بعد الفشل في استخدام الساحة السورية لتحقيق التوازن المطلوب في المنطقة. فما هو السيناريو الجديد ؟ وكيف يتم التصويب على حزب الله ضمن هذه «اللعبة» المحفوفة بالمخاطر ؟

اوساط دبلوماسية في بيروت تشير الى ان ثمة معادلة شديدة الخطورة وغير محسوبة النتائج تقوم بها الرياض من خلال استنساخ سيناريوهات قديمة ثبت عقمها، ولكنها لا تتوانى عن تكرارها عندما تشعر انها قد حققت ارباحا في مكان ما، فتحاول مجددا صرفها في بيروت، وما رشح عن الحراك الديبلوماسي الذي بدأته السعودية من خلال استقبال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والذي سيستكمله الوزير سعود الفيصل مع نظيره الاميركي جون كيري، ان ثمة عودة سعودية لنظرية «المقايضة» الشاملة التي تشمل الكثير من الملفات، ولكن ما يعني لبنان منها، محاولة صريحة لفرض «معادلة» حزب الله مقابل «داعش»، وهذا ظهر جليا من خلال ربط الرياض اي مساعدة لتصفية هذا التنظيم بقيام طهران في المقابل بتصفية كل ما تعتبره الرياض تنظيمات «ارهابية» في المعسكر الاخر ومنهم طبعا حزب الله.

وتؤكد تلك الاوساط، ان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل كان صريحا مع نظيره الروسي عندما اكد له ان «داعش» تنظيم «ارهابي» يشكل خطرا على المنطقة بكاملها، لكنه «تنظيم» «هامشي» في خضم الصراع الدائر في المنطقة، وهو رد فعل أكثر منه فعلا ؟. وبحسب النظرية السعودية فان ما يحدث في المنطقة هو أكبر من تنظيم «داعش» الذي يمكن السيطرة عليه واحتواؤه بعد حل المشاكل العالقة بين الدول الاقليمية. والسؤال الجوهري الذي سمعه لافروف في المملكة من القيادات السعودية هو عن سبب التركيز فقط على «داعش»، فيما توجد مجموعات عراقية تحارب في سوريا، والاهم من ذلك، ماذا عن حزب الله الذي يحارب علنا في سوريا، الا يخضع لنفس «التصنيف الداعشي» ؟

هذه الاسئلة السعودية تضيف الاوساط تفيد بان ثمة رغبة سعودية باجراء هذه المقايضة قبل الجلوس الى «الطاولة» عنوانها «رأس» داعش مقابل «رأس» حزب الله، ومن هنا يمكن فهم التسخين المفتعل «للجبهة» اللبنانية، فالمقايضات لا تجري عادة الا على درجات عالية من السخونة، ويجب اقلاق راحة حزب الله واعادة تسليط الضوء عليه، لكن المفارقة ان الرياض تريد توترا «مضبوطا»على «ساعة» حاجاتها الدعائية ولا تريد تجاوز سقوف معينة تؤدي الى انهيار الاستقرار الهش، بما يضر حلفائها، ولذلك فهي تريد تسليط الضوء على «المخاطر» التي يشكلها حزب الله كحزب «ارهابي» وليس كشريك اقليمي في حل الازمة السورية وفقا للتوصيف الاميركي الاخير الذي شكل صدمة للقيادة السعودية. فهل تملك الرياض القدرة على فرض شروطها؟

طبعا الجواب لا يحتاج الى تفكير، فبرأي تلك الاوساط ثمة مغالاة سعودية في تقويم «الانتصار المرحلي» الذي حققته في العراق، وثمة مغالاة أكبر في امكانية استثماره على مستوى لبنان، فالرياض التي تخوض معركة ثأر شخصية مع نوري المالكي وتطالب باستبعاده عن رئاسة الحكومة العراقية، وتطالب ايضا بالغاء مفاعيل نتائج الانتخابات التشريعية ، وبحصة وزارية وازنة «للسنة»هناك ، تريد استعادة نفوذها في المنطقة من «البوابة» العراقية عبر استغلال «داعش» لابتزاز واشنطن وطهران في مختلف الملفات الساخنة، لكن من قال ان المعركة في العراق قد انتهت لصالح السعودية؟ وهل تدرك الرياض مخاطر ما اقترفت ايديها هناك؟ وهل لها القدرة على تحمل معركة مذهبية مفتوحة في المنطقة؟

وسألت الاوساط كيف ستصرف انتصارات «داعش» ومن معهم من «ثوار» سنة في الموصل والانبار؟ فهل لدى المملكة القدرة على تحمل نتائج التشجيع على اقامة اقليم سني منفصل عن العراق ؟ فالرياض التي ترغب بشدة اضعاف متسميه بـ «الهلال الشيعي» تعرف ان مثل هذه الدويلة غير قابلة للحياة ضمن محيط معاد لها، كذلك تدرك ان بذور فنائها تكمن في داخلها في ظل عدم قدرة البيئة "السنية" على التأقلم مع الافكار «الداعشية» اللاغية لكل مختلف عن فكرها، وهذا سيحتم دخول مكونات هذه المنطقة في صراع دموي سيؤدي الى سقوطها اجلا اوعاجلا.

لكن الاهم من كل ما تقدم بحسب الاوساط الديبلوماسية هو قدرة السعودية على منع انتقال هذه العدوى الى المكون "الشيعي" في دول الخليج بشكل عام، وفي المملكة بشكل خاص، فهل يغيب عن بال القيادة السعودية ان اي «مقايضة» على الجغرافيا والديموغرافيا العراقية او السورية لن تحصل الا بمقايضة مثلها في مكان جغرافي آخر؟ واذا كان من حق سنة العراق ان يقرروا مصيرهم، فمن قال ان شيعة المنطقة الشرقية في السعودية لا يحق لهم ذلك، وشيعة البحرين، وربما شيعة الكويت، والحوثيين في اليمن، وهذا يعني ان اي مباحثات جدية للوصول الى تسوية تكون خلاصتها تعديل خريطة المنطقة ستكون التعديلات شاملة ولن تبقى اي دولة خارج سياق هذا التغيير، ولن تكون تركيا ايضا بعيدة عن تجرع «الكأس المرة» بوجود الاكراد والعلويين الذين لن يفوتوا هذه الفرصة السانحة. فهل ستخاطر الرياض بفتح صندوق «بندوره» لتخرج كل الشرور المذهبية والطائفية في المنطقة؟

تشك تلك الاوساط، في قدرة السعودية على تحمل تداعيات هذا السيناريو غير المحدد في مخاطره الجغرافية والسياسية والامنية، ولذلك تتوقع ان تنتهي فترة الاستثمار قريبا للحدث العراقي، لأن طموحها الراهن في العراق وسوريا ولبنان سيصطدم برد فعل خصومها الذين لم ينتقلوا بعد الى مرحلة «الهجوم» ويواصلون «لغاية» في نفس «القيادة الايرانية» سياسة «الاحتواء»، لكن ما قبل العراق لن يكون كما بعده، فالموضوع لا يرتبط فقط برغبة سعودية بتحقيق «شراكة» امنية وسياسية مع ايران لتعديل ميزان القوى المختل في المنطقة، ولا يتعلق ايضا بمجرد اسغلال سعودي «للورقة الداعشية» لابعاد شرور هذا التنظيم عنها واستخدامه لانهاك اعدائها، ثم استغلال الفوضى التي يحدثها للتفاوض على «جثته» في وقت لاحق. كل هذه التفاصيل صغيرة، فالامر يرتبط اليوم بالامن القومي الايراني الذي اصبح على المحك، واذا كانت طهران قد ابلغت من راجعها ان التدخل السعودي في العراق غير قابل للصرف، فانه من البديهي الاستنتاج ان اي حديث عن «مقايضة» بين حزب الله «وداعش» مجرد وهم لن يحمل التمسك به الا المزيد من التوترات التي لا يمكن لاحد التكهن بنتائجها، فالسعودية تضيف الاوساط لا تتحكم بخيوط «اللعبة» بشكل كامل ولا تستطيع ان تضع شروط المواجهة او تحييد الساحات التي يمكن ان تخسر فيها، وثمة من نصح السعوديين بتجاوز الرهان على نجاح تلك «المقايضة» لما لهذا التفكير من سوء تقدير لقوة الخصم الذي تحول الى احد كبار اللاعبين في المنطقة ولم يعد «ورقة» للبيع والشراء، ومن هنا يبقى استقرار الساحة اللبنانية مرهوناً باقتناع الرياض بالكف عن «المغامرات» غير المحسوبة.

  • فريق ماسة
  • 2014-06-22
  • 8288
  • من الأرشيف

السعوديّة تعود من جديد الى "لعبة" المقايضة: "رأس داعش" مقابل "رأس حزب الله"

   بعد الفشل في استخدام الساحة السورية لتحقيق التوازن المطلوب في المنطقة. فما هو السيناريو الجديد ؟ وكيف يتم التصويب على حزب الله ضمن هذه «اللعبة» المحفوفة بالمخاطر ؟ اوساط دبلوماسية في بيروت تشير الى ان ثمة معادلة شديدة الخطورة وغير محسوبة النتائج تقوم بها الرياض من خلال استنساخ سيناريوهات قديمة ثبت عقمها، ولكنها لا تتوانى عن تكرارها عندما تشعر انها قد حققت ارباحا في مكان ما، فتحاول مجددا صرفها في بيروت، وما رشح عن الحراك الديبلوماسي الذي بدأته السعودية من خلال استقبال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والذي سيستكمله الوزير سعود الفيصل مع نظيره الاميركي جون كيري، ان ثمة عودة سعودية لنظرية «المقايضة» الشاملة التي تشمل الكثير من الملفات، ولكن ما يعني لبنان منها، محاولة صريحة لفرض «معادلة» حزب الله مقابل «داعش»، وهذا ظهر جليا من خلال ربط الرياض اي مساعدة لتصفية هذا التنظيم بقيام طهران في المقابل بتصفية كل ما تعتبره الرياض تنظيمات «ارهابية» في المعسكر الاخر ومنهم طبعا حزب الله. وتؤكد تلك الاوساط، ان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل كان صريحا مع نظيره الروسي عندما اكد له ان «داعش» تنظيم «ارهابي» يشكل خطرا على المنطقة بكاملها، لكنه «تنظيم» «هامشي» في خضم الصراع الدائر في المنطقة، وهو رد فعل أكثر منه فعلا ؟. وبحسب النظرية السعودية فان ما يحدث في المنطقة هو أكبر من تنظيم «داعش» الذي يمكن السيطرة عليه واحتواؤه بعد حل المشاكل العالقة بين الدول الاقليمية. والسؤال الجوهري الذي سمعه لافروف في المملكة من القيادات السعودية هو عن سبب التركيز فقط على «داعش»، فيما توجد مجموعات عراقية تحارب في سوريا، والاهم من ذلك، ماذا عن حزب الله الذي يحارب علنا في سوريا، الا يخضع لنفس «التصنيف الداعشي» ؟ هذه الاسئلة السعودية تضيف الاوساط تفيد بان ثمة رغبة سعودية باجراء هذه المقايضة قبل الجلوس الى «الطاولة» عنوانها «رأس» داعش مقابل «رأس» حزب الله، ومن هنا يمكن فهم التسخين المفتعل «للجبهة» اللبنانية، فالمقايضات لا تجري عادة الا على درجات عالية من السخونة، ويجب اقلاق راحة حزب الله واعادة تسليط الضوء عليه، لكن المفارقة ان الرياض تريد توترا «مضبوطا»على «ساعة» حاجاتها الدعائية ولا تريد تجاوز سقوف معينة تؤدي الى انهيار الاستقرار الهش، بما يضر حلفائها، ولذلك فهي تريد تسليط الضوء على «المخاطر» التي يشكلها حزب الله كحزب «ارهابي» وليس كشريك اقليمي في حل الازمة السورية وفقا للتوصيف الاميركي الاخير الذي شكل صدمة للقيادة السعودية. فهل تملك الرياض القدرة على فرض شروطها؟ طبعا الجواب لا يحتاج الى تفكير، فبرأي تلك الاوساط ثمة مغالاة سعودية في تقويم «الانتصار المرحلي» الذي حققته في العراق، وثمة مغالاة أكبر في امكانية استثماره على مستوى لبنان، فالرياض التي تخوض معركة ثأر شخصية مع نوري المالكي وتطالب باستبعاده عن رئاسة الحكومة العراقية، وتطالب ايضا بالغاء مفاعيل نتائج الانتخابات التشريعية ، وبحصة وزارية وازنة «للسنة»هناك ، تريد استعادة نفوذها في المنطقة من «البوابة» العراقية عبر استغلال «داعش» لابتزاز واشنطن وطهران في مختلف الملفات الساخنة، لكن من قال ان المعركة في العراق قد انتهت لصالح السعودية؟ وهل تدرك الرياض مخاطر ما اقترفت ايديها هناك؟ وهل لها القدرة على تحمل معركة مذهبية مفتوحة في المنطقة؟ وسألت الاوساط كيف ستصرف انتصارات «داعش» ومن معهم من «ثوار» سنة في الموصل والانبار؟ فهل لدى المملكة القدرة على تحمل نتائج التشجيع على اقامة اقليم سني منفصل عن العراق ؟ فالرياض التي ترغب بشدة اضعاف متسميه بـ «الهلال الشيعي» تعرف ان مثل هذه الدويلة غير قابلة للحياة ضمن محيط معاد لها، كذلك تدرك ان بذور فنائها تكمن في داخلها في ظل عدم قدرة البيئة "السنية" على التأقلم مع الافكار «الداعشية» اللاغية لكل مختلف عن فكرها، وهذا سيحتم دخول مكونات هذه المنطقة في صراع دموي سيؤدي الى سقوطها اجلا اوعاجلا. لكن الاهم من كل ما تقدم بحسب الاوساط الديبلوماسية هو قدرة السعودية على منع انتقال هذه العدوى الى المكون "الشيعي" في دول الخليج بشكل عام، وفي المملكة بشكل خاص، فهل يغيب عن بال القيادة السعودية ان اي «مقايضة» على الجغرافيا والديموغرافيا العراقية او السورية لن تحصل الا بمقايضة مثلها في مكان جغرافي آخر؟ واذا كان من حق سنة العراق ان يقرروا مصيرهم، فمن قال ان شيعة المنطقة الشرقية في السعودية لا يحق لهم ذلك، وشيعة البحرين، وربما شيعة الكويت، والحوثيين في اليمن، وهذا يعني ان اي مباحثات جدية للوصول الى تسوية تكون خلاصتها تعديل خريطة المنطقة ستكون التعديلات شاملة ولن تبقى اي دولة خارج سياق هذا التغيير، ولن تكون تركيا ايضا بعيدة عن تجرع «الكأس المرة» بوجود الاكراد والعلويين الذين لن يفوتوا هذه الفرصة السانحة. فهل ستخاطر الرياض بفتح صندوق «بندوره» لتخرج كل الشرور المذهبية والطائفية في المنطقة؟ تشك تلك الاوساط، في قدرة السعودية على تحمل تداعيات هذا السيناريو غير المحدد في مخاطره الجغرافية والسياسية والامنية، ولذلك تتوقع ان تنتهي فترة الاستثمار قريبا للحدث العراقي، لأن طموحها الراهن في العراق وسوريا ولبنان سيصطدم برد فعل خصومها الذين لم ينتقلوا بعد الى مرحلة «الهجوم» ويواصلون «لغاية» في نفس «القيادة الايرانية» سياسة «الاحتواء»، لكن ما قبل العراق لن يكون كما بعده، فالموضوع لا يرتبط فقط برغبة سعودية بتحقيق «شراكة» امنية وسياسية مع ايران لتعديل ميزان القوى المختل في المنطقة، ولا يتعلق ايضا بمجرد اسغلال سعودي «للورقة الداعشية» لابعاد شرور هذا التنظيم عنها واستخدامه لانهاك اعدائها، ثم استغلال الفوضى التي يحدثها للتفاوض على «جثته» في وقت لاحق. كل هذه التفاصيل صغيرة، فالامر يرتبط اليوم بالامن القومي الايراني الذي اصبح على المحك، واذا كانت طهران قد ابلغت من راجعها ان التدخل السعودي في العراق غير قابل للصرف، فانه من البديهي الاستنتاج ان اي حديث عن «مقايضة» بين حزب الله «وداعش» مجرد وهم لن يحمل التمسك به الا المزيد من التوترات التي لا يمكن لاحد التكهن بنتائجها، فالسعودية تضيف الاوساط لا تتحكم بخيوط «اللعبة» بشكل كامل ولا تستطيع ان تضع شروط المواجهة او تحييد الساحات التي يمكن ان تخسر فيها، وثمة من نصح السعوديين بتجاوز الرهان على نجاح تلك «المقايضة» لما لهذا التفكير من سوء تقدير لقوة الخصم الذي تحول الى احد كبار اللاعبين في المنطقة ولم يعد «ورقة» للبيع والشراء، ومن هنا يبقى استقرار الساحة اللبنانية مرهوناً باقتناع الرياض بالكف عن «المغامرات» غير المحسوبة.

المصدر : ابراهيم ناصرالدين-الديار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة