المشهد العراقي، الآن، هو كالآتي:أولاً، على المستوى المحلي:ـــ هناك توسّع، بل انفجار في نشاط الفصائل المسلحة في محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين والأنبار، اضافة إلى منطقة شرق وغرب العاصمة بغداد، أي، طائفياً، في مناطق العرب "السنّة". وهي نفسها المناطق التي عرفت انطلاق المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي العام 2003، وتحولت، لاحقاً، إلى مأوى للسلفية المقاتلة و«القاعدة» ـــ «الدولة الإسلامية» ــــ «داعش».

لدى الانقلاب الذي شهدته الموصل، ظهرت «داعش»، باعتبارها القوة الرئيسية في ذلك الانقلاب؛ اليوم، اتضح أن «داعش» هي منظمة متماسكة ومصممة وتمتلك موارد مالية وبشرية هائلة، ولكن قوتها غير حاسمة. الأمر نفسه ينطبق على المنظمتين التاليتين في ترتيب القوى، أي النقشبندية والبعث؛ ذلك ما يدفع المراقب إلى التنبيه إلى امكانية إغفال المسميات السياسية لمصلحة العشائر وشبكات ضباط الجيش العراقي السابق.

ــــ تحقق الفصائل المسلحة، بمختلف أطيافها، نجاحات في السيطرة على مواقع جديدة في المناطق المذكورة أعلاه، إنما في إطار فوضى سياسية عارمة؛ فلا توجد قوة قائدة للحركة المسلحة، بينما تسعى «داعش» إلى فرض سيطرتها والحصول على «البيعة» بالعنف الدموي. وهو ما عجّل بالصدام المسلح بينها وبين الفصائل الأخرى، ومنها جماعة بعث الدوري.

ــــ ما تزال التيارات السياسية في بغداد والجنوب، ذات الأغلبية البرلمانية ــــ الطائفية، عاجزة عن تشكيل حكومة إنقاذ وطني، بل عاجزة عن اجتراح خطاب وحدوي. وهذا حتمي بسبب كونها تيارات دينية ــــ سياسية؛ وكل تيار ديني ــــ سياسي في العراق هو طائفي بالضرورة.

ــــ لا يمكن أن يكون هناك دليل على سقوط ما يسمى «العملية السياسية» والإسلام السياسي والميليشياوي، بفرعيه "الشيعي والسني"، أكبر من انجرار البلد إلى حد التقسيم الواقعي والفوضى الأمنية والسياسية والعنف والإرهاب، بالإضافة إلى ما هو معروف من فساد نظام ما بعد الاحتلال وعجزه عن إعادة إعمار العراق، الذي يُعدّ من أغنى بلدان المنطقة. الأكثر دلالة أن حكومة بغداد لا تزال ــــ مثلما كانت في زمن المعارضة ــــ تستنصر المحتل الأميركي لتمكينها من الحكم.

ــــ استغلت القوى الحاكمة في كردستان العراق الشقاق في صفوف القومية العربية العراقية، وبالتواطؤ مع الإرهابيين، للتوسع العدواني اللصوصي باحتلال كركوك، والتحضير للانفصال الكامل عن الجمهورية، والمجاهرة بالعلاقات التجارية (بالإضافة إلى السياسية والأمنية) مع العدو الصهيوني، الزبون الرئيسي المحتمل لنفط كردستان عبر تركيا؛ أثبت حكام كردستان، مرة أخرى، عدوانيتهم إزاء الجمهورية الاتحادية؛ فالفدرالية تعني، بالنسبة إليهم، الانفصال والتوسع والاحتلال والنهب والتحالف مع إسرائيل.

ثانياً، على المستوى الإقليمي:

ــــ السعودية وقطر الوهابيتان الصهيونيتان ضالعتان في المؤامرة على العراق. وهما تصبّان دعمهما المادي والسياسي وراء «داعش» تحديداً، وتؤيدان سيطرتها على مختلف الفصائل والمناطق، للأسباب التالية: (1) تتبع «داعش» أولوية مقاتلة «العدو القريب»، أي السنّة الذين لا يخضعون لها والشيعة والعلويين والمسيحيين الخ، (2) وهو ما يضمن دوام الحرب الطائفية وتقسيم العراق وانهاكه، (3) و لا تتبع «داعش» خط «القاعدة» الأممي أو الإسلامي أو حتى العربي؛ إنها تحصر نشاطها في إقليم الهلال الخصيب، ولا تعتبر الخليج ــــ باستثناء الكويت المعتبرة عراقية ــــ ومن حيث المبدأ، مجالا لنشاطها العنفي أو أهدافها السياسية. (هنا، نلاحظ الدافع العميق لابتعاد الكويت والأردن عن الخط السعودي في دعم «داعش»).

العراق الموحد القوي المزدهر، سواء أكان حكامه من "السنة أو الشيعة"، يُعدّ ــــ مع إيران ــــ العدوّين الإقليميين الرئيسيان للسعودية التي غذت الحرب الضروس بين البلدين؛ فتحالفت مع نظام الرئيس الراحل صدام حسين ضد الإيرانيين، ثم مع الأخيرين ضده، منذ حرب الكويت 1990، واستجرت العدوان الأميركي والحصار والاحتلال على البلد الذي ــــ بسبب حجمه الاجتماعي والحضاري والثقافي وغناه بالموارد ــــ يمثّل نوعاً من التحدي الوجودي لمجمل المنظومة الخليجية. وبعد التفاهم الأميركي ــــ الإيراني على إدارة العراق بما يسمى العملية السياسية الطائفية، اتبعت الرياض ومولت نهج الإرهاب ضد «الحكم الشيعي» باسم «المظلومية السنية»؛ وكان الهدف دائما شطب العراق عن الخارطة.

ــــ ما تزال إيران تريد الاحتفاظ بمكاسبها السياسية الإقليمية في العراق،  وإذا كان ذلك يخدم طهران في تثبيت حكم الإسلام السياسي في القسم "الشيعي" من العراق، فإنه يضر بالمصالح الجيوسياسية والأمنية الإيرانية من عدة جهات بينها (1) منع التواصل مع سوريا ولبنان وكسر التواصل الجغرافي للمحور، (2) انفجار الملف الكردي ــــ الإيراني، (3) اقتراب القوى الإرهابية من الحدود الإيرانية، والتحريض المذهبي الداخلي في الجمهورية الإسلامية.

ــــ تركيا، التي تدعم الإرهاب بكل أشكاله، في سوريا والعراق، لا تزال في الخندق نفسه؛ ترمي إلى توسيع نفوذها في هلال سنّي والحد من النفوذ الإيراني واستخدام وساطتها بين حكام كردستان المتصهينين وإسرائيل، للسيطرة على الملف الكردي ــــ التركي؛ علاقات أنقرة الغامضة بـ «داعش» يكشفها تصدير النفط السوري من الحقول التي تسيطر عليها المنظمة الإرهابية، كما أن دعمها لحل مجمل القضية الكردية على حساب العراق هدف أصبح صريحاً في عدوانيته؛ إنها العامل الإقليمي الرئيسي في انفصال كردستان العراق وتوسعها.

ــــ مصر! لا تزال خارج اللعبة الإقليمية؛ هدفها المباشر إرضاء «حكيم العرب» المسؤول، شخصياً، عن دماء مئات الألوف في سوريا والعراق.

ــــ دولة الكيان الصهيوني، أصبحت أصغر من أن تكون عاملا إقليميا مؤثرا؛ لا يحسب حسابها، رغم أنها تفيد من الحروب الأهلية العربية، ولكن مدار قوتها لا يتعدى البحث الفاشل عن ثلاثة مختطفين إسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة.

ثالثاً، على المستوى الدولي:

ــــ واشنطن قررت سياستها إزاء الأزمة العراقية: استمرار الحرب الأهلية لتحقيق هدفين: الضغط على إيران، وابتزاز حكومة نوري المالكي ومقايضة الدعم بالنفوذ؛ هذه سياسة منحطة بالكامل، وتؤيد، في الآن نفسه، الإرهاب والعملية السياسية الطائفية، باعتبارها السياق العام الذي لا يزال يمنع نهوض العراق من براثن فترة الاحتلال.

ــــ موسكو تتبع الخط المبدئي المعادي للإرهاب؛ أعلنت وقوفها إلى جانب بغداد ضد الإرهابيين؛ إلا أن بغداد لا تملك الإرادة والاستقلالية الكافية لإنشاء تحالف مع الروس يماثل التحالف الروسي ـــــ السوري؛ ربما يكون المخرج، هنا، مثلث روسي ــــ إيراني يدعم تدخلاً سياسياً ــــ وعسكرياً ــــ سورياً؛ فسوريا، بحكم التداخل الجغرافي والسكاني والسياسي والقومي الخ، عامل رئيسي في العراق؛ نظرتها إلى الأزمة العراقية الراهنة تتوافق مع الإيرانيين في محاربة «داعش» ومنع سقوط حكومة نوري المالكي بالقوة، لكنها تحتفظ بسياسة سورية قومية إزاء المشهد العراقي ككلّ؛ لها حلفاء وأصدقاء بين الفريقين، ويمكنها أن تلعب دوراً إيجابياً فعالاً إذا فهم الإيرانيون أن العراق هو قضية مشرقية عربية؛ الروس، وفق كل المؤشرات، جاهزون.

استمرار العملية السياسية الطائفية في العراق هو وصفة للحرب الأهلية والتقسيم وانتصار الإرهاب؛ الحل في جمعية وطنية عراقية تأسيسية لدولة وطنية مركزية لا تعترف بالمحاصصة الطائفية والاتنية، تقوم على المشاركة، لا على الأغلبيات الطائفية والمطامع الاتنية؛ دولة ترى حضورها تأسيسياً لمشرق جديد، ولا تشكل انفصالا عنه.

«داعش»، على جرائمها البشعة، كسرت الحدود بين سوريا والعراق؛ لا يمكن، بعد كسر «داعش» ــــ والإرهاب ــــ داخل القُطرين كلا على حدة: الرد على الدولة الإسلامية الطائفية في العراق والشام ، هو الدولة القومية فيهما؛ الرد على تقسيم المقسم في سايكس بيكو هو وحدة المشرق العربي؛ هذا التحدي مرهون بالقوى القومية المدنية العلمانية التقدمية؛ فرصة صعبة لكنها موجودة وممكنة، في دمشق، ومن دمشق.

  • فريق ماسة
  • 2014-06-22
  • 11207
  • من الأرشيف

العراق... الأزمة والحل المشرقي

المشهد العراقي، الآن، هو كالآتي:أولاً، على المستوى المحلي:ـــ هناك توسّع، بل انفجار في نشاط الفصائل المسلحة في محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين والأنبار، اضافة إلى منطقة شرق وغرب العاصمة بغداد، أي، طائفياً، في مناطق العرب "السنّة". وهي نفسها المناطق التي عرفت انطلاق المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي العام 2003، وتحولت، لاحقاً، إلى مأوى للسلفية المقاتلة و«القاعدة» ـــ «الدولة الإسلامية» ــــ «داعش». لدى الانقلاب الذي شهدته الموصل، ظهرت «داعش»، باعتبارها القوة الرئيسية في ذلك الانقلاب؛ اليوم، اتضح أن «داعش» هي منظمة متماسكة ومصممة وتمتلك موارد مالية وبشرية هائلة، ولكن قوتها غير حاسمة. الأمر نفسه ينطبق على المنظمتين التاليتين في ترتيب القوى، أي النقشبندية والبعث؛ ذلك ما يدفع المراقب إلى التنبيه إلى امكانية إغفال المسميات السياسية لمصلحة العشائر وشبكات ضباط الجيش العراقي السابق. ــــ تحقق الفصائل المسلحة، بمختلف أطيافها، نجاحات في السيطرة على مواقع جديدة في المناطق المذكورة أعلاه، إنما في إطار فوضى سياسية عارمة؛ فلا توجد قوة قائدة للحركة المسلحة، بينما تسعى «داعش» إلى فرض سيطرتها والحصول على «البيعة» بالعنف الدموي. وهو ما عجّل بالصدام المسلح بينها وبين الفصائل الأخرى، ومنها جماعة بعث الدوري. ــــ ما تزال التيارات السياسية في بغداد والجنوب، ذات الأغلبية البرلمانية ــــ الطائفية، عاجزة عن تشكيل حكومة إنقاذ وطني، بل عاجزة عن اجتراح خطاب وحدوي. وهذا حتمي بسبب كونها تيارات دينية ــــ سياسية؛ وكل تيار ديني ــــ سياسي في العراق هو طائفي بالضرورة. ــــ لا يمكن أن يكون هناك دليل على سقوط ما يسمى «العملية السياسية» والإسلام السياسي والميليشياوي، بفرعيه "الشيعي والسني"، أكبر من انجرار البلد إلى حد التقسيم الواقعي والفوضى الأمنية والسياسية والعنف والإرهاب، بالإضافة إلى ما هو معروف من فساد نظام ما بعد الاحتلال وعجزه عن إعادة إعمار العراق، الذي يُعدّ من أغنى بلدان المنطقة. الأكثر دلالة أن حكومة بغداد لا تزال ــــ مثلما كانت في زمن المعارضة ــــ تستنصر المحتل الأميركي لتمكينها من الحكم. ــــ استغلت القوى الحاكمة في كردستان العراق الشقاق في صفوف القومية العربية العراقية، وبالتواطؤ مع الإرهابيين، للتوسع العدواني اللصوصي باحتلال كركوك، والتحضير للانفصال الكامل عن الجمهورية، والمجاهرة بالعلاقات التجارية (بالإضافة إلى السياسية والأمنية) مع العدو الصهيوني، الزبون الرئيسي المحتمل لنفط كردستان عبر تركيا؛ أثبت حكام كردستان، مرة أخرى، عدوانيتهم إزاء الجمهورية الاتحادية؛ فالفدرالية تعني، بالنسبة إليهم، الانفصال والتوسع والاحتلال والنهب والتحالف مع إسرائيل. ثانياً، على المستوى الإقليمي: ــــ السعودية وقطر الوهابيتان الصهيونيتان ضالعتان في المؤامرة على العراق. وهما تصبّان دعمهما المادي والسياسي وراء «داعش» تحديداً، وتؤيدان سيطرتها على مختلف الفصائل والمناطق، للأسباب التالية: (1) تتبع «داعش» أولوية مقاتلة «العدو القريب»، أي السنّة الذين لا يخضعون لها والشيعة والعلويين والمسيحيين الخ، (2) وهو ما يضمن دوام الحرب الطائفية وتقسيم العراق وانهاكه، (3) و لا تتبع «داعش» خط «القاعدة» الأممي أو الإسلامي أو حتى العربي؛ إنها تحصر نشاطها في إقليم الهلال الخصيب، ولا تعتبر الخليج ــــ باستثناء الكويت المعتبرة عراقية ــــ ومن حيث المبدأ، مجالا لنشاطها العنفي أو أهدافها السياسية. (هنا، نلاحظ الدافع العميق لابتعاد الكويت والأردن عن الخط السعودي في دعم «داعش»). العراق الموحد القوي المزدهر، سواء أكان حكامه من "السنة أو الشيعة"، يُعدّ ــــ مع إيران ــــ العدوّين الإقليميين الرئيسيان للسعودية التي غذت الحرب الضروس بين البلدين؛ فتحالفت مع نظام الرئيس الراحل صدام حسين ضد الإيرانيين، ثم مع الأخيرين ضده، منذ حرب الكويت 1990، واستجرت العدوان الأميركي والحصار والاحتلال على البلد الذي ــــ بسبب حجمه الاجتماعي والحضاري والثقافي وغناه بالموارد ــــ يمثّل نوعاً من التحدي الوجودي لمجمل المنظومة الخليجية. وبعد التفاهم الأميركي ــــ الإيراني على إدارة العراق بما يسمى العملية السياسية الطائفية، اتبعت الرياض ومولت نهج الإرهاب ضد «الحكم الشيعي» باسم «المظلومية السنية»؛ وكان الهدف دائما شطب العراق عن الخارطة. ــــ ما تزال إيران تريد الاحتفاظ بمكاسبها السياسية الإقليمية في العراق،  وإذا كان ذلك يخدم طهران في تثبيت حكم الإسلام السياسي في القسم "الشيعي" من العراق، فإنه يضر بالمصالح الجيوسياسية والأمنية الإيرانية من عدة جهات بينها (1) منع التواصل مع سوريا ولبنان وكسر التواصل الجغرافي للمحور، (2) انفجار الملف الكردي ــــ الإيراني، (3) اقتراب القوى الإرهابية من الحدود الإيرانية، والتحريض المذهبي الداخلي في الجمهورية الإسلامية. ــــ تركيا، التي تدعم الإرهاب بكل أشكاله، في سوريا والعراق، لا تزال في الخندق نفسه؛ ترمي إلى توسيع نفوذها في هلال سنّي والحد من النفوذ الإيراني واستخدام وساطتها بين حكام كردستان المتصهينين وإسرائيل، للسيطرة على الملف الكردي ــــ التركي؛ علاقات أنقرة الغامضة بـ «داعش» يكشفها تصدير النفط السوري من الحقول التي تسيطر عليها المنظمة الإرهابية، كما أن دعمها لحل مجمل القضية الكردية على حساب العراق هدف أصبح صريحاً في عدوانيته؛ إنها العامل الإقليمي الرئيسي في انفصال كردستان العراق وتوسعها. ــــ مصر! لا تزال خارج اللعبة الإقليمية؛ هدفها المباشر إرضاء «حكيم العرب» المسؤول، شخصياً، عن دماء مئات الألوف في سوريا والعراق. ــــ دولة الكيان الصهيوني، أصبحت أصغر من أن تكون عاملا إقليميا مؤثرا؛ لا يحسب حسابها، رغم أنها تفيد من الحروب الأهلية العربية، ولكن مدار قوتها لا يتعدى البحث الفاشل عن ثلاثة مختطفين إسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة. ثالثاً، على المستوى الدولي: ــــ واشنطن قررت سياستها إزاء الأزمة العراقية: استمرار الحرب الأهلية لتحقيق هدفين: الضغط على إيران، وابتزاز حكومة نوري المالكي ومقايضة الدعم بالنفوذ؛ هذه سياسة منحطة بالكامل، وتؤيد، في الآن نفسه، الإرهاب والعملية السياسية الطائفية، باعتبارها السياق العام الذي لا يزال يمنع نهوض العراق من براثن فترة الاحتلال. ــــ موسكو تتبع الخط المبدئي المعادي للإرهاب؛ أعلنت وقوفها إلى جانب بغداد ضد الإرهابيين؛ إلا أن بغداد لا تملك الإرادة والاستقلالية الكافية لإنشاء تحالف مع الروس يماثل التحالف الروسي ـــــ السوري؛ ربما يكون المخرج، هنا، مثلث روسي ــــ إيراني يدعم تدخلاً سياسياً ــــ وعسكرياً ــــ سورياً؛ فسوريا، بحكم التداخل الجغرافي والسكاني والسياسي والقومي الخ، عامل رئيسي في العراق؛ نظرتها إلى الأزمة العراقية الراهنة تتوافق مع الإيرانيين في محاربة «داعش» ومنع سقوط حكومة نوري المالكي بالقوة، لكنها تحتفظ بسياسة سورية قومية إزاء المشهد العراقي ككلّ؛ لها حلفاء وأصدقاء بين الفريقين، ويمكنها أن تلعب دوراً إيجابياً فعالاً إذا فهم الإيرانيون أن العراق هو قضية مشرقية عربية؛ الروس، وفق كل المؤشرات، جاهزون. استمرار العملية السياسية الطائفية في العراق هو وصفة للحرب الأهلية والتقسيم وانتصار الإرهاب؛ الحل في جمعية وطنية عراقية تأسيسية لدولة وطنية مركزية لا تعترف بالمحاصصة الطائفية والاتنية، تقوم على المشاركة، لا على الأغلبيات الطائفية والمطامع الاتنية؛ دولة ترى حضورها تأسيسياً لمشرق جديد، ولا تشكل انفصالا عنه. «داعش»، على جرائمها البشعة، كسرت الحدود بين سوريا والعراق؛ لا يمكن، بعد كسر «داعش» ــــ والإرهاب ــــ داخل القُطرين كلا على حدة: الرد على الدولة الإسلامية الطائفية في العراق والشام ، هو الدولة القومية فيهما؛ الرد على تقسيم المقسم في سايكس بيكو هو وحدة المشرق العربي؛ هذا التحدي مرهون بالقوى القومية المدنية العلمانية التقدمية؛ فرصة صعبة لكنها موجودة وممكنة، في دمشق، ومن دمشق.

المصدر : الأخبار/ ناهض حتر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة