يمكن كل الدول المشاركة في الحرب على سوريا ألا تعترف بالانتخابات الرئاسية التي أجريت أمس. كذلك بإمكانها الصراخ للقول إن الانتخابات غير شرعية ومزورة ومهزلة وعار... لكن كل الضجيج لن يغيّر من واقع الأمر شيئاً. الانتخابات وضعت حداً للسعي الغربي إلى تحصيل مكاسب بالضغط السياسي. قال النظام كلمته مذكراً الجميع بأن له صفة تمثيلية، وأن جزءاً كبيراً من الشعب لا يزال يؤيده، وأن من شاركوا في الانتخابات أمس لا يرون في المعارضة بديلاً مغرياً، وأنهم في اقتراعهم يقولون «نعم» للاستقرار.

ما جرى أمس هو استكمال لأداء السلطة السورية في مؤتمر جنيف 2. الوقائع الميدانية تحول دون تمكين أعداء النظام من الضغط عليه ودفعه إلى تقديم تنازلات. هدّدت المعارضة طوال الأيام الماضية بتعطيل الانتخابات، بالقوة، لكنها عجزت عن ذلك. أمطرت دمشق وضواحيها واللاذقية وحلب و... بالقذائف والصواريخ، إلا أن ذلك لم يحل بين المقترعين والصناديق. وحيث يقاتل الجيش السوري، فتحت الحكومة مركزاً انتخابياً. من دير الزور والحسكة شرقاً، إلى الساحل غرباً. ومن إدلب وحلب شمالاً، إلى القنيطرة ودرعا والسويداء جنوباً، مروراً بحمص وحماه والعاصمة وريفها. كانت الجماعات المسلحة قد أعدّت العدة لتنفيذ هجمات تعدّل خطوط التماس: من مطار دير الزور، إلى تخوم العاصمة، وبينهما ريفا حمص وحلب. لم تقدر على تحقيق ما كانت تصبو إليه. فشل هجومها في دير الزور، وفي ريفي حمص ودمشق. وفي حلب، عكس الجيش الآية، متقدماً جنوبي المدينة. كانت القوات المسلحة السورية في أقصى درجات استنفارها أمس. الأجهزة الأمنية وسلاحا البر والجو في كامل الجاهزية. للمرة الاولى، تحلّق طائرات ميغ 29 بكثافة. استعراض عسكري للقوة ترافق مع قول النظام، بأوراق الاقتراع، إن الجيش لا يزال يقاتل على كامل الأرض السورية. مشهد صندوق الانتخاب في أحد أحياء مدينة نوى الحورانية بالغ الدلالة. أحوال الميدان والصناديق تهدف في أحد أوجهها إلى «تَيئيس» المعارضين وداعميهم من نجاحهم في الضغط السياسي. تنحّي الرئيس بشار الأسد لم يعد مطروحاً على الطاولة من الآن حتى عام 2021. ووصول هؤلاء إلى اليأس هو جزء من استراتيجية النظام وحلفائه. اليأس من الانتصار يدفع معارضين إلى إلقاء السلاح. واليأس الناتج من اللاإستقرار يفتح أبواب المصالحات بين بيئات حاضنة للمسلحين والجيش. واليأس مع دفع الأثمان يجبر رعاة الجماعات المسلحة على إعادة النظر في حساباتهم. لكن اليأس لم يجتز عتبة السياسة ليصل إلى الميدان. الولايات المتحدة الاميركية وحلفاؤها والتابعون لها سيتصرفون كما المعارضة أمس. تقول إن النظام يسوق الناس بعصاه إلى مراكز الاقتراع. ولـ«تحرير» هؤلاء الناس، تُمطرهم بقذائفها. وعلى ذلك فليجر القياس. رعاة الجماعات المسلحة التي تقاتل الجيش وحلفاءه سيزجون بالمزيد من الأموال والأسلحة في ميدان الدم السوري. سيعقدون رهاناتهم على أحصنة جديدة كلما فشل رهان. سيبقون كذلك إلى أن ييأسوا من قلب موازين القوى في الميدان. النظام وحلفاؤه سيحاولون مساعدتهم على الوصول إلى هذه المرحلة. لكنّ دون ذلك حشداً كبيراً من العسكر. ودونه أيضاً ضرورة عدم الشعور بنشوة الانتصار قبل أوانها

 

  • فريق ماسة
  • 2014-06-03
  • 9233
  • من الأرشيف

السوريون يقترعون للإستقرار

يمكن كل الدول المشاركة في الحرب على سوريا ألا تعترف بالانتخابات الرئاسية التي أجريت أمس. كذلك بإمكانها الصراخ للقول إن الانتخابات غير شرعية ومزورة ومهزلة وعار... لكن كل الضجيج لن يغيّر من واقع الأمر شيئاً. الانتخابات وضعت حداً للسعي الغربي إلى تحصيل مكاسب بالضغط السياسي. قال النظام كلمته مذكراً الجميع بأن له صفة تمثيلية، وأن جزءاً كبيراً من الشعب لا يزال يؤيده، وأن من شاركوا في الانتخابات أمس لا يرون في المعارضة بديلاً مغرياً، وأنهم في اقتراعهم يقولون «نعم» للاستقرار. ما جرى أمس هو استكمال لأداء السلطة السورية في مؤتمر جنيف 2. الوقائع الميدانية تحول دون تمكين أعداء النظام من الضغط عليه ودفعه إلى تقديم تنازلات. هدّدت المعارضة طوال الأيام الماضية بتعطيل الانتخابات، بالقوة، لكنها عجزت عن ذلك. أمطرت دمشق وضواحيها واللاذقية وحلب و... بالقذائف والصواريخ، إلا أن ذلك لم يحل بين المقترعين والصناديق. وحيث يقاتل الجيش السوري، فتحت الحكومة مركزاً انتخابياً. من دير الزور والحسكة شرقاً، إلى الساحل غرباً. ومن إدلب وحلب شمالاً، إلى القنيطرة ودرعا والسويداء جنوباً، مروراً بحمص وحماه والعاصمة وريفها. كانت الجماعات المسلحة قد أعدّت العدة لتنفيذ هجمات تعدّل خطوط التماس: من مطار دير الزور، إلى تخوم العاصمة، وبينهما ريفا حمص وحلب. لم تقدر على تحقيق ما كانت تصبو إليه. فشل هجومها في دير الزور، وفي ريفي حمص ودمشق. وفي حلب، عكس الجيش الآية، متقدماً جنوبي المدينة. كانت القوات المسلحة السورية في أقصى درجات استنفارها أمس. الأجهزة الأمنية وسلاحا البر والجو في كامل الجاهزية. للمرة الاولى، تحلّق طائرات ميغ 29 بكثافة. استعراض عسكري للقوة ترافق مع قول النظام، بأوراق الاقتراع، إن الجيش لا يزال يقاتل على كامل الأرض السورية. مشهد صندوق الانتخاب في أحد أحياء مدينة نوى الحورانية بالغ الدلالة. أحوال الميدان والصناديق تهدف في أحد أوجهها إلى «تَيئيس» المعارضين وداعميهم من نجاحهم في الضغط السياسي. تنحّي الرئيس بشار الأسد لم يعد مطروحاً على الطاولة من الآن حتى عام 2021. ووصول هؤلاء إلى اليأس هو جزء من استراتيجية النظام وحلفائه. اليأس من الانتصار يدفع معارضين إلى إلقاء السلاح. واليأس الناتج من اللاإستقرار يفتح أبواب المصالحات بين بيئات حاضنة للمسلحين والجيش. واليأس مع دفع الأثمان يجبر رعاة الجماعات المسلحة على إعادة النظر في حساباتهم. لكن اليأس لم يجتز عتبة السياسة ليصل إلى الميدان. الولايات المتحدة الاميركية وحلفاؤها والتابعون لها سيتصرفون كما المعارضة أمس. تقول إن النظام يسوق الناس بعصاه إلى مراكز الاقتراع. ولـ«تحرير» هؤلاء الناس، تُمطرهم بقذائفها. وعلى ذلك فليجر القياس. رعاة الجماعات المسلحة التي تقاتل الجيش وحلفاءه سيزجون بالمزيد من الأموال والأسلحة في ميدان الدم السوري. سيعقدون رهاناتهم على أحصنة جديدة كلما فشل رهان. سيبقون كذلك إلى أن ييأسوا من قلب موازين القوى في الميدان. النظام وحلفاؤه سيحاولون مساعدتهم على الوصول إلى هذه المرحلة. لكنّ دون ذلك حشداً كبيراً من العسكر. ودونه أيضاً ضرورة عدم الشعور بنشوة الانتصار قبل أوانها  

المصدر : الأخبار /حسن عليق


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة