت على المبادرة أيضا لكن من دون أن يحضر ممثلها الاجتماع. وتبدأ المرحلة الثانية من الاتفاق بإرسال وفد مشترك من 20 شخصا للتأكد من تمركز المقاتلين على النقاط الخمسين التي تمثل الحدود الإدارية للمخيم مع محيطه، على أن يتبعها تشكيل قوة مشتركة بين فصائل داخل المخيم وخارجه بعتاد خفيف، تتولى حفظ أمن المخيم وتتبع مرجعيتها لراعي الاتفاق الأساسي، المتمثل بالجانب الحكومي السوري. ووفقا للناشط محمد جلبوط فإن عدة عوامل مهمة ساهمت في نجاح مساعي السبت. ورأى أن أحد أهم العوامل كان التسويات التي حصلت في محيط المخيم، والتي دفعت بـ«الغرباء» إلى وسطه، ما شكل إنذارا بإمكانية حصول معركة كبيرة مع الجيش السوري بهدف طردهم. كما ساهم تقدم الجيش في الغوطة الشرقية وتضييقه الخناق على بلداتها، وضغط النازحين دورا مهما أيضا في تقريب مواقف الفصائل المسلحة من التسوية. ولا يخفي جلبوط أن ثمة عاملا اضافيا لا يقل خطورة عن العوامل التي سبقت، وهو التحول الذي حصل في ميزان القوى لمصلحة «داعش»، ولا سيما إثر أحداث العراق. ووفقا لملاحظة الناشط الإغاثي فإن ثمة اتفاقا على أن «داعش» بات يمتلك وجودا ملحوظا في المخيم، ونفوذا واضحا على أطرافه. ويتفق ناشطون فلسطينيون على أن حوالى 900 مقاتل لتنظيم «داعش» موجودون في منطقة الحجر الأسود المتاخمة للمخيم، كما أن للتنظيم امتدادا في مناطق أخرى في ريف دمشق، الأمر الذي شكل، مع تعاظم قوته في المنطقة الشرقية، تهديدا لكل القوى المؤثرة في تلك المنطقة. ويقول أحد المتابعين لمأساة المخيم الإنسانية على مدى الأشهر الطويلة التي مضت إن «ما شكل إنذارا محقا لكل القوى هنا، هو بدء بعض المقاتلين بمبايعة داعش بعد سماعهم بانتصاراته الأخيرة، بالإضافة إلى انتشار بعض رجال الدين المقربين منه في المخيم، الأمر الذي يعني أن مصيرا اسود يمكن أن يحل إن لم نتحرك».    

المصدر : السفير / زياد حيدر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة