أعادت التطورات في العراق وسيطرة تنظيم "داعش" على الموصل ومناطق أخرى من بلاد الرافدين، إحياء السجال في تركيا حول السياسة الخارجية المتبعة تجاه سوريا والعراق وعموم الشرق الأوسط. ولم تقتصر هذه الأصوات على معارضي رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، بل تعدّتها الى بعض الأقلام المؤيدة للزعيم الإسلامي ولا سيما في صحيفة "يني شفق".

ونشرت صحيفة "ميللييت" عن تقارير أمنية تركية أن عدد المقاتلين من التابعية التركية في صفوف تنظيم "داعش" بلغ ثلاثة آلاف مقاتل، وأن معظمهم تلقى تدريبات في معسكرات تنظيم "القاعدة" في أفغانستان وباكستان.

العنوان الأبرز في تركيا ربما كان دعوة رئيس "حزب الشعب الجمهوري" كمال كيليتشدار أوغلو، وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، الى الاستقالة.

جاء ذلك في لقاء لصحيفة "جمهورييت" مع كيليتشدار أوغلو، بعد اجتماعه مع داود اوغلو، حيث قال الأول إن السلاح الذي كان يصل الى "جبهة النصرة" كما تنظيم "داعش"، إنما هو الذي كان أردوغان يرسله عبر شاحنات النقل الخارجي الى سوريا لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد.

وأضاف زعيم أكبر حزب معارض في تركيا، أن "فاتورة تركيا بسبب سياستها الشرق أوسطية كانت ثقيلة جداً. المقاتلون الأجانب في سوريا كانوا يتحركون بسهولة من تركيا وإليها والسلاح الذي كان يرسله أردوغان انقلب الآن ليوجه الى صدور المواطنين الأتراك في القنصلية التركية في الموصل وقبلاً في الريحانية وغيرها".

وذكّر كيليتشدار أوغلو بأن طرح داود أوغلو، هو أن السبب في تصاعد قوة "داعش" في سوريا هو سكوت النظام السوري عنها، وفي العراق سياسات رئيس الحكومة نوري المالكي.

ونقلت الصحف التركية أن التوتر ساد اللقاء بين كيليتشدار أوغلو وداود أوغلو، وأن الأول قال للثاني إن أحداً يجب أن يدفع فاتورة السياسة التركية في سوريا والعراق وعلى داود أوغلو الاستقالة. فما كان من هذا إلا أن أجابه بأن الشعب هو الذي يحاسب.

وعكس نائب رئيس "حزب الشعب الجمهوري" فاروق لوغ أوغلو، جانباً من لقاء الزعيم المعارض مع وزير الخارجية، فقال إن كيليتشدار اوغلو شرح للثاني مخاطر السياسات المتبعة وكيف أن تركيا تحوّلت الى بلد معزول وغرقت في مستنقع الشرق الأوسط. وحمّل كيليتشدار أوغلو أردوغان مسؤولية هذه السياسات بوصفه مهندسها الأول وداود أوغلو مهندسها التنفيذي.

ونقلت مصادر أخرى أن داود أوغلو أبلغ كيليتشدار أوغلو أنه كان يتوقع حصول هجوم "داعش" وقد حذّر قبل يومين من وقوعه كلاً من وزير الخارجية الأميركية جون كيري، ووزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، اللذين تفاجآ بالتحذير.

غير أن المعارضة أبلغت داود أوغلو، أنه اذا كان يعرف بذلك مسبقاً، فلماذا سافر الى الولايات المتحدة ولماذا لم يُخل القنصلية في الموصل من الموظفين.

وكان رد داود أوغلو، أنه طلب منهم ذلك لكنهم لم يردّوا عليه، وقالوا إن القنصلية آمنة أكثر من الخارج وهي مثل القلعة. لكن 900 عنصر من "داعش" طوّقوا القنصلية وحدث ما حدث.

ولفت النظر الانتقاد الضمني لسياسة تركيا من جانب الكاتب المعروف علي بيرم أوغلو، في صحيفة "يني شفق" المؤيدة لأردوغان، عندما قال إن سياسة تركيا الخارجية تتحمل جانباً من صعود القوى الأصولية ولا سيما تنظيم "داعش" عندما دعمت هذا التنظيم أولاً بصورة غير مباشرة ومن ثم بصورة مباشرة عندما دخل "داعش" في قتال ضد مقاتلي "حزب الاتحاد الديموقراطي" الكردي في سوريا. وكان هدف الدعم التركي للتنظيم المتشدد خلق توازن ضد الأكراد.

وقال بيرم أوغلو، إن المسألة الأكبر اليوم هي تمدد النزعة السلفية وتأثيرها على التوازنات الإقليمية ووصولها الى أعتاب تركيا، مضيفاً أن المسألة الأساسية التي يشير إليها سقوط الموصل هي أن سياسات تركيا تجاه سوريا والعراق والأكراد يجب أن يُعاد النظر فيها بصورة جذرية.

ورأى رئيس تحرير "يني شفق" إبراهيم قره غول، أن الهدف من عمليات "داعش" هو إقامة دولة عربية سنية وتشكيل محور سني ضد محور الهلال الشيعي؛ والدول التي تقف وراء ذلك هي الدول العربية السنية ودول الخليج.

ومع أنه لم يذكر تركيا كواحدة من الدول الداعمة، فقد اعترف ضمناً بدورها عندما قال إن حادثة احتجاز الأتراك كرهائن في القنصلية التركية ما كان يجب أن تكون لأن تركيا ليست هدفاً لـ"داعش"، مشيراً الى أن تركيا بسياستها الصامتة ستحل هذه المشكلة.

ولفت سامي كوهين في صحيفة "ميللييت" النظر الى أن تركيا كانت متسامحة مع مقاتلي المنظمات الجهادية، فيما كان الغرب ينظر اليهم على أنهم إرهابيون، وهذا من نقاط الخلاف بين أنقرة والغرب.

وقال إن تعرُّض "داعش" للقنصلية التركية في الموصل يهدف الى اكتساب مشروعية دولية من خلال التفاوض مع تركيا وإرسال رسائل عبرها الى العالم، معتبراً أنه مهما يكن الهدف فإن "داعش" يشكل تهديداً جدياً لتركياً.

وفي صحيفة "راديكال" كتب جنكيز تشاندار، قائلاً إنه اذا نجح "داعش" في إقامة دولته في العراق وسوريا، فإن تركيا ستكون أمام حدود جنوبية ذات طابع إتني ومذهبي وهذا يتطلب من تركيا أن تغير سياستها تجاه المنطقة، وأن تغير حكومة "حزب العدالة والتنمية" من خطاب الاستقطاب والمذهبية والتمييز في الداخل، وإلا فإن ما يحدث في سوريا والعراق سينتقل الى تركيا.

  • فريق ماسة
  • 2014-06-13
  • 12253
  • من الأرشيف

3آلاف تركي في "داعش" والسلاح من أردوغان

أعادت التطورات في العراق وسيطرة تنظيم "داعش" على الموصل ومناطق أخرى من بلاد الرافدين، إحياء السجال في تركيا حول السياسة الخارجية المتبعة تجاه سوريا والعراق وعموم الشرق الأوسط. ولم تقتصر هذه الأصوات على معارضي رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، بل تعدّتها الى بعض الأقلام المؤيدة للزعيم الإسلامي ولا سيما في صحيفة "يني شفق". ونشرت صحيفة "ميللييت" عن تقارير أمنية تركية أن عدد المقاتلين من التابعية التركية في صفوف تنظيم "داعش" بلغ ثلاثة آلاف مقاتل، وأن معظمهم تلقى تدريبات في معسكرات تنظيم "القاعدة" في أفغانستان وباكستان. العنوان الأبرز في تركيا ربما كان دعوة رئيس "حزب الشعب الجمهوري" كمال كيليتشدار أوغلو، وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، الى الاستقالة. جاء ذلك في لقاء لصحيفة "جمهورييت" مع كيليتشدار أوغلو، بعد اجتماعه مع داود اوغلو، حيث قال الأول إن السلاح الذي كان يصل الى "جبهة النصرة" كما تنظيم "داعش"، إنما هو الذي كان أردوغان يرسله عبر شاحنات النقل الخارجي الى سوريا لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد. وأضاف زعيم أكبر حزب معارض في تركيا، أن "فاتورة تركيا بسبب سياستها الشرق أوسطية كانت ثقيلة جداً. المقاتلون الأجانب في سوريا كانوا يتحركون بسهولة من تركيا وإليها والسلاح الذي كان يرسله أردوغان انقلب الآن ليوجه الى صدور المواطنين الأتراك في القنصلية التركية في الموصل وقبلاً في الريحانية وغيرها". وذكّر كيليتشدار أوغلو بأن طرح داود أوغلو، هو أن السبب في تصاعد قوة "داعش" في سوريا هو سكوت النظام السوري عنها، وفي العراق سياسات رئيس الحكومة نوري المالكي. ونقلت الصحف التركية أن التوتر ساد اللقاء بين كيليتشدار أوغلو وداود أوغلو، وأن الأول قال للثاني إن أحداً يجب أن يدفع فاتورة السياسة التركية في سوريا والعراق وعلى داود أوغلو الاستقالة. فما كان من هذا إلا أن أجابه بأن الشعب هو الذي يحاسب. وعكس نائب رئيس "حزب الشعب الجمهوري" فاروق لوغ أوغلو، جانباً من لقاء الزعيم المعارض مع وزير الخارجية، فقال إن كيليتشدار اوغلو شرح للثاني مخاطر السياسات المتبعة وكيف أن تركيا تحوّلت الى بلد معزول وغرقت في مستنقع الشرق الأوسط. وحمّل كيليتشدار أوغلو أردوغان مسؤولية هذه السياسات بوصفه مهندسها الأول وداود أوغلو مهندسها التنفيذي. ونقلت مصادر أخرى أن داود أوغلو أبلغ كيليتشدار أوغلو أنه كان يتوقع حصول هجوم "داعش" وقد حذّر قبل يومين من وقوعه كلاً من وزير الخارجية الأميركية جون كيري، ووزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، اللذين تفاجآ بالتحذير. غير أن المعارضة أبلغت داود أوغلو، أنه اذا كان يعرف بذلك مسبقاً، فلماذا سافر الى الولايات المتحدة ولماذا لم يُخل القنصلية في الموصل من الموظفين. وكان رد داود أوغلو، أنه طلب منهم ذلك لكنهم لم يردّوا عليه، وقالوا إن القنصلية آمنة أكثر من الخارج وهي مثل القلعة. لكن 900 عنصر من "داعش" طوّقوا القنصلية وحدث ما حدث. ولفت النظر الانتقاد الضمني لسياسة تركيا من جانب الكاتب المعروف علي بيرم أوغلو، في صحيفة "يني شفق" المؤيدة لأردوغان، عندما قال إن سياسة تركيا الخارجية تتحمل جانباً من صعود القوى الأصولية ولا سيما تنظيم "داعش" عندما دعمت هذا التنظيم أولاً بصورة غير مباشرة ومن ثم بصورة مباشرة عندما دخل "داعش" في قتال ضد مقاتلي "حزب الاتحاد الديموقراطي" الكردي في سوريا. وكان هدف الدعم التركي للتنظيم المتشدد خلق توازن ضد الأكراد. وقال بيرم أوغلو، إن المسألة الأكبر اليوم هي تمدد النزعة السلفية وتأثيرها على التوازنات الإقليمية ووصولها الى أعتاب تركيا، مضيفاً أن المسألة الأساسية التي يشير إليها سقوط الموصل هي أن سياسات تركيا تجاه سوريا والعراق والأكراد يجب أن يُعاد النظر فيها بصورة جذرية. ورأى رئيس تحرير "يني شفق" إبراهيم قره غول، أن الهدف من عمليات "داعش" هو إقامة دولة عربية سنية وتشكيل محور سني ضد محور الهلال الشيعي؛ والدول التي تقف وراء ذلك هي الدول العربية السنية ودول الخليج. ومع أنه لم يذكر تركيا كواحدة من الدول الداعمة، فقد اعترف ضمناً بدورها عندما قال إن حادثة احتجاز الأتراك كرهائن في القنصلية التركية ما كان يجب أن تكون لأن تركيا ليست هدفاً لـ"داعش"، مشيراً الى أن تركيا بسياستها الصامتة ستحل هذه المشكلة. ولفت سامي كوهين في صحيفة "ميللييت" النظر الى أن تركيا كانت متسامحة مع مقاتلي المنظمات الجهادية، فيما كان الغرب ينظر اليهم على أنهم إرهابيون، وهذا من نقاط الخلاف بين أنقرة والغرب. وقال إن تعرُّض "داعش" للقنصلية التركية في الموصل يهدف الى اكتساب مشروعية دولية من خلال التفاوض مع تركيا وإرسال رسائل عبرها الى العالم، معتبراً أنه مهما يكن الهدف فإن "داعش" يشكل تهديداً جدياً لتركياً. وفي صحيفة "راديكال" كتب جنكيز تشاندار، قائلاً إنه اذا نجح "داعش" في إقامة دولته في العراق وسوريا، فإن تركيا ستكون أمام حدود جنوبية ذات طابع إتني ومذهبي وهذا يتطلب من تركيا أن تغير سياستها تجاه المنطقة، وأن تغير حكومة "حزب العدالة والتنمية" من خطاب الاستقطاب والمذهبية والتمييز في الداخل، وإلا فإن ما يحدث في سوريا والعراق سينتقل الى تركيا.

المصدر : السفير /محمد نورالدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة