"فلا مصالحة إلا بعد نَصر، ثق أننا نمدّ يدنا بصدقٍ لمن عَبر للطرف الآخر، لكن ثق أيضاً أنهم لا يعقدون اتفاق مصالحةٍ إلا ليقينهـم بانتصار قواتنا على الجغرافيا موضوع المصالحة".

ينهض من على كرسيه، "تعال نغيّر هذا المكان، فضوضاء المباريات ستعكر حديثنا".

ضمن سيارته المُصفحة تابع حديثه: "المصالحات هي توجّهٌ عامٌ للدولة السورية لعدة أسباب، سياسية واجتماعية واقتصادية، تصبّ كلها في مصلحة البلاد والعباد، وأهم هذه المصالح العامة هي حقن دماء السوريين، لكن هناك من يحاول عرقله المفاوضات أو حتى تخريب المصالحات القائمة".

ينظر إلى الشارع عبر زجاج سيارته الأسود، ثمّ يلتفت إليّ ويقول: "حقق الجيش انتصاراتٍ عسكريةً موثقة ثمّ اتّبع سياسة تطويق مناطق المسلحين وقطع طرق إمداد الذخيرة إليهـم. أغلب المسلحين يقاتلون دون خطط عسكرية أو تكتيكات، لذا لم يحسبوا للتطويق حساباً بداية الأمر، لكن مع تراكم الأيام بدأت المعنويات تنهار فلا ذخيرة للقتال ولا منافذ للنجاة، كل محاولة خرق للطوق العسكري كانت تجابه بردٍّ قاسٍ من الجيش، حتى تم طلب المصالحة التي تمت بنجاح في عدة مناطق من الجغرافيا السورية".

وعن حمص سألته، فردّ بحزم: "هذه المدينة لها وَجعٌ خاص، التكفيريون اتبعوا سياسات دنيئة لمحاربة مستقبلها فكانت "سكاكين" الطائفية والمناطقية تُسدّد إلى أجساد أبناء المدينة على اختلاف انتماءاتهم، الجيش وقوى الامن والدفاع الوطني والقوى الصديقة تصدّوا للاستهدافات السياسية والعسكرية، الجهود التي بذلت وتبذل بحمص لا تضاهيها جهود لإعادة الحياة والوئام إلى البلدة وقد نجحنا إلى حدٍّ كبير في تحقيق المُبتغى".

ويبدو أنّ السؤال عن حمص أثار شهية الرجل بالكلام، ليتابع: "قمنا بتأمين إخراج المدنيين من حمص القديمة - إياك أن تظن أنّ الأمر فرض علينا - ثق، لا مؤتمر جنيف ولا دول العالم مجتمعةً تستطيع فرض أمرٍ لا نريده، أمر إخراج المدنيين قرارٌ اتخذته الدولة قبل انعقاد المؤتمر بأسابيع، ونحن من طرح هذا الأمر الذي أحرج سياسيي المعارضة وهم وَعوا هذا لاحقاً وأُعكس الأمر على جنيف 2. بعد إخراج المدنيين، حاول المسلحون استعراض قواهم العسكرية، فأرسل لهم الجيش رسائل من نارٍ أحرقت أيّ أملٍ بالنصر، ففرضنا أمر الانسحاب بشروطنا والتزمنا أخلاقياً بإعطائهم الأمان حتى وصلوا إلى المكان المتفق عليه".

يعود إلى الوراء قليلاً بسيارته بعد قطعه الإشارة الحمراء بأمتار، ويقول ممازحاً: "لو كان شرطي المرور هنا لسُحبت الأوراق". يسمح لي بالتدخين بعد فتح الشباك من جهتي ليتابع سرده: "بدأنا بخطةٍ لوقف إطلاق النار في حي الوعر، أحد أكبر أحياء حمص، ويحوي كثافة سكانية عالية بسبب وجود أغلب مهجري المناطق الأخرى فيه، تمّ الاتفاق لعدة أيام لكنهم خرقوا الهدنة للمرة الأولى عبر استهداف نقاطٍ للجيش السوري، جنود الجيش لديهم تعليمات واضحة بالرد على أيّ خرقٍ وهو ما حصل حيث تقدمت قواتنا مسيطرةً على عدة مبانٍ في الجزيرة السابعة، هنا عاد المسلحون لطلب الالتزام بالهدنة مجدداً متذرعين بأنّ من خرقها هم -عناصر غير منضبطة-".

"هنالك تخبّطٌ بين المسلحين، ولا مرجعية لهم في المفاوضات. هذا الأمر يعقّد ويطيل القضية، فالخلافات بينهم واضحة وأحياناً يقدمون طلبات مستحيلة كالسماح مثلاً للمسلحين الاجانب بالبقاء في الحي أو عدم دخول الجيش لمدة 6 أشهر الى البلدة".

يختم حديثه "لا يزال خيار التفاوض للوصول إلى حلول حاضراً، لكن حضوره يتوازى تماماً مع حضور الخيار العسكري بقوة، وهو خيارٌ محتومٌ بنتيجة واحدة، نصرنا واجب لا امتياز".

في الثالثة فجراً أوصلني أحد "مهندسي تراتُبية الأحداث في سورية" إلى سيارتي المركونة على اوتوستراد المزة بدمشق، رفع يده بالتحية، وشقّ طريقه على الطريق المنار لتسير سيارته بسرعةٍ لا تُخفي لوحة سيارته الواضحة.

  • فريق ماسة
  • 2014-06-18
  • 8457
  • من الأرشيف

عن حمص... من داخل السيارة المصفحة

"فلا مصالحة إلا بعد نَصر، ثق أننا نمدّ يدنا بصدقٍ لمن عَبر للطرف الآخر، لكن ثق أيضاً أنهم لا يعقدون اتفاق مصالحةٍ إلا ليقينهـم بانتصار قواتنا على الجغرافيا موضوع المصالحة". ينهض من على كرسيه، "تعال نغيّر هذا المكان، فضوضاء المباريات ستعكر حديثنا". ضمن سيارته المُصفحة تابع حديثه: "المصالحات هي توجّهٌ عامٌ للدولة السورية لعدة أسباب، سياسية واجتماعية واقتصادية، تصبّ كلها في مصلحة البلاد والعباد، وأهم هذه المصالح العامة هي حقن دماء السوريين، لكن هناك من يحاول عرقله المفاوضات أو حتى تخريب المصالحات القائمة". ينظر إلى الشارع عبر زجاج سيارته الأسود، ثمّ يلتفت إليّ ويقول: "حقق الجيش انتصاراتٍ عسكريةً موثقة ثمّ اتّبع سياسة تطويق مناطق المسلحين وقطع طرق إمداد الذخيرة إليهـم. أغلب المسلحين يقاتلون دون خطط عسكرية أو تكتيكات، لذا لم يحسبوا للتطويق حساباً بداية الأمر، لكن مع تراكم الأيام بدأت المعنويات تنهار فلا ذخيرة للقتال ولا منافذ للنجاة، كل محاولة خرق للطوق العسكري كانت تجابه بردٍّ قاسٍ من الجيش، حتى تم طلب المصالحة التي تمت بنجاح في عدة مناطق من الجغرافيا السورية". وعن حمص سألته، فردّ بحزم: "هذه المدينة لها وَجعٌ خاص، التكفيريون اتبعوا سياسات دنيئة لمحاربة مستقبلها فكانت "سكاكين" الطائفية والمناطقية تُسدّد إلى أجساد أبناء المدينة على اختلاف انتماءاتهم، الجيش وقوى الامن والدفاع الوطني والقوى الصديقة تصدّوا للاستهدافات السياسية والعسكرية، الجهود التي بذلت وتبذل بحمص لا تضاهيها جهود لإعادة الحياة والوئام إلى البلدة وقد نجحنا إلى حدٍّ كبير في تحقيق المُبتغى". ويبدو أنّ السؤال عن حمص أثار شهية الرجل بالكلام، ليتابع: "قمنا بتأمين إخراج المدنيين من حمص القديمة - إياك أن تظن أنّ الأمر فرض علينا - ثق، لا مؤتمر جنيف ولا دول العالم مجتمعةً تستطيع فرض أمرٍ لا نريده، أمر إخراج المدنيين قرارٌ اتخذته الدولة قبل انعقاد المؤتمر بأسابيع، ونحن من طرح هذا الأمر الذي أحرج سياسيي المعارضة وهم وَعوا هذا لاحقاً وأُعكس الأمر على جنيف 2. بعد إخراج المدنيين، حاول المسلحون استعراض قواهم العسكرية، فأرسل لهم الجيش رسائل من نارٍ أحرقت أيّ أملٍ بالنصر، ففرضنا أمر الانسحاب بشروطنا والتزمنا أخلاقياً بإعطائهم الأمان حتى وصلوا إلى المكان المتفق عليه". يعود إلى الوراء قليلاً بسيارته بعد قطعه الإشارة الحمراء بأمتار، ويقول ممازحاً: "لو كان شرطي المرور هنا لسُحبت الأوراق". يسمح لي بالتدخين بعد فتح الشباك من جهتي ليتابع سرده: "بدأنا بخطةٍ لوقف إطلاق النار في حي الوعر، أحد أكبر أحياء حمص، ويحوي كثافة سكانية عالية بسبب وجود أغلب مهجري المناطق الأخرى فيه، تمّ الاتفاق لعدة أيام لكنهم خرقوا الهدنة للمرة الأولى عبر استهداف نقاطٍ للجيش السوري، جنود الجيش لديهم تعليمات واضحة بالرد على أيّ خرقٍ وهو ما حصل حيث تقدمت قواتنا مسيطرةً على عدة مبانٍ في الجزيرة السابعة، هنا عاد المسلحون لطلب الالتزام بالهدنة مجدداً متذرعين بأنّ من خرقها هم -عناصر غير منضبطة-". "هنالك تخبّطٌ بين المسلحين، ولا مرجعية لهم في المفاوضات. هذا الأمر يعقّد ويطيل القضية، فالخلافات بينهم واضحة وأحياناً يقدمون طلبات مستحيلة كالسماح مثلاً للمسلحين الاجانب بالبقاء في الحي أو عدم دخول الجيش لمدة 6 أشهر الى البلدة". يختم حديثه "لا يزال خيار التفاوض للوصول إلى حلول حاضراً، لكن حضوره يتوازى تماماً مع حضور الخيار العسكري بقوة، وهو خيارٌ محتومٌ بنتيجة واحدة، نصرنا واجب لا امتياز". في الثالثة فجراً أوصلني أحد "مهندسي تراتُبية الأحداث في سورية" إلى سيارتي المركونة على اوتوستراد المزة بدمشق، رفع يده بالتحية، وشقّ طريقه على الطريق المنار لتسير سيارته بسرعةٍ لا تُخفي لوحة سيارته الواضحة.

المصدر : سلاب نيوز/ ثائر العجلاني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة