دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
خرقت السيارات المفخخة الهدوء الذي خيّم على دير الزور شرق سوريا طوال الأسبوع الماضي بالتزامن مع «غزوة الموصل»، فيما يسعى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) إلى استثمار التقدم الذي أحرزه في العراق لتحقيق مكاسب في سوريا من دون قتال، مستثمراً العتاد الثقيل الذي غنمه من مستودعات الجيش العراقي. وشهدت دير الزور هدوءاً شبه كامل على كل الجبهات المفتوحة بين الفصائل «الجهادية» بعضها ضد بعض في الأرياف الغربية والشرقية والشمالية منها. وعزت مصادر ميدانية هذا الهدوء إلى انشغال «داعش» بما اصطلح على تسميته بـ «غزوة الموصل» وعدم وجود مصلحة له في فتح جبهتين في بلدين مختلفين في الوقت ذاته، مع الأخذ بالاعتبار ما يتطلبه ذلك من إمكانيات وقدرات عسكرية ولوجستية قد لا تكون متوافرة له.
إلا أن «داعش» لم يترك جبهة دير الزور من دون إجراءات احترازية، مخافة أن يقدم خصومه في «مجلس شورى مجاهدي الشرقية» على استغلال انهماك مقاتليه في السيطرة على الموصل ليشنوا هجوماً معاكساً ضده يستردون من خلاله ما خسروه من بلدات وقرى خلال الأسابيع الماضية. فقد فرض «داعش» حظراً للتجوال في مدينة البصيرة، القريبة من مدينة الشحيل معقل «جبهة النصرة» الرئيسي، يمتد حتى إشعار آخر غير محدد، كما أغلق المعبر النهري لمدينة خشام، وعزز قواته على المدخل الشمالي لمدينة دير الزور تحسباً لأي طارئ، خاصةً أن هذا المدخل هو المعبر الوحيد الذي يمكن من خلاله الدخول إلى أحياء دير الزور الواقعة تحت سيطرة المسلحين.
وقد استغلّ بعض الوجهاء ومشايخ العشائر هذا الهدوء في محاولة التوسط بين الفصائل المتقاتلة وإيجاد صيغة للتسوية بينها. وذكرت مصادر محلية لـ«السفير» أن الوساطة الأهم كانت تلك التي أطلقها بعض الوجهاء من مدينة الشحيل التي ينتظرها مصير قاتم في حال وصول المعارك إليها، نظراً لما تمثله من مركز ثقل لـ«جبهة النصرة». وقصد الوجهاء بمساعيهم القائد العسكري العام لـ«داعش» عمر الشيشاني الذي استقبلهم في مقره في مدينة الشدادي.
وبحسب المصادر، فإن وفد الوجهاء عاد بخفيّ حنين، لأن الشيشاني وضع أمامهم خياراً واحداً هو إقناع قادة «مجلس شورى مجاهدي الشرقية» بالاستسلام، وأخذ العبرة مما حدث في الموصل، وأن دير الزور يرتقبها مصير مشابه خلال أيام معدودات.
ومن الشروط التي تقدم بها الشيشاني تسليم الفصائل التي تنتمي إلى «ولاية الخير» سلاحها الثقيل إلى «الدولة الإسلامية»، أما الفصائل من خارج «الولاية» فعليها تسليم السلاح والمغادرة إلى مدنها، مؤكداً أن المظاهر المسلحة في ريف «الولاية» محرمة لغير عناصر «الدولة»، ومن أراد حمل السلاح ليدخل إلى مدينة دير الزور ويقاتل النظام هناك بحسب المصادر.
ورغم قساوة الشروط وانعدام احتمال قبول «مجلس شورى مجاهدي الشرقية» بها، إلا أن الوفد تابع مساعيه والتقى مع قيادات من «مجلس الشورى» وعرض عليهم «خيار الشيشاني» الذي لا يعني سوى الاستسلام. وكان طبيعياً أن يكون الجواب هو الرفض التام، نظراً لعمق الصراع بين الطرفين وانسداد طرق معالجته بالمفاوضات والتسويات. إلا أن «مجلس الشورى» لم يكتف برفض التسوية وفق شروط الشيشاني، بل أصدر بياناً أنكر فيه وجود أي مساعٍ أو مفاوضات بينه وبين من أسماها «عصابة البغدادي» في إشارة إلى زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي.
وظهرت تداعيات فشل الوفد الشحيلي سريعاً على الأرض، حيث عاد التسخين العسكري والأمني ليكون سيد الموقف بين الطرفين. حيث تعرض رئيس «المجلس العسكري في دير الزور» منير المطر أبو المعتز لمحاولة اغتيال فاشلة عبر إطلاق النار عليه من مجهولين في بلدة البوليل، وسط أنباء عن إعلان أبو المعتز توبته أمام قيادة «داعش» ونيته تسجيل اعترافات وصفت بالمهمة تعيد إلى الأذهان الاعترافات التي أدلى بها صدام الجمل قائد الجبهة الشرقية السابق بعد توبته.
في المقابل، انفجرت سيارة في قرية الشميطية أمام مقر تابع لـ«حركة أحرار الشام» سقط جراءها عدد من القتلى، من بينهم أبو عبدالله الشامي (فاضل البدر) وهو أمير «أحرار الشام» في دير الزور، كما قتل أيضاً أبو محمد الحمصي (عبد الإله) أحد القضاة التابعين لـ«الهيئة الشرعية» التي يهيمن عليها كلّ من «جبهة النصرة» و«أحرار الشام».
هذا ومن المتوقع بعد فشل الوساطة الأخيرة أن تشهد دير الزور جولة ساخنة من المعارك بين الفصائل المتقاتلة على خلفية الاندفاعة التي يشعر بها «داعش» جراء التقدم الذي أحرزه في العراق ورغبته في ترجمته سورياً بالسيطرة على كامل المحافظة وربطها مع الأراضي التي يسيطر عليها في غرب وشمال غرب العراق، بينما ستسعى فصائل «مجلس الشورى» إلى الحد من اندفاعته هذه ومنعه من استثمار تقدمه في العراق على حسابها في سوريا.
المصدر :
السفير / عبد الله علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة