اختتم امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح زيارة مهمة الى ايران بلقاء مع مرشد الثورة آية الله علي خامنئي، اعلن خلاله عن فتح صفحة جديدة مع الجارة العتيدة بعد سنوات صعبة شهدتها العلاقات الثنائية، وفي توقيت حرج تبلغ فيه الازمات الاقليمية درجة غير مسبوقة من التعقيد وربما الانسداد.

اما على المستوى الثنائي فان الزيارة تتوج نهجا كويتيا نجح في الحفاظ على العلاقات السياسية والاقتصادية مع طهران، في وجه العواصف والخلافات البينية والاقليمية التي ضربتها، وبينها تبادل طرد ثلاثة دبلوماسيين اثر اتهامات بالتجسس قبل ثلاثة اعوام.

وتمثل العلاقات الثنائية اهمية خاصة بالنسبة الى البلدين، لاسباب اقتصادية وسياسية وعقائدية، ليس فقط بسبب الاحصائيات التي تقول ان ثلاثين في المئة من الكويتيين ينتمون الى المذهب الشيعي، ولكن ايضا الافاق التي يفتحها تخفيف العقوبات عن ايران لتوسيع التعاون في كافة المجالات.

وبالنظر الى ان الكويت تترأس مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، فان لقاء الامير مع القيادة الايرانية بدا وكأنه «قمة اقليمية» وليس ثنائية فقط، وهو ما تأكد بتطرق المباحثات الى الازمات التي تخيم على الخريطة بدءا من العراق الى لبنان مرورا بسوريا والسعودية واليمن، والتي تمثل ايران طرفا اصيلا فيها سواء علنا او من وراء ستار.

ولا يمكن فصل التقارب الكويتي الايراني عن الحملة الدبلوماسية التي تشنها السعودية لفتح قنوات مباشرة مع ايران بعد ان تحررت سياستها الخارجية من هيمنة الامير بندر ضمن «سلسلة اقالات ملكية» عبرت عن شعور الرياض بعمق مأزقها داخليا واقليميا. وكان ملفتا ان تخلي الرياض عن «سياسة الحرد» تجاه طهران لم يكن كافيا لاقناع الاخيرة بانهاء الفتور الذي يخفي توترا بل واحتقانا في العلاقات الثنائية، فاعتذر وزير خارجيتها عن تلبية دعوة سعودية بسبب «تزامنها مع اجتماعات اوروبية».

وحيث ان الكويت الوحيدة التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع كافة بلاد الخليج العربية الى جانب ايران، فانها مؤهلة اكثر من غيرها ليس فقط للقيام بدور الوساطة بين طهران والسعودية، ولكن لفتح الباب امام نهج دبلوماسي يفصل المسارات الثنائية عن المواقف المختلفة على ضفتي الخليج، ما يمكن ان يوفر سبيلا لادارة النزاعات الاقليمية التي يصعب حلها.

وبينما تحاول السعودية ان تجد طريقا للالتفاف على عجزها عن منع فراغ رئاسي في لبنان، وولاية ثالثة للمالكي في العراق، وتصاعد تهديد الحوثيين في اليمن، وتعقيدات وضع كارثي في سوريا، فان ايران لن تتردد في الحصول على اكبر قدر من المكاسب الاقتصادية والاستراتيجية مقابل حلحلة اي من هذه الازمات.

لقد ادى انحسار النفوذ السعودي في هذه الملفات الى استنزاف مكانتها الاقليمية، ما يجعلها تسابق الزمن لكسر حالة الانسداد الاقليمي، وهو ما دفعها مضطرة الى السعي نحو الحوار مع «رأس الافعى» وهو الوصف الذي كان اطلقه العاهل السعودي على طهران حسب تسريبات ويكيليكس.

وفي المقابل تبدو طهران مستعدة لانتظار «نضج التراجع السعودي» لتقطف ثماره اعترافا غربيا بدورها الجديد في الاقليم، في ظل مسارات سياسية تبدو اكثر ملاءمة لها من خصومها، من لبنان حيث تراجعت التفجيرات، الى حرب اليمن المشتعلة على حدود السعودية مرورا بسوريا حيث ترتدي مسوح «مكافحة الارهاب» للتغطية على جرائم النظام، امام الغرب الذي فقد اهتمامه او قدرته او كليهما على التدخل في مستنقعات الشرق الاوسط.

ويمكن ان تشجع زيارة امير الكويت لطهران دولا عربية اخرى على ان تسلك الطريق نفسه، حيث سيصعب على الرياض ان تبرر الاستمرار في الضغط من اجل عزل بلد بينما تسعى هي الى التوصل لتفاهمات معه.

ومهما كانت النتائج التي قد تسفر عن الزيارة، فانها تمثل درسا في ادارة الصراعات الدولية، وشهادة تاريخية بفشل سياسة «الغطرسة» التي قادت السعودية بها المنطقة لعقود، فكانت النتيجة انها افسحت المجال امام توسع نفوذ طهران بدلا من محاصرته.

  • فريق ماسة
  • 2014-06-02
  • 6560
  • من الأرشيف

التقارب الكويتي الايراني: «قمة المأزق السعودي»

اختتم امير الكويت الشيخ صباح الاحمد الصباح زيارة مهمة الى ايران بلقاء مع مرشد الثورة آية الله علي خامنئي، اعلن خلاله عن فتح صفحة جديدة مع الجارة العتيدة بعد سنوات صعبة شهدتها العلاقات الثنائية، وفي توقيت حرج تبلغ فيه الازمات الاقليمية درجة غير مسبوقة من التعقيد وربما الانسداد. اما على المستوى الثنائي فان الزيارة تتوج نهجا كويتيا نجح في الحفاظ على العلاقات السياسية والاقتصادية مع طهران، في وجه العواصف والخلافات البينية والاقليمية التي ضربتها، وبينها تبادل طرد ثلاثة دبلوماسيين اثر اتهامات بالتجسس قبل ثلاثة اعوام. وتمثل العلاقات الثنائية اهمية خاصة بالنسبة الى البلدين، لاسباب اقتصادية وسياسية وعقائدية، ليس فقط بسبب الاحصائيات التي تقول ان ثلاثين في المئة من الكويتيين ينتمون الى المذهب الشيعي، ولكن ايضا الافاق التي يفتحها تخفيف العقوبات عن ايران لتوسيع التعاون في كافة المجالات. وبالنظر الى ان الكويت تترأس مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، فان لقاء الامير مع القيادة الايرانية بدا وكأنه «قمة اقليمية» وليس ثنائية فقط، وهو ما تأكد بتطرق المباحثات الى الازمات التي تخيم على الخريطة بدءا من العراق الى لبنان مرورا بسوريا والسعودية واليمن، والتي تمثل ايران طرفا اصيلا فيها سواء علنا او من وراء ستار. ولا يمكن فصل التقارب الكويتي الايراني عن الحملة الدبلوماسية التي تشنها السعودية لفتح قنوات مباشرة مع ايران بعد ان تحررت سياستها الخارجية من هيمنة الامير بندر ضمن «سلسلة اقالات ملكية» عبرت عن شعور الرياض بعمق مأزقها داخليا واقليميا. وكان ملفتا ان تخلي الرياض عن «سياسة الحرد» تجاه طهران لم يكن كافيا لاقناع الاخيرة بانهاء الفتور الذي يخفي توترا بل واحتقانا في العلاقات الثنائية، فاعتذر وزير خارجيتها عن تلبية دعوة سعودية بسبب «تزامنها مع اجتماعات اوروبية». وحيث ان الكويت الوحيدة التي تحتفظ بعلاقات جيدة مع كافة بلاد الخليج العربية الى جانب ايران، فانها مؤهلة اكثر من غيرها ليس فقط للقيام بدور الوساطة بين طهران والسعودية، ولكن لفتح الباب امام نهج دبلوماسي يفصل المسارات الثنائية عن المواقف المختلفة على ضفتي الخليج، ما يمكن ان يوفر سبيلا لادارة النزاعات الاقليمية التي يصعب حلها. وبينما تحاول السعودية ان تجد طريقا للالتفاف على عجزها عن منع فراغ رئاسي في لبنان، وولاية ثالثة للمالكي في العراق، وتصاعد تهديد الحوثيين في اليمن، وتعقيدات وضع كارثي في سوريا، فان ايران لن تتردد في الحصول على اكبر قدر من المكاسب الاقتصادية والاستراتيجية مقابل حلحلة اي من هذه الازمات. لقد ادى انحسار النفوذ السعودي في هذه الملفات الى استنزاف مكانتها الاقليمية، ما يجعلها تسابق الزمن لكسر حالة الانسداد الاقليمي، وهو ما دفعها مضطرة الى السعي نحو الحوار مع «رأس الافعى» وهو الوصف الذي كان اطلقه العاهل السعودي على طهران حسب تسريبات ويكيليكس. وفي المقابل تبدو طهران مستعدة لانتظار «نضج التراجع السعودي» لتقطف ثماره اعترافا غربيا بدورها الجديد في الاقليم، في ظل مسارات سياسية تبدو اكثر ملاءمة لها من خصومها، من لبنان حيث تراجعت التفجيرات، الى حرب اليمن المشتعلة على حدود السعودية مرورا بسوريا حيث ترتدي مسوح «مكافحة الارهاب» للتغطية على جرائم النظام، امام الغرب الذي فقد اهتمامه او قدرته او كليهما على التدخل في مستنقعات الشرق الاوسط. ويمكن ان تشجع زيارة امير الكويت لطهران دولا عربية اخرى على ان تسلك الطريق نفسه، حيث سيصعب على الرياض ان تبرر الاستمرار في الضغط من اجل عزل بلد بينما تسعى هي الى التوصل لتفاهمات معه. ومهما كانت النتائج التي قد تسفر عن الزيارة، فانها تمثل درسا في ادارة الصراعات الدولية، وشهادة تاريخية بفشل سياسة «الغطرسة» التي قادت السعودية بها المنطقة لعقود، فكانت النتيجة انها افسحت المجال امام توسع نفوذ طهران بدلا من محاصرته.

المصدر : رأي القدس


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة